ما هي المعجزةُ وما هو تعريفها ؟
لقد عرَّف علماء العقيدة المعجزة بتعاريف مختلفة أتقنها وأكملها هو : انّ المعجزة أمرٌ خارقٌ للعادة، مقرونٌ بالدعوى، والتحدّي، مع عدم المعارضة، ومطابقة الدعوى(1).
ويعني الشرطُ الأولُ (اي كون المعجزة أمراً خارقاً للعادة) أن كل ظاهرة من الظواهر الطبيعية الحادثة مرتبطة بعلة حتماً، فلا يمكن صدورها من دون علة، وهذا الكون مشحون بالعلل التي يكتشفها البشر شيئاً فشيئاً وتدريجاً عبر وسائله العادية أو العلميّة، ولكنّ المعجزة مع كونها ظاهرة واقعية ولهذا فهي كغيرها مرتبطةٌ بعلة، بيد أنها تختلف عن غيرها من الظواهر في أنّ من غير الممكن كشف عللها من الطريق العادية أو بواسطة التجارب والتحقيقات العلمية، ولا يمكن تفسيرها وتبريرها بالعِلَل العادية أو بما يكتشف العلمُ من العلل لمثل هذه الحوادث، والمقصود من خرق العادة هو أن تقع المعجزةُ على خلاف ما عهدناه وتعوَّدنا عليه في الظواهر الاُخرى وعلِلها، مثل إشفاء المرضى من دون علاج ودواء كما هو المعهود، واخراج الماء من صخرة صماء من دون حفر أو تنقيب كما هو المألوف، وتحويل العصا الى أفعى من دون تبييض وتفريخ وتوالد وتناسل، بل بمسح من يد، أو بعبارة من لسان، او بضرب من عصا !!
من هنا نكتشفُ أن كل ظاهرة يقف الناس العاديّون بالطرق العادية أو العلماء خاصة بالطرق العلمية على عللها وأسبابها لا تكون معجزة لأنّه في هذه
الصورة لم يقع أي شيء على خلاف العادة والمألوف، ليدل على مزية في الانبياء.
فان مثل هذه الظاهرة التي يكون لها علةٌ عاديةٌ يعرفها جميعُ الناس، أو سببٌ علمي خاصٌ يعرفها علماء ومتخصصو ذلك العلم يمكن أن يقوم بايجاد أمثالها جميعُ الناس، فلا يكون حينئذٍ معجزة.
ولا يعني هذا - وكما اسلفنا - أنَّ المعجزة لا تنتهي الى أية علة، أصلاً، بل هي تستند إلى علة غير متعارفة وغير عادية، ولمزيد التوضيح سنبحث في هذا المجال عند الاجابة على السؤال الثالث.
ويُقصد من الشرط الثاني (أي كون الاعجاز مقروناً بالدعوى) أن يدّعي صاحبُ المعجزة النبوة والسفارة من جانب اللّه تعالى، ويأتي بالمعجزة دليلاً على صحة دعواه هذه، إذ في غير هذه الصورة لا يكون الأمرُ الخارق للعادة معجزةً بل يُطلق عليه في الاصطلاح الديني لفظ «الكرامة» كما كان لمريم بنت عمران التي كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً فاذا سألها من أين لها ذلك ؟ قالت : هو من عند اللّه(2).
ويعني الشرطُ الثالثُ أن يكون الاعجاز مقروناً بدعوة الناس الى الإتيان بمثله، وعجز الناس عن هذه المعارضة، وعدم قدرتهم على الاتيان بمثله مطلقاً إذ في هذه الصورة يتضح أنّ النبي يعتمد على قوة الهية غير متناهية، قوة خارجة عن حوزة البشر العادي.
واما الشرط الرابع فيعني أن الامر الخارق للعادة إنّما يكون عملاً إعجازياً، ويستحق وصف المعجزة الدالّة على ارتباط الآتي بها بالمقام الالهيّ، إذا وافق الامرُ الواقعُ ما يدعي أنه قادر على الإتيان به.
فلو قال : سأجعلُ هذا البئر الجاف الفارغ من الماء، يفيض بالماء باشارة اعجازية، ثم يقع ما قاله كان هذا الأمر معجزة حقاً، وأما إذا قال : سأجعل هذا
الماء القليل الموجود في البئر يفيضُ ماء، بالإعجاز، ولكن جفَّ ذلك البئرُ على عكس ما قال، لم يكن ذلك إعجازاً، بل كان تكذيباً لمدعيها.
هذا هو خلاصة ما يمكن أن يُقال حول تعريف المعجزة والاعجاز وهو يساعد على فهم طبيعة العمل الإعجازيّ.
______________________________
(1) راجع سورة آل عمران : 37.
(2) راجع للوقوف على هذا التعريف : كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للعلامة الحلّي شرحاً والمحقق نصير الدين الطوسي متناً : ص 218، وأيضاً شرح تجريد الاعتقاد للعلامة القوشجي : ص 465.
ما هي المعجزةُ وما هو تعريفها ؟
- الزيارات: 1046