• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أسباب قبول الإمام (عليه السلام) بولاية العهد

أسباب قبول الإمام (عليه السلام) بولاية العهد

قال المأمون للامام الرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي.

فقال الإمام (عليه السلام) : «بالعبودية لله عزّوجل أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى» .

فقال له المأمون: اني قد رأيت أن اعزل نفسي عن الخلافة واجعلها لك وأبايعك !.

فقال له الرضا (عليه السلام) : «ان كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وان كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك».

فقال له المأمون : يا ابن رسول الله لابدّ من قبول هذا الأمر.

فقال (عليه السلام) : «لست افعل ذلك طايعاً ابداً».

فما زال يجهد به أيّاماً حتى يئس من قبوله، فقال له : فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.

ثم جرى بينهما كلام أوضح فيه الإمام دوافع المأمون من ذلك، فغضب المأمون ثم قال : انك تتلقاني أبداً بما اكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك، فان فعلت والاّ ضربت عنقك.

فقال الإمام(عليه السلام) : «قد نهاني الله عزّوجلّ أن اُلقي بيدي الى التهلكة فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ذلك على أن لا اُولّي أحداً ولا أعزل أحداً ولا أنقضنّ رسماً ولا سنة واكون في الأمر بعيداً مشيراً»، فرضي منه بذلك وجعله وليّ عهده على كراهة منه (عليه السلام) لذلك[1].

وفي رواية اُخرى، ان المأمون قال له: انّ عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة، احدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه، ولابد من قبولك ما أريده منك، فاني لا أجد محيصاً منه[2].

وقد صرّح الإمام (عليه السلام) باضطراره للقبول لمن سأله أو اعترض عليه بسبب قبوله فقال (عليه السلام) : «قد علم الله كراهيتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم ! اما علموا أن يوسف (عليه السلام) كان نبياً ورسولاً، فلما دفعته الضرورة الى تولّي خزائن العزيز، قال : (اجعلني على خزائن الارض إنّي حفيظ عليم )[3]، ودفعتني الضرورة الى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الاشراف على الهلاك، على انّي ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه، فالى الله المشتكى وهو المستعان»[4].

وقيل له : يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد ؟

فقال (عليه السلام) : «ما حمل جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشورى»[5].

والإمام (عليه السلام) لم يستسلم للقبول خائفاً من قتل نفسه، وانّما يكون قتله خسارة للحركة الرسالية، وان الاُمّة في تلك المرحلة بحاجة الى قيادته في جميع مجالات الحياة، فلو قتل فإن الاضطراب والخلل سيعم قواعده الشعبية، وكذلك سيكون قتله فاتحة لقتل أهل بيته واعوانه وانصاره، وقد يؤدّي قتله الى قيام ثورات مسلّحة دون تأنٍّ ورويّة، يدفعها طلب الثأر والانتقام الى ثورة عاطفية مفاجئة دون تخطيط مسبق، وبالتالي تنهار القوة العسكرية دون أن تغيّر من الاحداث شيئاً .

نعم هذا هو السبب الوحيد ـ كما يبدو ـ لقبول الإمام(عليه السلام) لولاية العهد عن إكراه واضطرار. ومن هنا فالإمام(عليه السلام) لابد أن يستثمر ما يمكنه استثماره لاحياء السنن واماتة البدع وتعبئة الطاقات وإفشال خطط المأمون المستقبلية وتصحيح ما يمكنه من افكار ومفاهيم سياسية خاطئة .

استثمار الإمام(عليه السلام) للظروف
أولاً : استثمار الظروف لاقامة الدين واحياء السنّة

ان الحرية النسبية الممنوحة للامام (عليه السلام) ولاهل بيته وانصاره هي فرصة مناسبة لتبيان معالم الدين واحياء السنة، ونشر منهج أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف الاوساط الاجتماعية والسياسية، فالامام (عليه السلام) يمكنه التحرك في البلاط والالتقاء بالوزراء وقادة الجيش وخواص المأمون، ويمكن لاخوانه الذين اصبحوا ولاة التحرك في امصارهم، وكذلك انصاره يمكنهم التحرك في وسط الاُمّة، وفي هذا الصدد قال (عليه السلام) : «اللهم انك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي الى التهلكة، وقد اكرهت واضطررت كما اشرفت من قبل عبدالله المأمون على القتل متى لم اقبل ولاية عهده ... اللهم لاعهد إلاّ عهدك، ولا ولاية إلاّ من قبلك، فوفقني لإقامة دينك، واحياء سنة نبيك محمد (صلى الله عليه وآله)، فإنك انت المولى وأنت النصير، ونعم المولى انت ونعم النصير»[6].

وقد سمحت الظروف للإمام (عليه السلام) لتبيان المنهج السليم أمام الوزراء والقضاة والفقهاء وأهل الديانات الذين جمعهم المأمون لمناظرة الإمام، اضافة الى قيامه بتوجيه المأمون الى اتخاذ الرأي والموقف الأصوب، وحل المسائل المستعصية .

ثانياً : تعبئة الطاقات

بعد فشل الثورات العلوية وانكسارها عسكرياً، أصبح الظرف مناسباً لاعادة بناء قوّاتها، وتعبئة الطاقات عن طريق ايقاف الملاحقة والمطاردة لها، فهي بحاجة الى قسط من الراحة لادامة التحرك فيما بعد، وهذه المكاسب لا تتحقق ان لم يقبل الإمام (عليه السلام) بولاية العهد .

ثالثاً : إفشال مخططات المأمون

من المتوقع أن يقوم المأمون ـ في حالة رفض الإمام(عليه السلام) لقبول ولاية العهد ـ بتولية العهد لأحد العلويين، ويستثني عن اكراه الإمام (عليه السلام) وقتله، والعلوي الذي ينصبه ولياً للعهد، امّا ان يكون مساوماً وانتهازياً، أو مخلصاً قليل الوعي، أو مخلصاً معرّضاً للانزلاق في مغريات السلطة، وفي جميع الحالات، فانّ هذا الموقف سيؤدي الى شق صفوف أنصار أهل البيت (عليهم السلام)، أو توريط العلوي بممارسات خاطئة تؤدّي الى تشويه سمعة أهل البيت (عليهم السلام)، أو القاء المسؤولية عليه، وقد يؤدّي انزلاق من يتولى العهد من العلويين الى قيامه بمعارضة الإمام (عليه السلام) أو ملاحقة اتباعه وانصاره .

وبقبول الإمام (عليه السلام) لولاية العهد فوّت الفرصة على المأمون لامرار مخططاته في شق صفوف انصار أهل البيت (عليهم السلام) أو القاء تبعية المفاسد على من ينسب اليهم .

رابعاً : تصحيح الأفكار السياسية الخاطئة

من الافكار السائدة عند كثير من المسلمين هي عدم ارتباط الدين بالسياسة، وانّه لا يليق بالائمة والفقهاء ان يكونوا سياسيين، أو يتولوا المناصب السياسية، وان الزهد في الحكومة والخلافة هو مقياس التقييم، وقد حاول العباسيون تركيز هذا المفهوم عند المسلمين، فاراد الإمام (عليه السلام) بقبوله بولاية العهد أن يصحح هذه الافكار السياسية الخاطئة ويوضّح للمسلمين وجوب التصدي للحكم ان كانت الظروف مناسبة للتصدي .

والافكار الخاطئة حقيقة قائمة، فقد دخل أحد أنصار الإمام (عليه السلام) عليه وقال له : يا ابن رسول الله ان الناس يقولون انك قبلت ولاية العهد، مع اظهارك الزهد في الدنيا[7].

ولا يمكن ازالة هذه الافكار عن طريق التربية والتوجيه البياني فقط لأن هذه المهمة تحتاج الى وقت طويل ونشاط اضافي، ولكنّها ستزول بالتوجيه العملي المباشر، وهو قبول ولاية العهد .

كيف تحقّقت البيعة بولاية العهد ؟
بعد قبول الإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد مضطراً، جمع المأمون خواصه من الامراء والوزراء والحجّاب والكتّاب وأهل الحل والعقد، وأمر الفضل بن سهل أن يخبرهم حول ولاية العهد، وان يلبسوا الخضرة بدلاً من السواد، ثم أعطاهم استحقاقاتهم من الاموال لسنة متقدمة ثم صرفهم، وبعد اسبوع حضر الناس وجلسوا، كلٌ في موضعه، وجلس المأمون ثم جيء بالامام الرضا (عليه السلام) فجلس وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلد بسيف، فأمر المأمون ابنه العباس بان يكون أول من يبايعه (عليه السلام)، فرفع الإمام (عليه السلام) يده وحطها من فوق، فقال له المأمون: ابسط يدك فقال الإمام (عليه السلام) : «هكذا كان يبايع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يضع يده فوق أيديهم»، فقال المأمون : افعل ما ترى .

ثم وزعت الهدايا على الحاضرين، وقام الخطباء والشعراء فذكروا ولاية العهد، وعدّدوا فضائل ومآثر الإمام (عليه السلام) .

وطلب المأمون من الإمام (عليه السلام) أن يخطب الناس، فقام (عليه السلام) فحمد الله واثنى عليه وعلى نبيه (صلى الله عليه وآله) ثم قال : «ايها الناس انّ لنا عليكم حقاً برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكم علينا حق به، فاذا أدّيتم الينا ذلك، وجب لكم علينا الحكم والسلام»[8].

ثم صعد المأمون المنبر فقال : (ايها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والله لو قرأت هذه الاسماء على الصم البكم لبرؤوا بإذن الله عزّ وجل)[9].

وقد توقع الإمام (عليه السلام) ان ولاية العهد لاتتم، فحينما رأى سرور بعض مواليه، قال له بهمس :

«لا تشغل قلبك بشيء مما ترى من هذا الأمر ولا تستبشر، فإنّه لا يتم»[10].

وبالفعل فقد صدق ما قاله، فإنه توفّي قبل وفاة المأمون .
 ------------------------------------------------
[1] علل الشرايع : 237 ـ 238 .

[2] الارشاد : 2/259 ، 260 .

[3] يوسف (12): 55 .

[4] عيون أخبار الرضا : 2 / 139 .

[5] عيون أخبار الرضا: 2 / 141 .

[6] عيون أخبار الرضا : 1 / 19 .

[7] علل الشرايع : 239 .

[8] الارشاد : 2/262 وعنه في إعلام الورى : 2/74 وفي الفصول المهمة : 255 ـ 256 ، وانظر خطبته في عيون أخبار الرضا: 2/146 .

[9] عيون أخبار الرضا : 2 / 147 .

[10] الارشاد: 2/263 عن المؤرخ المدائني وعنه في إعلام الورى : 2/74 وعن الارشاد في بحار الأنوار: 49/147 وفي الفصول المهمة : 256 .
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page