• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حواره(2)

حواره(2)

قال له عمران : أخبرني عن الإبداع خلقٌ هو أم غير خلق ؟

قال الرضا (عليه السلام) :« بل خلقٌ ساكنٌ لا يُدرَك بالسكون وإنّما صار خلقاً، لأنّه شيءٌ محدَثٌ، والله الذي أحدثه . فصار خلقاً له . وإنّما هو الله عزّ وجلّ وخلقُهُ لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عزّ وجل لم يعد أن يكون خلقه وقد يكون الخلقُ ساكناً ومتحرِّكاً ومختلفاً ومؤتلفاً ومعلوماً ومتشابهاً وكلُّ ما وقع عليه حدٌّ فهو خلق الله عزّ وجل» [1] .

واعلم أنّ كلّما أوجدتك الحواسّ فهو معنى مدرك للحواسّ، وكلّ حاسّة تدل على ما جعل الله عزّ وجل لها في إدراكها ، والفهم من القلب بجميع ذلك كلّه واعلم أنّ الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد ، خلق خلقاً مقدّراً بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدّر، فليس في كل واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن، فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بأنفسهما، ولم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره لّلذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده.

والله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه ، والخلق يمسك بعضه بعضاً بإذن الله ومشيئته ، وإنّما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعداً.

ولو وصفوا الله عزّ وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا ، فلما طلبوا من ذلك ما تحيّروا فيه ارتبكوا والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.

قال عمران: يا سيدي أشهد أنّه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة.

قال: سل عمّا أردت.

قال: اسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحوّل من شيء الى شيء؟ أو به حاجة الى شيء؟

قال الرضا(عليه السلام): اخبرك ياعمران فاعقل ما سألت عنه فانّه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم وليس يفهمه المتفاوت عقله، العازب علمه ولا يعجز عن فهمه اُولوا العقل المنصفون.

أما أوّل ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحوّل الى ما خلق لحاجته الى ذلك، ولكنه عزّ وجل لم يخلق شيئاً لحاجته ولم يزل ثابتاً لا في شيء ولا على شيء إلاّ أنّ الخلق يمسك بعضه بعضاً ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه، والله عزّ وجل وتقدّس بقدرته يمسك ذلك كلّه، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه ، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلاّ الله عزّ وجل.

ومن أطّلعه عليه من رسله وأهل سرّه والمستحفظين لأمره وخزّانه القائمين بشريعته، وإنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب إذا شاء شيئاً، فإنّما يقول له «كن فيكون» بمشيّته وإرادته، وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء، ولا شيء منه هو أبعد منه من شيء، أفهمت ياعمران؟

قال : نعم يا سيدي قد فهمت ، واشهد أن الله على ما وصفته ووحدته، وأن محمّداً عبده المبعوث بالهدى ودين الحقّ ، ثم خرّ ساجداً نحو القبلة وأسلم.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فلمّا نظر المتكلمون الى كلام عمران الصابي وكان جدلاً لم يقطعه عن حجّته أحد قطّ، لم يدنُ من الرضا(عليه السلام) أحد منهم ولم يسألوه عن شيء وأمسيناه فنهض المأمون والرضا(عليه السلام) فدخلا وانصرف الناس وكنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث اليّ محمد بن جعفر فأتيته.

فقال لي: يا نوفليّ أما رأيت ما جاء به صديقك لا والله ما ظننت أنّ عليّ ابن موسى خاضّ في شيء من هذا قطّ. ولا عرفناه به إنّه كان يتكلّم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام.

قلت: قد كان الحاجّ يأتونه ويسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم ، وكلّمه من يأتيه لحاجة.

فقال محمّد بن جعفر: يا أبا محمد إنّي أخاف عليه أن يحسده هذا الرّجل فيسمّه أو يفعل به بليّة، فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء، قلت: إذاً لا يقبل منّي، وما أراد الرّجل إلاّ امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه(عليهم السلام) فقال لي: قل له إنّ عمك قد كره هذا الباب وأحبّ أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى.

فلمّا انقلبت الى منزل الرضا(عليه السلام) أخبرته بماكان من عمّه محمد بن جعفر فتبسّم ثم قال: حفظ الله عمّي ما أعرفني به، لم كره ذلك؟ يا غلام صر الى عمران الصابي فأتني به.

فقلت: جعلت فداك أنا أعرف موضعه هو عند بعض اخواننا من الشيعة.

قال(عليه السلام): فلا بأس، قرّبوا اليه دابّة،فصرت الى عمران فأتيته به فرحّب به ودعا بكسوة فخلعها عليه وحمله ، ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها.

فقلت: جعلت فداك حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين(عليه السلام) .

قال: هكذا نحبّ، ثم دعا(عليه السلام) بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره حتّى إذا فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحباً وبكّر علينا نطعمك طعام المدينة ، فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلّمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتّى اجتنبوه، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، وأعطاه الفضل مالاً وحمله، وولاّه الرضا(عليه السلام) صدقات بلخ فأصاب الرّغائب [2].

3 ـ حواره مع علي بن الجهم

عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن القاسم بن محمد البرمكي عن أبي الصلت الهروي: أن المأمون لما جمع لعلي بن موسى الرضا(عليه السلام) أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وساير أهل المقالات فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد اُلقم حجراً.

فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: يابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟

قال: بلى.

قال: فما تعمل في قول الله عزّ وجل : (وعصى آدم ربه فغوى) وقوله عزّ وجل : (وذاالنون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه) وقوله في يوسف: (ولقد همّت به وهمّ بها) وقوله عزّ وجل في داود: (وظنّ داود انّما فتنّاه) وقوله في نبيّه محمد(صلى الله عليه وآله): (وتخفي في نفسك مالله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه) ؟

فقال الإمام الرضا(عليه السلام) : ويحك يا علي! اتق الله ولا تنسب الى أنبياء الله الفواحش ولا تتأوّل كتاب الله عزّ وجل برأيك، فإنّ الله عزّ وجل يقول: (وما يعلم تأويله إلاّ الله والرّاسخون في العلم).

أما قوله عزّ وجل في آدم(عليه السلام) (وعصى آدم ربّه فغوى) فإن الله عزّ وجلّ خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتمّ مقادير أمر الله عزّ وجل. فلما أهبط الى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عزّ وجل: (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين).

وأما قوله عزّ وجلّ: (وذاالنون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه) إنّما ظن أنّ الله عزّ وجل لا يضيق عليه رزقه ألا تسمع قول الله عزّ وجل: (وأما إذا ما ابتليه ربّه فقدر عليه رزقه) أي ضيّق عليه، ولو ظنّ أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.

وأما قوله عزّ وجل في يوسف: (ولقد همّت به وهمّ بها) فإنّها همّت بالمعصية وهمّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ماداخله ، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله : (كذلك لنصرف عنه السوء ـ يعني القتل ـ والفحشاء) يعني الزنا.

وأما داود فما يقول من قبلكم فيه؟

فقال علي بن الجهم يقولون: إنّ داود كان في محرابه يصلّي إذ تصوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير الى الدار، فخرج في أثره فطار الطير الى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان، فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة اُوريا تغتسل فلما نظر اليها هواها وكان اُوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب الى صاحبه أن أقدم اُوريا أمام الحرب، فقدّم فظفر اُوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود.

فكتب الثانية أن قدّمه أمام التابوت فقتل اُوريا رحمه الله وتزوّج داود بامرأته .

قال: فضرب الرضا(عليه السلام) بيده على جبهته، وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! لقد نسبتم نبياً من أنبياء الله الى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة ثم بالقتل.

فقال : يابن رسول الله! فما كانت خطيئته؟

فقال(عليه السلام): ويحك إنّ داود إنّما ظن أن ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو أعلم منه فبعث الله عزّ وجل إليه الملكين فتسوّرا المحراب فقالا: خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب، فعجّل داود (عليه السلام) على المدّعى عليه، فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه ولم يسأل المدّعي البيّنة على ذلك، ولم يُقبل على المدعي عليه فيقول ما يقول.

فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع قول الله عزّ وجل يقول: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ... الى آخر الآية) .

فقلت : يابن رسول الله فما قصته مع اُوريا؟

فقال الإمام الرضا(عليه السلام): إنّ المرأة في أيام داود إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً، وأول من أباح الله عزّ وجل له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود(عليه السلام) ، فذلك الذي شقّ على اُوريا، أما محمد نبيّه(صلى الله عليه وآله) وقول الله عزّ وجل له: (وتخفي في نفسك مالله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه) فإن الله عزّ وجل عرّف نبيه(صلى الله عليه وآله) أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في الآخرة وإنّهنّ اُمهات المؤمنين واحد من سمي له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة.

فأخفى (صلى الله عليه وآله) اسمها في نفسه ولم يبده له لكيلا يقول أحد من المنافقين أنه قال في امرأة في بيت رجل أنها أحد أزواجه من اُمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين قال الله عزّوجل: والله أحقّ أن تشخاه في نفسك وأن الله عزّ وجل ماتولى تزويج أحد من خلقه إلاّ تزويج حواء من آدم وزينب من رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفاطمة من علي(عليه السلام) .

قال: فبكى علي بن الجهم وقال: يابن رسول الله أنا تائب الى الله عزّ وجل أن أنطق في أنبياء الله بعد يومي هذا إلاّ بما ذكرته [3] .

 

4 ـ حواره مع صاحب الجاثليق

عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى صاحب السابريّ، قال: سألني أبو قرّة صاحب الجاثليق أن اوصله الى الرضا(عليه السلام) فستأذنته في ذلك.

فقال(عليه السلام): أدخله عليّ. فلما دخل عليه قبّل بساطه وقال: هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا، ثم قال: أصلحك الله ما تقول في فرقة ادّعت دعوى فشهدت لهم فرقة اُخرى معدّلون؟

قال: الدعوى لهم.

قال: فادعت فرقة اُخرى دعوى، فلم يجدوا شهوداً من غيرهم؟

قال: لا شيء لهم.

قال: فإنّا نحن ادّعينا أنّ عيسى روح الله وكلمته ألقاها، فوافقنا على ذلك المسلمون، وادّعى المسلمون أن محمّداً نبيّ، فلم نتابعهم عليه وما أجمعنا عليه خير ممّا افترقنا فيه.

فقال له الرضا(عليه السلام): ما اسمك؟

قال: يوحنا.

قال: يا يوحنا إنّا آمنا بعيسى بن مريم(عليه السلام) روح الله وكلمته الذي كان يؤمن بمحمد(صلى الله عليه وآله) ، ويبشّر به، ويقرّ على نفسه أنه عبد مربوب.

فإن كان عيسى الذي هوعندك روح الله وكلمته ليس هو الذي آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) ، وبشّر به ، ولا هو الذي أقرّ لله عزّ وجل بالعبوديّة والربوبية ، فنحن منه بُراء فأين اجتمعنا؟

فقام وقال لصفوان بن يحيى: قم فما كان أغنانا عن هذا المجلس! [4]
 
[1] مسند الإمام الرضا (عليه السلام): 2/88 ـ 90 .

[2] التوحيد: 417 ـ 441 ، والعيون : 1 ـ 154 .

[3] أمالي الصدوق: 55.  

[4] عيون الأخبار: 2/230 .
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page