• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

يومُ سعيدُ

وفي مثل هذا الظّرف الدّقيق الّذي تمرُّ به الدعوة الإسلامية حيث يلتحم معسكر الإيمان ـ وهو ما زال غضّاً ـ مع معسكر الوثنية بقوّته وجبروته . وفي مثل هذه المعركة الضاربة بين رسالة السماء وفوضى الجاهلية ، وفي أقسى الظروف التي تمرُ بها الرسالة الإسلامية المباركة ، يعلن البيت النبوي ـ بيت الرسالة ـ نبأ ميلاد فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ).
ولدت فاطمة المباركة في وقت كانت أُمها قد قوطعت نهائياً من جميع النساء القرشيات ، أُسوة برجالهن الّذين قاطعوا محمداً المنقذ ( صلى الله عليه وآله ) . وحين يكون بيت الرسالة قد قوطع من قريش هذه المقاطعة العنيفة ، وحين يحاصر هذا الحصار الشاق ، فلا بد للسماء أن تحطم هذه الأغلال وتقهرها أمام عمل غيبي مشهود ، فما دام أهل الأرض وأهل الدنيا ـ وهم منغمسون في جاهلية جهلاء ـ قد تعاهدوا على محاصرة محمد وأهل بيته ( عليهم السلام ) فالسماء مستعدة لنصرته ونصرة من يحذو حذوهم..
أنّى كان لون ذلك النصر والعون ، ماديّاً كان أم معنويّاً ، وليس ذلك بعسير على الله سبحانه ، وليس من المستحيل عليه ، وإن تشككت به بعض العقول المعاصرة ، لأنّ هذا الشك المرير الذي تحياه بعض النفوس ـ اليوم ـ ما هو إلاّ نتيجة لجذب النّفوس من الإيمان بالله سبحانه ، فلو امنت النُّفوس بالله وقدّر الناس ربهم حقّ قدره ، لعلموا مدى قدرته وأبعاد حكمته وإطار علمه ، ولكن الجدب الروحي والفكري هو الذي يملي الظنون وإنكار كلّ شيء لا يخضع للحس.
أجل امتدّت يد السّماء الكريمة لتشارك خديجة في مراسيم ولادتها لفاطمة ، وفعلاً دخلت على خديجة نساءٌ سمر طوال كأنّهن من نساء قريش ولسن منهنَ ، وإنما جئن من خارج هذا العالم المحسوس ، جئن من العالم الذي حجبت أبصارنا عن رؤيته ، جئن من عالم الآخرة ليلين من بنت خويلد كما تلي النساء من النساء أثناء الولادة.
وتتحفنا روايات التأريخ الإسلامي : أنّ النساء اللائي زرن خديجة هنّ : حوّاء وآسيا بنت مزاحم وكلثم أُخت موسى ومريم بنت عمران(1).
وتضع خديجة ابنتها الزّهراء ، فيذاع النّبأ ، وتردّد أصداؤه في كل أُفق ليبلغ كلّ مجاهدٍ من أتباع محمد ( صلى الله عليه وآله ) ... .
ولدت فاطمة المباركة في وقت كانت أُمُّها تنتظر مولودتها بفارغ صبر ولهفة شوق لتميط عنها الوحشة التي فرضتها عليها قريش.
وكان لهذا النّبأ صداه العميق في النفوس المجاهدة الصّابرة في المعترك وفي جميع الجبهات التي تملكها دعوة الله في مكة ، وسرى النّبأ إلى القائد محمد ( صلى الله عليه وآله ) فأشرق وجهه بالبشر وتهلل فرحاً وسروراً ، وأسرع إلى خديجة ليبارك لها في مولودتها المباركة ، وكان أول بادرة فاه بها ( صلى الله عليه وآله ) : أن دعاها بفاطمة ولقّبها بالزّهراء...
وراحت تتغدّى بلبن أُمها السيّدة خديجة مشوباً بالهداية ، فراحت تنمو روحياً وفكرياً كما تنمو جسميّاً وفسيولوجيّاً ، وكان اهتمام محمد بها منقطع النّظير ، ولكنّ هذا الإهتمام لم يكن مجرد اهتمام عاطفيّ تفرضه عاطفة الابوة فحسب بل كان هذا الإهتمام مقصوداً وهادفاً ، حيث رأى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في ولادة فاطمة ولادة الإمداد الرّسالي لأنّ فاطمة ستكون وعليّ ( عليه السلام ) مدرسة يتخرّج في أحضانها قادة الأمة المخلصين المتمثلين بأئمة أهل بيت الرسالة المعصومين ـ الأئمة الإثني عشر ـ
وهنا تتجلّى حقيقة أُخرى : هي أنّ اليد التي صنعت من فاطمة أُمّاً للقادة المعصومين هي نفسها اليد التي صنعت من عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أباً وزعيماً لهم حيث كان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قد ربّى عليّاً في بيته يوم أملق عمّه ، فلم يكن اختياره لعليّ قد صدر كما تصدر الأعمال العفوية وإنما كان ذلك وفق تصميم غيبيًّ رصينٍ لكي تكون بيئة عليٍّ هي نفسها بيئة فاطمة ... ولكي يكون التوجه واحداً والتربية واحدة ، ولكي ينشىء عليّ وفاطمة ـ بعد زمن ـ مدرسة الإمامة لتكون الإمداد الرسالي لرسالة محمد ( صلى الله عليه وآله ) وفقاً للإرادة الإلهية المرسومة.
ونحن لا نثق ـ مطلقاً ـ بالأباطيل التي تدّعي أنّ محمداً قد ربّى عليّاً لمجرد صدفة غير مقصودة ، بل إنّنا نرى في هذه الأقوال حطاً من شخصية الرسول المعصوم ( صلى الله عليه وآله ) لأنّ أهل المذاهب الإجتماعية الهابطة إنّما يتصرفون في حياتهم تصرّفاً هادفاً في شتى مجالات نشاطهم ، ففي سلوكهم وفي علاقاتهم مع الآخرين ، كلّ ذلك بغية إنجاح مذاهبهم وتثبيت دعائمها ، فكيف بمن اختاره الله سبحانه لحمل الرسالة الخاتمة للعالمين : « وما ارسلناك إلاّ رحمة للعالمين ». فهل يسير في حياته طبقاً للصّدف والظروف ؟ نحن لا نرتضي ذلك أبداً ، بل إنّ عقيدتنا لا تسمح لنا بترديد هذه النغمات على الإطلاق ، فضلاً عن الاعتقاد بها.
وقد أثبتت الأدلة التاريخية القاطعة : أنّ محمداً القائد ( صلى الله عليه وآله ) كان يخطط لإنجاح دعوته ما لم يستطع عباقرة القرن العشرين من الإهتداء لبعضهما ، فهل يعجز ـ يا ترى ـ عن التّفكير في تبنّي ابن عمه عليّ بن أبي طالب وإنشائه ، إنشاءً روحيّاً وفكرّياً بعيداً عن المصادفات والظروف ، وطبقاً لمصلحة إلهية محتومة ؟.
وترعرعت فاطمة في بيت الرسالة المقدسة حتّى نبت لحمها على الهدى وجرى مع دمها شعاع الإيمان لكي تشعّ على الدنيا أنوار الهداية بعد أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق القادة الذين يتخرجون في مدرستها ـ مدرسة الوحي والإيمان ـ.
وهكذا آن لفاطمة أن تتلقّى تعاليم الوحي تلقي تنفيذٍ وتمثيلٍ على فكرها وسلوكها وكلّ ألوان نشاطاتها.
وهنا يأتي دور المؤرّخين لسيرة الصدّيقة الزّهراء ( عليها السلام ) فتتضارب رواياتهم في تأريخ ميلادها الميمون ، فقد ذهب أكثر مؤرخي الشّيعة الإمامية إلى أنّها وُلدت بعد بعثة أبيها بخمس سنين ـ وهو المشهور ـ ويذهب البعض أنّها ولدت قبل البعثة بخمس سنين وقريش تبني البيت ، وأنا أُرجح ما يذهب إليه القائلون بالرأي الأول ، وعلى هذا الأساس جرى حديثي عن حياتها ( عليها السلام ).
____________
(1) ذخائر العقبى : للطبري.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page