لماذا برأيكم بدأ الرسول الكريم بالتمهيد لوصاية أمير المؤمنين عليه السلام منذ بداية دعوته، حيث أنذر عشيرته الأقربين لمَّا أمره سبحانه أن يدعوهم إلى الإسلام، ويقيم الحجَّة عليهم في القصَّة المشهورة في حديث الدار؟
ثمّ إنَّ الوصيَّة لأمير المؤمنين عليه السلام ما هي إلَّا خطوة بالإضافة إلى خطوات المصلحين من أنبياء وغيرهم في طريق إقامة العدل الإلهي وخلافة المؤمنين في الأرض كما وعد سبحانه، والتي سوف تتحقَّق على يد قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وتلك الخطوة في الوصيَّة وحتَّى تصدق أنَّها (حجَّة بالغة على خلقه) صدَّقتها مئات الأحاديث التي شهد عليها أغلب المسلمين حتَّى تمَّت بذلك نعمة الله بعد حجَّته عليهم، فكيف بالهدف التي جاءت تلك الخطوة في طريقه، كم يحتاج من التأكيد والوضوح والبيِّنة حتَّى يتناسب مع مستوى الهدف وإتمام الحجَّة؟
إذا كانت الوصيَّة لأمير المؤمنين عليه السلام أُيِّدت بمئات الأحاديث الصحيحة فلا بدَّ لقضيَّة المهدي المنتظر عليه السلام أن تكون أكثر وضوحاً وأبين دلالةً، باعتبارها تنتهي إليها كلُّ جهود المصلحين السابقين بما فيهم رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام، ولهذا جاءت مئات الأحاديث والروايات لدى كلّ المسلمين تُبيِّن علامات وصفات ومهام هذا القائد العظيم، مؤيِّدة بعلامات لا يمكن الشكّ معها أو التردّد بصدق انطباقها عليه، كيف وقد وصفها الإمام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه حين بكى من فتنة رايات الضلال التي تُرفَع قبل القائم، فقال السائل: كيف نصنع؟ فقال: (يا أبا عبد الله _ ثمّ نظر إلى شمس داخلة في الصفة _ أترى هذه الشمس؟)، قلت: نعم، فقال: (والله لأمرنا أبين من هذه الشمس)(١٤).
وكثير من الآيات الكونية التي تسبق الظهور المقدَّس تجعله أبين من الشمس كالصيحة والخسف وغيرهما، وهذه الدلالات الواضحات ومئات الأحاديث تتناسب جدَّاً مع عظم الحدث، وتكتمل بها حجَّة الله البالغة على خلقه، وهذا ليس كادِّعاء شخص مجهول بأنَّه بديل لتلك الآيات والدلالات والحجج والبراهين التي قدَّمها قادة الخلق لضمان تحقيق الهدف الإلهي بتأويل ساذج قد سبقه إليه العشرات ممَّن نزوا على منبر خلافة الله في أرضه طمعاً في كسب قلوب الناس وولائهم واستغلال عاطفتهم تجاه إمامهم عليه السلام.
فهل يرقى (ادِّعاء) شخص إلى أن يكون بمجرَّد (ادِّعائه) حجَّة الله البالغة على خلقه، وقد عرفنا حرص السماء وممثِّلها في الأرض على إثبات الوصيَّة لأمير المؤمنين عليه السلام بالنحو الذي يجعل الحجَّة تامَّة على الخلق، كي تتمّ نعمة الله ويظهر لطفه في خلقه رحمة، بهم لئلَّا تشتبه عليهم الموارد والمشارب، والله يهدي لرحمته من يشاء، وهل تلك الحجَّة تشبه هذه الحجَّة في الوضوح حتَّى يصدق عليها أنَّها بالغة؟ أم أنَّ الله تعالى غيَّر ميزان رحمته فرحم أوَّل الأُمَّة وغضب على آخرها؟
فإذا كان لطف الله بأصحاب حبيبه بهذه الحجَّة الواضحة في الوصيَّة لخليفته، فكيف يكون وضوحها لباقي أُمَّته صلى الله عليه وآله وسلم في الوصيَّة لمقيم السنن ومميت البدع ومظهر الدين وغوث المؤمنين ونكال الظالمين؟ (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (الصافّات: ١٥٤).
***************
(١٤) الغيبة للنعماني: ١٥٤/ باب ١٠/ ح ١٠.
الوصيَّة بولاة الأمر من أبلغ مظاهر حجَّة الله البالغة
- الزيارات: 163