بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.
وبعد ، فيقول العبد عديم البضاعة والمتمسك بأحاديث أهل بيت الرسالة عليهمالسلام عباس بن محمّد رضا القمّي ختم الله له بالحسنى والسعادة :
إنّ العقل والنقل يحكمان على الشخص الذي يعزم على السفر أن يهيء الزاد والمؤونة لسفره بمقدار ما يلزمه في ذلك السفر. ثمّ يسافر ؛ وعليه فمن الأجدر ونحن في سفره الآخرة الذي لا مناص لنا عنه ولا يوجد طريق للتخلص منه ـ أن نقدم أمامنا الزاد والمؤونة بما يناسبه ، كما روي عن أبي ذر الغفاري رضياللهعنه عندما قدم مكّة المعظمة فانّه وقف عند باب الكعبة ونادى على الناس الذين جاؤوا للحج من أطراف الدنيا وقد اجتمعوا في المسجد الحرام ، فقال : ( أيها الناس أنا جندب بن السكن الغفاري : انّي لكم ناصح شفيق فهلمّوا ).
فاكتنفه الناس ، فقال :
انّ أحدكم لو أراد سفراً لاتخذ من الزاد ما يصلحه. ( ولابدّ منه ) (١) فطريق يوم القيامة أحق ما تزودتم له.
فقام رجل ، فقال : فارشدنا يا أباذر.
فقال : حج حجّةً لعظائم الامور ، وصم يوماً لزجرة النشور وصلّ ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور .. الخبر (2).
وقد وعظ الامام الحسن المجتبى عليهالسلام جنادة بن أُمية حين وفاته ، وأول شيء قاله له : ( استعد لسفرك ، وحصّل زادك قبل حلول أجلك ) (3).
وبما أن سفر الآخرة سفر بعيد ، وفيه أهوال ومواقف صعبة وعقبات شديدة ومنازل عسرة فلذلك فهو محتاج الى زادٍ كثير ، ولابدّ أن لا يَغفل عنه ، وأن يفكر فيه ليلاً ونهاراً. كما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام انّه كان ينادي في كل ليلة عندما يهجع الناس بصوته الرخيم بحيث يسمعه جميع أهل المسجد جيران المسجد ، فيقول : « تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل » (4).
يعني : استعدوا وهيئوا ما تحتاجونه في سفركم رحمكم الله فانّ منادي الموت نادى فيكم على أبوابكم بالرحيل.
« واقلّوا العُرجَة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد فانّ امامكم عقبة كؤوداً ، ومنازل مخوفة مهولة لابدّ من الورود عليها والوقوف عندها » (5).
ونحن نشير الى بعض تلك العقبات الصعبة والمنازل المهولة. ونذكر بعض الامور النافعة في درء صعوبات وأهوال ذلك المحلّ بكمال الاختصار. وضمن عدة فصول. وإن وفقني الحقّ تعالى وامهلني الأجل فسوف اصنِّف كتاباً مفصلاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى ، ولو انّني لم أر في هذا الزمان مَن يَطلبُ هذه المطالب بشكل جدّي وحقيقي.
وبسبب هذه الملاحظة أيضاً فقد كتبت هذه المختصر بدون اندفاع مع قلة رغبة ، وأسأل الحقّ تعالى التأييد والتوفيق انّه قريب مجيب.
*********************
(١) اثبتت هذه الزيادة في البحار وسقطت من المصدر المطبوع.
(2) رواه أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي في : دعائم الاسلام / ج ١ ، ص ٢٧٠ ، تحقيق آصف فيضي / دار المعارف / مصر / ١٩٦٣ م / ونقله عنه العلاّمة المجلسي في البحار : ج ٩٦ ، ص ٢٥٨ ، وبقية الحديث الشريف. (وكلمة حق تقولها ، أو كلمة سوء تسكت عنها وصدقة منك على مسكين ، فعلّك تنجو من يوم عسير. اجعل الدنيا كلمةً في كلمةً في طلب الحلال ، وكلمة في طلب الآخرة ، وانظر كلمةً تضرّ ولا تنفع فدعها. واجعل المال درهيمن : درهماً قدمته لآخرتك ودرهماً انفقته على عيالك كلّ يوم صدقة).
(3) رواه أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمّي الرازي في : كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر ص ٢٢٧ ، باب (ما جاء عن الحسن عليهالسلام ما يوافق هذه الآخبار ونصه على أخيه الحسين عليهماالسلام) ح ٥ ، بإسناد عن محمّد بن وهبان البصري ، تحقيق الكوه كمرئي الخوئي / ط قم ١٤٠١ هـ. ق. ونقله عنه المجلسي في البحار : ج ٤٤ ، ص ١٣٩.
(4) نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ١٨٣ ، تحقيق محمّد عبدة. شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد / ج ١١ ، ص ٥.
(5) نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ١٨٣ ، تحقيق محمّد عبده. شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد / ج ١١ ، ص ٥.
مقدمة المؤلّف
- الزيارات: 319