إن الحديثين: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) و(إني تارك ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي)؛ كانا بالنسبة لي من أقوى الأدلة التي كنت أحتج بها حينما كنت أميل إلى الفكر الوهابي، فبعد أن حفظت الحديثين اللذين يرددهما كثير من علمائهم في الكتب والمحاضرات، ولم أحده نفسي يوماً بالرجوع إلى مصادراهما الأصلية من كتب الحديث، وكنت أتعامل معهما تعامل المسلّمات والبديهيات، وهذا ليس بالشيء الغريب فهما في الواقع الأساس الأول الذي يبتني عليه الفكر السني، وبالأخص الفكر الوهابي الذي تبنى الحديثين بصلابة.. فلم يطرأ ببالي مجر الشك في صحتهما لأنهما القاعدة التي أنطلق منها في انتمائي إلى المذهب السني فالشك فيهما يعني الشك في انتمائي.
وهذه الفكرة التي انخدعت بها لم تكن ـ بعد التحقيق ـ وليدة العصر أو وليدة الفكر السني، وإنما هي وليدر خطة مدروسة دبر لها من قديم الزمان لتمويه الحقائق ولمواجهة خط أهل البيت، الذي يمثل الإسلام بأروع صوره، وللأسف الشديد فإن كثيرا من المدارس الفكرية، قامت على أنقاض ذلك المخطط الخبيث، فتبنت أفكاره وكأنها نازلة من عند الله سبحانه وتعالى، وروجوا لها ودافعوا عنها بكل السبل والوسائل. وما الوهابية إلا مثال واضح لضحايا ذلك المخطط الذي أودى بالأمة الإسلامية إلى واد سحيق من الانقسام والفرقة والشتات.
وسنحاول كشف نزر يسير من مكائده في كل فصل من فصول الكتاب.
وما يهمنا من ذلك المخطط في هذا المجال هما الحديثان اللذان كانا الخطة الأولى لتحريف الدين وتغيير مسار الرسالة ولإبعاد المسلمين عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)..ذلك الحديث المتواتر الذي روته كتب الحديث وتعدت مصادره عند السنة والشيعة، ولكن يد الغدر والخيانة حاولت أن تخفيه عن الأنظار وروجت بدلا عنه حديثي: (كتاب الله وسنتي) و(عليكم بسنتي..) اللذين سينكشف ما ينطويان عليه من ضعف.
فوجئت عندما سمعت أول مرة حديث: (كتاب الله وعترتي).. وأخذني الخوف.. وتمنيت ألا يكون صحيحا، لأنه يهدم كل ما كنت بنيته من فكري الديني، بل ينسف مرتكز المذهب السني... ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.. وحدث العكس تماما عندما نظرت إلى الحديثين في مصادرهما الأصلية، فوجدت أن حديث: (كتاب الله وعترتي...) عليه من الصحة والوثاقة ما لا يستطيع أحد أن يشك فيه، بخلاف حديث: (كتاب لله وسنتي..) الذي لا يتجاوز أن يكون خبر آحاد مرفوعا أو مرسلا، وعليه عندما شعرت بمرارة الهزيمة، فبدأت بعد ذلك تجتمع عندي القرائن والإشارات واحدة بعد أخرى، حتى انكشف لي الحق بأجلى صوره... وسوف نثبت هنا ضعف حديثي: (عليكم بسنتي..) و(وكتاب الله
وسنتي..) وصحة حديث العترة الذي هو الرصاصة الأولى التي تصيب قلب الفكر السني..
وانكشف الزيف
- الزيارات: 682