• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ب: زوجة فرعون:

وفي الجهة المقابلة تقف المرأة المجاهدة الصابرة آسية بنت مزاحم الشهيدة. ونوضح ما نرمي إليه في حديثنا عنها فيما يلي من نقاط:
1 ـ إن آسية بنت مزاحم امرأة في مقابل رجل، هو فرعون بالذات.
2 ـ وفرعون هذا هو الزوج المهيمن والقوي، وهو يتعامل مع هذه المرأة الصالحة من موقع الزوجية.
3 ـ وفرعون الرجل والزوج، لا يملك شيئاً من المثل والقيم الإنسانية والرسالية، ولا يردعه رادع عن فعل أي شيء، وفي أي موقع من مواقع حياته، فهو يسترسل مع شهواته، وطموحاته، ومصالحه، بلا حدود ولا قيود، ودونما وازع أو رادع.
أما آسية فعلى النقيض من ذلك، ترى نفسها محكومة لضوابط الدين والقيم والمثل، وهي تهيمن على كل وجودها فلا تستطيع أن تسترسل في حركتها، ولا يمكنها أن تتوسل بكل ما يحلو لها.
4 ـ وفرعون يمثل أقصى حالات الاستكبار في عمق وجوده، وذاته، حتى ليدعي الربوبية، ويقول للناس: «أنا ربكم الأعلى»، فلا يرى أن أحدا قادر على أن يخضعه، أو أن يملي عليه رأيه وإرادته، بل تراه يحمل في داخله الدوافع القوية لسحق كل من يعترض سبيل أهوائه وطموحاته.
فرعون هذا تتحداه امرأته!! في صميم كبريائه، وفي رمز استكباره وعلوه، وعنفوانه، وعمق طموحاته، في ادعائه الربوبية، وفي كل ما يرتكبه من موبقات، وما يمثله من انحراف.
5 ـ وفرعون ملك لديه الجاه العريض، وغرور السلطان، وعنجهيته، وجاذبيته، وعنفوانه، وزهوه. وما أحب تلك المظاهر الخادعة إلى قلب المرأة، وما أولعها بها.
وإذا كانت المرأة تميل إلى الزهو، فإنها إلى زهو الملك العريض أميل، وإذا كان الجاه العريض يستثيرها، فهل ثمة جاه كجاه السلطان، فكيف وهو يدعي الربوبية لنفسه؟!
6 ـ أما المغريات فهي بكل صنوفها، وفي أعلى درجات الإغراء فيها، متوفرة لفرعون، فلديه الدور والقصور، والبساتين، والحدائق الغناء، ولديه اللذائذ والأموال، والخدم والحشم، ولديه الزبارج والبهارج وزينة الحياة الدنيا.
وهل ثمة أحب إلى قلب المرأة من القصر الشاهق، ومن الأثاث الفاخر، واللائق، ومن وصائف كالحور، وغير ذلك من بواعث البهجة والسرور؟!
7 ـ وعند فرعون الرجال والسلاح، وكل قوى القهر، والتسلط، والجبروت، والهيمنة، ولذلك أثره في بث الرهبة، والرعب في قلب كل من تحدثه نفسه بالتمرد، والخلاف.
8 ـ وعند فرعون أيضاً المتزلفون، والطامعون، والطامحون، الذين هم وسائله وأدواته الطيعة، التي تحقق رغباته، وتلبي طلباته، مهما كانت، وفي أي اتجاه تحركت.
9 ـ وهناك الواقع المنحرف الذي تهيمن عليه المفاهيم الجاهلية. والجهل الذريع، والافتتان الطاغي بالحياة الدنيا، هذا الواقع الذي تفوح منه الروائح الكريهة للشهوات البهيمية، وتنبعث فيه الأهواء، وتضج فيه الجرائم.
10 ـ وفي محيط فرعون، تريد امرأة فرعون أن تتخلى عن لذات محسوسة وحاضرة من أجل لذة غائبة عنها، مع أن الإنسان كثيراً ما يرتبط بما يحس ويشعر به، أكثر ما يرتبط بما يتخيله أو يسمع به، بل هو يستصعب الانتقال من لذة محسوسة إلى لذة أخرى مماثلة لها، فكيف يؤثر الانتقال إلى ما هو غائب عنه، ولا يعيشه إلا في نطاق التصور والأمل بحصوله في المستقبل، ثقة بالوعد الإلهي له.
بل إنها «عليها السلام» تريد أن تستبدل لذة وسعادة ونعيما حاضرا بألم وشقاء، وبلاء، بل بموت محتم لقاء لذة موعودة.
11 ـ وبعد ذلك كله، إن هذه المرأة لا تواجه رجلا كسائر الرجال، بل تواجه رجلا عرف بالحنكة، والدهاء، والذكاء.
فكما كان عليها أن تواجه استكباره، وسلطانه، وبغيه، وكل إرهابه، وإغراءه، فقد كان عليها أيضاً أن تواجه مكره، وأحابيله، وتزويره، وأساليبه الذكية الخداعة، وهو الذي استخف قومه فأطاعوه.
وقد ظهرت بعض فصول هذا الكيد والمكر في الحوار الذي سجله الله سبحانه له مع موسى، ومع السحرة الذين جاء بهم هو، فآمنوا بإله موسى([1]).
 
__________
([1]) إن حنكة فرعون كانت عالية إلى درجة أنه ـ كما قال القرآن الكريم ـ استخف قومه فأطاعوه، أي أنه قد تسبب في التأثير على مستوى تفكيرهم، وخفف من مستوى وعيهم للأمور.. كما أننا حين نقرأ ما جرى بينه وبين موسى والسحرة، نجده أيضاً في غاية الفطنة والدهاء، فقد قال تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الآيات 23 ـ 27 من سورة الشعراء].
فيلاحظ: إنه حاول في بادئ الأمر أنه يسفه ما جاء به موسى بطريقة إظهار التعجب والاستهجان. فلما رأى إصرار موسى على مواصلة الاعلان بما جاء به لجأ إلى اتهامه بالجنون. ولكنه أيضاً وجد أن موسى يواصل بعزم ثابت، وإصرار أكيد، إعلانه المخيف لفرعون فالتجأ إلى استعمال أسلوب القهر والقمع، فقال لموسى: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الآية 29 من سورة الشعراء]. فواجهه موسى «عليه السلام» بإبطال كيده هذا، وجرده من هذا السلاح، حيث قال له: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ [الآية 30 من سورة الشعراء]. فاضطره أمام الناس إلى الرضوخ، لذلك فقال: ﴿فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الآية 31 من سورة الشعراء]، فأظهر موسى المعجزة التي جردته من سلاح المنطق والحجة. ولكنه مع ذلك لم يستسلم بل التجأ إلى سلاح آخر، يدلل على حنكته البالغة ودهائه العظيم وعلى درجة عالية من الذكاء، حيث نقل المعركة فورا من ساحته هذه إلى ساحة الآخرين، وأخرج نفسه عن دائرتها، وجعل من نفسه إنسانا غيورا على مصلحة الناس، يريد أن يدفع الشر عنهم، وأن يحفظ لهم مواقعهم فأظهر أن ما جاء به موسى «عليه السلام» لا يعنيه هو ولا يهدد موقعه، وإنما هو يستهدفهم دونه فالقضية إذن هي قضيتهم، فلا بد أن يبادر كل منهم لمواجهتها، وليست هي قضية يمكن التفريط في شأنها، ولا هي تسمح لهم باللامبالاة، أو التأجيل، أو التواكل، مستفيدا من طبيعة المعجزة عنصر التمويه عليهم والتشويه للحقيقة، حيث اعتبر إن انقلاب العصا إلى ثعبان وخروج اليد بيضاء، سحرا يريد موسى أن يتوسل به إلى إخراجهم من أرضهم، فهو قد حول المعجزة القاهرة إلى دليل له، يبطل به دعوى موسى التي جاءت المعجزة لإثباتها وتأكيدها، ثم ألقى الكرة في ملعبهم، وجعل القرار لهم. واستطاع من خلال ذلك أن يقتنص فرصة جديدة يستدرك بها شيئاً من القوة لمواجهة موسى.. وهذا هو ما أوضحته الآيات التالية: ﴿قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الآيات 31 ـ 36 من سورة الشعراء]، وراجع: [الآيات 47 ـ 57 من ورة طه]. فكل ذلك يشير إلى أن فرعون لم يكن رجلاً عادياً، بل كان على درجة عالية من الذكاء والمكر والدهاء، وأنه في حين كان قد استخدم كل قدراته من مال وجاه وجيوش، وقمع وقهر، في سبيل الوصول إلى مبتغاه، فإنه أيضاً قد استخدم ذكاءه وأساليبه المماكرة في سبيل ذلك، حتى {استخف قومه فأطاعوه} سورة الزخرف: 54. ولننظر بدقة إلى قوله تعالى ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [الآية 26 من سورة غافر]. ولنتأمل في موقف فرعون من السحرة، وطريقة مواجهته للصدمة التي نتجت عن إيمانهم بما جاء به موسى، فإنه هو الآخر، دليل آخر يضاف إلى ما تقدم على حنكته وذكائه، وطبيعة أساليبه الماكرة والفاجرة. ولسنا هنا بصدد التوسع في هذا الموضوع، ولم نرد إلا التنويه والإشارة لندلل من خلال ذلك على عظمة الانجاز، وقيمة النصر الذي حققه نبي الله موسى «عليه السلام» على هذه الطاغية المستكبر والماكر.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page