من الأعمال التي قام بها رسول الله بعد بناء المسجد الشريف : المؤاخاة ولقد سبق منه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن آخى بين المهاجرين بعضهم ببعض قبل الهجرة ،
وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة ، هكذا رواه الترمذي والبغوي والحاكم (١) وفي كلِّ مرَّة كان يقول لعليٍّ عليهالسلام : « أنت أخي في الدنيا والآخرة »ورواه أحمد في مسنده بنصِّ : « أنت أخي وأنا أخوك » (٢) ورواه أصحاب السير والتاريخ من أمثال : ابن اسحاق ، وابن هشام ، وابن سعد ، وابن حجر العسقلاني ، وابن حبَّان ، وابن عبدالبرِّ ، وابن الأثير ، وابن أبي الحديد ، وابن كثير ، والسيوطي (٣) وغيرهم من أصحاب الجوامع (٤).
جاء في سيرة ابن إسحاق ، وسيرة ابن هشام : آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين المهاجرين والأنصار فقال : « تآخوا في الله أخوين أخوين » ثُمَّ أخذ بيد عليِّ بن أبي طالب فقال : « هذا أخي » فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سيِّد المرسلين وإمام المتَّقين ورسول ربِّ العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد ، وعليُّ ابن أبي طالب رضي الله عنه أخوين (5).
أمَّا ابن حجر العسقلاني فذكر حديث المؤاخاة بنصِّ : « لمَّا آخى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أصحابه قال له [ لعليِّ بن أبي طالب ] : « أنت أخي » (6).
وعن عباد بن عبدالله ، عن عليٍّ عليهالسلام قال : « أنا عبدالله وأخو رسوله ، وأنا الصدِّيق الأكبر لا يقولها بعدي الا كذَّاب » (7).
وعندما آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بينه وبين عليٍّ عليهالسلام ، آخى بين حمزة وزيد ابن حارثة ، وبين أبي بكر وخارجة الخزرجي ، وبين عمر وعتبان بن مالك الخزرجي ، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ ، وبين الزبير وعبدالله بن مسعود ، وبين عمَّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان ، وبين طلحة وكعب بن مالك ، وبين أبي ذرٍّ والمنذر بن عمر الخزرجي وهكذا هذا أول ما عمله رسول الله بالمدينة المنوَّرة « المؤاخاة الخاصة » غير الأخوة العامة التي جعلها الإسلام بين المسلمين إخوّةً في الله عزَّ وجلَّ.
وتهدف قصة المؤاخاة إلى تمتين عُرى الروابط بين المسلمين وتأكيدها ، واستئصال جذور الجاهلية والتعصُّب ، وهي رابطة تقوم على أساس الإيمان بالله عزَّ وجلَّ وباليوم الآخر ووحدة الهدف والغاية قبل ذلك « كان الصراع داخل المدينة متوتراً بين الأوس والخزرج ، ولكنَّ الإسلام جعلهم موحَّدين أنصاراً ، وبمؤاخاتهم مع المهاجرين تحقَّقت للإسلام أرضية جديدة كان مقدَّراً لها أن تغيِّر تأريخ المدينة أولاً وجزيرة العرب فيما بعد ثانياً » (8) هنا عند المؤاخاة رفع النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يد عليٍّ عليهالسلام ، قائلاً : « عليٌّ أخي ».
وتستمر صلات المودَّة والإخاء بين محمَّد وعليٍّ عليهالسلام من أجل إنجاح الرسالة الإسلامية ، وتوفير قدر أكبر من الضمان لمستقبلها.
*************
١) سنن الترمذي ( الجامع الصحيح ) ٥ : ٦٣٦/٣٧٢٠ ، تحقيق أحمد محمَّد شاكر ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، مصابيح السُنَّة/ البغوي ٤ : ١٧٣/٤٧٦٩ ، تحقيق د. يوسف عبدالرحمن المرعشلي ، ومحمَّد سليم سمارة ، وجمال حمدي الذهبي ، دار المعرفة ط١ ـ ١٤٠٧هـ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤.
٢) مسند أحمد ١ : ٢٣٠ ، دار الفكر بيروت.
٣) سيرة ابن هشام ٢ : ١٠٩ ، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد ـ دار الجيل ـ بيروت ١٩٨٥م ، الطبقات الكبرى ٣ : ١٦ ، تهذيب الكمال ١٣ : ٣٠١ ، السيرة النبوية لابن حبَّان : ١٤٩ ، تصحيح الحافظ سيد عزيز بك وجماعة من العلماء ـ مؤسسة الكتب الثقافية ط١ ـ ١٤٠٧هـ ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر النمري ـ بهامش الإصابة ٣ : ٣٥ ، ط١ ـ ١٣٢٨هـ دار إحياء التراث العربي ، أُسد الغابة ٢ : ٢٢١ ، ٤ : ١٦ ، ٢٩ ، عيون الأثر ، لابن سيد الناس : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، مؤسسة عزالدين للطباعة والنشر ١٤٠٦هـ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٣٥ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٨هـ.
٤) جامع الأصول/ ابن الأثير الجزري ٩ : ٤٦٨/٦٤٧٥ ، دار إحياء التراث العربي ط٤ ـ ١٤٠٤هـ ، تحقيق محمَّد حامد الفقي ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ١١٢ ، دار الكتاب العربي ، ط٣ ـ ١٤٠٢هـ ، الصواعق المحرقة/ ابن حجر الهيتمي : ١٢٢ ، تحقيق عبدالوهاب اللطيف ـ مكتبة القاهرة ، ط٢ ـ ١٣٨٥هـ ـ ١٩٦٥م ، كنز العمَّال ١١/٣٢٨٧٩.
5) سيرة ابن هشام ٢ : ١٠٩ الروض الأُنف/ السهيلي ٤ : ٢٤٤ ، تحقيق عبدالرحمن الوكيل ، دار إحياء التراث العربي ـ مؤسسة التاريخ ـ بيروت ، ط١ ـ ١٩٩٢م ، عيون الأثر ١ : ٢٦٥.
6) الإصابة في تمييز الصحابة/ ابن حجر ٢ : ٥٠٧ ، ترجمة ( عليُّ بن أبي طالب ).
7) رواه النسائي في خصائصه ٣ : ١٨ ، والمتَّقي في كنز العمَّال ٩ : ٣٩٤ ، كما رواه السيوطي في تفسير قوله عزَّ وجلَّ : « إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله ».
8) عليٌّ سلطة الحقِّ : ٢٧.
١ ـ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار :
- الزيارات: 1259