التقشّف والزهد
وبجانب حياة اللهو والطرب التي عاشها الناس في عصر الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فقد كانت هناك طائفة من الناس قد اتّجهت إلى الزهد والتقشّف ونظرت إلى مباهج الحياة نظرة زهد واحتقار، فكان من بينهم إبراهيم بن الأدهم وهو ممّن ترك الحياة الناعمة وأقبل على طاعة الله وكان يردّد هذا البيت:
اتّخذ الله صاحباً***ودع الناس جانبا
وكان يلبس في الشتاء فرواً ليس تحته قميص[1] مبالغة منه في الزهد وكان ممّن عُرِف بالتقشّف معروف الكرخي فكان يبكي وينشد في السحر:
أي شيء تريد منّي الذنوب***شغفت بي فليس عنّي تغيب
ما يضرّ الذنوب لو اعتقتني***رحمةً بي فقد علاني المشيب[2]
وكان من زهّاد ذلك العصر بشر بن الحارث وهو القائل:
قطع الليالي مع الأيام في خلق***والقوم تحت رواق الهمّ والقلق
أحرى وأعذر لي من أن يقال غداً***إنّي التمست الغنى من كفّ مختلق
قالوا: قنعت بذا؟ قلت: القنوع غنى***ليس الغنى كثرة الأموال والورق
رضيت بالله في عسري وفي يسري***فلست أسلك إلاّ أوضح الطرق[3]
ومن الطبيعي أنّ هذه الدعوة إلى الزهد إنّما جاءت من إفراط ملوك العباسيين والطبقة الرأسمالية في الدعارة والمجون وعدم عفافهم عمّا حرّمه الله من الملاهي. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الإمام الجواد (عليه السلام).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] حلية الأولياء: ج 7 ص 367 - 373.
[2] حلية الأولياء: ج 2 ص 181.
[3] صفة الصفوة: ج 2 ص 189.