• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الحفاظ على الوجود الاسلامي

الحفاظ على الوجود الاسلامي

من مسؤوليات الأئمة (عليهم السلام) ـ بعد اقصائهم عن الخلافة ـ الحفاظ على الوجود الاسلامي وحمايته أمام مؤامرات الاعداء والطامعين، فقد كانوا (عليهم السلام) يبذلون ما بوسعهم من اجل ذلك، ويقومون بحل المسائل المستعصية على الحكّام من اجل ادامة الوجود والكيان الاسلامي، ومنعه من الانهيار والتفكك.

ومن ذلك كشف مؤامرة الفضل بن سهل، حيث انه اراد قتل المأمون، فلم يسمع كلامه ولعنه وكان قصد الفضل هو السيطرة على الحكم، واستغلال الإمام (عليه السلام) لاسكات المسلمين ويبقى الإمام (عليه السلام) حاكماً محجوراً عليه في البلاط، ويكون الفضل هو الحاكم الفعلي، اضافة الى ذلك فان مثل هذا العمل يؤدّي الى انقسام خطير في الكيان الاسلامي، وتفتيت لوحدة الامة والدولة، فقام الإمام (عليه السلام) بتحذير المأمون من الفضل وان يتعامل معه بحيطة وحذر[1]لأن المقصود هو الكيان الاسلامي وليس شخص المأمون .

وقال له ذات يوم : «ان العامّة تكره ما فعلت بي، وان الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل، فالرأي لك أن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك»[2].

واخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قُتل أخوه، وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه مِنَ الاخبار، وان الناس ـ خصوصاً العباسيين ـ ينقمون عليك مكان الفضل واخيه الحسن، ومكان يوم كان بيعتك لي من بعدك[3].

 وجاءت نصائح الإمام (عليه السلام) له مطابقة للمصلحة الاسلامية الكبرى لانّ الكيان الاسلامي معرض للإنهيار والإنحلال بإثارة الفتن الداخلية والحروب الدامية من اجل الحصول على كرسي الحكم .

وحينما قُتل الفضل بن سهل اتهم رجاله المأمون بقتله، فاجتمعوا على بابه فقالوا : اغتاله وقتله، فلنطلبن بدمه، فقال المأمون للامام (عليه السلام) : يا سيدي ترى أن تخرج اليهم وتفرقهم، فخرج اليهم الإمام وقد اجتمعوا وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب، فصاح الإمام (عليه السلام) بهم، وأومى اليهم بيده، فتفرقوا، واقبل الناس يقع بعضهم على بعض، وما أشار الى أحد إلاّ هرب مسرعاً، ومرّ ولم يقف له أحد[4].

وقتلُ المأمون في تلك الظروف يعني انقسام الكيان الاسلامي الى كيانات متعددة، فأنصار الفضل سيكون لهم كيان في خراسان، ويستقل الحسن ابن سهل بالبلاد التي بإمرته، وسيبايع العباسيون لابراهيم بن المهدي المغني الشهير، اضافة الى خلخلة اوضاع الجيش الذي يقطن في الثغور، ولهذا قام الإمام (عليه السلام) بمنع احراق بيت المأمون وقتله .

إظهار الكرامات واستثمارها في الإصلاح
وبعد البيعة ظهرت كرامات الإمام (عليه السلام) فاستثمرها (عليه السلام) في اصلاح الناس بارشادهم وتوجيههم، ففي بداية ولاية العهد احتبس المطر، فجعل بعض حاشية المأمون والمبغضين للامام (عليه السلام) يقولون : انظروا لمّا جاءنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا، حبس الله عنّا المطر، وسمع المأمون بذلك فاشتدّ عليه، وطلب من الإمام (عليه السلام) ان يدعو الله لكي يمطر الناس، فخرج (عليه السلام) الى الصحراء وخرج الناس ينظرون، فصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال : «اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت، فتوسّلوا بنا كما أمرت وامّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا احسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً عاماً غير رايث، ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا الى منازلهم ومقارّهم» .

ويقول الإمام محمد الجواد (عليه السلام) راوي الخبر : «فو الذي بعث محمداً بالحق نبياً لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر» .

وأخبرهم الإمام (عليه السلام) ان هذا السحاب هو للبلد الفلاني، وهكذا الى ان اقبلت سحابة حادية عشر، فقال (عليه السلام) : «ايها الناس هذه سحابة بعثها الله عزوجل لكم، فاشكروا الله على تفضله عليكم وقوموا الى مقاركم ومنازلكم فإنها مسامتة لكم ولرؤوسكم ممسكة عنكم الى أن تدخلوا الى مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى وجلاله».

فانصرف الناس ونزل المطر بكثافة فجعل الناس يقولون : هنيئاً لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كرامات الله عزّوجل .

ثم برز اليهم الإمام (عليه السلام) بعد تجمعهم ثانية، واستثمر هذه الكرامة للوعظ والارشاد، لان الناس يتأثرون بمن له كرامة عند الله ويتقبلون ما يقوله، فقام فيهم خطيباً وقال : «ايها الناس اتقوا الله في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا انكم لا تشكرون الله تعالى بشيء بعد الايمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق اولياء الله من آل محمد (صلى الله عليه وآله) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم الى جنان ربهم، فإنّ من فعل ذلك كان من خاصة الله تبارك وتعالى»[5] ثم حدثهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعض الأحاديث التربوية .

وظهرت للإمام (عليه السلام) كرامات اخرى استثمرها الإمام (عليه السلام) في التأثير على قلوب حاضريها، ومن هذه الكرامات ان بعض افراد البلاط كانوا يخدمون الإمام (عليه السلام) ويرفعون الستر عند مجيئه وعند خروجه، فاتفقوا يوماً على عدم رفع الستر له، فلما جاء على عادته لم يملكوا أنفسهم، وقاموا ورفعوا الستر على عادتهم، فلما دخل لامَ بعضهم بعضاً، واتفقوا ثانية، فلما كان اليوم الثاني نفّذوا ما اتفقوا عليه ولم يرفعوا له الستر، فجاءت ريح شديدة فرفعته حين دخوله، وحين خروجه، فقال بعضهم لبعض : ان لهذا الرجل عند الله منزلة وله منه عناية، انظروا الى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه من الجهتين ارجعوا الى ما كنتم عليه من خدمته[6].

وبما ان الكرامات اكثر ايقاعاً في النفس الانسانية، نجد ان الناس قد مالت الى الإمام (عليه السلام) عاطفياً، حتى اننا نجد ان شعبية الإمام (عليه السلام) قد اتسعت لتشمل حتى المنحرفين، والشاهد على ذلك ان بعضهم قطع الطريق على دعبل الخزاعي ليأخذوا منه جبة الإمام (عليه السلام) التي اهداها له، لغرض التبرك بها [7]، وفي رواية ارجعوا جميع اموال القافلة بعد ما عرفوا ان دعبل معهم [8].

تشجيع الشعراء الرساليين
ومن اجل نشر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ودورهم الريادي في الاُمة، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ; شجّع الإمام (عليه السلام) الشعراء على نظم الشعر في هذا الخصوص لانه خير وسيلة اعلامية في ذلك العصر، لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وانشاده، فقد دخل عليه الشاعر دعبل الخزاعي وانشده قصيدته التي جاء فيها :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى *** وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر *** وحمزة والسجاد ذي الثفنات

منازل جبريل الأمين يحلها ***من الله بالتسليم والرحمات

ائمة عدل يقتدى بفعالهم *** ويؤمن فيهم زلة العثرات

ارى فيئهم في غيرهم متقسماً *** وايديهم عن فيئهم صفرات

ثم بدأ بابراز مظلوميتهم وما جرى عليهم من قبل الحكّام المتعاقبين على الحكم، ثم ختم القصيدة بخروج الإمام العادل الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً وهو الإمام المهدي الذي تنتظره الاُمم والشعوب .

ولما فرغ من انشادها، قام الإمام (عليه السلام) وانفذ اليه صرة فيها مائة دينار[9]، وقيل ستمائة دينار[10] فردها دعبل وقال : «والله ما لهذا جئت وانما جئت للسلام عليه والتبرك بالنظر الى وجهه الميمون وإني لفي غنى فإن رأى أن يعطيني شيئاً من ثيابه للتبرك فهو احب اليّ»، فاعطاه الإمام (عليه السلام) جبة خز وردّ عليه الصرة [11].

النشاطات العلميّة للإمام الرضا(عليه السلام)
إنّ الإمام (عليه السلام) وان كان يعيش تحت رقابة شديدة، إلاّ أن ذلك لم يكن ليمنعه من ممارسة دوره العلمي في الاوساط التي كان يعيش فيها، وبالنسبة لكل من يلتقي معه من الوزراء والفقهاء والقضاة وامراء الجيش فضلاً عن الخدم وسائر الناس.

لقد كان (عليه السلام) ينشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) على أتم صورة . واضافة الى ذلك كان المأمون وغيره يطلبون منه أن يحدّثهم أو يجيب على أسئلتهم. وكان ممّا كتبه الإمام الرضا(عليه السلام) للمأمون رسالة في محض الاسلام وشرائع الدين، وبيّن لآخرين علل الشرائع كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسباب تحريم الموبقات والمنكرات، كما كتب رسالة في الطب وارسلها الى المأمون فكتبها المأمون بماء الذهب.

وقام الإمام الرضا(عليه السلام) بمهمّة تفسير القرآن الكريم، وعلّم الناس الأدعية المأثورة عنه وعن آبائه واجداده المعصومين، كما بيّن للناس التاريخ الصحيح للأنبياء والمرسلين، وللاُمم السابقة، وارشدهم الى الصحيح من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرة الإمام علي (عليه السلام) وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) [12].

نعم إنّ الإمام الرضا(عليه السلام) بالرغم من ملاحقته بالعيون والتضييق السياسي عليه بشكل غير منظور لعامّة الناس استطاع أن يستغلّ الظرف المهيّأ لنشر العلم والمعبّأ بالألغام ليصون شريعة جدّه سيد المرسلين مما يحيط بها من محاولات المسخ والتحريف ويوظّف الطاقات المتوفرة لديه بشكل مباشر وغير مباشر لتحقيق أهدافه الرسالية التي عيّنتها له الشريعة وبيّنها له الرسول(صلى الله عليه وآله) وآباؤه الطاهرين.

ومن هنا عمد الإمام(عليه السلام) الى بيان حقيقة الخطّ الرسالي الذي يتزعّمه أهل البيت(عليهم السلام) وبيان خصائصه ومعالمه التي يتفرّد بها ويتميّز عن خط الخلفاء المتحكمين في رقاب المسلمين، مؤكّداً ضرورة استمرار هذا الخط حتى قيام يوم الدين، ومن هنا كان ينبغي له أن ينظر الى المستقبل المشرق بعين القائد الحريص على سعادة الاُمة ويوجّه إليه عامة المسلمين.
 
[1] عيون أخبار الرضا : 2 / 167 .

[2] نثر الدر : 1 / 363 .

[3] تاريخ الطبري : 8 / 564 .

[4] عيون أخبار الرضا : 2 / 164 .

[5] عيون أخبار الرضا : 2 / 168 ـ 169 .

[6] الاتحاف بحب الاشراف : 157 .

[7] سير اعلام النبلاء : 9 / 391 .

[8] الفصول المهمة : 250 .

[9] الفصول المهمة : 249 .

[10] اختيار معرفة الرجال: 504 ح 970 ، الارشاد : 2/263، 264 وعنه في اعلام الورى : 2/66 ـ 68 وعيون أخبار الرضا: 2/263 ـ 266 ، وكمال الدين : 373 ـ 376، ودلائل الإمامة: 182، وسير اعلام النبلاء: 9 / 391 ، وانظر القصيدة في ديوان دعبل بن علي الخزاعي: 124 .

[11] الفصول المهمة : 249 ـ 250 .

[12] مسند الإمام الرضا(عليه السلام): 1/307 .
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page