• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مولد إبراهيم :

مولد إبراهيم :
لقد وُلدَ بطلُ التوحيد في بيئةٍ مظلمة كانت تسربلها ظلمات الوثنية، وعبادة البشر... في بيئة كان الإنسان فيها يخضع لأصنام نحتها بيديه، كما يخضع لكواكب ونجوم.
ولقد وُلد حامل لواء التوحيد : «إبراهيم الخليل» عليه السّلام في «بابل» الذي يعدّها المؤرخون إحدى عجائب الدنيا السبع، ويذكرون حولها قصصاً واُموراً كثيرة تنبئ عن عظمتها وأهمية حضارتها، فيقول «هيرودتس» المؤرخ المعروف - مثلاً - : لقد كانت بابل بنية بشكل مربَّع طول كل ضلع من اضلاعه الاربعة (120 فرسخاً) ومحيطه (480 فرسخاً)(1).
إنَّ هذا الكلام مهما كان مبالغاً فيه إلا أنه على كل حال يكشف عن حقيقة لا تقبل الإنكار، إذا ما ضُمّ إلى ما كتبه الآخرون عن تلك المدينة التاريخية.
غير اننا لا نرى من تلك المدينة اليوم ومن مناظرها الجميلة، وقصورها الرائعة، إلا تلاً من التراب في منطقة بين «دجلة» و«الفرات»، فالموت يخيّم على كل تلك المنطقة، اللّهم الا عندما يكسر علماء الآثار بتنقيباتهم جدار الصمت أحياناً، بحثاً عن آثار تلك المدينة، ويستخرجون بقاياها الموقوف على معالم من حضارة اصحابها وسكانها.
لقد فتح رائد التوحيد ومُرسي اركانه «إبراهيم الخليل» عليه السَّلام عينيه
في دولة «نمرود بن كنعان».
وكان نمرود هذا رغم أنه يعبدُ الصنم يدّعي الألوهيّة ويأمر الناس بعبادته.
وقد يبدو هذا الامر عجيباً جداً فكيف يمكن ان يكون الشخص عابد صنم ومع ذلك يدّعي الاُلوهية في الوقت نفسه، إلا أن القرآن الكريم يذكر لنا نظير هذه المسألة في شأن «فرعون مصر»، وذلك عندما هزّ النبي موسى بن عمران عليه السّلام قواعد العرش الفرعوني بمنطقه القويّ، وحجته الصاعقة، فاعترض أنصار فرعون وملأه على هذا الأمر، وخاطبوا فرعون بلهجة معترضة قائلين : «أتذرُ موسى وقومه لِيُفسِدوا في الأرض ويذرك وآلهتك»(2).
ومن الواضح جدّاً أن «فرعون» كان يدعي الالوهية فهو الذي كان يقول : «أنا ربُّكُم الأعلى»(3) وهو القائل : «ما علِمت لكُم مِن الهٍ غيري»(4) ولكنه كان في الوقت نفسه عابد صنم ووثنياً.
بيد أنّ هذه الازدواجية ليست بأمر غريبٍ عند الوثنيين، ولا يمنع مانع في منطقهم أن يكون الشخصُ نفسه وثنياً يعبد الصنم، ومع ذلك يدَّعي أنه الهٌ ويدعو الناس إلى عبادته فيكون الهاً معبوداً، يعبد الهاً أعلى منه، لأن المقصود من المعبود والاله ليس هو خالق الكون بل هو من يتفوَّق على الآخرين بنحو من أنحاء التفوق ويمتلك زمام حياتهم بشكل من الإشكال.
هذا والتاريخ يحدثنا أن العوائد في بلاد الروم كانت تعبد كبارها ومع ذلك كان اولئك الكبار المعبودين انفسهم يتخذون لأنفسهم معبوداً أو معبودات اُخرى.
إن أكبر وسيلة توسَّل بها «نمرودُ» في هذا السبيل هو استقطاب جماعة من الكهنة والمنجمين الذين كانوا يُعدّون الطبقة العالمة والمثقَّفة في ذلك العصر.
فقد كان خضوعُ هذه الطبقة يمهّد لاستعمار الطبقة المنحطة وغير الواعية من الناس.
هذا مضافاً إلى أنه كان يُناصر «نمرود» بعضُ من ينتسب إلى «الخليل»
عليه السّلام بوشيجة القربى مثل «آزر» الذي كان يصنع التماثيل، وكان عارفاً بأحوال النجوم والفلك أيضاً، وكان هذا هو الآخر أحد العراقيل التي كانت تمنع الخليل من انجاح مهمته، لأنه مضافاً إلى مخالفة الرأي العام له، كان يواجه مخالفة أقاربه ايضاً.
لقد كان نمرود غارقاً في عالم خيالي عندما دق المنجمون فجأة أول ناقوس للخطر وقالوا له : سوف تنهار حكومتُك، ويتهاوى عرشك وسلطانك على يد رجل يولد في تلك البيئة، الأمر الذي أيقظ أفكاره النائمة، فتساءل من فوره : وهل وُلد هذا الرجل ؟ فقيل له : لا، انه لم يولد بعد. فأمر من فوره بعزل الرجال عن النساء (وذلك في الليلة التي انعقدت فيها نطفة ابراهيم الخليل عليه السّلام عدو نمرود، وهادم ملكه، ومزيل سلطانه وهي الليلة التي حددها وتكهن بها المنجمون والكهنة من انصار نمرود) ومع ذلك كان جلاوزة «نمرود» يقتلون كل وليد ذكر، وكان على القوابل ان يسجِّلن اسماء المواليد في مكتبه الخاص.
ولقد اتفق أن انعقدت نطفةُ «الخليل» في نفس الليلة التي منع فيها أي لقاء جنسي بين الرجال، وازواجهم.
لقد حملت اُم إبراهيم به كما حلمت اُم موسى به، وامضت فترة حملها في خفاء وتستر، ثم لجأت بعد وضع وليدها العزيز الى غار بجبل على مقربة من المدينة حفاظاً عليه، وراحت تتفقده بين حين وآخر من الليل والنهار، قدر المستطاع.
وقد أرضى هذا الاسلوبُ الظالمُ «نمروداً» وأراح باله بمرور الزمن، اذ أيقن بانه قد قضى به على عدو عرشه، وهادم سلطانه، وتخلص منه.
لقد قضى «إبراهيم» عليه السَّلام ثلاثة عشر عاماً في ذلك الغار الذي كان يتصل بالعالم الخارجي عبر باب ضيّق، ثم أخرجته اُمه من ذلك الغار بعد ثلاثة عشر عاماً، ودخل «إبراهيم» في المجتمع، فاستغرب المجتمع النمرودي وجوده وانكروه(5).
لقد خرج «إبراهيم» من الغار، مؤمناً باللّه بفطرته، وقوّى توحيده الفطري، بمشاهدة الأرض والسماء، والنظر في سطوع الكواكب والنجوم والتأمل في ما يجري في عالم النبات من نمو وحركة إلى غير ذلك ممّا يجري في عالم الطبيعة العجيب.
لقد واجه إبراهيم عليه السَّلام بعد خروجه من الغار جماعة من الناس بهرتهم أحوال الكواكب وعظمة أمرها، ففقدوا عقولهم تجاه هذه الظاهرة، كما راى جماعةٌ اُخرى أحطّ فكريّاً من سابقتها يعبدون اصناماً منحوتة، بل واجه ما هو اسوأ بكثير من أعضاء الطوائف والجماعات الضالة اذ رأى رجلاً يستغل جهل الناس وغبائهم ويدعي الالوهية ويفرض عليهم عبادته والخضوع له !!
لقد كان إبراهيم عليه السّلام يرى أنّ عليه أن يهيّئ نفسه لخوض المعركة في هذه الجبهات الثلاث المختلفة، وقد نقل القرآن الكريم قصة نضال النبيّ «إبراهيم» عليه السّلام في هذه الاصعدة والجبهات الثلاث وسننقل لك في ما يأتي وباختصار ما ذكره القرآن في هذا المجال.


______________________________
(1) قاموس الكتاب المقدّس، مادّة بابل.
(2) الأعراف : 127.
(3) النازعات : 24.
(4) قاموس الكتاب المقدّس، مادّة بابل. القصص : 38.
(5) تفسير البرهان : ج 1 ص 535.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page