لم يكتف الخلفاء بوضع سنة لنظام الحكم ، بل قدروا أن المناسب إجراء تعديلات على بعض الأحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة بحيث تبدو بصورة أصح وأفضل ، وحتى يطول بنا البحث فإننا سنسوق أمثلة على بعض المجالات التي تدخلت فيها سنة الخلفاء تبديلا أو تعديلا ، وقد فعلنا هذه الأمور في البحوث السابقة لذلك سنكتفي بذكرها مجمله لاستكمال الصورة الفنية للبحث .
1 - في المجال المالي : كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية ، ولما تولى عمر الخلافة رأى أنه من الأنسب تقسيم المال بين الناس حسب مراتبهم ، وبعد تسع سنوات قال أنه إن عاش السنة فسيعود لسنة الرسول ويقسم بين الناس بالسوية ، وقد وثقنا ذلك .
2 - في المجال الاجتماعي : متعة النساء مكرسة بآية محكمة وبسنة الرسول وجد الخليفة عمر بأنها غير مناسبة ، لذلك حرمها وتوعد من يفعلها بالعقوبة .
3 - متعة الحج : واردة في القرآن الكريم بآية محكمة أيضا ، ومكرسة بسنة الرسول ثم اكتشف الخليفة أنها غير مناسبة ، لذلك حرمها وتوعد بالعقوبة كل من يفعلها ، وقد وثقنا ذلك .
4 - صلاة التراويح : لم تكن على عهد الرسول ، ولا عهد أبي بكر ، ولم يشرع الله تعالى الاجتماع لأداء أية نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء ، وكان الاستسقاء ، وكان الرسول يقيم ليالي رمضان بأداء سنتها في غير جماعة ، بعد سنة من تولي عمر بن الخطاب للخلافة رأى أن من الأنسب أن يجمع الناس صلاة التراويح ، فأصدر قراره بذلك وعمم على كافة البلاد الخاضعة لحكمه ، وبقي أمره نافذا حتى اليوم ( 1 ) .
5 - تأخير مقام إبراهيم عن موضعه : مقام إبراهيم هو الحجر الذي يصلي الحاج عنده بعد الطواف ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وكان إبراهيم وإسماعيل لما بنيا البيت وارتفع بناؤه ، يقفان عليه لمناولة الحجر والطين ، وكان ملصقا بالكعبة لكن العرب بعد إسماعيل أخرجوه إلى مكانه اليوم ، ولما فتح رسول الله مكة ألصقه بالبيت كما كان على عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل ، فلما ولي عمر الخلافة أعاده إلى موضعه السابق ، وكان على عهد النبي وعهد أبي بكر ملصقا بالبيت " ( 2 ) .
6 - أباح الرسول الأعظم البكاء على الميت ولا خلاف بين مسلمين عاقلين على ذلك ، والرسول نفسه بكى في مقامات متعددة ، وأقر غيره على البكاء أحيانا واستحسنه أحيانا أخرى ، لأن حزن الإنسان عند موت أحبته وبكاءه عليهم من لوازم العاطفة البشرية ، وهما من مقتضيات الرحمة ، لما تولى عمر الخلافة ، رأى أن البكاء على الميت ليس مناسبا ، لذلك كان ينهى عنه ، وكان يضرب من يبكي على ميت ( 3 ) ! ! ! ولك أن تتصور فظاعة هذا الأمر لو رأيت والدا يبكي على ابنه ساعة دفنه فيراه الخليفة أو أحد رجاله فينهال عليه بالضرب ، بجرم أنه يبكي على ابنه ! ! !
هذه طائفة من سنن الخلفاء قد فصلناها في البحوث السابقة ، وأوردناها مجملة لربط الموضوع واستكمال الصورة الفنية للبحث ! ! !
**************************
( 1 ) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 281 ، والكامل في التاريخ ج 3 ص 31 ، والنص والاجتهاد ص 250 .
( 2 ) النص والاجتهاد ص 278 - 279 راجع ترجمة عمر من طبقات ابن سعد ج 3 ص 204 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 53 وج 3 ص 284 من الطبقات وص 137 من تاريخ الخلفاء .
( 3 ) راجع النص والاجتهاد ص 279 - 307 لقد ثبت الإمام العالمي مئات المراجع الدال على ذلك .
سنة الخلفاء ليست مقتصرة على نظام الحكم بل تمتد أحيانا إلى أمور أخرى ! ! !
- الزيارات: 358