• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العباس بن أمير المؤمنين (ع)


و لم يستطِع العبّاس صبراً على البقاء، بعد أن فنى صحبه و أهل بيته، و هو يرى «حجّة الوقت» مكثوراً[1] قد انقطع عنه المدد،‌ و ملأ مسامعَه عويلُ النساء، و صُراخُ الأطفال من العطش، فطلبَ من أخيهِ الرُخصة.

 

و لمّا كان العباس (ع) أنفسَ الذخائرِ عند السّبط الشهيد (ع) لأنّ الأعداء تحذَرُ صولته و ترهبُ إقدامه، و الحرمُ مطمئنّةٌ بوجوده مهما تنظرُ اللّواء مرفوعاً، فلم تسمح نفسُ «أبيِّ الضيم» القُدسيّةُ بمفارقته،[2] فقال له الحسين(ع): يا أخي «أنت صاحب لِوائي».

فقال العبّاس (ع) : قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، و أُريد أن آخذَ ثأري منهم،[3] فأمرَهُ الحسين(ع) أن يطلب الماء للأطفال، فذهبَ العبّاس إلى القوم، و وعظهُم و حذّرهُم غضبَ الجبّار، فلم ينفع، فنادى بصوتٍ عالٍ: يا عمر بن سعد! هذا الحسين ابن بنت رسول الله قتلتم أصحابه و أهل بيته، و هؤلاء عياله و أولاده عُطاشى، فاسقوهم من الماء،‌ قد أحرق الظّمأ قلوبهم، و هو مع ذلك يقول:‌ دعوني أذهب إلى الرّوم أو الهند، و أخلي لكم الحجاز و العراق.

فرجع إلى أخيه يخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش. [4]

ثمّ ركب جواده و أخذ القربة، فأحاط به أربعةُ آلافٍ، و رموه بالنّبال،[5] فلم تُرعبه كثرتهم، و أخذ يطرد أولئك الجماهير وحده، و لواء الحمد يرفُّ على رأسه، و لم يشعر القوم أهو العبّاس يجدّلُ الأبطال؟ أم أنّ الوصيّ يزأرُ في الميدان؟ فلم تثبت له الرجال و نزل إلى الفرات مطمئنّاً غير مبالٍ بذلك الجمع. [6]

و لمّا اغترف من الماء ليشرب تذكّر عطش الحسين و من معه، فرمى الماء و قال:

يا نفسُ من بعد الحسين هوني
و بعـده لا كنـتِ أن تكوني

هـذا الحسيـنُ واردُ المَنون
و تشربيـن بارد المعيــنِ

تا الله ما هذا فعالُ ديني[7]

ثمّ ملأ القِربة، و ركب جواده، ‌و توجّه نحو المخيّم، فقطع عليه الطريق، و جعلَ يضربُ، حتّى أكثر القتل فيهم، و كشفهم عن الطريق و هو يقول:

لا أرهبُ المـوت إذا الموت زَقا[8]
حتّى أوارى في المصاليت[9] لِقى

نفسي لسِبط المصطفى الطّهرِ وِقى
إنّي أنا العباس أغـدُوا بالسّقـا

و لا أخاف الشرّ يوم المُلتقى

فكمن له زيد بن الرقّاد الجهني من وراء‌ نخلة، و عاونه حكيم بن الطّفيل السنبسي فضربه على بمينه فبراها، فقال (ع) :

و الله إن قطعتمُ يمينـــي
إنّـي أحامي أبداً عن ديني

و عن إمامٍ صادق اليقين
نجلِ النبي الطاهرِ الأمين[10]

فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همّه إيصال الماء إلى أطفال الحسين و عياله،[11] و لكنّ حكيم بن الطفيل كمنَ له من وراء ‌نخلةٍ، فلمّا مرّ به ضربه على شماله فقطعها،[12] و تكاثروا عليه، و أتته السهام كالمطر، فأصاب القِربة سهمٌ و أريق ماؤها، و سهمُ أصاب صدره،[13] و ضربه رجلٌ بالعمود على رأسه، ‌ففلق هامَتَه. [14]

و سقطَ على الأرض ينادي: عليك منّي السلام أبا عبدالله، فأتاه الحسين(ع)، فرآه على تلك الحالة، نادى: الآن انكسر ظهري و قلّت حيلتي.[15]

و رجع الحسين (ع) إلى المخيّم منكسراً حزيناً باكياً، يُكَفكِفُ دُموعه بكُمّه،[16] فأتته سكينةٌ و سألته عن عمّها فأخبرها بقتله، و سمعته زينب فصاحت: وا أخاه، وا عبّاساه، وا ضعيتنا بعدك! و بكينَ النسوة و بكى الحسين معهُنّ، و قال:‌واضيعَتَنا بعدَك! [17]

و لمّا قتلَ العبّاس (ع) التفت الحسين (ع) فلم يرَ أحداً ينصره، و نظر إلى أهله و صحبه مجزّرين كالأضاحي، و هو إذ ذاك يسمعُ عويلَ الأيامى و صُراخ الأطفال، صاحَ بأعلا صوته: هل من ذابٍّ عن حُرَمِ رسول الله؟ هل من موحّدٍ يخافُ الله فينا؟ هل من مُغيثٍ يرجو الله في إغاثتِنا؟ فارتفعت أصواتُ النساء بالبكاء. [18]

و نهض السجّاد يتوكّأُ على عصا و يجرّ سيفَه، لأنّه مريض لا يستطيع الحركة، فصاحَ الحسين باُمّ كلثوم: اِحبسيه لئلّا تخلو الأرض من نسل آل محمّدٍ، فأرجعته إلى فراشه. [19]

ثمّ إنّه (ع) أمر عياله بالسكوت و ودّععهم،[20] و كان عليه جُبّةُ خزٍّ دكناءُ،[21] و عِمامةٌ مورّدةٌ، أرخى لها ذُوابتين، و التحف ببردة رسول الله صلـى الله عليه و آله، و تقلَّد بسيفه. [22]

و طلبَ ثوباً لا يرغبُ فيه أحدٌ، يضعه تحت ثيابه،‌ لئلّا يجرّد منه، فإنّه مقتولٌ مسلوبٌ، فأتوه بتبّانٍ، فلم يرغب فيه، لأنّه من لباسِ الذّلة، و أخذ ثوباً خلقاً و خرقةُ و جعله تحت ثيابه، و دعا بسراويل من حبرةٍ ففزرها[23] و لبسها، لئلّا يُسلبها. [24]

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . المكثور أي المغلوب، و هو الّذي كثر عليه الناس فقهروه، المنجد.

[2] . المقتل للمقرم، ص 324.

[3] . بحار الانوار، ج 45،‌ ص 41.

[4] . المقتل للمقرم، ص 324؛ نقلاً عن ظلم الزهراء، ص 118.

[5] . بحار الانوار، ج 45،‌ ص 41.

[6] . المقتل للمقرم، ص 325.

[7] . المقتل للمقرم، ص 225؛ نقلاً عن رياض المصائب، ص 119.

[8] . يقال «هومن مصاليت الرجال» أي من شجعانهم الماضين في الحواج، المنجد.

[9] . زَقا بمعنى صاح، المنجد.

[10] . المناقب لابن شهر آشوب، ج 4، ص 108.

[11] . المقتل للمقرم، ص 327.

[12] . مناقب ابن شهر آشوب، ج 4، ص  108.

[13] . بحار الانوار، ج 45،‌ ص 42.

[14] . المنتخب للطريحي، ص 314.

[15] . بحار الانوار، ج 45،‌ ص 42 و ظلم الزهراء، ص 120.

[16] . الكُم ـ بضم الكاف ـ بمعني مدخل اليد و مخرجه من الثوب، المنجد.

[17] . المقتل للمقرم،‌ ص 228.

[18] . اللهوف علي قتلى الطفوف، ص  116.

[19] . الخصائص الحسينيّة، ص 188.

[20] . المقتل للمقرم، ص 330.

[21] . فروع الكافي، ج 6، ص 452 و «دكناء» ـ من دَكِنَ يَدكَنُ دَكناً ـ بمعنى مال لونه إلى السواد، ‌المنجد.

[22] . المقتل للمقرم، ص 330؛‌ نقلا عن المنتخب للطريحي، ص 315.

[23] . فزَره بمعنى شقّه، المنجد. و المعنى أوجد فيها ثقوباً لئلّا يرغب فيها أحد.

[24] . اللهوف علي قتلى الطفوف، ص  123 و المناقب لابن شهر آشوب، ج 4، ص 109.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page