رابعاًً ـ إخبار الإمام الصادق عليه السّلام بالشيء قبل وقوعه ، وعلم الغيب :
إنّ ظاهرة الاخبار بالشيء قبل وقوعه كانت ظاهرة معروفة في حياة الأئمة عليهم السّلام ، وقد أذعن لها الشيعة برمّتهم ، واعترف بهذا غيرهم أيضاًً.
قال ابن خلدون ( ت / 808 هـ ) في تاريخه في الفصل الثالث والخمسين عن الإمام الصادق عليه السّلام ما هذا لفظه : « وقد صحّ عنه أنّه كان يحذّر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصحّ كما يقول ، وقد حذّر يحيى أبن عمّه زيد من مصرعه وعصاه ، فخرج وقتل بالجوزجان كما هو معروف وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنّك بهم علماً وديناً وآثاراً من النبوّة ، وعناية من الله بالاصل الكريم تشهد لفروعه الطيّبة » (1).
وقال أيضاًً : « ووقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك ، مستندهم فيه ـ والله أعلم ـ الكشف بما كانوا عليه من الولاية ، وإذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم ، وقد قال صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : ( إنّ فيكم محدّثين ) ، فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة ، والكرامات الموهوبة » (2).
وقال على بن محمد الجرجاني ( ت / 816 هـ ) في شرح المواقف لعضد الدين الايجي ( ت / 756 هـ ) في المقصد الثاني ، مبحث العلم الواحد الحادث هل يجوز تعلّقه بمعلومين ؟ ما هذا نصّه : « وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه على بن موسى رضي الله عنهما إلى المأمون : إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك ، فقبلت منك عهدك ، إلاّ أن الجَفْرَ والجامعة يدلّان على منه لا يتمّ » (3).
وقد نقل هذا الكلام بعينه الكاتب الحلبي المعروف بحاجي خليفه ( ت / 1067 هـ ) ، وأضاف عليه قوله : « وكان كما قال ؛ لمن المأمون استشعر فتنة من بني هاشم ، فسمّه/ كذا في مفتاح السعادة » (4).
وقد زعم بعض خصوم الشيعة بمن اخبار اهل البيت عليهم السّلام عن الإمام المهدي عليه السّلام التي يدّعي الشيعة وجودها في الكتب المؤلّفة في عصر الإمام الصادق عليه السّلام اخبار مكذوبة نظراً لما تضمنته من علم الغيب وهو منفي عن غير الله عزّوجلّ !
وهذا جهل فضيع ، لمن العلم المنفي عن غيره تعالى هو ما كان للشخص لذاته بلا واسطة في ثبوته له ؛ لمكان الإمكان فيه ذاتاً وصفة ، وكل ممكن لا يثبت له شيء من هذا العلم بلا واسطة ، وما وقع لاهل البيت عليهم السّلام فهو ليس من العلم المنفي في شيء ؛ لمن متلقّى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، عن الوحي ، عن الله عزّوجلّ ، ولا مانع أيضاًً من أن يفيضه الله تعالى عليهم ؛ لأنّهم عليه السّلام « محدّثون » كما مرّ في كلام ابن خلدون ما يشير إلى هذا ، وفي الصحيح عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « نحن إثنا عشر محدَّثاً » (5).
ولا مانع أيضاًً من القول بقول الآلوسي ( ت / 1270 هـ ) ، بشأن علم الخواص ، قال : « إنّهم أُظْهِرُوا أو أُطلعُوا ـ بالبناء للمفعول ـ على الغيب ، أو نحو ذلك ممّا يُفهم الواسطة في ثبوت العلم لهم » (6).
ومن هنا يظهر بوضوح وجه المغالطة في نسبة إخبار أولياء الله بالشيء قبل حدوثه إلى علم الغيب المنفي غير الله عزّوجلّ ، هذا فضلاًً عمّا في تلك المغالطة من إنكار لشيء مادّي ملموس !! أعني المصنّفات الكثيرة المؤلّفة في غيبة الإمام المهدي عليه السّلام قبل ولادته ، وفيها من الاخبار الكثيرة المتواترة ما يكشف عن غائب بالتحديد وشخص أعين لا مجال للاشتباه فيه أو الترديد ، وهو ما شهد به غير واحد ممّن ذكرناه.
1 ـ تاريخ ابن خلدون 1 : 589 الفصل / 53.
2 ـ تاريخ ابن خلدون 1 : 594 ـ 595 الفصل / 53.
3 ـ شرح المواقف 6 : 22.
4 ـ كشف الظنون / حاجي خليفة 1 : 591 ـ 592 تحت عنوان : علم الجفر والجامعة. ومفتاح السعادة كتاب الّفه طاشكبري زاده ( ت / 968 هـ ).
5 ـ أصول الكافي 1 : 534 ـ 535 / 20 ، وبصائر الدرجات : 319 / 2 باب 5 ، وإكمال الدين 2 : 335 / 6 باب 33, وعيون اخبار الرضا عليه السّلام 2 : 59 ـ 60 / 23 باب 6.
6 ـ تفسير روح المعاني / الألوسي 20 : 11 مبحث في : ( قل لا يعلمُ من في السّموات والأرض الغيب إلاّ الله ) سورة النمل : 27 / 65.