• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

خلقه وفضائله

خلقه وفضائله

كان الإمام الرضا (ع) بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يكون ذلك غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين .

والنبي (ص) كان أفضل وأعظم ميزاته، أنه عبد يوحى إليه، وحين سأل بعضهم عن خلقه العظيم قال :

“ كان القرآن خلقه ..” .

وأعظم ميزات الإمام علي (ع) ان الله قد جعل أذنه واعية للقرآن .

وقد ذكّرنا الرسول بأنه يخلّف بعده الثقلين : كتاب الله وعترته أهل بيته، ثم بيّن أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض . أوَلا يعني ذلك أن أهل بيت الرسالة (ع) كانوا مشكاة نور القرآن ومعدن خيرات الوحي ومستقر علم الله ؟.

وكان الإمام الرضا (ع) قد تمثل هذا النور - بكل وجوده حتى جاء في الحديث : عن ابي ذكوان قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول :

ما رأيت الرضا (ع) سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاث ليالٍ، ويقول :

“ لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت، ولكني ما مررت بآية قط إلاّ فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت، فلذلك صرت أختم كل ثلاثة أيام “ (13) .

ولكن دعنا نعرف كيف تمثل إمامنا الرضا (ع) القرآن بهذه الدرجة، أو يمكننا أن نتبعه في ذلك ؟

القرآن كتاب الله ومن لا يتصل قلبه بنور الله لا يعرف كتابه، أو لم يقل ربنا سبحانه :

{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } (الاسراء / 82) .

وبدرجة الإيمان، وبمستوى اليقين، وبقدر تجلي عظمة الرب في القلب يستضيء الإنسان بنور الله الذي تجلى به في كتابه ..

والإمام الرضا (ع) عظَّم الله ووقره وسلّم له أمره واستصغر كل شيء سواه، واستعد لكل بلاء في سبيلــه، وكان كل ذلك وسيلته إلى ربه .

دعنا نلتمس بعض الشواهد على ما قلنا لا لنزداد بالإمام معرفة فقط، بل لكي تخشع قلوبنا أيضاً بهذه السيرة التي تفيض روحاً إلهياً وضياءً .

كان من عبادته (ع) أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس(14)..

وعندما كلّف المأمون العباسي وإليه على المدينة بمرافقة الإمام إلى خراسان، سأله - بعد مقدمه إليها - عن أحواله في الطريق ففصّل الحديث عن درجات عبادته وذكره وتبتله، فلما قص عليه ذلك أمره بأن يكتم عن الناس ذلك وكان مما نقله :

كان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله، ويصلي على النبي وآله حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه .. وبعد أن يذكر كيفية صلاته وسجداته ونوافله إلى وقت العصر مما هو معروف في الفقه، ثم يقول أقام وصلى العصر فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة “ حمداً لله “ .

ثم يذكر كيف كان يصلي بعد غروب الشمس ويسبّح ربه حتى يمضي قريب من ثلث الليل ثم يأوي إلى فراشــه .. فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه لنافلة الليل، واستمر على ذلك حتى يطلع الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى تطلع الشمس، ويسجد حتى يتعالى النهار .

ويضيف : وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوَّذ من النار (15).

وكان الإمام يرى أن ماله من فضل إنما هو بالتقوى وليس فقط بالانتساب إلى رسول الله (ص) بالولادة .

هكذا ينقل البيهقي عن الصولي عن محمد بن موسى بن نصر الرازي قال : سمعت أبي يقول : قال رجل للرضا والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال : “ التقوى شرفتهم وطاعة الله أعظمتهم “ .

فقال له آخر : أنت والله خير الناس، فقال له :

“ لا تحلـف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله عزّ وجلّ وأطوع له واللـه ما نسخت هذه الآية :

{ وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (16).

وهذا الحديث يذكرنا بما يروى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : “ لَولايتي لمحمد صلّى الله عليه وآله أحب إليّ من ولادتي منه “ .

وهكذا أطاع الله بكل جوانب حياته، فأحبه الله ونوّر قلبه بضياء المعرفة وألهمه من العلوم ما ألهمــه .

وجعله حجة بالغة على خلقه، أو لم نقرأ سورة (ص) كيف بيّن فيها ربنا مواهبه لعباده الصالحين، وأنه إنما أتاهم كل تلك المواهب لعبادتهم وإخلاصهم فقال مثلاً :

{ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص/ 17) { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } (ص /20) . إلى أن يقول : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَأَبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } (ص/25-26) .

وهكذا أناب الإمام الرضا (ع) إلى ربه فوهب الله له ما شاء من الكرامة والعلم ..

لقد زهد في الدنيا واستصغر شأنها، ورفض مغرياتها، فرفع الله الحجاب بينه وبين الحقائق لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو حجاب سميك بين الإنسان وبين حقائق الخلق ..

يذكر البيهقي عن الصولي : كان جلوس الرضا في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم (17).

وكان ذلك عندما أقبلت الدنيا عليه فلم يقبلها، وتزينت له فلم يغترّ بها . بل عندما كانت الخلافة العباسية في أوج عظمتها وبذخها وترفها وكان الإمام ولي عهد الخليفة في الظاهر يومئذ عاف الدنيا وشهواتها . هكذا تروي جارية اسمها عذر فتقول : اشتريت مع عدة جواري من الكوفة، وكنت من ولداتها (كانت مولودة في الكوفة) قالت : فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا، فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، وكانت علينــا قيّمة تنبهنا من الليل، وتأخذنا بالصلاة، وكان ذلك من أشد ما علينا فكنت أتمنى الخروج من داره (18).

وأعظم الزهد زهده في الخلافة بالطريقة التي عرضها عليه المأمون العباسي، فإن من الناس من يزهد في الدنيا طلباً لما هو أعظم من متاعها . ولا أعظم من الرئاسة في أعين الإنسان .

يقول الفضل بن سهل الذي شهد حوار المأمون مع الإمام الرضا في شأن الخلافة ما رأيت الملك ذليلاً مثل ذلك اليوم .

يقول المأمون العباسي فيما روي منه، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه (19).

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page