• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

هل حفظ الله سبحانه رواية كتاب (الغيبة)؟

 قال أحمد إسماعيل:
(فلا بدَّ أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النصّ _ الذي وصفه بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به _ من ادّعاء المبطلين له حتَّى يدَّعيه صاحبه، ويتحقَّق الغرض منه، وإلَّا لكان جاهلاً، أو عاجزاً، أو كاذباً مخادعاً ومغرياً للمتمسّكين بقوله باتّباع الباطل، ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلاً أو عاجزاً؛ لأنَّه عالم وقادر مطلق، ويستحيل أن يصدر من الحقّ سبحانه وتعالى الكذب؛ لأنَّه صادق وحكيم، ولا يمكن وصفه بالكذب، وإلَّا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء، ولانتقض الدين).
والجواب:
أنَّ هذا تكرار لكلامه السابق، ونحن رددنا عليه بالتفصيل، وبيَّنّا ما فيه من خلل، ولكن مع ذلك نعيد بيان ضعف كلامه بعبارة أُخرى أكثر وضوحاً، فنقول:
١ _ أنَّ دليل أحمد إسماعيل على صحَّة دعواه مبنيٌّ على أمر لم يثبت، بل ثبت بطلانه، وهو أنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ ما أسماه الكتاب العاصم من الضلال وهو رواية الوصيّة المروية في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره.
وهذا كلام مردود بأمرين:
الأوّل: أنَّ الله لم يتكفَّل بحفظ رواية كتاب (الغيبة)، إذ لا دليل على ذلك، وليس كلّ حديث مذكور في الكتب قد تكفَّل الله بحفظه حتَّى لو كان باطلاً، والكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه قبيل وفاته كيلا تضلّ الأُمَّة من بعده، فحيل بينه وبين كتابته، لم يتعهَّد الله بحفظه إلى قيام الساعة، إذ لم يثبت ذلك أيضاً بدليل صحيح، وعلى أحمد إسماعيل أن يثبت مدَّعاه أوّلاً قبل أن يرتِّب عليه تلك اللوازم الفاسدة، لا أن يرسله إرسال المسلَّمات بلا حجَّة ولا برهان.
والثاني: أنَّ الله تعالى لو تكفَّل بحفظ رواية كتاب (الغيبة) لقيَّض لها من يرويها بالأسانيد الصحيحة والطرق الكثيرة التي تقطع حجَّة كلّ أحد، ولتواترت روايات أهل البيت عليهم السلام في النصّ على المهديّين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ولَمَا وَرَدَ متواتراً حصرُ الأئمّة في اثني عشر إماماً فقط، ولَعَلِمَ الشيعة خلفاً عن سلف بعدد المهديّين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي عليه السلام وأسمائهم كما علموا بأسماء الأئمّة السابقين لهم.
فلمَّا لم يحصل كلّ ذلك عُلِمَ أنَّ ما قاله أحمد إسماعيل من أنَّ الله تكفَّل بحفظ رواية كتاب (الغيبة) كلام يخالفه الدليل الصحيح المتواتر، والبرهان القطعي الذي لا يمكن ردّه أو خدشه.
٢ _ أنَّه ليس كلّ نصٍّ عاصمٍ من الضلال تكفَّل الله بحفظه وصيانته إلى قيام الساعة؛ لأنَّه من المعلوم أنَّ كثيراً من أقوال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام كانت عاصمة من الضلال، ومع ذلك لم تبقَ هذه الأقوال إلى يومنا هذا فضلاً عن بقائها إلى قيام الساعة.
٣ _ أنَّ الله تعالى إنَّما تكفَّل بحفظ ما تتوقَّف عليه هداية عامّة الناس، وهما أمران: كتاب الله العزيز، والعترة النبوية الطاهرة، وقد علمنا ذلك بقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر: ٩)، وتأكيد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك في الحديث المتواتر المعروف بحديث الثقلين، فإنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(١٤٥).
فإنَّ عدم افتراق الكتاب والعترة إلى قيام الساعة دليل على أنَّ الله تعالى قد تكفَّل بحفظهما ما دامت السماوات والأرض، وكلّ نصّ آخر يزعم أحمد إسماعيل أنَّ الله تكفَّل بحفظه وصيانته سواء أكان رواية كتاب (الغيبة) أم غيرها فعليه أن يقيم الدليل على ذلك.
٤ _ أنَّ الله سبحانه تعهَّد بحفظ كتابه العزيز من أن يتطرَّق إليه تغيير في ألفاظه، أو نقص في كلماته، أو زيادة في آياته، أو ما شاكل ذلك؛ لئلَّا تسقط حُجّيته، كما قال سبحانه: (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصّلت: ٤١ و٤٢)، وأمَّا ادّعاءات المبطلين فهي خارجة عن نطاق الحفظ المتعهَّد به؛ لأنَّ كلّ ادّعاء لم يقم عليه دليل لا قيمة له، وحفظ الكتاب العزيز لا يتوقَّف على منع المدَّعين من الادّعاءات الكاذبة المتعلِّقة بكتابه العزيز.
ولهذا فإنَّ بعضهم ادَّعى أنَّ القرآن محرَّف، ومنهم أحمد إسماعيل كما مرَّ آنفاً، وبعضهم حرَّف معاني آيات من القرآن وصرفها عما يُراد بها، وبعضهم ادَّعى أنَّه نبيّ مع أنَّ الله تعالى أخبر في كتابه أنَّه ختم النبوَّة بنبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال: (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب: ٤٠)، وغير ذلك ممَّا ذكرناه فيما سبق، وهذا وغيره لا يتنافى مع حفظ الله تعالى لكتابه العزيز وصيانته له.
وكذلك الحال في الوصيّة المذكورة لو سلَّمنا جدلاً أنَّ الله تكفَّل بحفظها بعينها، فإنَّ حفظها إنَّما يتحقَّق بصيانتها عن التحريف بالزيادة والنقيصة والتبديل في ألفاظها، وأمَّا الادّعاءات الكاذبة المتعلِّقة بها فحالها حال غيرها من الادّعاءات التي لم تثبت بدليل صحيح، فلا قيمة لها.
قال أحمد إسماعيل:
(فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأُمور: إذا كنتَ تريد شرب الماء فاشرب من هنا، وأنا الضامن أنَّك لن تُسقى السُّمَّ أبداً من هذا الموضع، ثمّ إنَّك سقُيت في ذلك الموضع سُمَّاً، فماذا يكون الضامن؟ هو إمَّا جاهل، وإمَّا كاذب من الأساس، أو عجز عن الضمان، أو أخلف وعده، فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد؟! تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً).
والجواب:
أنّا لو سلَّمنا أنَّ الله تعالى قال: (إنَّ هذا الكتاب عاصم من الضلال)، فهو لم يكذب فيما قال، ولم يعجز عن حفظ كتابه من التحريف، ولذلك بقي هذا الكتاب عاصماً من الضلال؛ لأنَّه سبحانه حال دون تحريفه وتبديله، وبذلك يكون قد وفّى بوعده في أن يبقيه عاصماً من الضلال إلى قيام الساعة، فلا يكون سبحانه جاهلاً قد توهَّم أنَّه كتاب عاصم من الضلال، مع أنَّه لم يكن كذلك.
وأمَّا الادّعاءات الكاذبة فهي لا تنافي كون الكتاب عاصماً من الضلال؛ لأنَّها كما قلنا إذا لم تثبت بدليل فلا قيمة لها.
وأمَّا المثال الذي ذكره أحمد إسماعيل فهو بعيد كلّ البعد عمَّا نحن فيه؛ لأنَّ هذا الرجل ضمن لغيره ألَّا يُسقى سُمَّاً فسُقي، فوقع خلاف ما ضمنه، فيكون إمَّا عاجزاً عن أن يمنع السُّمَّ من أن يصل إلى ذلك الرجل، أو جاهلاً بأنَّه سيُدَسُّ إليه السُّمَّ، أو كان يعلم بأنَّه سيُسقى سُمَّاً، فكذب على ذلك الرجل، وأخبره بخلاف ما يعلم، أو أنَّه أراد بهذا الإخبار أن يعده بأنَّه سيحفظه من أن يُدَسُّ إليه السُّمَّ، وكان قادراً على ذلك، لكنَّه لم يفِ بوعده.
ففي هذا المثال وقع خلاف ما أخبر به ذلك الرجل، وأمَّا ما نحن فيه فليس كذلك، والمثال الصحيح هو أنَّ الرجل المفروض في المثال المذكور لم يُدَسّ إليه السُّمَّ، وإنَّما جاء إليه كاذب، فأخبره كذباً أنَّه سقاه سُمَّاً، وتأكَّد هذا الرجل بأنَّ هذا المخبر كان كاذباً، فحينئذٍ لا يقول عاقل: إنَّ من تعهَّد إليه بحفظه من أن يسقى سُمَّاً لم يحفظه من الادّعاءات الكاذبة والإخبارات الباطلة، فيكون المتعهِّد لذلك الرجل إمَّا جاهلاً، أو كاذباً، أو عاجزاً، أو مخلفاً بوعده!!
وهكذا الحال في رواية كتاب (الغيبة) لو سلَّمنا جدلاً بأنَّ الله أخبر بأنَّها عاصمة من الضلال، فإنَّها بقيت كذلك، وكلّ من فهمها، وعرف ما يراد بها، وتمسَّك بها حقيقة فإنَّه لن يضلّ أبداً، وادّعاءات المبطلين كادّعاءات أحمد إسماعيل كذباً وزوراً أنَّه ممَّن نصَّت عليهم الوصيّة، لا تنافي كون الوصيّة في نفسها عاصمة من الضلال لمن تمسَّك بها؛ لأنَّ مثل هذه الادّعاءات كلّها قد ثبت بطلانها بالدليل التامّ الصحيح، فالوصيّة لم تتبدَّل، ولم تتحوَّل إلى وصيّة غير عاصمة من الضلال.
***************
(١٤٥) أمالي الصدوق: ٦١٦/ ح (٨٤٣/١)؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٠٨/ ح ١.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page