• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

40- باب السبب الذي من أجله قبل علي بن موسى الرضا (ع) ولاية العهد من المأمون و ذكر ما جرى في ذلك و من كرهه و من رضي به و غير ذلك :

1-   حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله قال حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه قال حدثنا محمد بن نصير عن الحسن بن موسى قال روى أصحابنا عن الرضا (ع) أنه قال له رجل أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون و كأنه أنكر ذلك عليه
[139]
فقال له أبو الحسن الرضا (ع) يا هذا أيهما أفضل النبي أو الوصي فقال لا بل النبي قال فأيهما أفضل مسلم أو مشرك قال لا بل مسلم قال فإن العزيز عزيز مصر كان مشركا و كان يوسف (ع) نبيا و إن المأمون مسلم و أنا وصي و يوسف سأل العزيز أن يوليه حين قال اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و أنا أجبرت على ذلك و قال (ع) في قوله تعالى اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ قال حافظ لما في يدي عالم بكل لسان .
2-   حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن الصلت قال دخلت على علي بن موسى الرضا (ع) فقلت له يا ابن رسول الله الناس يقولون إنك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا فقال (ع) قد علم الله كراهتي لذلك فلما خيرت بين قبول ذلك و بين القتل اخترت القبول على القتل ويحهم أ ما علموا أن يوسف (ع) كان نبيا و رسولا فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و دفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه و إجبار بعد الإشراف على الهلاك على أني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه فإلى الله المشتكى و هو المستعان .
3-   حدثنا الحسين بن إبراهيم بن تاتانة رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن أبي الصلت الهروي قال إن المأمون قال للرضا (ع) يا ابن رسول الله قد عرفت علمك و فضلك و زهدك و ورعك و عبادتك و أراك أحق بالخلافة مني فقال الرضا (ع) بالعبودية لله عز و جل أفتخر و بالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا و بالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم و بالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عز و جل فقال له المأمون فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة و أجعلها لك و أبايعك فقال له الرضا (ع) إن كانت هذه الخلافة لك و الله جعلها لك فلا يجوز لك أن تخلع لباسا ألبسك الله و تجعله لغيرك و إن كانت الخلافة
[140]
ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك فقال له المأمون يا ابن رسول الله فلا بد لك من قبول هذا الأمر فقال لست أفعل ذلك طائعا أبدا فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله فقال له فإن لم تقبل الخلافة و لم تجب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي فقال الرضا (ع) و الله لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) أني أخرج من الدنيا قبلك مسموما مقتولا بالسم مظلوما تبكي علي ملائكة السماء و ملائكة الأرض و أدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد فبكى المأمون ثم قال له يا ابن رسول الله و من الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك و أنا حي فقال الرضا (ع) أما إني لو أشاء أن أقول لقلت من الذي يقتلني فقال المأمون يا ابن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك و دفع هذا الأمر عنك ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا فقال الرضا (ع) و الله ما كذبت منذ خلقني ربي عز و جل و ما زهدت في الدنيا للدنيا و إني لأعلم ما تريد فقال المأمون و ما أريد قال الأمان على الصدق قال لك الأمان قال تريد بذلك أن يقول الناس إن علي بن موسى الرضا (ع) لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه أ لا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة فغضب المأمون ثم قال إنك تتلقاني أبدا بما أكرهه و قد أمنت سطوتي فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد و إلا أجبرتك على ذلك فإن فعلت و إلا ضربت عنقك فقال الرضا (ع) قد نهاني الله تعالى أن ألقي بيدي التهلكة فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك و أنا أقبل ذلك على أني لا أولي أحدا و لا أعزل أحدا و لا أنقض رسما و لا سنة و أكون في الأمر من بعيد مشيرا فرضي منه بذلك و جعله ولي عهده على كراهة منه (ع) بذلك .
4-   حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن محمد بن عرفة
[141]
قال قلت للرضا (ع) يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد فقال ما حمل جدي أمير المؤمنين (ع) على الدخول في الشورى .
5-   حدثنا علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال و الله ما دخل الرضا (ع) في هذا الأمر طائعا و لقد حمل إلى الكوفة مكرها ثم أشخص منها على طريق البصرة و فارس إلى مرو .
6-   حدثنا أبو محمد الحسن بن يحيى العلوي الحسيني رضي الله عنه بمدينة السلام قال أخبرني جدي يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين قال حدثني موسى بن سلمة قال كنت بخراسان مع محمد بن جعفر فسمعت أن ذا الرئاستين الفضل بن سهل خرج ذات يوم و هو يقول وا عجبا لقد رأيت عجبا سلوني ما رأيت فقالوا ما رأيت أصلحك الله قال رأيت أمير المؤمنين يقول لعلي بن موسى الرضا قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين و أفسخ ما في رقبتي و أجعله في رقبتك و رأيت علي بن موسى يقول له الله الله لا طاقة لي بذلك و لا قوة فما رأيت خلافه قط كانت أضيع منها أمير المؤمنين يتفصى فيها و يعرضها على علي بن موسى و علي بن موسى يرفضها و يأبى .
7-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن إسماعيل بن الخصيب قال لما ولي الرضا (ع) العهد خرج إليه إبراهيم بن العباس و دعبل بن علي و كانا لا يفترقان و رزين بن علي أخو دعبل فقطع عليهم الطريق فالتجئوا إلى أن ركبوا إلى بعض المنازل حميرا كانت تحمل
[142]
الشوك فقال إبراهيم و أنشد :
أعيدت بعد حمل الشوك ** أحمالا من الخزف
‏نشاوي لا من الخمر ** بل من شدة الضعف .
ثم قال لرزين بن علي أجز هذا فقال :
فلو كنتم على ذاك ** تصيرون إلى القصف
‏تساوت حالكم فيه ** و لم تبقوا على الخصف .
ثم قال لدعبل أجز يا با علي فقال :
إذا فات الذي فات ** فكونوا من ذوي الظرف
‏و خفوا نقصف اليوم ** فإني بائع خف
8-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني هارون بن عبد الله المهلبي قال لما وصل إبراهيم بن العباس و دعبل بن علي الخزاعي إلى الرضا (ع) و قد بويع له بالعهد أنشده دعبل :
مدارس آيات خلت من تلاوة ** و منزل وحي مقفر العرصات
و أنشده إبراهيم بن العباس :
أزالت عناء القلب بعد التجلد ** مصارع أولاد النبي محمد
فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه كان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت قال فأما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصته إلى قم فباع كل درهم بعشرة دراهم فتخلصت له مائة ألف درهم و أما إبراهيم فلم يزل عنده بعد أن أهدى بعضها و فرق بعضها على أهله إلى أن توفي رحمه الله و كان كفنه و جهازه منها .
9-   حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق قال حدثنا علي بن هارون الحميري قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا (ع) ولي عهده و إن الشعراء قصدوا المأمون و وصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا (ع) و صوبوا رأي المأمون في الأشعار دون أبي نواس فإنه لم يقصده و لم يمدحه و دخل على المأمون فقال له
[143]
يا با نواس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني و ما أكرمته به فلما ذا أخرت مدحه و أنت شاعر زمانك و قريع دهرك فأنشد يقول :
قيل لي أنت أوحد الناس طرا ** في فنون من الكلام النبيه
‏لك من جوهر الكلام بديع ** يثمر الدر في يدي مجتنيه
‏فعلى ما تركت مدح ابن موسى ** و الخصال التي تجمعن فيه
‏قلت لا أهتدي لمدح إمام ** كان جبرئيل خادما لأبيه
فقال المأمون أحسنت و وصله من المال بمثل الذي وصل به كافة الشعراء و فضله عليهم .
10-   حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رحمه الله قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال حدثنا أبو الحسن محمد بن يحيى الفارسي قال نظر أبو نواس إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) ذات يوم و قد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنا منه أبو نواس فسلم عليه و قال يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا فأحب أن تسمعها مني قال هات فأنشأ يقول :
مطهرون نقيات ثيابهم ** تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علويا حين تنسبه ** فما له من قديم الدهر مفتخر
فالله لما برأ خلقا فأتقنه ** صفاكم و اصطفاكم أيها البشر
فأنتم الملأ الأعلى و عندكم ** علم الكتاب و ما جاءت به السور
فقال الرضا (ع) قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد ثم قال يا غلام هل معك من نفقتنا شي‏ء فقال ثلاثمائة دينار فقال أعطها إياه ثم قال (ع) لعله استقلها يا غلام سق إليه
[144]
البغلة و لما كانت سنة إحدى و مائتين حج بالناس إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى و دعا للمأمون و لعلي بن موسى الرضا (ع) من بعده بولاية العهد فوثب إليه حمدويه بن علي بن عيسى بن هامان فدعا إسحاق بسواده فلم يجده فأخذ علما أسود فالتحف به و قال أيها الناس إني قد أبلغتكم ما أمرت به و لست أعرف إلا أمير المؤمنين المأمون و الفضل بن سهل ثم نزل و دخل عبد الله بن مطرف بن هامان على المأمون يوما و عنده علي بن موسى الرضا (ع) فقال له المأمون ما تقول في أهل البيت فقال عبد الله ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة و غرست بماء الوحي هل ينفخ منه إلا مسك الهدى و عنبر التقى قال فدعا المأمون بحقة فيها لؤلؤ فحشا فاه .
حدثنا أبو نصر محمد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب بإيلاق قال حدثنا أبو الحسن محمد بن صقر الغساني قال حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد يقول خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه و لم ير وجهه فقيل إنه علي بن موسى الرضا (ع) فأنشأ يقول :
إذا أبصرتك العين من بعد غاية ** و عارض فيك الشك أثبتك القلب
‏و لو أن قوما أمموك لقادهم ** نسيمك حتى يستدل بك الركب
12-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال حدثني الحافظ عن ثمامة بن أشرس قال عرض المأمون يوما للرضا (ع) بالامتنان عليه بأن ولاه العهد فقال له إن من أخذ برسول الله (ص) لحقيق أن يعطى به و لعلي بن الحسين (ع) كلام في هذا النحو .
[145]
13 -   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلاني قال حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد بن علي و كان مستترا ستين سنة قال حدثنا عمي قال حدثنا جعفر بن محمد الصادق (ع) قال كان علي بن الحسين (ع) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم أ تدرون من هذا قالوا لا قال هذا علي بن الحسين (ع) فوثبوا فقبلوا يده و رجله و قالوا يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا إليك يد أو لسان أ ما كنا قد هلكنا آخر الدهر فما الذي يحملك على هذا فقال إني كنت قد سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (ص) ما لا أستحق به فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إلي .
14-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا المغيرة بن محمد قال حدثنا هارون الفروي قال لما جاءتنا بيعة المأمون للرضا (ع) بالعهد إلى المدينة خطب بها الناس عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي فقال في آخر خطبته أ تدرون من ولي عهدكم فقالوا لا قال هذا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) .
سبعة آباء هم ما هم ** هم خير من يشرب صوب الغمام
15-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أحمد بن القاسم بن إسماعيل قال سمعت إبراهيم بن العباس يقول لما عقد المأمون البيعة لعلي بن موسى الرضا (ع) قال له الرضا (ع) يا أمير المؤمنين إن النصح لك واجب و الغش لا ينبغي لمؤمن إن العامة تكره ما فعلت بي و الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل و الرأي لك أن تبعدنا عنك حتى يصلح لك أمرك قال إبراهيم فكان و الله قوله هذا السبب في الذي آل الأمر إليه .
[146]
16 -   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال لما بايع المأمون الرضا (ع) بالعهد أجلسه إلى جانبه فقام العباس الخطيب فتكلم فأحسن ثم ختم ذلك بأن أنشد :
لا بد للناس من شمس و من قمر ** فأنت شمس و هذا ذلك القمر
17-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثنا أبي قال لما بويع الرضا (ع) بالعهد اجتمع الناس إليه يهنئونه فأومى إليهم فأنصتوا ثم قال بعد أن استمع كلامهم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه و لا راد لقضائه يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و صلى الله على محمد في الأولين و الآخرين و على آله الطيبين الطاهرين أقول و أنا علي بن موسى بن جعفر (ع) إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد و وفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قطعت و آمن نفوسا فزعت بل أحياها و قد تلفت و أغناها إذا افتقرت مبتغيا رضى رب العالمين لا يريد جزاء إلا من عنده و سيجزي الله الشاكرين و لا يضيع أجر المحسنين و إنه جعل إلي عهده و الإمرة الكبرى إن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله تعالى بشدها و قصم عروة أحب الله إيثاقها فقد أباح حريمه و أحل محرمه إذا كان بذلك زاريا على الإمام منتهكا حرمة الإسلام بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات و لم يعترض بعدها على الغرمات خوفا على شتات الدين و اضطراب حبل المسلمين و لقرب أمر الجاهلية و رصد المنافقين فرصة تنتهز و بائقة تبتدر و ما أدري ما يفعل
[147]
بي و لا بكم إن الحكم إلا لله يقضي الحق و هو خير الفاصلين .
18-   حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي الحاكم قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحسن بن الجهم قال حدثني أبي قال صعد المأمون المنبر لما بايع علي بن موسى الرضا (ع) فقال أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) و الله لو قرأت هذه الأسماء على الصم البكم لبرءوا بإذن الله عز و جل .
19-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرب إلى الله عز و جل و إلى رسوله (ص) بصلة رحمه بالبقية بالعهد لعلي بن موسى الرضا (ع) ليمحو بذلك ما كان من أمر الرشيد فيهم و ما كان يقدر على خلافه في شي‏ء فوجه من خراسان برجاء بن أبي الضحاك و ياسر الخادم ليشخصا إليه محمد بن جعفر بن محمد و علي بن موسى بن جعفر (ع) و ذلك في سنة مائتين فلما وصل علي بن موسى (ع) إلى المأمون و هو بمرو ولاه العهد من بعده و أمر للجند برزق سنة و كتب إلى الآفاق بذلك و سماه الرضا و ضرب الدراهم باسمه و أمر الناس بلبس الخضرة و ترك السواد و زوجه ابنته أم حبيب و زوج ابنه محمد بن علي (ع) ابنته أم الفضل بنت المأمون و تزوج هو ببوران بنت الحسن بن سهل زوجه بها عمها الفضل و كان كل هذا في يوم واحد و ما كان يحب أن يتم العهد للرضا (ع) بعده قال الصولي و قد صح عندي ما حدثني به أحمد بن عبيد الله من جهات منها أن عون بن محمد حدثني عن الفضل بن سهل النوبختي أو عن أخ له قال لما عزم المأمون على العقد للرضا (ع) بالعهد قلت و الله لأعتبرن ما في نفس المأمون من هذا الأمر أ يحب إتمامه أو هو تصنع به فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني بأسراره على يده و
[148]
قد عزم ذو الرئاستين على عقد العهد و الطالع السرطان و فيه المشتري و السرطان و إن كان شرف المشتري فهو برج منقلب لا يتم أمر ينعقد فيه و مع هذا فإن المريخ في الميزان الذي هو الرابع و وتد الأرض في بيت العاقبة و هذا يدل على نكبة المعقود له و عرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري فكتب إلي إذا قرأت جوابي إليك فاردده إلي مع الخادم و نفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه أو أن يرجع ذو الرئاستين عن عزمه فإنه إن فعل ذلك ألحقت الذنب بك و علمت أنك سببه قال فضاقت علي الدنيا و تمنيت أني ما كنت كتبت إليه ثم بلغني أن الفضل بن سهل ذا الرئاستين قد تنبه على الأمر و رجع عن عزمه و كان حسن العلم بالنجوم فخفت و الله على نفسي و ركبت إليه فقلت له أ تعلم في السماء نجما أسعد من المشتري قال لا قلت أ فتعلم أن في الكواكب نجما يكون في حال أسعد منها في شرفها قال لا قلت فأمضي العزم على ذلك إذ كنت تعقده و سعد الفلك في أسعد حالاته فأمضي الأمر على ذلك فما علمت أني من أهل الدنيا حتى وقع العهد فزعا من المأمون .
20-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن محمد بن الفرات أبو العباس و الحسين بن علي الباقطائي قالا كان إبراهيم بن العباس صديقا لإسحاق بن إبراهيم أخي زيدان الكاتب المعروف بالزمن فنسخ له شعره في الرضا (ع) وقت منصرفه من خراسان و فيه شي‏ء بخطه و كانت النسخة عنده إلى أن ولي إبراهيم بن العباس ديوان الضياع للمتوكل و كان قد تباعد ما بينه و بين أخي زيدان الكاتب فعزله عن ضياع كانت في يده و طالبه بمال و شدد عليه فدعا إسحاق بعض من يثق به و قال له امض إلى إبراهيم بن العباس فأعلمه أن شعره في الرضا (ع) كله عندي بخطه و غير خطه و لئن لم يترك بالمطالبة عني لأوصلنه إلى المتوكل فصار الرجل إلى إبراهيم برسالة فضاقت به الدنيا حتى أسقط
[149]
المطالبة عنه و أخذ جميع ما عنده من شعره بعد أن حلف كل واحد منهما لصاحبه قال الصولي حدثني يحيى بن علي المنجم قال قال لي أنا كنت السفير بينهما حتى أخذت الشعرة فأحرقه إبراهيم بن العباس بحضرتي قال الصولي و حدثني أحمد بن ملحان قال كان لإبراهيم بن العباس ابنان اسمهما الحسن و الحسين يكنيان بأبي محمد و أبي عبد الله فلما ولي المتوكل سمى الأكبر إسحاق و كناه بأبي محمد و سمى الأصغر عباسا و كناه بأبي الفضل فزعا قال الصولي حدثني أحمد بن إسماعيل بن الخصيب قال ما شرب إبراهيم بن العباس و لا موسى بن عبد الملك النبيذ قط حتى ولي المتوكل فشرباه و كانا يتعمدان أن يجمعا الكراعات و المخنثين و يشربا بين أيديهم في كل يوم ثلاثا ليشيع الخبر بشربهما و له أخبار كثيرة في توقيه ليس هذا موضع ذكرها .
21-   حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب و علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال حدثني ياسر الخادم لما رجع المأمون من خراسان بعد وفاة أبي الحسن الرضا (ع) بطوس بأخباره كلها قال علي بن إبراهيم و حدثني الريان بن الصلت و كان من رجال الحسن بن سهل و حدثني أبي عن محمد بن عرفة و صالح بن سعيد الكاتب الراشدي كل هؤلاء حدثوا بأخبار أبي الحسن الرضا (ع) و قالوا لما انقضى أمر المخلوع و استوى أمر المأمون كتب إلى الرضا (ع) يستقدمه إلى خراسان فاعتل عليه الرضا (ع) بعلل كثيرة فما زال المأمون يكاتبه و يسأله حتى علم الرضا (ع) أنه لا يكف عنه فخرج و أبو جعفر (ع) له سبع سنين فكتب إليه المأمون لا تأخذ على طريق الكوفة و قم فحمل على طريق البصرة و الأهواز و فارس حتى وافى مرو فلما وافى مرو عرض عليه المأمون يتقلد الإمرة و الخلافة فأبى الرضا (ع) ذلك و جرت في هذا مخاطبات كثيرة و بقوا في ذلك نحوا من شهرين كل ذلك يأبى أبو الحسن الرضا (ع) أن يقبل ما يعرض عليه فلما كثر الكلام و الخطاب في هذا قال المأمون فولاية العهد
[150]
فأجابه إلى ذلك و قال له على شروط أسألها فقال المأمون سل ما شئت قالوا فكتب الرضا (ع) إني أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر و لا أنهى و لا أقضي و لا أغير شيئا مما هو قائم و تعفيني من ذلك كله فأجابه المأمون إلى ذلك و قبلها على هذه الشروط و دعا المأمون الولاة و القضاة و القواد و الشاكرية و ولد العباس إلى ذلك فاضطربوا عليه فأخرج أموالا كثيرة و أعطى القواد و أرضاهم إلا ثلاثة نفر من قواده أبوا ذلك أحدهم عيسى الجلودي و علي بن أبي عمران و أبو يونس فإنهم أبوا أن يدخلوا في بيعة الرضا (ع) فحبسهم و بويع الرضا (ع) و كتب ذلك إلى البلدان و ضربت الدنانير و الدراهم باسمه و خطب له على المنابر و أنفق المأمون في ذلك أموالا كثيرة فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (ع) يسأله أن يركب و يحضر العيد و يخطب ليطمئن قلوب الناس و يعرفوا فضله و تقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة فبعث إليه الرضا (ع) و قال قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر فقال المأمون إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة و الجند و الشاكرية هذا الأمر فتطمئن قلوبهم و يقروا بما فضلك الله به فلم يزل يرده الكلام في ذلك فلما ألح عليه قال يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي و إن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله (ص) و كما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال المأمون اخرج كما تحب و أمر المأمون القواد و الناس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن الرضا (ع) فقعد الناس لأبي الحسن الرضا (ع) في الطرقات و السطوح من الرجال و النساء و الصبيان و اجتمع القواد على باب الرضا (ع) فلما طلعت الشمس قام الرضا (ع) فاغتسل و تعمم بعمامة بيضاء من قطن و ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفه و تشمر ثم قال لجميع مواليه افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازة و خرج و نحن بين يديه و هو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة فلما قام و مشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء .
[151]
و كبر أربع تكبيرات فخيل إلينا أن الهواء و الحيطان تجاوبه و القواد و الناس على الباب قد تزينوا و لبسوا السلاح و تهيئوا بأحسن هيئة فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة حفاة قد تشمرنا و طلع الرضا (ع) وقف وقفة على الباب قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام و الحمد لله على ما أبلانا و رفع بذلك صوته و رفعنا أصواتنا فتزعزعت مرو من البكاء و الصياح فقالها ثلاث مرات فسقط القواد عن دوابهم و رموا بخفافهم لما نظروا إلى أبي الحسن (ع) و صارت مرو ضجة واحدة و لم يتمالك الناس من البكاء و الضجيج و كان أبو الحسن (ع) يمشي و يقف في كل عشر خطوات وقفة فكبر الله أربع مرات فتخيل إلينا أن السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه و بلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس فالرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه و رجع .
22-   حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم عن الريان بن الصلت قال أكثر الناس في بيعة الرضا من القواد و العامة و من لم يحب ذلك و قالوا إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرئاستين فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه فقال يا ريان بلغني أن الناس يقولون إن بيعة الرضا (ع) كانت من تدبير الفضل بن سهل فقلت يا أمير المؤمنين يقولون ذلك قال ويحك يا ريان أ يجسر أحد أن يجي‏ء إلى خليفة و ابن خليفة قد استقامت له الرعية و القواد و استوت له الخلافة فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك أ يجوز هذا في العقل قال قلت له لا و الله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد قال لا و الله ما كان كما يقولون و لكني سأخبرك بسبب ذلك إنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عقد لعلي بن عيسى بن هامان و أمره
[152]
أن يقيدني بقيد و يجعل الجامعة في عنقي فورد علي بذلك الخبر و بعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان و كرمان و ما والاها فأفسد علي أمري فانهزم هرثمة و خرج صاحب السرير و غلب على كور خراسان من ناحية فورد علي هذا كله في أسبوع فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة في ذلك و لا كان لي مال أتقوى به و رأيت من قوادي و رجالي الفشل و الجبن أردت أن ألحق بملك كابل فقلت في نفسي ملك كابل رجل كافر و يبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله تعالى من ذنوبي و أستعين به على هذه الأمور و أستجير بالله تعالى و أمرت بهذا البيت و أشار إلى بيت فكنس و صببت علي الماء و لبست ثوبين أبيضين و صليت أربع ركعات فقرأت فيها من القرآن ما حضرني و دعوت الله تعالى و استجرت به و عاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الأمر إلي و كفاني عادية هذه الأمور الغليظة أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضع الله فيه ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى علي بن عيسى بن هامان فكان من أمره ما كان و رددت هرثمة بن أعين إلى رافع بن أعين فظفر به و قتله و بعثت إلى صاحب السرير فهاديته و بذلت له شيئا حتى رجع فلم يزل أمري يتقوى حتى كان من أمر محمد ما كان و أفضى الله إلي بهذا الأمر و استوى لي فلما وفى الله تعالى بما عاهدته عليه أحببت أن أفي الله بما عاهدته فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا (ع) فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت فهذا كان سببها فقلت وفق الله أمير المؤمنين فقال يا ريان إذا كان غدا و حضر الناس فاقعد بين هؤلاء القواد و حدثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقلت يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلا ما سمعته منك فقال سبحان الله ما أجد أحدا يعينني على هذا الأمر لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري و دثاري فقلت يا أمير المؤمنين أنا أحدث عنك بما سمعته منك من الأخبار فقال نعم حدث عني بما سمعته مني من الفضائل فلما كان من الغد قعدت بين القواد في الدار فقلت حدثني أمير المؤمنين عن أبيه عن آبائه .
[153]
عن رسول الله (ص) قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه و حدثني أمير المؤمنين عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله (ص) علي مني بمنزلة هارون من موسى و كنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه و حدثت بحديث خيبر و بهذه الأخبار المشهورة فقال عبد الله بن مالك الخزاعي رحم الله عليا كان رجلا صالحا و كان المأمون قد بعث غلاما إلى مجلسنا يسمع الكلام فيؤديه إليه قال الريان فبعث إلي المأمون فدخلت إليه فلما رآني قال يا ريان ما أرواك للأحاديث و أحفظك لها قال قد بلغني ما قال اليهودي عبد الله بن مالك في قوله رحم الله عليا كان رجلا صالحا و الله لأقتلنه إن شاء الله و كان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني من أخص الناس عند الرضا (ع) من قبل أن يحمل و كان عالما أديبا لبيبا و كانت أمور الرضا (ع) تجري من عنده و على يده و تصيره الأموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن (ع) فلما حمل أبو الحسن اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين و قربه ذو الرئاستين و أدناه فكان ينقل أخبار الرضا (ع) إلى ذي الرئاستين و المأمون فحظي بذلك عندهما و كان لا يخفى عليهما من أخباره شيئا فولاه المأمون حجابة الرضا (ع) فكان لا يصل إلى الرضا (ع) إلا من أحب و ضيق على الرضا (ع) و كان من يقصده من مواليه لا يصل إليه و كان لا يتكلم الرضا (ع) في داره بشي‏ء إلا أورده هشام على المأمون و ذي الرئاستين و جعل المأمون العباس ابنه في حجر هشام و قال له أدبه فسمي هشام العباسي لذلك قال و أظهر ذو الرئاستين عداوة شديدة لأبي الحسن الرضا (ع) و حسده على ما كان المأمون يفضله به فأول ما ظهر لذي الرئاستين من أبي الحسن (ع) أن ابنة عم المأمون كانت تحبه و كان يحبها و كان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون و كانت تميل إلى أبي الحسن الرضا (ع) و تحبه و تذكر ذا الرئاستين و تقع فيه فقال ذو الرئاستين حين بلغه ذكرها له لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعا إلى مجلسك فأمر المأمون بسده
[154]
و كان المأمون يأتي الرضا (ع) يوما و الرضا (ع) يأتي المأمون يوما و كان منزل أبي الحسن (ع) بجنب منزل المأمون فلما دخل أبو الحسن (ع) إلى المأمون و نظر إلى الباب مسدودا قال يا أمير المؤمنين ما هذا الباب الذي سددته فقال رأى الفضل ذلك و كرهه فقال (ع) إنا لله و إنا إليه راجعون ما للفضل و الدخول بين أمير المؤمنين و حرمه قال فما ترى قال فتحه و الدخول إلى ابنة عمك و لا تقبل قول الفضل فيما لا يحل و لا يسع فأمر المأمون بهدمه و دخل على ابنة عمه فبلغ الفضل ذلك فغمه .
23-   و وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء و الشرط من الرضا علي بن موسى (ع) إلى العمال في شأن الفضل بن سهل و أخيه و لم أرو ذلك عن أحد أما بعد فالحمد لله البدي‏ء الرفيع القادر القاهر الرقيب على عباده المقيت على خلقه الذي خضع كل شي‏ء لملكه و ذل كل شي‏ء لعزته و استسلم كل شي‏ء لقدرته و تواضع كل شي‏ء لسلطانه و عظمته و أحاط بكل شي‏ء علمه و أحصى عدده فلا يؤده كبير و لا يعزب عنه صغير الذي لا تدركه أبصار الناظرين و لا تحيط به صفة الواصفين له الخلق و الأمر و المثل الأعلى في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم و الحمد لله الذي شرع للإسلام دينا ففضله و عظمه و شرفه و كرمه و جعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره و الصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه و لا يهتدي من صرف عنه و جعل فيه النور و البرهان و الشفاء و البيان و بعث به من اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله في الأمم الخالية و القرون الماضية حتى انتهت رسالته إلى محمد المصطفى (ص) فختم به النبيين و قفى به على آثار المرسلين و بعثه رحمة للعالمين و بشيرا للمؤمنين المصدقين و نذيرا للكافرين المكذبين لتكون له الحجة البالغة و ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة و إن الله لسميع عليم و الحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة و استودعهم العلم و الحكمة و جعلهم معدن الإمامة و الخلافة و أوجب ولايتهم و شرف منزلتهم فأمر رسوله بمسألة أمته مودتهم إذ يقول
[155]
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى و ما وصفهم به من إذهابه الرجس عنهم و تطهيره إياهم في قوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ثم إن المأمون بر رسول الله (ص) في عترته و وصل أرحام أهل بيته فرد ألفتهم و جمع فرقتهم و رأب صدعهم و رتق فتقهم و أذهب الله به الضغائن و الإحن بينهم و أسكن التناصر و التواصل و المودة و المحبة قلوبهم فأصبحت بيمنه و حفظه و بركته و بره و صلته أيديهم واحدة و كلمتهم جامعة و أهواؤهم متفقة و رعى الحقوق لأهلها و وضع المواريث مواضعها و كافأ إحسان المحسنين و حفظ بلاء المبتلين و قرب و باعد على الدين ثم اختص بالتفضيل و التقديم و التشريف من قدمته مساعيه فكان ذلك ذي الرئاستين الفضل بن سهل إذ رآه له مؤازرا و بحقه قائما و بحجته ناطقا و لنقبائه نقيبا و لخيوله قائدا و لحروبه مدبرا و لرعيته سائسا و إليه داعيا و لمن أجاب إلى طاعته مكافيا و لمن عدل عنها منابذا و بنصرته متفردا و لمرض القلوب و النيات مداويا لم ينهه عن ذلك قلة مال و لا عوز رجال و لم يمل به طمع و لم يلفته عن نيته و بصيرته وجل بل عند ما يهول المهولون و يرعد و يبرق له المبرقون و المرعدون و كثرة المخالفين و المعاندين من المجاهدين و المخاتلين أثبت ما يكون عزيمة و أجرى جنانا و أنفذ مكيدة و أحسن تدبيرا و أقوى في تثبيت حق المأمون و الدعاء إليه حتى قصم أنياب الضلالة و فل حدهم و قلم أظفارهم و حصد شوكتهم و صرعهم مصارع الملحدين في دينهم و الناكثين لعهده .
[156]
الوانين في أمره المستخفين بحقه الآمنين لما حذر من سطوته و بأسه مع آثار ذي الرئاستين في صنوف الأمم من المشركين و ما زاد الله به في حدود دار المسلمين مما قد وردت أنباؤه عليكم و قرئت به الكتب على منابركم و حمله أهل الآفاق إليكم إلى غيركم فانتهى شكر ذي الرئاستين بلاء أمير المؤمنين عنده و قيامه بحقه و ابتذاله مهجته و مهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة المحمود السياسة إلى غاية تجاوز فيها الماضين و فاز بها الفائزين و انتهت مكافاة أمير المؤمنين إياه إلى ما حصل له من الأموال و القطائع و الجواهر و إن كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه و لا بمقام من مقاماته فتركه زهدا فيه و ارتفاعا من همته عنه و توفيرا له على المسلمين و إطراحا للدنيا و استصغارا لها و إيثارا للآخرة و منافسة فيها و سأل أمير المؤمنين ما لم يزل له سائلا و إليه فيه راغبا من التخلي و التزهد فعظم ذلك عنده و عندنا لمعرفتنا بما جعل الله عز و جل في مكانه الذي هو به من العز و الدين و السلطان و القوة على صلاح المسلمين و جهاد المشركين و ما أرى الله به من تصديق نيته و يمن نقيبته و صحة تدميره و قوة رأيه و نجح طلبته و معاونته على الحق و الهدى و البر و التقوى فلما وثق أمير المؤمنين وثقنا منه بالنظر للدين و إيثار ما فيه صلاحه و أعطيناه سؤله الذي يشبه قدره و كتبنا له كتاب حباء و شرط قد نسخ في أسفل كتابي هذا و أشهدنا الله عليه و من حضرنا من أهل بيتنا و القواد و الصحابة و القضاة و الفقهاء و الخاصة و العامة و رأى أمير المؤمنين الكتاب به إلى الآفاق ليذيع و يشيع في أهلها و يقرأ على منابرها و يثبت عند ولاتها و قضاتها فسألني أن أكتب بذلك و أشرح معانيه و هي على ثلاثة أبواب ففي الباب الأول البيان عن كل آثاره التي أوجب الله تعالى بها حقه علينا و على المسلمين و الباب الثاني البيان عن مرتبته في إزاحة علته في كل ما دبر و دخل فيه و ألا سبيل عليه فيما ترك و كره و ذلك لما ليس لخلق ممن في عنقه بيعة إلا له وحده و لأخيه و من إزاحة العلة تحكيمها في كل من بغى عليهما و سعى بفساد علينا و عليهما و على أوليائنا لئلا يطمع
[157]
طامع في خلاف عليهما و لا معصية لهما و لا احتيال في مدخل بيننا و بينهما و الباب الثالث البيان عن إعطائنا إياه ما أحب من ملك التحلي و حلية الزهد و حجة التحقيق لما سعى فيه من ثواب الآخرة بما يتقرب في قلب من كان شاكا في ذلك منه و ما يلزمنا له من الكرامة و العز و الحباء الذي بذلناه له و لأخيه في منعهما ما نمنع منه أنفسنا و ذلك محيط بكل ما يحتاط فيه محتاط في أمر دين و دنيا و هذه نسخة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب و شرط من عبد الله المأمون أمير المؤمنين و ولي عهده علي بن موسى الرضا لذي الرئاستين الفضل بن سهل في يوم الإثنين لسبع ليال خلون من شهر رمضان من سنة إحدى و مائتين و هو اليوم الذي تمم الله فيه دولة أمير المؤمنين و عقد لولي عهده و ألبس الناس اللباس الأخضر و بلغ أمله في إصلاح وليه و الظفر بعدوه إنا دعوناك إلى ما فيه بعض مكافاتك على ما قمت به من حق الله تبارك و تعالى و حق رسوله (ص) و حق أمير المؤمنين و ولي عهده علي بن موسى و حق هاشم التي بها يرجى صلاح الدين و سلامة ذات البين بين المسلمين إلى أن يثبت النعمة علينا و على العامة بذلك و بما عاونت عليه أمير المؤمنين من إقامة الدين و السنة و إظهار الدعوة الثانية و إيثار الأولى مع قمع المشركين و كسر الأصنام و قتل العتاة و سائر آثارك الممثلة للأمصار في المخلوع و قابل و في المسمى بالأصفر المكنى بأبي السرايا و في المسمى بالمهدي محمد بن جعفر الطالبي و الترك الحولية و في طبرستان و ملوكها إلى بندار هرمز بن شروين و في الديلم و ملكها مهورس و في كابل و ملكها هرموس ثم ملكها الأصفهبد و في ابن البرم و جبال .
[158]
بدار بندة و غرشستان و الغور و أصنافها و في خراسان خاقان و ملون صاحب جبل التبت و في كيمان و التغرغر و في أرمينية و الحجاز و صاحب السرير و صاحب الخزر و في المغرب و حروبه و تفسير ذلك في ديوان السيرة و كان ما دعوناك إليه و هو معونة لك مائة ألف ألف درهم و غلة عشرة ألف ألف درهم جوهرا سوى ما أقطعك أمير المؤمنين قبل ذلك و قيمة مائة ألف ألف درهم جوهرا يسيرا عندنا ما أنت له مستحق فقد تركت مثل ذلك حين بذله لك المخلوع و آثرت الله و دينه و إنك شكرت أمير المؤمنين و ولي عهده و آثرت توفير ذلك كله على المسلمين و جدت لهم به و سألتنا أن نبلغك الخصلة التي لم تزل إليها تائقا من الزهد و التخلي ليصح عند من شك في سعيك للآخرة دون الدنيا و تركك الدنيا و ما عن مثلك يستغنى في حال و لا مثلك رد عن طلبه و لو أخرجتنا طلبتك عن شطر النعيم علينا فكيف نأمر رفعت فيه المئونة و أوجبت به الحجة على من كان يزعم أن دعاك إلينا للدنيا لا للآخرة و قد أجبناك إلى ما سألت به و جعلنا ذلك لك مؤكدا بعهد الله و ميثاقه الذي لا تبديل له و لا تغيير و فوضنا الأمر في وقت ذلك إليك فما أقمت فغريز مزاح العلة مدفوع عنك الدخول فيما تكرهه من الأعمال كائنا ما كان نمنعك مما نمنع منه أنفسنا في الحالات كلها و إذا أردت التخلي فمكرم مزاح البدن و حق لبدنك بالراحة و الكرامة ثم نعطيك مما تتناوله مما بذلناه لك في هذا الكتاب فتركته اليوم و جعلنا للحسن بن سهل مثل ما جعلناه لك فنصف ما بذلناه من العطية و أهل ذلك هو لك و بما بذل من نفسه في جهاد العتاة و فتح العراق مرتين و تفريق جموع الشيطان بيده حتى قوى الدين و خاض نيران الحروب و وقانا عذاب السموم بنفسه و أهل بيته و من ساس من أولياء الحق و أشهدنا الله و ملائكته و خيار خلقه و كل من أعطانا بيعته و صفقة يمينه في هذا اليوم و بعده على ما في
[159]
هذا الكتاب و جعلنا الله علينا كفيلا و أوجبنا على أنفسنا الوفاء بما اشترطنا من غير استثناء بشي‏ء ينقضه في سر و لا علانية و المؤمنون عند شروطهم و العهد فرض مسئول و أولى الناس بالوفاء من طلب من الناس الوفاء و كان موضعا للقدرة قال الله تعالى وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ و كتب الحسن بن سهل توقيع المأمون فيه بسم الله الرحمن الرحيم قد أوجب أمير المؤمنين على نفسه جميع ما في هذا الكتاب و أشهد الله تعالى و جعله عليه داعيا و كفيلا و كتب بخطه في صفر سنة اثنتين و مائتين تشريفا للحباء و توكيدا للشروط توقيع الرضا (ع) فيه بسم الله الرحمن الرحيم قد ألزم علي بن موسى الرضا نفسه بجميع ما في هذا الكتاب على ما أكد فيه في يومه و غده ما دام حيا و جعل الله تعالى عليه داعيا و كفيلا و كفى بالله شهيدا و كتب بخطه في هذا الشهر من هذه السنة و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله و سلم و حسبنا الله و نعم الوكيل .
24-   حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) بقم في رجب سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمائة قال أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إلي سنة سبع و ثلاثمائة قال حدثني ياسر الخادم قال كان الرضا (ع) إذا كان خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير و الكبير فيحدثهم و يأنس بهم و يؤنسهم و كان (ع) إذا جلس على المائدة لا يدع صغيرا و لا كبيرا حتى السائس و الحجام إلا أقعده معه على مائدته قال ياسر الخادم فبينا نحن عنده يوما إذ سمعنا وقع القفل الذي كان على باب المأمون إلى دار أبي الحسن (ع) فقال لنا الرضا (ع) قوموا تفرقوا فقمنا عنه فجاء المأمون و معه كتاب طويل فأراد الرضا (ع) أن يقوم فأقسم عليه المأمون بحق رسول الله (ص) ألا يقوم إليه ثم جاء حتى انكب على أبي الحسن (ع) و قبل وجهه
[160]
و قعد بين يديه على وسادة فقرأ ذلك الكتاب عليه فإذا هو فتح لبعض قرى كابل فيه إنا فتحنا قرية كذا و كذا فلما فرغ قال له الرضا (ع) و سرك فتح قرية من قرى الشرك فقال له المأمون أ و ليس في ذلك سرور فقال يا أمير المؤمنين اتق الله في أمة محمد (ص) و ما ولاك الله من هذا الأمر و خصك به فإنك قد ضيعت أمور المسلمين و فوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم الله و قعدت في هذه البلاد و تركت بيت الهجرة و مهبط الوحي و إن المهاجرين و الأنصار يظلمون دونك و لا يرقبون في مؤمن إلا و لا ذمة و يأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه و يعجز عن نفقته و لا يجد من يشكو إليه حاله و لا يصل إليك فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين و ارجع إلى بيت النبوة و معدن المهاجرين و الأنصار أ ما علمت يا أمير المؤمنين أن والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط من أراده أخذه قال المأمون يا سيدي فما ترى قال أرى أن تخرج من هذه البلاد و تتحول إلى موضع آبائك و أجدادك و تنظر في أمور المسلمين و لا تكلهم إلى غيرك فإن الله تعالى سائلك عما ولاك فقام المأمون فقال نعم ما قلت يا سيدي هذا هو الرأي فخرج و أمر أن يقدم النوائب و بلغ ذلك ذا الرئاستين فغمه غما شديدا و قد كان غلب على الأمر و لم يكن للمأمون عنده رأي فلم يجسر أن يكاشفه ثم قوي بالرضا (ع) جدا فجاء ذو الرئاستين إلى المأمون فقال له يا أمير المؤمنين ما هذا الرأي الذي أمرت به قال أمرني سيدي أبو الحسن (ع) بذلك و هو الصواب فقال يا أمير المؤمنين ما هذا الصواب قتلت بالأمس أخاك و أزلت الخلافة عنه و بنو أبيك معادون لك و جميع أهل العراق و أهل بيتك و العرب ثم أحدثت هذا الحدث الثاني إنك وليت ولاية العهد لأبي الحسن و أخرجتها من بني أبيك و العامة و الفقهاء و العلماء و آل العباس لا يرضون بذلك و قلوبهم متنافرة عنك فالرأي أن تقيم بخراسان حتى تسكن قلوب الناس على هذا و يتناسوا ما كان من أمر محمد أخيك و هاهنا يا أمير المؤمنين مشايخ قد خدموا
[161]
الرشيد و عرفوا الأمر فاستشرهم في ذلك فإن أشاروا بذلك فأمضه فقال المأمون مثل من قال مثل علي بن أبي عمران و أبو يونس و الجلودي و هؤلاء الذين نقموا بيعة أبي الحسن (ع) و لم يرضوا به فحبسهم المأمون بهذا السبب فقال المأمون نعم فلما كان من الغد جاء أبو الحسن (ع) فدخل على المأمون فقال يا أمير المؤمنين ما صنعت فحكى له ما قال ذو الرئاستين و دعا المأمون بهؤلاء النفر فأخرجهم من الحبس فأول من أدخل (ع) علي بن أبي عمران فنظر إلى الرضا (ع) بجنب المأمون فقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم و خصكم به و تجعله في أيدي أعدائكم و من كان آباؤك يقتلهم و يشردونهم في البلاد فقال المأمون يا ابن الزانية و أنت بعد على هذا قدمه يا حرسي فاضرب عنقه فضرب عنقه فأدخل أبو يونس فلما نظر إلى الرضا (ع) بجنب المأمون فقال يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك و الله صنم يعبد من دون الله قال له المأمون يا ابن الزانية و أنت بعد على هذا يا حرسي قدمه فاضرب عنقه فضرب عنقه ثم أدخل الجلودي و كان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة بعثه الرشيد و أمره إن ظفر به أن يضرب عنقه و أن يغير على دور آل أبي طالب و أن يسلب نساءهم و لا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا ففعل الجلودي ذلك و قد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) فصار الجلودي إلى باب دار أبي الحسن الرضا (ع) هجم على داره مع خيله فلما نظر إليه الرضا جعل النساء كلهن في بيت و وقف على باب البيت فقال الجلودي لأبي الحسن (ع) لا بد من أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين فقال الرضا (ع) أنا أسلبهن لك و أحلف أني لا أدع عليهن شيئا إلا أخذته فلم يزل يطلب إليه و يحلف له حتى سكن فدخل أبو الحسن الرضا (ع) فلم يدع عليهن شيئا حتى أقراطهن و خلاخيلهن و أزرارهن إلا أخذه منهن و جميع ما كان في الدار من قليل و كثير فلما كان في هذا اليوم و أدخل الجلودي على المأمون قال الرضا (ع) يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ فقال المأمون يا سيدي هذا الذي فعل ببنات محمد (ص) ما فعل من سلبهن فنظر الجلودي إلى الرضا (ع) و هو يكلم
[162]
المأمون و يسأله عن أن يعفو عنه و يهبه له فظن أنه يعين عليه لما كان الجلودي فعله فقال يا أمير المؤمنين أسألك بالله و بخدمتي الرشيد أن لا تقبل قول هذا في فقال المأمون يا أبا الحسن قد استعفى و نحن نبر قسمه ثم قال لا و الله لا أقبل فيك قوله ألحقوه بصاحبيه فقدم فضرب عنقه و رجع ذو الرئاستين إلى أبيه سهل و قد كان المأمون أمر أن يقدم النوائب و ردها ذو الرئاستين فلما قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرئاستين أنه قد عزم على الخروج فقال الرضا (ع) ما صنعت يا أمير المؤمنين بتقديم النوائب فقال المأمون يا سيدي مرهم أنت بذلك قال فخرج أبو الحسن (ع) و صاح بالناس قدموا النوائب قال فكأنما وقعت فيهم النيران فأقبلت النوائب تتقدم و تخرج و قعد ذو الرئاستين في منزله فبعث إليه المأمون فأتاه فقال له ما لك قعدت في بيتك فقال يا أمير المؤمنين إن ذنبي عظيم عند أهل بيتك و عند العامة و الناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع و بيعة الرضا (ع) و لا آمن السعاية و الحساد و أهل البغي أن يسمعوا بي فدعني أخلفك بخراسان فقال له المأمون لا نستغني عنك فأما ما قلت أنه يسعى بك و تبغي لك الغوائل فلست أنت عندنا إلا الثقة المأمون الناصح المشفق فاكتب لنفسك ما تثق به من الضمان و الأمان و أكد لنفسك ما تكون به مطمئنا فذهب و كتب لنفسه كتابا و جمع عليه العلماء و أتى به إلى المأمون فقرأه و أعطاه المأمون كل ما أحب و كتب خطه فيه و كتب له بخطه كتاب الحبوة إني قد حبوتك بكذا و كذا من الأموال و الضياع و السلطان و بسط له من الدنيا أمله فقال ذو الرئاستين يا أمير المؤمنين نحب أن يكون خط أبي الحسن (ع) في هذا الأمان يعطينا ما أعطيت فإنه ولي عهدك فقال المأمون قد علمت أن أبا الحسن (ع) قد شرط علينا أن لا يعمل من ذلك شيئا و لا يحدث حدثا فلا نسأله ما يكرهه فسله أنت فإنه لا يأبى عليك في هذا فجاء و استأذن على أبي الحسن (ع) قال ياسر فقال لنا الرضا (ع) قوموا تنحوا فتنحينا فدخل فوقف بين يديه ساعة فرفع أبو الحسن رأسه إليه فقال له ما حاجتك يا فضل قال يا سيدي هذا أمان ما كتبه لي أمير المؤمنين و أنت أولى أن تعطينا مثل ما أعطى
[163]
أمير المؤمنين إذ كنت ولي عهد المسلمين فقال له الرضا (ع) اقرأه و كان كتابا في أكبر جلد فلم يزل قائما حتى قرأه فلما فرغ قال له أبو الحسن الرضا (ع) يا فضل لك علينا هذا ما اتقيت الله عز و جل قال ياسر فنغض عليه أمره في كلمة واحدة فخرج من عنده و خرج المأمون و خرجنا مع الرضا (ع) فلما كان بعد ذلك بأيام و نحن في بعض المنازل ورد على ذي الرئاستين كتاب من أخيه الحسن بن سهل إني نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت فيه أنك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حر الحديد و حر النار فأرى أن تدخل أنت و الرضا و أمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم فتحتجم فيه و تصب الدم على بدنك ليزول نحسه عنك فبعث الفضل إلى المأمون و كتب إليه بذلك و سأله أن يدخل الحمام معه و يسأل أبا الحسن (ع) أيضا ذلك فكتب المأمون إلى الرضا (ع) رقعة في ذلك فسأله فكتب إليه أبو الحسن (ع) لست بداخل غدا الحمام و لا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غدا و لا أرى للفضل أن يدخل الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب إليه أبو الحسن (ع) لست بداخل غدا الحمام فإني رأيت رسول الله (ص) في النوم في هذه الليلة يقول لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فلا أرى لك يا أمير المؤمنين و لا للفضل أن تدخلا الحمام غدا فكتب إليه المأمون صدقت يا سيدي و صدق رسول الله (ص) لست بداخل الحمام غدا و الفضل فهو أعلم و ما يفعله قال ياسر فلما أمسينا و غابت الشمس فقال لنا الرضا (ع) قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فأقبلنا نقول ذلك فلما صلى الرضا (ع) الصبح قال لنا قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك فلما كان قريبا من طلوع الشمس قال الرضا (ع) اصعد السطح فاستمع هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الضجة و النحيب و كثر ذلك فإذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان إلى داره من دار أبي الحسن (ع) يقول يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل و كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه و أخذ من
[164]
دخل عليه في الحمام و كانوا ثلاثة نفر أحدهم ابن خاله الفضل ذو القلمين قال و اجتمع القواد و الجند من كان من رجال ذي الرئاستين على باب المأمون فقالوا اغتاله و قتله فلنطلبن بدمه فقال المأمون للرضا (ع) يا سيدي ترى أن تخرج إليهم و تفرقهم قال ياسر فركب الرضا (ع) و قال لي اركب فلما خرجنا من الباب نظر الرضا (ع) إليهم و قد اجتمعوا و جاءوا بالنيران ليحرقوا الباب فصاح بهم و أومى إليهم بيده تفرقوا فتفرقوا قال ياسر فأقبل الناس و الله يقع بعضهم على بعض و ما أشار إلى أحد إلا ركض و مر و لم يقف له أحد .
25-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عون بن محمد الكندي قال حدثنا أبو الحسين محمد بن أبي عباد قال لما كان من أمر الفضل بن سهل ما كان و قتل دخل المأمون إلى الرضا (ع) يبكي و قال له هذا وقت حاجتي إليك يا أبا الحسن فتنظر في الأمر و تعينني فقال له عليك التدبير يا أمير المؤمنين و علينا الدعاء قال فلما خرج المأمون قلت للرضا (ع) لم أخرت أعزك الله ما قاله لك أمير المؤمنين و أبيته فقال ويحك يا أبا حسن لست من هذا الأمر في شي‏ء قال فرآني قد اغتممت فقال لي و ما لك في هذا لو آل الأمر إلى ما تقول و أنت مني كما أنت عليه الآن ما كانت نفقتك إلا في كمك و كنت كواحد من الناس .
26-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن أبي الموج بن الحسين الرازي قال سمعت أبي يقول حدثني من سمع الرضا (ع) يقول الحمد لله الذي حفظ منا ما ضيع الناس و رفع منا ما وضعوه حتى لقد لعنا على منابر الكفر ثمانين عاما و كتمت فضائلنا و بذلت الأموال في الكذب علينا و الله تعالى يأبى لنا إلا أن يعلي ذكرنا و يبين فضلنا
[165]
و الله ما هذا بنا و إنما هو برسول الله (ص) و قرابتنا منه حتى صار أمرنا و ما نروي عنه أنه سيكون بعدنا من أعظم آياته و دلالات نبوته .
27-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الغلابي قال حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد إن المأمون أمر بقتل رجل فقال استبقني فإن لي شكرا فقال و من أنت و ما شكرك فقال علي بن موسى الرضا (ع) يا أمير المؤمنين أنشدك الله تعالى أن تترفع عن شكر أحد و إن قل فإن الله تعالى أمر عباده بشكره فشكروه فعفا عنهم .
28-   و قد ذكر قوم أن الفضل بن سهل أشار إلى المأمون بأن يجعل علي بن موسى الرضا (ع) ولي عهده منهم أبو علي الحسين بن أحمد السلامي فإنه ذكر ذلك في كتابه الذي صنفه في أخبار خراسان و قال كان الفضل بن سهل ذو الرئاستين وزير المأمون و مدبر أموره و كان مجوسيا فأسلم على يد يحيى بن خالد و صحبه و قيل بل أسلم سهل والد الفضل على يدي المهدي و إن الفضل اختاره يحيى بن خالد البرمكي لخدمة المأمون فضمه إليه فتغلب عليه فاستبد بالأمر دونه فإنما لقب بذو الرئاستين فإنه تقلد الوزارة و رئاسة الجند فقال الفضل حين استخلف المأمون يوما لبعض من كان يعاشره أين يقع فعلي فيما أتيته من فعال أبي مسلم فيما أتاه فقال إن أبا مسلم حولها من قبيلة إلى قبيلة و أنت حولتها من أخ إلى أخ و بين الحالتين ما تعلمه فقال الفضل بن سهل فإني أحولها من قبيلة إلى قبيلة ثم أشار إلى المأمون بأن يجعل علي بن موسى الرضا (ع) ولي عهده فبايعه و أسقط بيعة المؤتمن أخيه و كان علي بن موسى الرضا (ع) ورد على المأمون و هو بخراسان سنة مائتين على طريق البصرة و فارس مع رجاء بن أبي الضحاك و كان الرضا (ع) متزوجا بابنة المأمون فلما بلغ خبره العباسيين ببغداد ساءهم ذلك فاخرجوا إبراهيم بن المهدي و بايعوه بالخلافة ففيه يقول دعبل بن علي الخزاعي:
[166]
يا معشر الأجناد لا تقنطوا ** خذوا عطاياكم و لا تسخطوا
فسوف يعطيكم حنينية ** يلذها الأمرد و الأشمط
و المعيديات لقوادكم ** لا تدخل الكيس و لا تربطو
هكذا يرزق أصحابه ** خليقة ضجفه البربط
و ذلك ابن إبراهيم بن المهدي كان مؤلفا بضرب العود منهمكا في الشرب فلما بلغ المأمون خبر إبراهيم علم أن الفضل بن سهل أخطأ عليه و أشار بغير الصواب فخرج من مرو منصرفا إلى العراق و احتال على الفضل بن سهل حتى قتله غالب خال المأمون في حمام بسرخس مغافصة في شعبان سنة ثلاث و مائتين و احتال المأمون على علي بن موسى الرضا (ع) حتى سم في علة كانت أصابته فمات و أمر بدفنه بسناباد من طوس بجنب قبر هارون الرشيد و ذلك في صفر سنة ثلاث و مائتين و كان ابن اثنتين و خمسين سنة و قيل ابن خمس و خمسين سنة هذا ما حكاه أبو علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه و الصحيح عندي أن المأمون إنما ولاه العهد و بايع له للنذر الذي قد تقدم ذكره و إن الفضل بن سهل لم يزل معاديا و مبغضا له و كارها لأمره لأنه كان من صنائع آل برمك و مبلغ سن الرضا تسع و أربعون سنة و ستة أشهر و كانت وفاته في سنة ثلاث و مائتين كما قد أسندته في هذا الكتاب .
29-   حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال حدثنا معاوية بن حكيم عن معمر بن خلاد قال قال لي أبو الحسن الرضا (ع) قال لي المأمون يوما يا أبا الحسن انظر بعض من تثق به نوليه هذه البلدان التي قد فسدت علينا فقلت له تفي
[167]
لي و أوافي لك فإني إنما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه و لا أنهى و لا أعزل و لا أولي و لا أشير حتى يقدمني الله قبلك فو الله إن الخلافة لشي‏ء ما حدثت به نفسي و لقد كنت بالمدينة أتردد في طرقها على دابتي و إن أهلها و غيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم فيصيرون كالأعمام لي و إن كتبي لنافذة في الأمصار و ما زدتني من نعمة هي علي من ربي فقال له أفي لك .
30-   و روي أنه قصد الفضل بن سهل مع هشام بن إبراهيم الرضا (ع) فقال له يا ابن رسول الله جئتك في سر فأخل لي المجلس فأخرج الفضل يمينا مكتوبة بالعتق و الطلاق و مالا كفارة له و قالا له إنما جئناك لنقول كلمة حق و صدق و قد علمنا أن الإمرة أمرتكم و الحق حقكم يا ابن رسول الله و الذي نقوله بألسنتنا عليه ضمائرنا و إلا ينعتق ما نملك و النساء طوالق و علي ثلاثون حجة راجلا أنا على أن نقتل المأمون و تخلص لك الأمر حتى يرجع الحق إليك فلم يسمع منهما و شتمهما و لعنهما و قال لهما كفرتما النعمة فلا تكون لكما السلامة و لا لي إن رضيت بما قلتما فلما سمع الفضل ذلك منه مع هشام علما أنهما أخطئا فقصدا المأمون بعد أن قالا للرضا (ع) أردنا بما فعلنا أن نجربك فقال لهما الرضا (ع) كذبتما فإن قلوبكما على ما أخبرتماني به إلا أنكما لم تجداني كما أردتما فلما دخلا على المأمون قالا يا أمير المؤمنين إنا قصدنا الرضا (ع) و جربناه و أردنا أن نقف ما يضمره لك فقلنا و قال فقال المأمون وفقتما فلما خرجا من عند المأمون قصده الرضا (ع) و أخليا المجلس و أعلمه ما قالا و أمره أن يحفظ نفسه منهما فلما سمع ذلك من الرضا (ع) علم أن الرضا (ع) هو الصادق .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page