إبراهيم ومكافحته للوثنية :
كانت ظلمات الوثنية قد خيّمت على منطقة بابل (موضع ولادة الخليل) برمتها.
فالآلهة المدَّعاة، والمعبودات (السماوية والارضية) الباطلة قد سحرت عقول مختلف فئات الشعب، فبعضها في نظرهم هي أرباب القدرة والسلطة، وبعضها الآخر وسيلة الزلفى والتقرب الى اللّه إلى غير ذلك من التصورات السخيفة في هذا الصعيد.
وحيث أن طريقة الأنبياء في هداية البشرية وارشادهم هي الاستدلال بالبراهين، والاحتجاج بالمنطق، لانهم إنما يتعاملون مع قلوب الناس وعقولهم، ويبتغون ايجاد حكومة تقوم على أساس الإيمان واليقين، ومثل هذه الحكومة لا يمكن اقامتها بالسيف او بالنار والحديد. لهذا يبدأون حركتهم بالتوعية الفكرية.
إن علينا أن نفرق بين الحكومات التي يريد الأنبياء تأسيسها، وحكومة
الفراعنة والنماردة.
ان هدف الطائفة الثانية هو : الرئاسة والزعامة، والحفاظ عليها بكل وسيلة ممكنة في حياتهم، وإن تلاشت وتهاوت من بعدهم.
ولكن الانبياء والرسل يريدون حكومة تبقى قائمة في جميع الحالات وماثلة في جميع الاوقات، في الخلوة والجلوة، في وقت الضعف، وفي وقت القوة، في حياتهم وبعد مماتهم... انهم يريدون أن يحكموا على القلوب لا على الابدان، وهذا الهدف لا يتحقق ابداً عن طريق القوة واستخدام العنف والقهر !! انما يتحقق عن طريق الحجة والبرهان.
لقد بدأ النبيُ «إبراهيم» عملَه بمكافحة ما كان عليه أقرباؤه الذين كان في طليعتهم وعلى رأسهم «آزر» وهو الوثنية وعبادة الاصنام، ولكنه لم ينته من هذه المعركة ولم يحرز إنتصاراً كاملاً في هذه الجبهة بعد إلا وواجه عليه السّلام جبهة اُخرى، وكانت هذه الجماعة أعلى مستوى من افراد الجماعة السابقة في الفهم والثقافة. لان هذه الجماعة - على خلاف أقرباء إبراهيم قد نبذت عبادة الأوثان والأصنام(1)، والمعبودات الارضية الحقيرة، وتوجهت بعبادتها وتقديسها الى الكواكب والنجوم والاجرام السماوية.
ولقد بيَّن «الخليل» عليه السَّلام في حواره العقائدي مع عُبّاد الاجرام السماوية، ومكافحته لمعتقداتهم الفاسدة، سلسلة من الحقائق الفلسفية والعلمية التي لم يصل إليها الفكر البشري يومذاك، وذلك ببيان بسيط مدعوم بأدلة لا تزال الى اليوم موضع اعجاب كبار العلماء، ورواد الفلسفة والكلام.
والأهم من ذلك - في هذا المجال - أن القرآن الكريم نقل أدلة «إبراهيم الخليل» عليه السّلام باهتمام خاص وعناية بالغة ولهذا ينبغي لنا أن نتوقف عندها قليلاً، وهذا ما سنفعله في هذه الصفحات.
______________________________
(1) ترتبط آية 74 من سورة الأنعام بحواره عليه السّلام مع الوثنيّين، بينما ترتبط الآيات اللاحقة لها بعبدة الأجرام السماوية.
إبراهيم ومكافحته للوثنية :
- الزيارات: 733