• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

( علي المؤمن . السعودية . سنّي ) السكينة لم تنزل عليه

السؤال: سؤالي حول آية : { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } .
إذا كانت الصحبة لا تعبّر عن كرامة لأبي بكر ، وذلك لأنّها تشمل الكافر والمؤمن ، والحيوان والجماد ، وأنّ السكينة لا تنزل إلاّ على المؤمنين .
فالسؤال موجّه للشيعة : إذا آمنا بهذه التفاسير فما هي قيمة أبي بكر ؟
هل نعتبره مثل كلب أصحاب الكهف ؟ أعتقد أنّه من واجبنا الاعتراف ، ولو بنسبة 1% أنّ أبا بكر صاحب ، أختاره الله ليكون مع النبيّ ، وأنّه لابأس به على الأقلّ .
أمّا بالنسبة للسكينة ، وأنّها لا تنزل إلاّ على المؤمنين ، وأنّها نزلت على النبيّ دون أبي بكر ، فإنّنا نرى السكينة نزلت على أبي بكر ، عندما بايع تحت الشجرة ، وأنّه ممّن رضي الله عنهم ، حيث كان ممّن حضروا بدراً ، فلماذا هذا الإجحاف في حقّ الرجل ؟
نعم قد يكون مغتصب للخلافة ، لكن علينا أن نكون موضوعيين في تفسير آية الغار ، ولا نقلّل قيمة الرجل على الأقلّ في هذا الموقف فقط بشكل يعكس نفسية الشيعة تجاه أبي بكر .
فليس من المعقول أن تكون آية الغار ضدّ أبي بكر ، وليست في صالحه ، فهل أصبحت صحبة النبيّ والسير معه مذمّة ؟!
الجواب : للإجابة على هذا السؤال لابدّ من الرجوع إلى القرآن الكريم ، والنظر في آياته البيّنات كي يتّضح لنا ما هي وظيفة الله تعالى ، وما هي وظيفة
النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وما هي وظيفة الناس تجاه الله تعالى والنبوّة .
وبعد معرفة الوظائف الثلاث لتلك الذوات الثلاث نستطيع معرفة الجواب عن السؤال ، أو بالأحرى معرفة أنّ السؤال صحيح أم ليس بصحيح ؟
إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده يصرّح بأنّ الله تعالى غنيّ عن العالمين ، لا يحتاج إلى غيره ، مهما كان ذلك الغير نبيّاً أو من عامّة الناس .
قال الله تعالى : { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (1) .
وقال تعالى : { وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } (2) .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }(3).
وقال تعالى : { إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } (4)، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنصّ على غنى الله تعالى عن كلّ شيء ، موجوداً أو غير موجود ، حيّاً أو غير حيّ ، إنساناً أو حيواناً أو جماداً أو أيّاً كان ، وعليه يتفرّع السؤال التالي وهو : لماذا خلق الله الخلق ؟
وهذا السؤال وإن كان خارج البحث لكنّه يرتبط به من قريب ، حيث إنّ التسلسل في البحث يقتضي وجوده ، أو قل : إنّ البحث مبنيّ على نقاط متسلسلة منها هذا السؤال ، فهو وإن كان غريباً عن البحث نوعاً ما ، لكنّه له ارتباط في البحث من جهة أُخرى .
والجواب : إنّ الله تعالى خلق الخلق لمصلحة عائدة إليهم ، وراجعة إلى أنفسهم ، إذ لو لم يخلق الله الخلق لما كان هناك ثواب وعقاب ، ولا منازل
ودرجات ، ولا جنّة ولا نار ، ولا غير ذلك من الأُمور الكثيرة التي أُسّست بعد الخلقة !
وغاية الخلق هي وصول كلّ مخلوق إلى كماله المطلوب له والمرسوم ضمن خطّ سيره ، فالخلق كمال للمخلوق ، بواسطته يستطيع السير والوصول إلى ما يشاء من كمال وفعلية .
وبعد خلق الله تعالى لخلقه ، فما هي وظيفته تجاههم ؟ أو قل : ما هو المطلوب منه ؟ نقول : يدرك العقل بأنّ المطلوب من الله تعالى بعد أن خلق الخلق أن يعرّفهم بنفسه ، ويرشد خلقه إليه وإلى الطريق الذي رسمه إليهم .
وباعتبار أنّه لا يمكن أن يتّصل الله مباشرة مع خلقه ، فرداً كان أو جماعة لاختلاف الذاتين ، فعليه يوجد هناك بين الله تعالى وخلقه رسلاً ومبعوثين ؛ يبيّنون ربّهم تعالى للناس ، ويعرّفونهم له ، فإذاً وظيفة الله تعالى هي إرسال الرسل ، ولا يتعدّى أكثر من ذلك ، وهذا ما يدركه العقل وينطق به الشرع .
قال الله تعالى : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (5).
وقال تعالى : (6) .{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ... }
وقال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } (7) ، فالله تعالى عليه إرسال الرسل والأنبياء إلى خلقه بعد خلقهم ، كي يعرّفوا الناس بالله تعالى ، وبالتعاليم التي كتبها لعباده ، حتّى لا يبقى هنالك حجّة ، وينتفي العذر عمّن اختار الضلال على الهدى .
هذه الوظيفة التي يدركها العقل ونطق بها الشرع لله تعالى ، أمّا الضلال أو الهدى فبيد الإنسان ، ولا مدخلية لله تعالى به ، وإلاّ لزم الجبر بالباطل على الله تعالى .
فإذاً الله عزّ وجلّ لا يجب عليه إلاّ أن يرسل رسل تكشف للناس حقيقة خلقهم وسببه ، وتبيّن لهم طريق الهدى من الضلال .
وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم لا نجده يدلّ على عدالة الصحابة ، وإنّ للصحبة قيمة بحدّ ذاتها ، ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالموازين الشرعية والقواعد النبوية ، والاستدلال ببعض الآيات الدالّة على المدح ، وترك الآيات الأُخرى الدالّة على الذمّ قسمة ضيزى ، لا ترضي الله ورسوله ولا الباحث المنصف المنقّب عن الحقّ ، وإليك شطراً من الآيات التي نزلت في ذمّ بعض الصحابة .
قال تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } (8) .
وقال أيضاً : { كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (9) .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } (10) .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (11) .
وقال تعالى: { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } (12).
وقال عنهم يوم أُحد : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ } (13) .
وقال عنهم يوم الأحزاب : { وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا } (14) .
وقال عنهم : { تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } (15) .
وقال تعالى عن أصحاب الإفك الذين رموا زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وهم من الصحابة : { فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } (16) .
وقال عن المظاهر لزوجته وهو صحابي : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } (17) .
وقال تعالى في حقّ أبي بكر وعمر وهما اللذان جُعلا في القمّة وأصبحا هرم الإسلام ورأسه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } (18) .
حتّى قال ابن مليكة : كاد الخيّران أن يهلكا أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر قال نافع : لا احفظ اسمه ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلاّ خلافي ، قال : ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ... } (19) .
ولم يتوقّف الله تعالى في توبيخ أبي بكر لرفع صوته عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأجل صحبته في الغار أو غيرها ، بل عاتبهما وأنزل في حقّ رفع الصوت عند النبيّ توبيخاً وتنبيهاً لهما ، ممّا يدلّل على أنّ الصحبة لوحدها لو كانت كافية لما وقع التوبيخ على مجرد رفع الصوت .
وقال الله تعالى عن الوليد بن عقبة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } (20) .
وقال : { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } (21) .
وقال تعالى في حقّهم أيضاً : { وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } (22) .
فالله تعالى قد بيّن في هذه الآيات أنّ من الصحابة من استمتع بخلاقه كما استمتع الذين من قبله ، وأنّ بعضهم تحبط أعماله كما حبطت أعمال الأُمم الماضية ، وأنّ بعضهم يقول ما لا يفعل ، وأن هذا يعقبه مقت كبير عند الله ، وأنّهم يتثاقلون كلّما دعوا إلى الجهاد مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأنّهم يتّكلون على كثرتهم ويعجبون بها ، وينسون أنّ أمر النصر والهزيمة بيد الله ، وأنّهم يتنازعون ويعصون الرسول ، وبعضهم يريد الدنيا ، وأنّهم يظنّون بالله الظنونا ،
ويسرّون بالمودّة إلى الكفّار ، وهذا خلاف ما أمروا به من الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين ، وحكم على بعضهم بالكذب ، وحكم على آخرين بأنّهم يقولون المنكر والزور ، وهدّد بعضهم بإبطال الأعمال عندما لا يتأدّبون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويرفعون أصواتهم فوق صوت النبيّ ، وهما الخيّران أبو بكر وعمر حتّى وصلوا إلى الهلاك .
وحكم على بعضهم بأنّهم لا يعقلون ، وعلى آخرين بالفسق ، وحذّر الله النبيّ (صلى الله عليه وآله) من طاعتهم في كثير من الأُمور ، فكيف يكون عادلاً من تكون طاعته مضرّة ومؤدّية إلى الهلاك وقوانينه ؟
وأخبر الله تعالى عن إخلاف بعضهم للوعد ، فيعاهد الله ثمّ لا يفي فيتحوّل إلى منافق ، وأخبر بأنّ منهم منافقون لا يعلمهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كما أخبر النبيّ من أنّه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلاّ القليل ، مثل همل النعم .
فإذاً القرآن الكريم قد ذمّ الصحابة ، وأشار إلى أنّ هنالك عيوباً فيهم ، ومن أُولئك الصحابة أبو بكر وعمر ، وقد كادا أن يهلكا كما يقول ابن أبي مليكة ، مع أنّ أبا بكر صاحب النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الغار ، وهاجر معه ليلة الهجرة ، وزوّج ابنته وخليفته كما تزعمون .
فالصحبة الغارية لو كانت من الحصون التي تمنع من الذمّ والعتاب لما كان هنالك مبرّر لهذا التوبيخ ، وبما أنّ التوبيخ حاصل وواقع فإذاً يدلّنا القرآن على أنّ الصحبة الغارية لوحدها لا تنفع ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالشرع .
وكذلك إذا رجعنا إلى الآثار النبوية نجد أنّها لا تجعل للصحبة وحدها منزلة ووصفاً ممدوحاً ، بل الصحابة أنفسهم ما كانوا يعتقدون بذلك أيضاً كما سنجد .
فالآثار النبوية كحديث الحوض القائل بلسان النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " يردن عليّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري " (23) ، وفي لفظ آخر : " فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم " (24) .
وكقوله (صلى الله عليه وآله) : " إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه " (25) ، ومعنى عدم رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله) عدم دخولهم الجنّة ، وإلاّ لو دخلوها لرأوه (صلى الله عليه وآله) للروايات الكثيرة الواردة من طرقهم من رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله) بل رؤية الله تعالى ، وهي الفيصل الفارق بين المؤمن والكافر .
وهذا الحديث تحقيق لحديث آخر علّقه النبيّ (صلى الله عليه وآله) حينما قال : " إنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنّي أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ، وتقتتلوا فتهلكوا ، كما هلك من كان قبلكم " (26) .
وهذا الحديث تحقّق في الصحابة كما بيّنه الحديث السابق ، وكما بيّنه علماء السنّة ، قال ابن تيمية : " وأمّا علي فأبغضه وسبّه أو كفّره الخوارج وكثير من بني أُمية وشيعتهم الذين قاتلوه وسبّوه ... ، وأمّا شيعة علي الذين شايعوه بعد التحكيم وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم ، فكان فيهما من التقابل وتلاعن بعضهم وتكافر بعضهم ما كان " (27) .
فإذاً الآثار النبوية تدلّ على أنّ الصحبة لوحدها لا تكون كافية في حسن السلوك والمدح والعدالة والرضا إن لم يكن معها التزام بالضوابط الرسالية والتعاليم النبوية .
وكذلك الصحابة لم يكن يعتقدون بأنّ الصحبة لوحدها ذات ميزة أو حاجز ومانع يستطيع الصاحب التحصّن به ، وإن خالف التعاليم الإلهية والسنن النبوية ، فهذا ابن عباس يقول : " يقول أحدهم : أبي صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكان مع رسول الله ولنعل خلق خير من أبيه " (28) .
وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصحابة الطلقاء الذين لم يسلموا ، ولكن استسلموا يوم الفتح كما يقول عمّار بن ياسر وفيهم شرذمة من التابعين ، وهؤلاء نشأوا على بغض علي وأهل البيت (عليهم السلام) كما اعترف بذلك الذهبي (29) .
وكذلك تحقّق الارتداد والنكوص على الأعقاب من قبل الصحابة بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، كما يخبرنا بذلك الصحابي البراء بن عازب عندما سأله المسيّب يقول : طوبى لك صحبت النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبايعته تحت الشجرة ، فيجيبه البراء الذي هو من أصحاب بيعة الشجرة بقوله : " يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده " !! (30) .
أي إنّنا غيّرنا وبدّلنا فلم تعد تبعيتنا تنفعنا ، مادام لم نلتزم بها من عدم التبديل والتغيير .
فإذاً الصحبة بما هي صحبة لا تجعل لصاحبها فضيلة أو منزلة أو مقام في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية ، وفي كلمات الصحابة ، وفي كلمات العلماء ، كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم .
والصحبة تصبح ذات منزلة وصاحبها محمود إذا انضمّ إليها الالتزام بالقوانين الشرعية ، وعدم التبديل والتغيير والنكوص على الأعقاب ، عند ذلك يكون للصحبة ميزة وفضيلة .
وأمّا ما ذكرته من " أنّ الله اختاره ليكون مع النبيّ " فهذا كلام لا دليل عليه ، إذ لم تشر له آية أو رواية أو أثر تاريخي ولو كان ضعيفاً ، فيبقى إطلاق الكلام من دون مسوّغ ومبرّر .
وأمّا نزول السكينة فهي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسب السياق الذي نزلت فيه الآيات والضمائر السابقة عليها ، قال تعالى : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } (31) .
فلاحظ الكلمات : تنصروه ، نصره ، أخرجه ، سكينته ، عليه ، أيده .
فهذه الضمائر السابقة واللاحقة كلّها ترجع إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فلا وجه لإقحام أبي بكر في المقام أصلاً ، خصوصاً بعد ملاحظة الهيئة التشكيلية للآية ، أو التصوير الفنّي لطرح المسألة ، فهنا النبيّ (صلى الله عليه وآله) يخرج من بيته مهاجراً من المشركين ، وهم من خلفه يتّبعوه ويقتفوا أثره ، فليجأ إلى الغار ، ويقتفوا أثرهم إلى الغار ، وهنا يحزن أبو بكر لأنّ المشركين قد أدركوهم ، وتأخذه الرعدة والشدّة والوجد .
وهنا وفي هذه اللحظة يلتفت الرسول إلى أبي بكر مع أنّه متوجّه إلى الله تعالى ، وهو في حالة التوجّه يلتفت إليه ويقول : { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا } ، ومادام الله معنا فلا معنى للحزن إذاً !
وهنا يأتي الجواب الإلهي والنصر الربّاني فتنزّل السكينة عليه ، أي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والتأييد الربّاني بجنود من الملائكة يمنعون الكفّار من رؤية الرسول .
فالتصوير الفنّي للقصّة لا ينسجم ويصبح مختلاً إذا أرجعنا ضمير السكينة إلى أبي بكر ، مع غيابه عن القصّة كاملة من أوّلها وإلى آخرها ، وهذا ما ذكره مفسّرو السنّة أيضاً ، فارجع مثلاً إلى : " صفوة التفاسير " ، " روح المعاني " ، " تفسير القرآن العظيم " ، " فتح القدير " ، " تفسير الثعلبي " ، " تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن " ، " تفسير البحر المحيط " ، وغير ذلك من التفاسير التي صرّحت أو نقلت بأنّ أغلب رأي الجمهور هو رجوع الضمير إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
ويمكن تقرير الدلالة بشكل أوضح فنقول : إنّ الآية المباركة ليس فيها دلالة على فضيلة لأبي بكر بتاتاً ، وذلك إنّ الفضل إن كان في قوله تعالى : { ثَانِيَ اثْنَيْنِ } فليس فيه فضيلة ، وإنّما أبو بكر متمّم للعدد واحد ، فالرسول الأوّل وأبو بكر ثانيه فلا فضيلة في ذلك .
ولا فضيلة أيضاً في قوله تعالى : { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } لأنّ ذلك لا يدلّ على أكثر من انضمام شخص إلى آخر في مكان واحد ، وهذا ليس فضيلة ، إذ يمكن اجتماع المؤمن والكافر في مكان واحد .
وكذلك قوله : { لِصَاحِبِهِ } ليست فيها فضيلة ، فالصحبة قد تكون بين المؤمن والكافر ، قال الله تعالى : { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ } (32) ، وقال تعالى مخاطباً المشركين : { وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ } (33) ، وقال تعالى في قصّة يوسف مع أصدقائه المشركين : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ } (34) .
بل يمكن إطلاق الصحبة بين العاقل وغير العاقل كقوله :
إنّ الحمار مع الحمير مطية     فإذا خلوت به فبئس الصاحب
فإذاً لفظ الصحبة ليس فيه فضيلة .
وكذلك قوله : { لاَ تَحْزَنْ } ليس فيه فضيلة ، لأنّ الحزن ليس أمراً حسناً ومرغوباً بلحاظ نهي النبيّ (صلى الله عليه وآله) عنه .
وكذلك قوله : { إِنَّ اللهَ مَعَنَا } ليس فيه فضيلة ؛ لأنّه يريد أن ينبهه على أنّ الله تعالى لا يغفل عنهم وهو معهم ، فلا داعي ولا مبرّر للحزن .
وأمّا قوله تعالى : { فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } فالضمير يعود للنبيّ لئلا يلزم التفكيك بين ضمائر الآية المتقدّمة والمتأخّرة ، فثبت أنّ الآية ليس فيها فضيلة لأبي بكر بتاتاً .
ونقول أيضاً : إنّ السكينة بما أنّها جاءت بلفظ المفرد ، وثبت رجوعها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وحده ، فهي إذاً لا تشمل أبا بكر ، وإلاّ لو كانت شاملة له لثنّاها الله تعالى كما في الآيات الأُخرى ، كقوله تعالى : { فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى } (35) .
وقال تعالى : { ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا } (36) .
فلو كان أبو بكر مقصوداً مع الرسول فضلاً عمّا إذا كان وحده لثنّى بالآية وقال : فأنزل الله سكينته عليهما ، مع أنّه أفرد الضمير ، فإذاً أبو بكر لا يدخل في الآية مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) فضلاً عن أن يكون الضمير راجع له فقط .
وقد حاول الآلوسي دفع هذا الكلام بكلام أطال فيه من دون جدوى أو معنى ، وأتعب نفسه في موطن لا يستحقّ فيه ذلك لوضوح المعنى وظهوره ، من شاء فليراجعه (37) .
ونضيف إلى ذلك أمراً آخر وهو : إنّ أهل السنّة في آية التطهير وهي قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (38)، قالوا بأنّها نازلة في أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ؛ لأنّ سياق الآية يتحدّث حولهن وما يلزمهن ، قال تعالى : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } (39) .
فيستدلّ أهل السنّة بوحدة السياق على نزول الآية في نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ودخول بقية أهل البيت في الآية دخولاً حكيماً ! مع أنّ الآية واضحة في تبدّل الصورة الفنية فيها واللحن الخطابي إذ إنّ سياق الآيات هو سياق نصح وإرشاد وتهديد ، وانتهاء الآية بنون النسوة ، بخلاف آية التطهير فإنّ الكلام فيها تلطيف وأريحية في جوّها وعدم ذكر ضمير النسوة، وإنّما أوتي بضمير المذكّر .
أقول : أهل السنّة استدلّوا بوحدة السياق لإثبات أنّ آية التطهير واردة في نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ورفضوا ما ذكر من الأدلّة على عدم ورودها في حقّ نساء النبيّ ، بينما هنا في آية الغار يعكسون الأمر تماماً ، فيخرجون الآية من سياقها وصورتها القرآنية الفنية ، والجوّ المشحون بالارتباط بين الله ورسوله ، وإنزال السكينة على الرسول (صلى الله عليه وآله) لأجل ذلك الارتباط مع الله تعالى ، يخرجون ذلك كلّه ويجعلونه في حقّ أبي بكر ، مع أنّ وحدة سياق الآية وصورتها الفنية واضحة الدلالة على أنّ السكينة نزلت على الرسول (صلى الله عليه وآله) فقط دون غيره !! فما لكم كيف تحكمون ؟ وبأيّ ميزان تكيلون !


____________
1- آل عمران : 97 .
2- إبراهيم : 8 .
3- فاطر : 15 .
4- الزمر : 7 .
5- النساء : 165 .
6- البقرة : 213 .
7- الكهف : 56 .
8- البقرة : 85 .
9- التوبة : 69 .
10- الصف : 2 ــ 3 .
11- التوبة : 38 ــ 39 .
12- التوبة : 25 .
13- آل عمران : 152 .
14- الأحزاب : 10 .
15- الممتحنة : 1 .
16- النور : 13 .
17- المجادلة : 2 .
18- الحجرات : 2 .
19- صحيح البخاري 6 / 46 .
20- الحجرات : 6 .
21- الحجرات : 7 .
22- التوبة : 75 ــ 77 .
23- صحيح البخاري 7 / 208 ، المصنّف للصنعاني 11 / 406 .
24- صحيح البخاري 7 / 208 ، كنز العمّال 11 / 132 .
25- مسند أحمد 6 / 209 و 217 ، مسند ابن راهويه 4 / 140 ، مسند أبي يعلى 12 / 436 .
26- صحيح مسلم 7 / 68 ، المعجم الكبير 17 / 279 .
27- مجموعة الفتاوى 4 / 436 .
28- مجمع الزوائد 1 / 113 .
29- سير أعلام النبلاء 3 / 128 .
30- صحيح البخاري 5 / 66 .
31- التوبة : 40 .
32- الكهف : 37 .
33- التكوير : 22 .
34- يوسف : 39 .
35- الفتح : 26 .
36- التوبة : 26 .
37- روح المعاني 5 / 289 .
38- الأحزاب : 33 .
39- الأحزاب : 32 ــ 34 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page