السؤال : ما هي الفوارق والمشتركات الكلامية بين الشيعة والمعتزلة ؟
الجواب : لا يخفى عليكم أنّ الفروق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة كثيرة ، وقد ذكر الشيخ المفيد (قدس سره) في كتابه " أوائل المقالات " تلك الفروقات الكلامية ، ونحن نذكر بعضها للاختصار ، وهي :
1ـ القول بالإمامة :
اتفق أهل الإمامة على أنّه لابدّ في كُلّ زمان من إمام موجود ، يحتجّ الله عزّ وجلّ به على عباده المكلّفين ، ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية على أنّ إمام الدين لا يكون إلاّ معصوماً من الخلاف لله تعالى ، عالماً بجميع علوم الدين ، كاملاً في الفضل ، بايناً من الكُلّ بالفضل عليهم في الأعمال التي يستحقّ بها النعيم المقيم ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية على أنّ الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها ، إلاّ بالنصّ على عينه والتوقيف ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية على أنّ الإمامة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) في بني هاشم خاصّة ، ثمّ في علي والحسن والحسين (عليهم السلام) ، ومن بعد في ولد الحسين (عليهم السلام) دون ولد الحسن إلى آخر العالم ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخلف أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته ، ونصّ عليه بالإمامة بعد وفاته ، وأنّ من دفع ذلك فقد دفع فرضاً من الدين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نص على إمامة الحسن والحسين بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأنّ أمير المؤمنين أيضاً نص عليهما كما نص الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصّ على علي بن الحسين (عليه السلام) ، وأنّ أباه وجدّه نصّاً عليه كما نصّ عليه الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأنّه كان بذلك إماماً للمؤمنين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك (1) .
2ـ القول في محاربي أمير المؤمنين (عليه السلام) :
واتفقت الإمامية ... على أنّ الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفّار ضلال ، ملعونون بحربهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأنّهم بذلك في النار مخلّدون ، وأجمعت المعتزلة سوى الغزّال منهم وابن باب ... ، على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية ... على أنّ الخوارج على أمير المؤمنين (عليه السلام) المارقين عن الدين ، كفّار بخروجهم عليه ، وأنّهم في النار بذلك مخلّدون ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك (2).
3ـ القول في أنّ العقل لا ينفكّ عن سمع ، وأنّ التكليف لا يصحّ إلاّ بالرسل(عليهم السلام) :
واتفقت الإمامية على أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلى السمع ، وأنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال ، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
4ـ القول في الفرق بين الرسل والأنبياء (عليهم السلام) :
واتفقت الإمامية على أنّ كُلّ رسول فهو نبيّ ، وليس كُلّ نبيّ فهو رسول ، وقد كان من أنبياء الله عزّ وجلّ حفظة لشرائع الرسل وخلفائهم في المقام ... ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.
5ـ القول في آباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأُمّه وعمّه أبي طالب (عليه السلام) .
واتفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب مؤمنون بالله عزّ وجلّ موحّدون لـه ... .
وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب (رضي الله عنه) مات مؤمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد ، وأنّها تحشر في جملة المؤمنين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
6ـ القول في الرجعة والبداء وتأليف القرآن :
واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإنّ كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف .
واتفقوا على إطلاق لفظ " البداء " في وصف الله تعالى ، وأنّ ذلك من جهة السمع دون القياس .
واتفقوا على أنّ أئمّة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن ، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
7ـ القول في الوعيد :
واتفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفّار خاصّة ، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى ، والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة ... ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
واتفقت الإمامية على أنّ من عذّب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلاة ، لم يخلّد في العذاب ، وأخرج من النار إلى الجنّة ، فينعم فيها على الدوام ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.
8ـ القول في الشفاعة :
واتفقت الإمامية على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشفع يوم القيامة ، لجماعة من مرتكبي الكبائر من أُمّته ، وأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته ، وأنّ أئمّة آل محمّد (عليهم السلام) يشفعون كذلك ، وينجي الله بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
9ـ القول في الأسماء والأحكام :
واتفقت الإمامية على أنّ مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام ، وأنّه مسلم ، وإن كان فاسقاً بما فعله من الكبائر والآثام ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
10ـ القول في الإسلام والإيمان :
واتفقت الإمامية على أنّ الإسلام غير الإيمان ، وأنّ كُلّ مؤمن فهو مسلم ، وليس كُلّ مسلم مؤمناً ، وأنّ الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
11ـ القول في التوبة وقبولها :
واتفقت الإمامية على أنّ قبول التوبة تفضّل من الله عزّ وجلّ ، وليس بواجب في العقول إسقاطها ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
12ـ القول في أصحاب البدع ، وما يستحقّون عليه من الأسماء والأحكام :
واتفقت الإمامية على أنّ أصحاب البدع كُلّهم كفّار ، وأنّ على الإمام أن يستتيبهم عند التمكّن بعد الدعوة لهم ، وإقامة البينات عليهم ، فإنّ تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب ، وإلاّ قتلهم لردّتهم عن الإيمان ، وأن من مات منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
13ـ القول في المفاضلة بين الأنبياء والملائكة (عليهم السلام) :
واتفقت الإمامية على أنّ أنبياء الله عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
وأمّا المشتركات بين الشيعة والمعتزلة ، فمنها :
1ـ القول في التوحيد :
إنّ الله عزّ وجلّ واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء ، ولا يجوز أن يماثله شيء ، وأنّه فرد في المعبودية لا ثاني لـه فيها على الوجوه كُلّها والأسباب ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول .
2ـ القول في الصفات :
إنّ الله عزّ وجلّ حيّ لنفسه لا بحياة ، وأنّه قادر لنفسه وعالم لنفسه ... ، وإنّ كلام الله تعالى محدث ... ، وإنّ القرآن كلام الله ووحيه ، وأنّه محدث كما وصفه الله تعالى ، وامنع من إطلاق القول عليه بأنّه مخلوق ... ، وإنّ الله تعالى مريد من جهة السمع والاتباع والتسليم ... ، وإنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال ... ، وإنّه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في كتابه ، أو على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله) ، أو سمّاه به حججه (عليهم السلام) من خلفاء نبيّه ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول .
3ـ القول في وصف الباري تعالى بأنّه سميع بصير وراء ومدرك :
إنّ استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كُلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول ، وإنّ المعنى في جميعها العلم خاصّة ، دون ما زاد عليه في المعنى ، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحسّ ، وذلك ممّا يستحيل على القديم ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول .
4ـ القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه ، وما علم كونه وما علم أنّه لا يكون :
إنّ الله عزّ وجلّ قادر على خلاف العدل ، كما أنّه قادر على العدل ، إلاّ أنّه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً ... ، وإنّه سبحانه قادر على ما علم أنّه لا يكون ، ممّا لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول .
5ـ القول في نفي الرؤية على الله تعالى بالأبصار :
إنّه لا يصحّ رؤية الباري سبحانه بالأبصار ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول .
6ـ القول في العدل والخلق :
إنّ الله عزّ وجلّ عدل كريم ، خلق الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، وعمّهم بهدايته ، بدأهم بالنعم ، وتفضّل عليهم بالإحسان ، لم يكلّف أحداً إلاّ دون الطاقة ، ولم يأمره إلاّ بما جعل لـه عليه الاستطاعة ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول .
7ـ القول في كراهة إطلاق لفظ " خالق " على أحد من العباد :
إنّ الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ، ويصنعون ويكتسبون ، ولا أطلق القول عليهم بأنّهم يخلقون ، ولا أقول أنّهم خالقون ، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر الله تعالى ، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول .
8ـ القول في اللطف والأصلح :
إنّ الله تعالى لا يفعل بعباده ماداموا مكلّفين ، إلاّ أصلح الأشياء لهم في دينهم ودنياهم ، وإنّه لا يدّخرهم صلاحاً ولا نفعاً ، وإنّ من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير ، وكذلك من أفقره ومن أصحه ومن أمرضه فالقول فيه كذلك ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول (3) .
____________
1- أوائل المقالات : 29 .
2- المصدر السابق : 42 .
3- المصدر السابق :59 .
( هداية . السعودية . ... ) الفوارق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة
- الزيارات: 520