• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أبو ذر الغفاري

أبو ذر الغفاري في سطور  


- اسمه: جندب.
- كنيته: أبو ذر.
- لقبه: الغفاري.
- أبوه: جنادة بن قيس بن عمرو بن صعير بن حرام بن غفار.
- أمه: رملة بنت الرفيعة، من بني غفار أيضاً.
كان من القلة التي توحّد الله عزّ وجلّ قبل البعثة، وأكثر من هذا كان يصلي قبلها.
- رابع المسلمين.
- رجع بعد إسلامه إلى قومه فدعاهم للإسلام فاستجابوا وأسلموا.
- كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب (1).
- نزل فيه آي من القرآن الكريم وخصّه الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بأحاديث كثيرة.
- امتنع عن بيعة أبي بكر، وخطب في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) محتجاً على القوم.
- لازم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وتخرّج عليه.
- أحد الأركان الأربعة.
- يعتبر من علماء الصحابة، وأهل الفتيا منهم.
- ثاني اثنين صنّفا في الإسلام (2).
- كان شديد المعارضة لعثمان، فصيره إلى الشام، فنشر مبدأ أهل البيت فيها، فشكاه معاوية، فأرجعه إلى المدينة، ثم صيّره ثانية إلى الربذة (3)، فمات بها سنة 32 هجرية.

 
لماذا أبو ذر؟  


حينما نعمد إلى دراسة شخصية تأريخية ـ أياً كانت ـ تطالعنا صور ومشاهد، تضفي علينا مزيداً من الوضوح في البحث عن الجوانب الهامة المحيطة بها.
وأول شيء يواجهنا في هذا المضمار، هو (السيرة) ولكن لا فائدة ولا جدوى منها بدون دراسة وتحليل. إذ أنها وحدها هيكل شاخص لا روح فيه، فهي لا تتجاوز أن تكون كلمات مرسومة على الورق، بمستطاع كل قارئ أن يقرأها، ويتندّر بها أمام أقرانه وزملائه، كأي قصة تاريخية مثيرة، من دون أن تترك في نفس القارئ أو السامع أي أثر نافع مفيد، سوى انفعالات نفسية آنيّة.
ولكن، حينما يصل الحديث إلى عظماء الصحابة، واستجلاء سيرتهم، نجد أنفسنا أمام مدرسة مثالية، غنية بالعطائين، الفكري والروحي، ومليئة بالعظات والعبر. ونلمس في سلوكهم وأفعالهم، مع أنفسهم ومحيطهم، تجسيداً كاملاً للمبدأ الذي دعوا إليه وكافحوا من أجله، كما نجد أن كلمتهم، كانت الكلمة المسؤولة، وحياتهم كانت كلها مواقف خالدة خلود الروح، وباقية بقاء الإنسان.
إن هذا النط من العظماء، يخضع لمراحل صعبة على محك الاختبار تجعلهم بمستوى المسؤولية التي أنيطت بهم، تلك المسؤوليات الهامة والصعبة التي تتعدى مرحلة الذات إلى مستوى أمانة وممثلية لمواجهة الناس على اختلاف أهوائهم، وألوانهم، ومراتبهم.
وتتعدى مرحلة الوقت والجيل، إلى عصور وأجيال.
ونحن بدورنا نراهم يجتازون مراحل الاختبار هذه، بصبر عجيب، وصمود محيّر، حتى لو أدى الأمر بهم إلى النفي أو إلى الموت.
ومن هذا النمط النادر ـ في الإسلام ـ الأركان الأربعة، وهم: (أبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر).
لقد عرف هؤلاء الأربعة، بأنهم أول من نادى بالتشيع لعلي (عليه السلام) والولاية له بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقد نادوا بذلك على أنه من صميم الإسلام. فكانوا المثل الأعلى للثبات على هذه العقيدة، والدفاع عنها. وبذلك استحقوا هذا الوسام (الأركان الأربعة).
وأبو ذر الغفاري (رضي الله عنه) واحد من هؤلاء دفعني إلى اختياره فعلاً، أمران مهمان:
- الأول: ما لهذه الشخصية من الأثر الديني الكبير في حياتنا الدينية والذي يتصل بحياته، ومقدمه إلى الشام، وسكناه في منطقة (جبل عامل) مدة طويلة من الزمن، أتاحت له الفرصة في نشر التشيع (لمذهب أهل البيت). فالمشهور بين سكان هذه المنطقة أن أبا ذر هو صاحب الفضل في ذلك.
- الثاني: إن الذين تناولوا شخصية أبي ذر لم يعطوه القدر الكافي من الإحاطة، فقد لاحظت من خلال قراءاتي لبعض ما كتب حول هذا الموضوع، أن بعضهم يحاول التركيز على الناحية القصصية، والبعض الآخر على الناحية (الثورية) في مسلك هذا الرجل، والبعض الآخر يجهد في إخراجه بصورة (المتصوف الراهب) وآخر يعطيه صفة (الحاقد على الأغنياء) إلى غير ذلك من الأوصاف التي تتناسب مع رغبة الكاتب وتفكيره، ولا تتلاءم مع شخصية أبي ذر المسلم الصحابي الجليل.
فأبو ذر لا يعدو كونه من أجلاّء الصحابة وخيرتهم، وجدير بمثله أن يكون عنواناً واضحاً للإسلام.

 
صورة مجملة  


أبو ذر الغفاري: جندب بن جنادة (4)
رمز اليقظة في الضمير الإنساني المتعب، كما هو في الضمير الإسلامي.
أتمثله شيخاً حاني الظهر، ترتسم على وجهه سيماء الأولياء والصالحين، وفي عينيه ألق ظل مشعاً بالأمل والحياة على هاتيك الفئات المظلومة من الناس.
أتمثله، وهو ينهب الأرض بقدميه، في رحلته التاريخية الثأرية، حاملاً على ظهره هموم المظلومين والمعذبين، وعلى لسانه تتجسد صرختهم.
فهو هكذا أراد، أراد أن يخرج عن حدود الزمان والمكان، ويرقى قمة الحرية.. حرية الكلمة، وحرية التعبير، فكان منبر الإسلام في فترة من فترات الحكم.
لقد بايع أبو ذر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، على أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق، ولو كان مرّاً (5).
فالتزم ببيعته. فكان جريئاً في جنب الله آخر عمره، كما كان في أول أمره.
ولعل أجرأ نداء صريح في مسمع حاكم ظالم، كان نداء أبي ذر على أبواب الخضراء.. (أتتكم القطار بحمل النار! اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين عن المنكر، المرتكبين له) (6)
هذا هو أبو ذر، صاحب الكلمة الجريئة، التي لا تعرف المداهنة، ولا الرياء ولا الوجل. خاطب معاوية ذات مرة، مجيباً إيّاه: (ما أنا بعدو لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام، وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ودعا عليك مرات أن لا تشبع.
فقال معاوية: ما أنا ذاك الرجل.
فقال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل! أخبرني بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسمعته يقول، وقد مررت به: اللهم العنه، ولا تشبعه إلا بالتراب..) (7).
وخيّل لجلاديه الحاكمين، أن غضبه إنما كان لنفسه، وأنه ربما كان عن فاقة ألمّت به، أو مطمع يدفعه إلى ذلك، فساوموه رجاء أن يسكت أو يكف، لكنهم وجدوا خلاف ما كانوا يتوقعون.
بعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار، فقال: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا، قبلتها، وإن كانت صلة، فلا حاجة لي فيها) (8).
وقال له ـ ذات مرة ـ حبيب بن مسلمة أحد القادة: (لك عندي يا أبا ذر، ألف درهم، وخادم، وخمسمائة شاة.
قال أبو ذر: أعط خادمك، وألفك، وشويهاتك، من هو أحوج إلى ذلك مني! فإني إنما أسأل حقي في كتاب الله..!) (9).
بهذه الصراحة، وبهذا الوضوح يرسم لنا أبو ذر بعض مواقفه، إنه لم يكن ليثأر ويغضب لنفسه، بل للحق الذي طالب بتثبيته، وبذلك جعل من نفسه رمزاً يدفع بالمقهورين والمظلومين إلى المطالبة بحقوقهم، وعرض ظلاماتهم. فكان في تصرفاته تلك رائداً من رواد الحق، يجازف بنفسه من أجل الآخرين.
وما أغناه عن أن يقاسي ما قاسى، لو أراد.
لقد كان بوسعه أن يعيش حياة الرفاهية والترف، شأن بعض الصحابة ممن هم دونه في الفضل بمراتب، لو أراد!
ولكن في هذه النقطة تكمن إحدى الفوارق ما بين الإنسان الرسالي، والإنسان العادي.
بين الإنسان الذي يحمل هموم ومستقبل أمة بأسرها، وبين إنسان ينشغل بنفسه ولهوه، متخماً يتجشأ على موائد الترف!
نعم، كان أبو ذر إنساناً رسالياً، ولم يكن إنساناً عادياً. وكان في بعض مواقفه يمثل مواقف أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ولا غرو ولا عجب، فهو تلميذ الإمام وواحد من أكثر الناس إخلاصاً له.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(ولو شئتُ لاهتديتُ الطريق إلى مُصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة، من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً، وحولي بطون غرثى، وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنةٍ***وحولك أكباد تحنّ إلى القد (10)
لقد كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، يقول هذا، ومقدرات الأمة تحت قبضة يده، بل المعروف أن صدقاته الخاصة وحدها كانت تساوي آلاف الدنانير ذهباً.
نعم. كان يقول هذا ـ ويعمل بما يقول مع نفسه ـ ليلفت أنظار المسلمين إلى ضرورة تفقد الضعفاء، والمقهورين، والمدفوعين عن حقوقهم، ويلفت أنظار الولاة إلى الرفق بالرعية وتفقد أحوالهم.
وكان أبو ذر ـ تلميذ الإمام ـ ممن سار على هذا الهدي، فقد كان عطاؤه السنوي أربعمائة ديناراً ذهباً. ومع هذا فإنه كان لا يدخر منها شيئاً. وكان يندد بالكانزين للذهب والفضة الذين لا يخرجون الزكاة الواجبة منها، أو الذين أخذوها من طرق غير مشروعة أيام عثمان. وكان يطلب حقه (في كتاب الله) كما تقدم. ويرفض الألف درهم، والعبد والخمسمائة شاة.
أجل، إنه لم يكن ليفعل هذا عن فاقة، أو مطمع، بل كان يريد إلفات المسؤولين ـ في حينه ـ إلى إنصاف المظلومين، وإيصال كل ذي حق إلى حقه.
وأعيت الحيلة غرماءه الحاكمين في إسكاته، فعمدوا إلى طريقة ثانية قرروا فيها إسكاته، وكانت طريقة ناجحة ـ في نظرهم ـ فنفوه إلى الربذة.
حمل من الشام إلى المدينة على مركب وعر، حتى تسلخ فخذاه، ثم بعد ذلك، نفي إلى الربذة (11) بعيداً عن مهاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومواطن الإيمان، حتى توفي غريباً هناك!
رحم الله أبا ذر، لقد كان ينسى كل جراحه وآلامه في رحلته الثأرية تلك، ليكتب على رمال الصحراء ملحمته الخالدة.
ملحمته التي ستبقى مع الشمس تشرق، ولكنها لا تغيب!!

 
الفارس الشجاع  


الشجاعة أو الجرأة، موهبة يتمتع بها غالب عظماء الإنسانية، فهي لا تقبل التكلّف ولا تستقيم معها محاكاة. وهي أيضاً صفة كريمة تميّز بها العرب بصورة عامة، والمسلمون بصورة خاصة.
فالعربي بطبعه ـ غالباً ـ شجاع غير هياب، يتقحم موارد الهلكة، إن رأى في ذلك ما يرضي مزاجه، حتى ولو كانت الخسارة عنده أكبر في ميزان الاحتمال، ولعل هذه الخصلة الكريمة، هي إحدى معطيات الطبيعة الصحراوية، وما فرضته من خشونة العيش على هذا الإنسان.
والمسلم الحقيقي شجاع أيضاً بمقتضى تركيبته الذهنية الخاصة التي صقلها الإسلام، وروحه الرسالية المستمدة منه، فهو لا يعرف معنى الخوف من الموت ـ في الله ـ لأنه مؤمن بسلامة المصير، فلا يرى غير الجنة أعدت للمتقين في الآخرة، ومتى كان الأمر كذلك، يهون عليه كل شيء في سبيل ذلك حتى نفسه. وتأريخنا الإسلامي حافل بالبطولات والتضحية كما هو بيّن وواضح لدى كل من يتتبعه.
وصاحبنا أبو ذر رضي الله عنه، الذي هو موضوع بحثنا الآن، كان ممن اتسم بأعلى معاني البطولة والشجاعة، في الجاهلية، وفي الإسلام.
ففي الجاهلية كان شجاعاً بطبعه، بل في طليعة الشجعان المغامرين، فالمعروف عنه أنه كان فارس ليل، لا يعرف معنى الخوف ولا الوجل.
وحين أسلم أبو ذر، زاده الإسلام شجاعة إلى شجاعته، ومنحه زخماً لا تدرك حدوده، فكان من فرسان الإسلام وأبطالهم، من أول يوم. فقد قال للنبي (صلّى الله عليه وآله):
يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال، فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً!
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أصبت.
فانصرف، فكان يكون بأسفل ثنية غزال (12) فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها فيقول: لا أردّ لكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله!
فإن فعلوا، ردّ ما أخذ منهم، وإن أبوا، لم يرد عليهم شيئاً، فكان على ذلك، حتى هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومضى إلى بدر، وأحد، ثم قدم فأقام بالمدينة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) (13).

 
تعبده قبل الإسلام  


قال عبد الله بن الصامت، قال أبو ذر:
(وقد صلّيت ـ يا ابن أخي ـ قبل أن ألقى رسول اله (صلّى الله عليه وآله) بثلاث سنين.
قلت: لمن؟
قال: لله.
قلت: فأين توجّه؟
قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاء، حتى إذا كان من آخر الليل، ألقيت كأني خفاء (14) حتى تعلوني الشمس (15).
وكان أكثر عبادته التفكر والاعتبار (16).
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: كان أبو ذر يتأله في الجاهلية، ويقول لا إله إلا الله، ولا يعبد الأصنام، فمرّ عليه رجل من أهل مكة ـ بعد ما أوحي إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) ـ فقال: يا أبا ذر! إن رجلاً بمكة يقول مثل ما تقول: لا إله إلا الله، ويزعم أنه نبي (17).

 
إسلامه  


حين تناهى إلى سمع أبي ذر، نبأ ظهور النبي (صلّى الله عليه وآله) في مكة ودعوته الناس إلى الإسلام عقد العزم على اللقاء به، والاستماع منه. لكنه فضل بادئ الأمر أن يرسل أخاه أنيساً (18) ليحمل إليه بعض أخباره، فقال له:
اركب إلى هذا الوادي، واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء! واسمع من قوله، ثم ائتني.
انطلق أنيس، حتى قدم مكة، وسمع من قوله.
ثم رجع إلى أبي ذر، فقال: رأيته يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بمكارم الأخلاق، وسمعت منه كلاماً، ما هو بالشعر!
فقال له أبو ذر: ما شفيتني فيما أردت.
فتزوّد وحمل شنّة له فيها ماء، حتى قدم مكة. فأتى المسجد، فالتمس النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه الليل، فاضطجع. فرآه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: كأن الرجل غريب. قال: نعم.
قال: انطلق إلى المنزل.
قال أبو ذر: فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء ولا أسأله. فلما أصبحت من الغد، رجعت إلى المسجد، فبقيت يومي حتى أمسيت، وسرت إلى مضجعي، فمر بي علي، فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله؟
فأقامه، وذهب به معه، وما يسأل واحد منهما صاحبه.
حتى إذا كان اليوم الثالث، فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه.
ثم قال له علي (عليه السلام): ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟
قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني، فعلت؛ ففعل.
فأخبره علي (عليه السلام) عنه أنه نبي، وأن ما جاء به حق، وأنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ثم قال له: فإذا أصبحت، فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت، فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي.
قال: فانطلقت أقفوه، حتى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ودخلت معه، حييت رسول الله بتحية الإسلام، فقلت: السلام عليك يا سول الله ـ وكنت أول من حيّاه بتحية الإسلام ـ.
فقال (صلّى الله عليه وآله): وعليك السلام، من أنت؟
قلت: رجل من بني غفار، فعرض علي الإسلام فأسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ارجع إلى قومك، فأخبرهم، واكتم أمرك عن أهل مكة فإني أخشاهم عليك.
فقلت: والذي نفسي بيده، لأصوّتن بها بين ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله. فثار إليه القوم وضربوه حتى أضجعوه.
فأتى العباس، فأكب عليه وقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من بني غفار، وإن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم، وأنقذه منهم.
ثم عاد من الغد إلى مثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس، فأنقذه. ثم لحق بقومه (19).
ومن طريف ما يروى عنه:
أنه رأى امرأة تطوف بالبيت، وتدعو بأحسن دعاء في الأرض، وتقول: أعطني كذا وكذا.. ثم قالت في آخر ذلك: يا إساف، ويا نائلة!! (وهما صنمان لقريش، زُعم أنهما كانا من أهل اليمن، أحب أحدهما الآخر، فقدما حاجين، فدخلا الكعبة، فوجداها خلواً من كل أحد، ففجرا بها، فمسخا حجرين، فأصبح الحجاج، فوجدوهما حجرين، فوضعوهما إلى جانب ليتعظ بهما الناس كي لا يتكرر هذا العمل، ثم توالت الأيام، فعبدتهما قريش كبقية الأصنام).
فالتفت أبو ذر إلى تلك المرأة، قائلاً: أنكحي أحدهما صاحبه!
فتعلقت به، وقالت: أنت صابئ، فجاء فتية من قريش فضربوه، وجاء ناس من بني بكر، فنصروه.
فجاء إلى النبي، فقال: يا رسول الله، أما قريش، فلا أدعهم حتى أثار منهم.. ضربوني!!
فخرج حتى أقام بعسفان (20)، وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام، ينفّر بهم على ثنية غزال فتلقي أحمالها، فيجمعوا الحنط، [فيقول أبو ذر لهم]: لا يمس أحد حبة حتى تقولوا: لا إله إلا الله. فيقولون، لا إله إلا الله، ويأخذون الغرائر (21)!
وحين رجع أبو ذر إلى قومه، نفذ وصية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ ونبذ عبادة الأوثان والإيمان برسالة محمد (صلّى الله عليه وآله)، فكان أول من أسلم منهم أخوه أنيس، ثم أسلمت أمهما، ثم أسلم بعد ذلك نصف قبيلة غفار، وقال نصفهم الباقي: إذا قدم رسول الله المدينة، أسلمنا.
جاء في صحيح مسلم: عن أبي ذر قوله:
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت، أني قد أسلمت وصدّقت. قال: ما بي رغبة عن دينك.
فأتينا أمّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما! فإني قد أسلمت وصدقت.
فاحتملنا (22) حتى أتينا قومنا غفاراً. فأسلم نصفهم.
وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله المدينة، أسلمنا. فقدم رسول الله المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم (23) فقالوا: يا رسول الله! أخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه. فأسلموا.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (غفّار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله) (24).
ومجمل القول: فإن أبا ذر (صلّى الله عليه وآله) كان من المبادرين الأول لاعتناق الإسلام حتى قيل أنه رابع من أسلم، وقيل خامسهم.
قال في الاستيعاب:
كان إسلام أبي ذر قديماً. يقال بعد ثلاثة، ويقال: بعد أربعة، وقد روي عنه أنه قال: أنا ربع الإسلام. وقيل: كان خامساً (25).
وقال الواقدي: وأسلم أبو ذر، قالوا: رابعاً أو خامساً (26).

 
من كلامه  


روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:
قام أبو ذر رضي الله عنه، بباب الكعبة، فقال: أنا جندب بن جنادة الغفاري، هلموا إلى أخ ناصح شفيق.
فاكتنفه الناس، فقالوا: قد دعوتنا، فانصح لنا.
قال: لو أن أحدكم أراد سفراً، لأعدّ فيه من الزاد ما يصلحه، فما لكم لا تزوّدون لطريق القيامة، وما يصلحكم فيه؟
قالوا: كيف نتزوّد لذلك؟
فقال: يحج الرجل حجة لعظائم الأمور، ويصوم يوماً شديد الحرّ ليوم النشور، ويصلي ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور. ويتصدق بصدقة على مسكين لنجاة من يوم عسير.
يا بن آدم! اجعل الدنيا مجلسين، مجلساً في طلب الحلال، ومجلساً للآخرة، ولا تزد الثالث، فإنه لا ينفعك. واجعل الكلام كلمتين، كلمة للآخرة، وكلمة في التماس الحلال، والثالثة تضرّك. واجعل مالك درهمين، درهماً تنفقه على عيالك، ودرهماً لآخرتك، والثالث لا ينفك، واجعل الدنيا ساعة من ساعتين، ساعة مضت بما فيها، فلست قادراً على ردّها، وساعة آتية لست على ثقة من إدراكها، والساعة التي أنت فيها ساعة عملك، فاجتهد فيها لنفسك، واصبر فيها عن معاصي ربّك! فإن لم تفعل، فقد هلكت!
ثم قال: قتلني همّ يوم لا أدركه (27).
وعن أبي عبد الله الصادق، عن أبيه (عليهما السلام) أنه قال:
في خطبة أبي ذر: يا مبتغي العلم، لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك. أنت يوم تفارقهم كضيف بتّ فيهم ثم غدوت إلى غيرهم. الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره. وما بين البعث والموت، إلا كنومة نمتها، ثم استيقضت منها.
يا جاهل العلم تعلّم، فإنّ قلباً ليس فيه شرف العلم، كالبيت الخراب الذي لا عامر له.
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن أبي ذر قال:
يا باغي العلم، قدّم لمقامك بين يدي الله، فإنك مرتهن بعملك، كما تدين تدان.
يا باغي العلم، صلّ قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلي فيه! إنما مثل الصلاة لصاحبها، كمثل رجل دخل على ذي سلطان فأنصت له حتى فرغ من حاجته. وكذا المرء المسلم بإذن الله عزّ وجلّ، ما دام في الصلاة، لم يزل الله عزّ وجلّ ينظر إليه حتى يفرغ من صلاته.
يا باغي العلم، تصدّق من قبلِ أن لا تعطى شيئاً، ولا جميعه، إنما مثل الصدقة لصاحبها، مثل رجل طلبه قوم بدم، فقال لهم لا تقتلوني، اضربوا إليّ أجلاً أسعى في رجالكم! كذلك المرء المسلم بإذن الله، كلما تصدق بصدقة، حلّ بها عقدة من رقبته، حتى يتوفى الله عزّ وجلّ أقواماً وهو عنهم راض، ومن رضي الله عزّ وجلّ عنه، فقد أمن من النار.
يا باغي العلم، إن هذا اللسان مفتاح خير، ومفتاح شر، فاختم على فمك كما تختم على ذهبك وعلى ورقك.
يا باغي العلم، إن هذه الأمثال ضربها الله عزّ وجلّ للناس، وما يعقلها إلا العالمون (28).

 
وصفه لآخر الزمان  


في حلية الأولياء، بسنده عن أبي ذر قال:
ليأتين عليكم زمان، يغبط الرجل فيه بخفة الحاذ (29)، كما يغبط اليوم فيكم أبو عشرة.
وروى الحاكم في المستدرك، بسنده عن أبي ذر، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: (إذا اقترب الزمان كثر لبس الطيالسة، وكثرت التجارة، وكثر المال، وعظم رب المال بماله، وكثرت الفاحشة، وكانت إمارة الصبيان، وكثر النساء، وجار السلطان، وطفف في المكيال والميزان، ويربي الرجل جرو كلب، خير له من أن يربي ولداً له! ولا يُوقّر كبير، ولا يرحم صغير، ويكثر أولاد الزنا، حتى أن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق، فيقول أمثلهم في ذلك الزمان: لو اعتزلتما عن الطريق!!
ويلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أمثلهم في ذلك الزمان المداهن!) (30).

 
من فضائله  


ما روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:
دخل أبو ذر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومعه جبرئيل، فقال جبرئيل: من هذا يا رسول الله؟
قال: أبو ذر.
قال: أما إنه في السماء أعرف منه في الأرض، وسله عن كلمات يقولهن إذا أصبح، قال: فقال: يا أبا ذر، كلمات تقولهن إذا أصبحت، فما هنّ؟
قال: أقول، يا رسول الله: (اللهم إني أسألك الإيمان بك، والتصديق بنبيك، والعافية من جميع البلايا، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس) (31).

 
مع الرسول (ص)  


لم يأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) أبا ذر (رضي الله عنه) باللحاق بقومه، ودعوتهم إلى الإسلام، إلا لأنه توسّم فيه صفات الكمال، لما يتمتع به من روح عالية، وثبات لا يتزعزع، وتفان في العقيدة، فوجده أهلاً لأن يقوم بدور من هذا النوع، والإسلام يمر بأدق المراحل وأخطرها.
نحن نعلم أن النبي (صلّى الله عليه وآله) كان ـ في بدء رسالته المباركة ـ يحتاج إلى مزيد من المؤيدين والأعوان في داخل مكة، وفي خارجها. في داخل مكة، لتقوية الصف فيها، وليمنع نفسه من قريش! وفي خارج مكة، لنشر مبادئ هذا الدين الجديد الحنيف، واستقطاب أكبر عدد ممكن من الأفراد المسلمين كي ينهض بهذا الأمر جهرة وعلى الصعيد العام، وتكون لديه القوة الكافية لصد أعدائه الذين يتربصون به الغيلة ويخططون للقضاء عليه وعلى الرسالة في مهدها.
ولقد آثر النبي (صلّى الله عليه وآله) إيفاد أبي ذر إلى قومه بني غفار، على بقائه معه، لثقته العالية بأنه سينجح في نشر الإسلام بينهم.
وهذا ما حصل، فقد نجح أبو ذر في ذلك، فقد أسلم نصف قومه على يده، وأسلم النصف الباقي عند مجيء النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة كما أسلفنا.
وبقي أبو ذر بينهم فترة طويلة. لم يحضر في خلالها غزاة بدر ولا أحد، ولا الخندق (كما تقول الروايات) بقي بينهم في خندق الجهاد الآخر، حيث كان يفقههم في دينهم، ويعلمهم أحكام الإسلام، وهذا جهاد يحتاج إلى عزيمة وحكمة ودراية ونفس طويل.
وليس من الوارد في ذهن من يعرف أبا ذر، أن يعتقد بتخلفه عن هذه الغزوات الثلاث بمحض إرادته واختياره، بل من المؤكد أن تخلفه عنها، وبقاءه في قومه إنما كان بإيعاز من الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) والجهاد بالسيف مقرون مع الجهاد في اللسان، بتعليم الناس أحكام دينهم، وتفقيههم بها بعد تعلمها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فكل منهما يوازي الآخر في جميل الأثر عند الله سبحانه.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (32).
وهكذا قضى أبو ذر، فترة بين بني قومه، ثم عاد ليصحب النبي (صلّى الله عليه وآله) ويأخذ عنه العلم والمعارف والحكمة.
وقد حظي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالاهتمام الكبير، والعناية الخاصة فقد كان رسول الله يبتدئه بالسؤال والكلام إذا حضر، ويسأل عنه إذا غاب.
فعن أبي الدرداء قال: (كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب) (33).
ويظهر من بعض الأخبار أنه (صلّى الله عليه وآله) كان يمازحه، كما كان هو يمازح النبي (صلّى الله عليه وآله) وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مكانته الخاصة لدى النبي (صلّى الله عليه وآله).
فقد روي أنه قدم إلى المدينة، فلما رآه النبي قال له: (أنت أبو نملة! فقال: أنا أبو ذر.
قال (صلّى الله عليه وآله): نعم، أبو ذر (34).
وعن الصادق (عليه السلام)، قال:
طلب أبو ذر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقيل إنه في حائط (بستان) كذا وكذا.
فتوجه في طلبه، فوجده نائماً، فأعظمه أن ينبهه. فأراد أن يستبرئ نومه من يقظته، فتناول عسيباً يابساً، فكسره ليسمعه صوته. فسمعه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرفع رأسه فقال:
يا أبا ذر، تخدعني. أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي، كما أراكم في يقظتي! إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي!! (35)
وكان رضي الله عنه في صحبته للنبي (صلّى الله عليه وآله) حريصاً على اقتباس العلوم، فكان يغتنم الفرصة في ذلك، ويحدثنا هو عن نفسه، فيقول:
لقد سألت النبي (صلّى الله عليه وآله) عن كل شيء، حتى سألته عن مس الحصى (في الصلاة)، فقال مسّه مرة، أو دع (36).
وقال: لقد تركنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما يحرك طائر جناحيه في السماء، إلا ذكّرنا منه علماً (37).
وقال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مسجده، فلم أر في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) جالس إلى جانبه، فاغتنمت خلوة المسجد، فقلت: يا رسول الله، بابي أنت وأمي، أوصني بوصية ينفعني الله بها.
فقال (صلّى الله عليه وآله): نعم، وأكرم بك يا أبا ذر، إنك منا أهل البيت (38). وهي من عظيم كلامه (صلّى الله عليه وآله)، وتصلح أن تكون بذاتها موضوعاً مستقلاً يدرس.
وفي ميدان معارفه وعلومه التي اكتسبها من النبي (صلّى الله عليه وآله) نذكر ما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين سئل عن أبي ذر. فروي أنه قال في ذلك:
وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه، فلم يخرج شيئاً منه (39). وإنما أوكأ أبو ذر على العلم، ومنعه عن الناس، لأنه لا تحتمله عقولهم.
وفي رواية أخرى عن علي (عليه السلام)، فيه:
(وعى علماً عُجز فيه، وكان شحيحاً حريصاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيُعطى ويُمنع، أما أن قد ملئ في وعائه حتى امتلأ) (40).
وجاء عن كتاب حلية الأولياء في هذا الصدد:
كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه، للرسول (صلّى الله عليه وآله) ملازماً وجليساً، وعلى مسائلته والاقتباس منه حريصاً، وللقيام على ما استفاد منه أنيساً، سأله عن الأصول والفروع، وسأله عن الإيمان والإحسان، وسأله عن رؤية ربه تعالى، وسأله عن أحب الكلام إلى الله تعالى، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء، أم تبقى؟ وسأله عن كل شيء حتى مس الحصى في الصلاة (41).
وقد منحه النبي (صلّى الله عليه وآله) أوسمة عالية أهمها:
قوله (صلّى الله عليه وآله): ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر (42).
وقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن صحة هذا الحديث، فصدّقه.
ففي معاني الأخبار بسنده، عن رجل. قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أليس قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أبي ذر ـ رحمة الله عليه ـ ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة، أصدق من أبي ذر؟
قال: بلى.
قال: قلت: فأين رسول الله، وأمير المؤمنين؟ وأين الحسن والحسين؟
قال: فقال لي: كم السنة شهراً؟
قلت: اثنا عشر شهراً.
قال: كم منها حرم؟
قال: قلت: أربعة أشهر.
قال: فشهر رمضان منها؟
قال: قلت: لا.
قال (عليه السلام): إن في شهر رمضان ليلة أفضل من ألف شهرّ إنّا أهل بيت لا يقاس بنا أحد (43).

 
أبو ذر على لسان النبي الكريم (ص)  


نستعرض هنا، ما جاء على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) بشأن هذا الصحابي الجليل من كلمات مضيئة هي بمثابة أوسمة منحها إيّاه النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله) باستحقاق وجدارة. ونقتصر هنا على ذكر الرواية بذلك، دون ذكر السند.
قال (صلّى الله عليه وآله): ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى ابن مريم.
وفي لفظ آخر: ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة، أصدق من أبي ذر، من سرّه أن ينظر إلى زهد عيسى ابن مريم، فلينظر إلى أبي ذر.
من أحبّ أن ينظر إلى المسيح عيسى ابن مريم، إلى بره وصدقه، وجدّه، فلينظر إلى أبي ذر.
إن أبا ذر ليباري عيسى ابن مريم في عبادته.
رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.
إن الله عزّ وجلّ أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبّهم: عليّ، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان.
عن أبي ذر قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أبا ذر! كيف أنت إذا كنت في حثالة؟ وشبّك بين أصابعه. قلت: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال: اصبر، اصبر، اصبر. خالقوا الناس بأخلاقهم، وخالفوهم في أعمالهم.
عن أبي ذر أيضاً، قال: بَينا أنا واقف مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال لي: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بلاء بعدي! قلت: في الله؟ قال: في الله. قلت: مرحباً بأمر الله.
عن أبي ذر قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): يا أبا ذر! كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفيء؟ قال: قلت: إذاً، والذي بعثك بالحق، اضرب بسيفي حتى أحلق بك. فقال: أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ اصبر حتى تلقاني (44).

 
بين النبي وأبي ذر  


قال أبو ذر: ودخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو في المجلس جالس وحده، فاغتنمت خلوته!
فقال: يا أبا ذر، إن للمسجد تحيّة!
قلت: وما تحيته يا رسول الله؟
قال: ركعتان. فركعتهما. ثم التفتُّ إليه، فقلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحبّ إلى الله جلّ ثناؤه؟
فقال (صلّى الله عليه وآله): الإيمان بالله، ثم الجهاد في سبيله.
قلت: يا رسول الله، أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟
قال: خير موضوع، فمن شاء أقلّ، ومن شاء أكثر!
قلت: يا رسول الله، أي المؤمنين، أكمل إيماناً؟
قال: أحسنهم خُلقاً.
قلت: فأيّ المؤمنين أفضل؟
قال: من سلم المسلمون من يده ولسانه!
قلت: فأي الهجرة أفضل؟
قال: من هجر الشر!
قلت: فأي الليل أفضل؟ (45)
قال: جوف الليل الغابر!
قلت: فأي الصلاة أفضل؟
قال: طول القنوت!
قلت: فأي الصدقة أفضل؟
قال: جهد (46) من مُقلّ إلى فقير في سر.
قلت: فما الصوم؟
قال: فرض مجزئ، وعند الله أضعاف ذلك.
قلت: فأيّ الرقاب أفضل؟
قال: أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها.
قلت: فأي الجهاد أفضل؟
قال: من عقر جواده، وأهريق دمه!
قلت: فأيّ آية أنزلها الله عليك أعظم؟
قال: آية الكرسي! ثم قال: يا أبا ذر، ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة! وفضل العرش على الكرسي، كفضل الفلاة على تلك الحلقة.
قلت: يا رسول الله، كم النبيون؟
قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي.
قلت: كم المرسلون منهم؟
قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر! جمّاً غفيراً (47).
قلت: من كان أول الأنبياء؟
قال: آدم.
قلت: وكان من الأنبياء مرسلاً؟
قال: نعم! خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه. ثم قال: يا أبا ذر! وأربعة من الأنبياء سريانيون. آدم، وشيث، وأخنوخ (وهو إدريس) وهو أول من خط بالقلم، ونوح، وأربعة من الأنبياء من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك محمد (صلّى الله عليه وآله). وأول نبي من بني إسرائيل: موسى، وآخرهم عيسى بينهما ستمائة نبي.
قلت: يا رسول الله، كم أنزل الله من كتاب؟
قال: مائة كتاب، وأربعة كتب. أنزل الله على شيث، خمسين صحيفة. وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم، عشرين صحيفة، وأنزل التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان.
قال، قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم؟
قال: كانت أمثالاً كلها! وفيها: أيّها الملكُ المتسلّط، المبتلى، المغرور. إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لتردّ دعوة المظلوم، فإني لا أردّها، وإن كانت من كافر أو فاجر!! وفجوره على نفسه.
وكان فيها: على العاقل ـ ما لم يكن مغلوباً على عقله ـ أن يكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يصرفها في صنع الله تعالى، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخّر، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحال في المطعم والمشرب. فإنّ هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب، وتوديع لها؟ وعلى العاقل أن يكون طالباً لثلاث: تزوّد لمعاد. أو مرمّة لمعاش، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه.
قلت: يا رسول الله، ما كانت صحف موسى (عليه السلام)؟
قال: كانت اعتباراً كلها!
عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك؟! عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟! عجباً لمن أبصر الدنيا وتقلّبها بأهلها حالاً بعد حال ثم يطمئن إليها؟! عجباً لمن أيقن بالحسنات غداً كيف لا يعمل؟!
قلت: يا رسول الله، فهل في أيدينا ممّا أنزل الله عليك، شيء ممّا كان في صحف إبراهيم، وموسى؟
قال: اقرأ يا أبا ذر: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى).
قلت: يا رسول الله، أوصني.
قال: أوصيك بتقوى الله، فإنها رأس أمرك كلّه.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله كثيراً، فإنه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: عليك بالصمت، إلا من الخير، فإنه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: انظر [إلى] من هو تحتك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر أن تزدري نعمة الله عليك.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: صِلْ قرابتك وإن قطعوك، وأحبّ المساكين وأكثر مجالستهم.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: قل الحق، وإن كان عليك مرّاً.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: لا تخف في الله لومة لائم.
قلت: يا رسول الله زدني.
قال: يا أبا ذر، ليردّك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، فكفى بالرجل عيباً أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه، ويجد عليهم فيما يأتي.
قال: ثم ضرب بيده على صدري، وقال: يا أبا ذر، لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكفّ، ولا حسب كحُسن الخلق (48).

 
أبو ذر والتشيع  


إن التشيع ليس مذهباً طارئاً على الإسلام، أو فكرة دخيلة عليه، بل هو من صميم الإسلام، وأصل من أصوله. نشأ في عهد النبي الأعظم، وبإيعاز منه صلوات الله عليه. فهو الذي بذر هذه البذرة المباركة وتعاهدها بنفسه.
والمهم لدينا الآن، هو الوصول إلى ما نريده من هذه الحقيقة، الهامة، وهو التحدث عن تشيع أبي ذر الصحابي العظيم (رضي الله عنه) وغيره من الصحابة.. وما علينا في هذا الحال إلا أن نسرد بعض النصوص التاريخية المتضمنة لذلك.
قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني:
إن لفظ الشيعة على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان لقب أربعة من الصحابة.. سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود الكندي، وعمار بن ياسر (49).
وقال الشيخ المفيد رحمه الله، في بيان إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، فقالت شيعته، وهم: بنو هاشم كافة، وسلمان، وعمار، وأبو ذر.. الخ (50).
وقال اليعقوبي حول الموضوع ذاته:
وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب. منهم: العباس بن عبد المطلب، إلى أن قال: وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر.. الخ (51).
وقال الكشي عنه: وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ووصي رسول الله واستخلافه إيّاه (52).
وجاء في سيرة الأئمة الاثني عشر، حول الموضوع ذاته:
(واحتج عليهم سلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمار، والمقداد، وغيرهم من وجوه الصحابة.. (53)
وجاء في كتاب أصل الشيعة وأصولها، في ذكر طبقات الشيعة:
- الطبقة الأولى: وهم أعيان الصحابة وأبرارهم، كسلمان المحمدي ـ أو الفارسي ـ وأبي ذر، والمقداد وعمار، وخزيمة ذي الشهادتين، وابن التيهان، وحذيفة ابن اليمان، والزبير، والفضل بن العباس، وأخيه الحبر عبد الله، وهاشم بن عتبة المرقال، وأبي أيوب الأنصاري، وأبان وأخيه خالد ـ ابني سعيد العاص الأمويين ـ وأبي بن كعب سيد القراء. وأنس بن الحرث بن نبيه، الذي سمع النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: إن ابني الحسين (عليه السلام) يقتل في أرض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم، فلينصره. فخرج أنسن وقتل مع الحسين (عليه السلام) (راجع الإصابة والاستيعاب).
ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولو أردت أن أعد عليك الشيعة من الصحابة، وإثبات تشيعهم من كتب السنة، لأحوجني ذلك إلى إفراد كتاب ضخم (54).
إلى غير ذلك من النصوص والأخبار، التي تصرح بتشيع أبي ذر (رضي الله عنه) وغيره من الصحابة لعلي (عليه السلام) وآل البيت الطاهر تشيعاً ليس عاطفياً يقتصر على حبهم فحسب، بل تشيعاً مبدئياً، ينادي بأحقية علي (عليه السلام) في الخلافة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بلا فصل. استناداً إلى ما سمعه هو، وبقية الصحابة منه (صلّى الله عليه وآله) في ذلك، كحديث الغدير المتقدم وأمثاله.
فقد كان أبو ذر رضي الله عنه، ممن ثبت على هذا المبدأ، فنافح عنه، ودافع على أكثر من جبهة، وفي عدة مواطن، ودعا المسلمين إليه بكل جرأة وصراحة، حتى آخر لحظة من حياته. ففي مكة، كان لسانه يلهج بذلك، وفي المدينة، كما في الشام، وحتى في منفاه الأخير في الربذة، لم يتوان، ولم يتلكأ في تأدية الأمانة.
وفي مكة المكرمة، وحول البيت العتيق، مهوى قلوب الملايين من المسلمين ومركز تجمعهم في كل عام، كان أبو ذر يغتنم الفرصة، فيدعو المسلمين ليحدثهم بما سمع عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حق أهل البيت بصورة عامة، وعلي (عليه السلام) بصورة خاصة.
فمن ذلك، ما رواه الجويني بسنده، عن عباية بن ربعي، قال:
بينما عبد الله بن عباس، جالس على شفير زمزم (يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إذ أقبل رجل متعمم بعمامة) فجعل ابن عباس لا يقول، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إلا قال الرجل: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
فقال ابن عباس: سألتك بالله، من أنت؟
قال: فكشف العمامة عن وجهه، وقال: يا أيها الناس من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا جندب ابن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري، سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) بهاتين، وإلا فصمّتا، ورأيته بهاتين، وإلا فعميتا.
يقول: علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله.
أما إني صليت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: (اللهم) اشهد أني سألت في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلم يعطني أحد شيئاً، وعلي (عليه السلام) كان راكعاً، فأومأ بخنصره اليمنى ـ وكان يتختم فيها ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلما فرغ النبي (صلّى الله عليه وآله) من صلاته، رفع رأسه إلى السماء، وقال:
اللهم إن أخي موسى سألك فقال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (55) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا) (56) اللهم، وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي، اشدد به ظهري (57).
قال أبو ذر: فوالله، ما استتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الكلمة، حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله، فقال:
يا محمد اقرأ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (58).
وروى الجويني أيضاً بسنده إلى الحافظ أبي بكر، بسنده عن كديرة الهجري.
قال: إن أبا ذر أسند ظهره إلى الكعبة، فقال:
أيها الناس، هلموا أحدثكم عن نبيكم (صلّى الله عليه وآله)، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لعلي ثلاثاً. لئن يكون لي واحدة منهن، أحب إليّ من الدنيا وما فيها.
سمعت رسول الله يقول لعلي (عليه السلام): اللهم أعنه واستعن به، اللهم انصره وانتصر به، فإنه عبدك وأخو رسولك (59).
وفي المستدرك، عن حنش الكناني، أنه قال:
سمعت أبا ذر يقول ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ: أيها الناس، من عرفني، فأنا من عرفتم، ومن أنكرني، فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله يقول:
ألا إن مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق (60).
وفي المدينة، عاصمة العالم الإسلامي، ومقر الخلافة، كان رضي الله عنه يقوم بنفس الدور، على الرغم من المراقبة الشديدة المفروضة من قبل الأمويين ودعاتهم في ذلك الوقت.
قال اليعقوبي في تاريخه:
(وبلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويجتمع إليه الناس، فيحدث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد، فقال:
أيها الناس، من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا أبو ذر الغفاري، جندب بن جنادة الربذي: إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم، وآل عمران، على العالمين. ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم. محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم واستحقوا الفضل في قوم (قومهم) هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية (أو كالشجرة الزيتونة) أضاء زيتها، وبورك زبدها. ومحمد وارث علم آدم، وما فضل به النبيون، وعلي بن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه.
أيتها الأمة المتحيرة، أما لو قدمتم من قدّم الله, وأخرتم من أخّر الله وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم، ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، إلا وجدتم علم ذلك عندهم، من كتاب الله وسنة نبيه، فأما إذا فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (61).
وفي الشام، كان أبو ذر يسلك نفس المسلك مع من يجتمع إليه من الناس ويحدثهم بمثل ذلك.
قال اليعقوبي: وكان يجلس في المسجد ـ يعني في الشام ـ فيقول كما كان يقول (في المدينة) ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من يجتمع إليه، ويسمع منه (62).
وحتى في الربذة، منفاه الموحش المقفر، لم تصرفه آلامه وهمومه، ولا ما هو فيه من الاغتراب عن مواطن الإيمان والجهاد، والأصحاب الأخلاء. لم يصرفه ذلك ولم يشغله عن إكمال مسيرته التي بدأت خطاها في عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) فظل متمسكاً بمبدأه هذا، منادياً به حين تمكنه الفرصة من ذلك، فرصة اللقاء بمن يستمع إليه، ويأخذ منه.
في شرح النهج، عن أبي رافع، قال:
أتيت أبا ذر بالربذة، أودعه. فلما أردت الانصراف، قال لي، ولأناس معي: ستكون فتنة، فاتقوا الله، وعليكم بالشيخ، علي بن أبي طالب، فاتبعوه.
والحق أن موقف أبي ذر من مبدأ التشيع، كان موقفاً مثالياً يجسم لنا كل معاني الثبات والصمود، فما كان لتلين له عريكة فيه، ولا لتميل له قناة، لقد كان صلباً قوياً، متفانياً في سبيل ذلك. وكأنه في موقفه هذا، يفسر لنا بيعته لرسول الله (صلّى الله عليه وآله):
أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وأن يقول الحق ولو كان مرّاً!
عن معاوية بن ثعلبة الليثي قال:
مرض أبو ذر، فأوصى إلى علي (عليه السلام).
فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان، كان أجمل لوصيتك من علي.
قال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين، حق أمير المؤمنين! والله إنه للربيع الذي يسكن إليه، ولو قد فارقكم. لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض.
قال: قلت: يا أبا ذر، إنا لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحبهم إليك!
قال: أجل!
قلنا: فأيهم أحب إليك؟
قال: هذا الشيخ المظلوم، المضطهد حقه! يعني علي بن أبي طالب! (63)

 
إقامته في بلاد الشام  


حين نقرأ سيرة أبي ذر في الكتب التاريخية وغيرها، نجد أنفسنا أمام صورة غير واضحة لهذا الصحابي العظيم، فنجد شيئاً من الغموض يكاد يكتنف حياته. ولعل مردّ ذلك يعود إلى نوع من التعتيم الإعلامي، فرض على مسار هذه الشخصية.
فمثلاً: نجد بعض المؤرخين، كالطبري، وابن الأثير، قد أهملوا التفصيل في كيفية نفي أبي ذر إلى المدينة، فالربذة، كما أهملوا ذكر النزاع الذي جرى بينه وبين عثمان.
ونجد البعض الآخر يحاول الدفاع عن عثمان، فيذهب إلى القول: بأن أبا ذر نزل الربذة بمحض اختياره.
والبعض الآخر، يؤكد نفي أبي ذر إلى الشام أوّلاً، ثم إلى المدينة، ثم إلى الربذة.
ونحن بدورنا، نريد التثبت من الحقائق حول هذا الأمر، عن طريق الاستعانة ببعض الروايات، والنصوص التاريخية، والابتعاد عمّا تمليه العاطفة والحساسيات الخاصة.
والذي وجدته ـ بعد التأمل والتدقيق ـ أن أبا ذر كان قد أقام في الشام مدة طويلة، ربما نافت على العشرة سنوات. تسنى له من خلالها نشر مذهبه في التشيع لعلي وأهل البيت (عليهم السلام).
وعليّ الآن، أن أعرض للقارئ كلمات بعض المؤرخين والباحثين، الذين ذهبوا إلى القول بأن أبا ذر أخرج إلى الشام منفيّاً، ليتسنى له المقارنة بينها وبين النصوص الأخرى التي تؤد خلاف ذلك.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج:
(واعلم: أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة، وعلماء الأخبار والنقل، أن عثمان نفى أبا ذر أوّلاً إلى الشام، ثم استقدمه إلى المدينة لمّا شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة، لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام) (64).
وقال السيد المرتضى رحمه الله تعالى:
(بل المعروف والظاهر، أنه نفاه أوّلاً إلى الشام، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة..) (65).
وقال السيد الأمين رحمه الله:
(وما كان أبو ذر ليترك المدينة، مهاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومسجده، ومجاورة قبره، اختياراً، ويذهب إلى الشام، فيجاور بني أميّة، وإنما خرج إلى الشام منفياً) (66).
إلى غير ذلك من أقوال غيرهم، التي تفيد الشهرة حول هذا الأمر، والشهرة في هذا المقام لا تغني من الحق شيئاً، فرب مشهور لا أصل له، سيما إذا قام الدليل على خلافه.
والآن نعرض للقارئ بعض النصوص الأخرى، نضعها بين يديه للتأكد ممّا نرمي إليه من القول: بأن إقامة أبي ذر في الشام كانت طويلة جداً، وكانت بادئ الأمر بمحض اختياره ورغبته، وكامل حريته، إلا أن حريته في الذهاب إلى المدينة المنورة، ومجاورة قبر الرسول (صلّى الله عليه وآله) متى شاء، أصبحت مقيدة آخر الأمر بسبب ما جرى بينه وبين عثمان.
قال في الاستيعاب:
(بعد أن أسلم أبو ذر، رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى مضت بدر، وأحد، والخندق، ثم قدم على النبي (صلّى الله عليه وآله) المدينة، فصحبه إلى أن مات (صلّى الله عليه وآله).
ثم خرج بعد وفاة أبي بكر إلى الشام، فلم يزل بها حتى ولي عثمان، ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية، فنفاه وأسكنه الربذة، فمات بها..) (67).
وهنا، يحق لنا التساؤل:
ما هو المبرر لرفض هذه الرواية؟ مع أن هناك الشواهد الكثيرة على صحة مضمونها؟!
إن رفض هذه الرواية، لا مبرر له، فأي مانع من أن يكون أبو ذر، قد أقام في الشام بمحض اختياره، إن لم نقل بأنه كان يتعرض لمضايقات معينة ـ نظراً لجرأته وصراحته ـ دفعت به إلى الإقامة فيها أثناء خلافة عمر بن الخطاب.
إن من يتتبع سيرة أبي ذر، يجد أن هذه الشخصية الفريدة، يكتنف مسارها الغموض والتعتيم من الفترة ما بين خلافة عمر إلى خلافة عثمان، فلا حديث، ولا رواية، ولا أي شيء يتعلق به في تلك الفترة! مع كونه من المبرزين الأول في الإسلام، ديناً، وفضلاً، وعلماً، فهو لم يكن مسلماً عادياً يقرن بعامة المسلمين، بل كان من خيرة خيرتهم، ممن نوّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفضلهم، وممن حازوا قصب السبق في مجالي الدين والعلم، ويكفي قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيه: (ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر، شبيه عيسى ابن مريم) (68).
وحديث علي (عليه السلام) فيه: (وعاء ملئ علماً، ثم أوكأ عليه) (69).
إن التعتيم الإعلامي على مسار أبي ذر (رضي الله عنه) في تلك الفترة، ربما لم يكن مقصوداً، ولكنه يؤكد تأكيداً كاملاً على أنه كان بعيداً عن مركز الخلافة، أعني: المدينة المنورة ـ عاصمة العالم الإسلامي ـ آنذاك.
كما أنه لم يكن في تلك الفترة في موطنه الأصلي، أعني منازل قومه بني غفار، لأن النصوص لا تشير إلى ذلك البتة.
إذن، أين كان أبو ذر في تلك الفترة؟
الشواهد التاريخية كلها ساكتة عن وجوده في أي بلد، ما عدا الشام.
نعم: كان أبو ذر رضي الله عنه في تلك الفترة، قد اتخذ الشام وجوارها مقراً له، وقد كان يقوم بدوره الرسالي فيها على أكمل وجه. هذا ما يستفاد من بقية النصوص والروايات في هذا الصدد.
جاء في رواية البلاذري:
(وقال عثمان يوماً: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال؟ فإذا أيسر قضى؟
فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك.
فقال أبو ذر: يا بن اليهوديين، أتعلمنا ديننا؟!
فقال عثمان: ما أكثر أذاك لي، وأولعك بأصحابي؟! الحق بمكتبك! وكان مكتبه بالشام، إلا أنه كان يقدم حاجاً، ويسأل عثمان الإذن له في مجاورة قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فيأذن له في ذلك..) (70).
وكلمة (مكتب) هنا تعني: مركز تجمع كتائب الجيش الإسلامي، والرواية صريحة في كون إقامته بالشام لم تكن قسراً.
ويؤيدها، ما جاء في تاريخ ابن الأثير، قال في حوادث سنة 23:
(وفيها غزا معاوية الصائفة (الروم) ومعه عبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو ذر..).
وقال في حوادث سنة 28:
(كان فتح قبرص على يد معاوية.. إلى أن قال: ولما غزا معاوية هذه السنة، غزا معه جماعة من الصحابة، فيهم أبو ذر..) (71) الخ.
وجاء في كلام ابن بطال:
(وكان في جيشه ـ يعني معاوية ـ ميل إلى أبي ذر، فأقدمه عثمان خشية الفتنة) (72).
وجاء في رواية الواقدي:
(إن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أأحب لقاء أبي ذر، لأسأله عن سبب خروجه إلى الربذة، فجئته، فقلت له:
ألا تخبرني، أخرجت من المدينة طائعاً؟ أم أخرجت كرهاً؟
فقال: كنت في ثغر من ثغور المسلمين، أغني عنهم، فأخرجت إلى المدينة، فقلت دار هجرتي وأصحابي، فأخرجت من المدينة إلى ما ترى!) (73).
والثغر الذي عناه، هو بلاد الشام بالطبع. ويلاحظ هنا، أنه لم يقل أخرجت إلى ثغر من ثغور المسلمين، أو أخرجت إلى الشام، بينما قال: أخرجت إلى المدينة، ثم قال: فأخرجت إلى ما ترى ـ يعني الربذة ـ ممّا يدل على أنه كان مختاراً، أو مرتاحاً ـ على الأقل ـ في إقامته بالشام.
وجاء في رواية ثانية للواقدي:
(فقال عثمان: أخرج عنا من بلادنا!
فقال أبو ذر: ما أبغض إليّ جوارك، فإلى أين أخرج؟
قال: حيث شئت!
قال: أخرج إلى الشام، أرض الجهاد؟!
قال: إنما جلبتك من الشام، لما قد أفسدتها، أفأردك إليها؟!) (74).
إن هذه الروايات، تعطينا الدليل الكافي، بل القاطع، على أن إقامة أبي ذر في الشام لم تكن جبرية، ولم يكن مكرهاً فيها، كما لم تكن قصيرة تقاس بالأشهر.
ولا يعني هذا، أنه في خلال إقامته تلك، كان قد انقطع عن زيارة مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فمما لا شك فيه أن مثل أبي ذر لا يفوته الحج إلى بيت الله الحرام في كل عام، كما لا تفوته زيارة قبر الرسول (صلّى الله عليه وآله) ومجاورته، ومن ثمّ اللقاء بالصحابة، وزيارة دار الخلافة، والنظر في شؤون المسلمين.
من هنا، يمكننا الركون ـ بكل بساطة ـ إلى القول بأن ما جرى بينه وبني عثمان بادئ الأمر، من النقاشات الكلامية الحادة، لم يكن سبباً في نفيه إلى الشام ـ كما يتصور ـ بل كان في أغلب الأحيان، سبباً في تعجيل رجوعه إلى الشام، وتقييداً لحريته في الإقامة بالمدينة متى شاء، وكيف أراد.
وبهذا يتضح وهن الرأي القائل بأن عثمان نفاه إلى الشام، هذا الرأي الذي يهدف ـ غالباً ـ إلى إضفاء صبغة مأساوية، تضاف إلى مأساة أبي ذر الحقيقية، وهي نفيه (إلى المدينة، ومن ثم إلى الربذة).
بعد هذا العرض، ننتقل إلى حقيقة تأريخية هامة، تتصل بسيرة هذا الصحابي العظيم، ومكوثه في بلاد الشام هذه المدة الطويلة، وقيامه بدوره الرسالي على أكمل وجه. تلك هي: صلته بنشأة التشيع في جبل عامل، وهذا ما سنعرضه في الفصل التالي:

 
أبو ذر والتشيع في جبل عامل  


وقبل الدخول في الموضوع، لابدّ لنا من الوقوف على موقع (جبل عامل) الجغرافي من بلاد الشام، تأريخياً، لكي نتثبت من إقامة أبي ذر فيه، وتنجلي لنا حقيقة الأمر في ذلك.
- حدود الشام
قال ياقوت في معجم البلدان: وأما حدها ـ يعني الشام ـ فمن الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية.
وأما عرضها: فمن جبلي طيئ من نحو القبلة، إلى بحر الروم، وما بشأمة ذلك من البلاد. وبها من أمهات المدن: منبج، وحلب، وحماة، وحمص، ودمشق، والبيت المقدس، والمعرة. وفي الساحل: إنطاكية، وطرابلس، وعكا، وصور، وعسقلان، وغير ذلك.. الخ (75).
هذه هي سعة الشام وسعة حدودها ـ في ذلك الوقت ـ ويتضح من ذلك، أن منطقة جبل عامل داخلة في ضمنها، لأن منها صور.
وقال في متن اللغة، مادة: ع م ل.
بنو عاملة، حي يمان من ولد الحرث بن عدي. ينتهي إلى كهلان بن سبأ، نسبوا إلى أمهم عاملة بنت مالك القضاعية. وجبلهم بالشام، فوق صور وصيدا، يعرف بهم. واشتهر باسم: جبل عامل (76).
المهم: إن الشام لم تكن اسماً لخصوص دمشق (عاصمة سوريا)، بل كان لفظ الشام يطلق على المنطقة المشار إليها آنفاً بأجمعها، بما فيها جبل عامل.
وقد أشرنا سابقاً إلى أن أبا ذر (رضي الله عنه) أقام في الشام بعد وفاة أبي بكر ـ كما يظهر من رواية الاستيعاب ـ حتى شكاه معاوية إلى عثمان، فأخرجه إلى المدينة، ثم نفاه إلى الربذة. وإن الروايات الأخرى التي تشير إلى إخراجه من المدينة إلى الشام، لا تعني إخراجه إليها منفياً، بل كل ما هناك أن عثمان كان يأمره بالتعجيل في الخروج إلى الشام، كما في قوله له: (الحق بمكتبك).
ثم إن إقامة أبي ذر فيها، لا تعني في خصوص دمشق ـ كما يتوهم ـ بل في المنطقة عامة، يؤيد ذلك قول أبي ذر مخاطباً علياً (عليه السلام) حين كان في وداعه: (إني ثقلت على عثمان بالحجاز، كما ثقلت على معاوية بالشام!) (77).
فكما أن كلمة (الحجاز) تشمل كل مدن الحجاز بما فيها المدينة، كذلك كلمة (الشام) تشمل كل مدن الشام، بما فيها دمشق، وبما فيها (جبل عامل).
ومن الواضح: أنه (رضي الله عنه)، كان في هذه المنطقة، تحت قبضة معاوية وسلطانه. فصح أن يقال: كان عند معاوية.
__________________________
1- الإصابة، ج4، ص63.
2- الفهرست للشيخ الطوسي، ص75.
3- موضع بين مكة والمدينة، خال من السكان.
4- على الأصح الأشهر. وقيل اسمه: برير بن جنادة، وقيل جندب بن سكن، وقيل السكن بن جنادة. ولكن المشهور المتسالم عليه هو جندب بن جنادة، ولا يعرف في كتب التراجم بغير هذا الاسم.
5- أعيان الشيعة، ج16، ص319، نقلاً عن أسد الغابة.
6- شرح النهج، ج8، ص257.
7- شرح النهج، ج8، ص257.
8- الغدير، ج8، ص293.
9- أعيان الشيعة، ج16، ص364، عن آمالي الطوسي.
10- نهج البلاغة، ج3، ص71-72، (الجشع: الحرص، البطنة: الأشر والبطر) القد: سير من جلد غير مدبوغ، والمعنى أن بعضهم يطلب أكله فلا يجده.
11- الربذة: موضع على بعد ثلاثة أيام من المدينة.. معجم البلدان، ج3، ص24.
12- ثنية غزال موضع بين مكة والمدينة.
13- أعيان الشيعة، ج16، ص321، عن الطبقات الكبرى لابن سعد.
14- الخفاء ـ الكساء الذي يغطى به السقاء.
15- صحيح مسلم، ج4، ص1920، ب28، فضائل الصحابة.
16- الخصال، ص42.
17- الغدير، ج8، ص308.
18- ومن غريب ما ورد في خبر إسلامه أيضاً: أن ذئباً عدى على غنم له من جانب، فنجش عليه أبو ذر بعصاه، فتحول إلى الجانب الآخر، فنجش عليه، فقال: ما رأيت ذئباً أخبث منك؟ فانطق الله الذئب فقال: أشر مني أهل مكة! بعث الله إليهم نبياً، فكذبوه وشتموه. فخرج أبو ذر من أهله يريد مكة.. الخ.. هكذا ورد في كتاب الواعظ، م2، ص146. وهذه الرواية ـ إذا صحبت ـ فهي معجزة للنبي محمد (صلّى الله عليه وآله) وقد ذكر الدميري في كتاب الحيوان ج1، ص362، قريباً من ذلك بدون أن يذكر الاسم. قال: عن أبي سعيد الخدري: بينما راع يرعى بالحرّة، إذ عدا الذئب على شاة، فحال الراعي بينه وبينها، فأقعى الذئب على ذنبه، وقال: يا عبد الله، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إليّ؟ فقال الرجل: وا عجباً! ذئب يكلمني؟ فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب مني، هذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين الحرتين يخبر الناس بأنباء ما قد سبق! فزوى الراعي شياهه إلى زاوية المدينة، ثم أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) فأخبره، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: صدق والذي نفسي بيده. (ثم قال): قال ابن عبد البر: وغيره كلم الذئب من الصحابة ثلاثة: رافع بن عميرة، وسلمة بن الأكوع، وأهبان بن أوس الأسلمي، قال: ولذلك تقول العرب: هو كذئب أهبان يتعجبون منه. وذلك، أن أهبان بن أوس المذكور كان في غنم له، فشد الذئب على شاة منها، فصاح به أهبان، فأقعى الذئب، وقال: تنزع مني رزقاً رزقنيه الله؟ فقال أهبان: ما سمعت ولا رأيت أعجب من هذا، ذئب يتكلم؟ فقال الذئب: أعجب من هذا، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين هذه النخلات، وأومأ بيده إلى المدينة، يحدث بما كان وبما يكون، ويدعو الناس إلى الله وإلى عبادته وهم لا يجيبونه.. الخ.
19- أعيان الشيعة، ج16، ص316-317، نقلاً عن الاستيعاب، باب الكنى. وفي الإصابة ج4، ص62-63، وفي صحيح مسلم قريباً من ذلك.
20- عسفان: موضع على بعد ستة وثلاثين ميلا، (بين مكة والمدينة) المعجم.
21- أعيان الشيعة، ج16، ص320-321. الكلمات التي بين قوسين خارجة.
22- يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا.
23- اسم قبيلة.
24- صحيح مسلم، ج4، ك الفضائل، ص1922.
25- الاستيعاب، حاشية على كتاب الإصابة، م1، ص213.
26- الكامل، ج2، ص60.
27- تنبيه الخواطر، ج2، ص274.
28- تنبيه الخواطر، ج2، ص316.
29- الحاذ: الظهر. كنى به عن قلة المال والولد.
30- أعيان الشيعة، ج16، ص469، ط الأولى.
31- نفس المصدر، ج4، ص168.
32- سورة التوبة، آية 22.
33- الإصابة، ج4، ص63، والاستيعاب، ص64.
34- الإصابة، ج4، ص63، والاستيعاب، ص64.
35- معجم رجال الحديث، ج4، ص171.
36- الغدير، ج8، ص312، عن مسند أحمد.
37- الاستيعاب، ج4، ص64.
38- تنبيه الخواطر، ج2، ص300.
39- الاستيعاب، حاشية على الإصابة، ج4، ص64.
40- الغدير، ج8، ص311.
41- نفس المصدر، ص312.
42- الاستيعاب، الإصابة، ج1، ص216.
43- معاني الأخبار، ص179.
44- هذه الأحاديث، أخذناها عن المستدرك، ج3، ص342 و343، وعن الغدير، ج8، ص312، إلى 316.
45- يعني: للعبادة.
46- جهد المقل: قدر ما يحتمله قليل المال.
47- الجم الغفير، هنا: الكثير البركة.
48- تنبيه الخواطر، ج2، ص314 إلى 316، ومعاني الأخبار 333 إلى 335. وقد وجدت بعضاً من مقاطع هذا الحوار في الكامل، ج1، ص47 و60 و124.
49- الشيعة وفنون الإسلام، ص31.
50- الإرشاد، ص10.
51- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص124.
52- معجم رجال الحديث، ج4، ص168.
53- سيرة الأئمة، ج1، ص295.
54- أصل الشيعة وأصولها، ص86.
55- سورة طه، آية 25-32.
56- سورة قصص، آية 35.
57- وفي شواهد التنزيل، اشدد به أزري.
58- سورة مائدة، آية 55.
59- نفس المصدر، ص68.
60- المستدرك، ج3، ص150-151.
61- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص172.
62- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص172.
63- أعيان الشيعة، ص16، ص332.
64- شرح النهج، ج8، ص255-256.
65- أعيان الشيعة، ج16، ص363.
66- نفس المصدر، ص353-354.
67- الاستيعاب، (حاشية على كتاب الإصابة)، م1، ص213.
68- المستدرك مع التلخيص، م3، ص342.
69- الغدير، ج8، ص311، نقلاً عن أسد الغابة، ج5، ص186، وشرح الجامع الصغير، ج5، ص423، وفي الإصابة، ج4، ص64.
70- الغدير، ج8، ص293، نقلاً عن الأنساب، ج5، ص52-54.
71- الكامل، ج3، ص77 و95.
72- الغدير، ج8، ص325 عن عمدة القارئ للعيني، ج4، ص291.
73- شرح النهج، ج80، ص360.
74- المصدر السابق.
75- معجم البلدان، ج3، ص312، مادة: شأم.
76- متن اللغة، ج4، مادة ع م ل، ص209.
77- شرح النهج، ج8، ص254.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page