• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقدّمة السادسة: أقسام ومستويات حجّية الخطاب

 تنقسم مستويات حجّية الخطاب إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوَّل: النصّ:
النصُّ هو الكلام الذي لا يحتمل إلَّا معنى واحداً(١٧).
وهو أعلى مراتب الحجّية ومثاله قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (... هذا علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي إمامكم، فأحبّوه لحبّي...)(١٨).
فقوَّة دلالة اللفظ على معناه هو أن تبلغ منتهى غايات الدلالة عند أهل تلك اللغة، ولا يبقى احتمال أن يكون المتكلِّم أراد معنى آخر من اللفظ الذي استعمله، فالنصُّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين عليه السلام باستعماله هذه الألفاظ في منتهى الوضوح على معناه، ولا يبقَى له عند السامع أيُّ احتمال لمعاني أُخر، إلَّا من كان في قلبه مرض واتَّبع الشيطان وكان من الغاوين.
القسم الثاني: الظهور:
وهو أن يكون للكلام أكثر من معنى، لكن أحد هذه المعاني أجلى وأظهر من المعاني الأُخرى، مثل دلالة الإطلاق بالنسبة للتقييد، والعموم والخصوص، والحقيقة والمجاز، فإن دلَّت قرينة متَّصلة أو منفصلة على خلاف الظاهر فتُصرَف دلالته بحسب القرينة، وإلَّا فإنَّ مقتضى الأصل هو تقديم الظاهر، وذلك لأنَّ تباني العقلاء في خطاباتهم الجارية بينهم على الأخذ بالظهور وعدم الاعتناء باحتمال إرادة خلاف الظاهر، والشارع سبحانه قد أمضى هذا البناء، وجرى في خطاباته على طريقتهم هذه، وإلَّا لزجرنا ونهانا عن هذا البناء في خصوص خطاباته، أو لبيَّن لنا طريقة خاصَّة يجب اتّباعها ولا يجوز التعدّي عنها إلى غيرها، فيُعلَم من ذلك على سبيل الجزم أنَّ الظاهر حجَّة عنده كما هو عند العقلاء بلا فرق(١٩). وهو حجَّة للسامع و المتكلَّم وعليهما.
وحجّيته متأخِّرة رتبةً عن حجّية النصِّ، لأنَّ النصَّ لا يحتمل إلَّا معنى واحداً، وأمَّا الظاهر فيحتمل عدَّة معانٍ وإن كانت دلالته على أحدها أقوى من الدلالة على غيره.
القسم الثالث: التأويل:
وهو ذكر معنى لا يدلُّ عليه الكلام لا بنصِّه ولا بظاهره.
والتأويل لا يكون حجَّة إلَّا إذا صدر عن شخص ثبتت حجّية كلامه قبل تأويله، كالأنبياء والأئمَّة المنصَّبين ممَّن سبقهم من حجج، الموصى بهم بنصٍّ إلهي صريح، فيكون تأويله حجَّة على السامع، وقد قال تعالى: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران: ٧).
وأمَّا غير المعصومين فتأويله ليس بحجَّة، ولا قيمة له؛ لأنَّه لا دليل يدلُّ على صحَّته، والناس ليسوا مأمورين بالتعبّد بكلامه، فكيف يُؤخَذ بقوله؟!
ومثاله: أنَّ أحمد إسماعيل الهمبوشي ادَّعى كثيراً من هذه التأويلات الفاسدة معتبراً إيّاها دليلاً له على معرفته بمتشابه القرآن، جاهلاً بما يلزم من قوله من أباطيل.
فقد جاء في كتابه المتشابهات في (ص ٢٠) عند سؤاله: لماذا رأى إبراهيم عليه السلام كوكباً وقمراً وشمساً فقط؟
فكان جوابه: (الشمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والقمر أمير المؤمنين عليه السلام، والكوكب الإمام المهدي عليه السلام).
ردُّ جوابه:
أوَّلاً: أنَّ السائل يسأل عن سبب حصر الرؤية بهذه الأشياء الثلاثة، وليس عن حقيقتها، وهذا واضح من خلال قول السائل، فالجواب ليس مطابقاً للسؤال، وفهم السؤال نصف الجواب كما يقولون، إذ السؤال عن سبب الحصر يغاير السؤال عن حقيقة الشيء.
فيتبيَّن أنَّه لم يفهم السؤال أصلاً فضلاً عن خطئه في الإجابة بناءً على فهمه للسؤال كما سنعرف، فيلحقه عار الجهل من جهتين.
ثانياً: أنَّ الله تعالى يقول: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْأَفِلِينَ) (الأنعام: ٧٦).
وبحسب تأويله أنَّ الكوكب هو الإمام المهدي عليه السلام، فإنَّه يلزم عليه إشكال قوي، وهو أنَّ إبراهيم عليه السلام لمَّا قال: (لا أُحِبُّ الْأَفِلِينَ) أي إنَّه لا يُحِبُّ الكوكب الذي هو الإمام المهدي عليه السلام بحسب رأيه، فتكون النتيجة: أنَّ إبراهيم عليه السلام لا يُحِبُّ الإمام المهدي عليه السلام(٢٠).
وكذلك تأويله أنَّ القمر هو الإمام علي عليه السلام، قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (الأنعام: ٧٧).
ويلزم من تأويله أنَّ إبراهيم عليه السلام لم يهتد لمعرفة أمير المؤمنين عليه السلام، وأنَّ الهداية تغاير منهج أمير المؤمنين عليه السلام، وأنَّ أمير المؤمنين قد أفل واضمحلَّ نوره، وأنَّ معرفة أمير المؤمنين عليه السلام ضلال.
وسيأتي مزيد من هذه الجهات في المبحث المناسب من هذا البحث.
إذن فتأويلات ﺍﻟﮕﺎطع مجرَّد آراء باطلة تتناسب مع ما أسَّسه من عقائد منحرفة، يحاول من خلالها إيهام عقول البسطاء والمندفعين إليه عاطفياً أنَّ كلامه حجَّة عليهم.
وأُصول الدين والعقائد إنَّما تثبت بالنصِّ الذي هو أعلى مراتب الحجّية، وما تقوم به رايات الضلال هو الاحتجاج بالتأويل الذي ليس له أيّ قيمة علمية أو دينية، والدين لم يُرتِّب عليه أيّ أثر لا دنيوي ولا أُخروي، وكلُّ حيل هؤلاء المضلّين هو صناعة جسر من الحيل والمكر والمغالطات للتشويش على عقول البسطاء وإيهامهم ألَّا فرق بين تأويلاتهم الباطلة والنصوص القطعية، فإنَّهما بزعمهم مشتركان في الحجّية، وهؤلاء هم الذين وصفهم القرآن الكريم بقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) (آل عمران: ٧).
***************
(١٧) راجع: أُصول الإستنباط في أُصول الفقه وتاريخه بأُسلوب جديد: ١٧٣، المعجم الأُصولي: ٧٢٣.
(١٨) أمالي الطوسي: ٢٢٣/ ح (٣٨٦/٣٦).
(١٩) أُصول الفقه للشيخ المظفَّر: ٤٩/ تحقيق عبّاس الزارعي.
(٢٠) هذا جواب لأحد المؤمنين وفَّقهم الله من الذين ناقشوا أتباع أحمد إسماعيل في البصرة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page