• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الأول الوضع الأمثل وبذور الاختلاف

الوضع الأمثل

بعد جهاد مرير نجحت دعوة الإسلام، وتمخضت تلك الدعوة عن دولة النبي. تلك الدولة التي وحدت العرب سياسياً لأول مرة في تاريخهم ونقلتهم من دين الشرك إلى دين الإسلام، واقتنع العرب أو تظاهروا بالاقتناع بأن محمداً نبي ورسول وإمام وقائد، وأنه المرجع الوحيد، وأنه على صلة مستمرة مع الله عن طريق الوحي.
فكان المسلمون يعرفون الحكم الشرعي من طريق النبي، والنبي لم يتوقف عن الإعلان بأنه على استعداد للإجابة عن كل سؤال جواباً يقينياً قائماً على الجزم واليقين، لأنه يتبع بالضبط ما يوحى إليه من ربه، وأن الله قد علمه بيان القرآن، وأن القرآن فيه تبيان لكل شئ وكان المسلمون يعملون عقولهم في ما خفي عليهم من الأحكام الشرعية، حتى إذا ما التقوا مع الرسول عرضوا عليه نتاج عقولهم فيحكم عليه وفق موازين الوحي الإلهي، فيعدل ويبدل ويقوم هذا النتاج حتى يتفق تماماً مع ما أوحي إليه.
كان بعض المسلمين يتشبث برأيه الشخصي في مقابلة الوحي، ولكنه كان يضطر دائماً لترك رأيه الشخصي والنزول عند حكم النبي، أو يضطر للتظاهر بذلك. وهكذا تبقى الأمة دائماً ضمن إطار الشرعية والمشروعية الإلهية، وتتبنى أحكاماً إلهية واحدة تتفق مع المقصود الإلهي بلا خلاف ولا اختلاف. فالكل مقتنع أو متظاهر بالاقتناع بأن محمداً هو الأعلم، وهو الأفهم بالدين، وهو الأقرب لله، والمتصل معه بالوحي، وهو الأصلح والأفضل، والأقدر على النطق بالصواب، وهو المؤهل إلهياً للإجابة عن كل سؤال جواباً صائباً، ولا أحد في المجتمع يجرؤ على القول بعكس ذلك. واعتراضات عمر بن الخطاب وأمثاله الناتجة عن الرأي، سرعان ما تتداعى أمام القناعات العامة بشخصية الرسول وأهليته التي تشكل المرجع الأوحد للنطق بالصواب وإعلانه. لذلك لم يكن هنالك خلاف ولا اختلاف لأن الجميع كانوا يصدرون عن قول محمد المرجع والإمام والمؤهل الوحيد في زمانه للنطق بالصواب. فزمان النبي زمان الوفاق التام الذي لا خلاف فيه ولا اختلاف.
وقد نطق القرآن الكريم بأن النبي ميت لا محالة، وأن الدين الإسلامي هو دين الله الأوحد، وأن محمداً هو رسول الله خاتم النبيين. لذلك وبأمر من الله أوجد الرسول كوادر فنية ومنهاجاً تعليمياً لاثني عشر نقيباً من أهل بيت النبوة، وسمى الرسول هؤلاء النقباء (الأئمة) وأعلنهم بأمر من ربه أئمة من بعده، يتولى كل واحد منهم الإمامة بنص ممن سبقه، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد بن الحسين المهدي. وبين الرسول أن الله تعالى قد أهل الاثنى عشر إماماً للإمامة والمرجعية، ليكون كل واحد منهم في زمانه هو الأعلم وهو الأفهم بالدين، وهو الأقرب لله ولرسوله، وهو المؤهل للإجابة عن كل سؤال يطرحه أي شخص من مكان المعمورة جواباً يقينياً وصائباً ومتفقاً تماماً مع المقصود الشرعي الإلهي.
وحث الرسول الأمة على تنفيذ الأمر الإلهي، وتمكين الأئمة الاثني عشر من قيادة الدعوة والدولة معاً، لأن الله تعالى أهلهم لذلك، ولم يؤهل لهذا المنصب الخطير سواهم. وزيادة في التأكيد بين الرسول لأمته أن الهدى لن يدرك إلا بالقرآن وبأئمة أهل بيت النبوة، وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بالاثنين معاً، فالأئمة الكرام قيادة ومرجعية ومستودع العلم الإلهي، ومستودع علم بيان النبي للقرآن، والقرآن بمثابة القانون الأبدي النافذ في مجتمع الأمة، والأئمة وحدهم هم الذين يعرفون جواب كل مسألة جواباً شرعياً يقينياً، لأن الله أعدهم وأهلهم لذلك، بمعنى أن هنالك واقعاً شرعياً من التكامل بين قيادة أهل بيت النبوة وبين القرآن الكريم، وأن أحدهما بعد النبي لا يغني عن الآخر. فإذا قبلت الأمة بالقرآن وبيانه قانوناً نافذاً، وبأهل بيت النبوة، قيادة ومرجعية، والتزمت بالاثنين معاً، فلن يكون هنالك هنالك خلاف ولا اختلاف ويصبح الوضع هو الأمثل وهو الأقوم حيث لا خلاف ولا اختلاف.

أسباب الخلاف والاختلاف

1 - البذرة الأولى:
لم يرق هذا الترتيب الإلهي لبطون قريش التي كرهت أن يجمع الهاشميون النبوة والملك، أو الخلافة من بعد النبي على حد تعبير عمر بن الخطاب، لذلك قررت أن تنسف هذا الترتيب الإلهي، خططت لاستبعاد أهل بيت النبوة عن قيادة الأمة، وتجميد جميع النصوص النبوية الشرعية التي أعلنها النبي بأمر من ربه، والتي أعطت أهل بيت النبوة الحق بقيادة الأمة وبالمرجعية معاً.
وقررت البطون القرشية، طالما أن النبوة لبني هاشم لا يشاركهم فيها أحد، أن تجعل القيادة أو خلافة النبي لها تتداولها في ما بينها ولا يشاركهما فيها أحد من بني هاشم، فذلك أوفق وأصوب وأهدى من الترتيب الإلهي وأمنع للإجحاف على حد تعبير عمر بن الخطاب، وعلى ذلك اتفق أبناء بطون قريش مهاجرهم وطليقهم إلا من هدى الله، وأخفوا هذا الاتفاق، وانتظروا موت النبي بفارغ الصبر حتى يضعوه موضع التطبيق.
كانت هذه الأفكار هي البذرة الأولى من بذور الخلاف والاختلاف بين المسلمين، والسبب الأول لدوام هذا الخلاف والاختلاف (1).
2 - البذرة الثانية:
كما زرعت بطون قريش بذرة الاختلاف الأولى بنقلها للقيادة عن أساسها الشرعي، زرعت أيضاً بذرة الخلاف والاختلاف عندما شككت بأحكام رسول الله، وفرقت بين الرسول المرسل والكتاب المنزل. ولضمان نجاح خطتها الانقلابية أشاعت أن محمداً نبي ورسول من الله بلا شك ولا ريب، لكنه ليس معصوماً، فهو بشر يتكلم في الغضب والرضى، ويخطئ ويصيب، ويذكر وينسى وله ميوله وأهدافه الشخصية، وله انجذابه الخاص نحو أهل بيته بخاصة ونحو
الهاشميين بعامة، ولا يمكن أن يكون كل ما يقوله من عند الله. وبالتالي فإن دوره قد انتهى باكتمال نزول القرآن، وطالما أن نزول القرآن قد اكتمل، فإن القرآن وحده يكفي ولا داعي لوجود النبي أو غيره، وبالرجوع لهذا القرآن فإن البطون لا تجد ذكراً لحديث الثقلين، ولا ذكراً للأئمة الاثني عشر، ولم يتطرق القرآن للولاية من بعد النبي، ولم يذكر القرآن أن علياً بن أبي طالب هو الولي من بعد النبي، ولا ذكر القرآن ذلك الدور المميز الذي يقول محمد إن الله قد اختص به أهل بيت النبوة!
هذه الشائعات مع شائعات أخرى إنما بثت للتشكيك بذات الرسول وقوله وفعله وعقله فشقت طريقها إلى أسماع المسلمين وعقولهم وقلوبهم، وجهدت البطون في نشر هذه الشائعات وصولاً إلى إبطال النصوص النبوية الشرعية التي بينت القرآن وعالجت ظاهرة السلطة والقيادة من بعد النبي.
وعند ما مرض النبي مرض الموت واستكملت قيادة البطون استعداداتها لمواجهته قررت أن تعلن شائعاتها علناً، وأن تتبنى رسمياً هذه الشائعات. لذلك، وعندما أراد الرسول أن يكتب توجيهاته النهائية للأمة، تصدى له عمر بن الخطاب وزعماء البطون وقالوا للرسول شخصياً أنه يهجر.
3 - البذرة الثالثة:
وعندما انتشرت شائعات البطون ونجح أبناؤها في إقامة تحالف مع المنافقين والمرتزقة من الأعراب، قررت أن تستولي على منصب الخلافة بالقوة والتغلب والقهر، وأن تفرض إشاعاتها وتخفي آثار جناياتها. وبيسر بالغ استولت على السلطة، وواجهت المسلمين بأمر واقع، فمن قبل بهذا الأمر نجا وحاز نصيباً من المغانم، ومن عارضه عوقب وطرد من رحمها، ومن مغانم دولتها، وقد يهدد بالقتل كما فعلوا بعلي بن أبي طالب، وقد يشرعوا بحرق بيته على ما فيه كما فعلوا ببيت فاطمة بنت رسول الله!! فإذا كان علي بن أبي طالب يهدد بالقتل إن لم يبايع، وبيت بنت الرسول يتعرض للتحريق، فما هي طبيعة الحرمة التي تبقى لغيرهما من معارضي دولة البطون؟!
4 - البذرة الرابعة:
عندما استولت البطون، بالقوة والتغلب والقهر، على الخلافة من بعد النبي كان أول شئ فعله خلفاؤها الأول أن منعوا رواية أحاديث رسول الله وكتابتها.
حتى لقد قام الخليفة الأول بإحراق خمسمئة حديث كتبها بنفسه عن رسول الله، وخطب الناس وحثهم على عدم التحديث عن الرسول لأن الأحاديث تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين على حد تعبيره. وجاء الخليفة الثاني وعمق قرار منع رواية أحاديث الرسول وكتابتها وأضاف بأن طلب من الناس أن يأتوه بالأحاديث التي كتبوها عن رسول الله ولما جاؤوه بها أمر بتحريقها وحرقت فعلاً، وسار الخليفة الثالث على نهج صاحبيه، وصار منع رواية أحاديث الرسول وكتابتها سنة راشدة! وجد الخلفاء اللاحقون أنفسهم ملزمين باتباعها.
5 - البذرة الخامسة:
غلب معاوية الأمة، واستولى على منصب الخلافة بالتقتيل والتشريد والتنكيل والإرهاب، ومعاوية، بتاريخه وطبيعته، حاقد على البيت الهاشمي بعامة وعلى علي بن أبي طالب وذريته بخاصة، وإذا أضفنا إلى هذا تاريخ مقاومة الأمويين للنبي ولدعوته والحروب التي خاضوها ضده يصل الإنسان العادي إلى قناعة بأن الحقد الأموي على علي وأهل بيت النبوة وعلى الهاشميين لا دواء له.
وقد وضع معاوية يده في أيدي الخلفاء الأول وألف بين قلبه وقلوبهم، كراهية الجميع لقيادة أهل بيت النبوة بغض النظر عن الأسباب التي يستند إليها كل واحد منهم، ورفع الخلفاء من شأن معاوية وأعدوه ليحمي قناعاتهم من بعد موتهم وليتصدى لخصوم الجميع. وبعد أن أنشب معاوية أظافره الحديدية في كل عنق الخلافة لم ير ما يوجب التستر فقاد بنفسه حملة وضع الأحاديث على رسول الله وتحريفها واختلاقها وسخر إمكانيات دولة الخلافة ومواردها لتحقيق الغاية من حملته تلك المركزة على محو كل فضل لعلي ولأهل بيت النبوة وللتشكيك بمرجعيتهم وحقهم بالقيادة واختلاق آلاف المرجعيات التي تنافسهم. ولما تجمعت لمعاوية وولاته تلك المرويات الكاذبة، فرض على رعايا دولة الخلافة حفظها وتصديقها، وجعلها منهاجاً تربوياً وتعليمياً لدولته، ومع الضغط والتكرار صدقها الناس، أو تظاهروا بتصديقها والإيمان بها حتى صار المسلم على يقين بأن مسبة علي بن أبي طالب وكره أهل بيت النبوة من الأمور التي تقربه من الله زلفى، وصارت محبة علي وأهل بيت النبوة وموالاتهم من جرائم الخيانة العظمى يعاقب مرتكبها بالموت وهدم الدار والتجريد من الحقوق المدنية والسياسية.
وهكذا هدم معاوية علناً كافة الأسس التي بناها رسول الله وأقام بدلاً منها أسساً ومبادئاً مناقضة لها تماماً، وانتصرت أحاديث الرسول على تلك المرويات الكاذبة التي رعى معاوية وولاته روايتها والتي تخدم أهدافه ومطامعه، وتجذر الخلاف والاختلاف بين المسلمين. أما النصوص النبوية الشرعية التي عالجت ظاهرة السلطة والقيادة من بعد النبي فقد اتبع معاوية سنة أسلافه بمنع روايتها وكتابتها وفرض حالة من التعمية عليها، وزاد عنهم بحملته الرهيبة الهادفة إلى محاربتها ونقضها والتشكيك بكل ما فيها وتجنيد كل طاقات دولة الخلافة لخلط الأوراق وتجذير الخلاف والاختلاف، وجاء الخلفاء من بعد معاوية ليجدوا منهاجاً، تربوياً وتعليمياً مستقراً فآمنوا به صدقوه، وساروا عليه وهم يعتقدون صوابه.

لا يصلح العطار ما أفسد الدهر

عند ما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أدرك خطورة ما فعله الذين سبقوه من الخلفاء بفرضهم الخطر على رواية أحاديث الرسول وكتابتها في الوقت نفسه الذي أباحوا فيه رواية الأساطير والخرافات الإسرائيلية والشركية وكتابتها وتداولها.
وقدر عمر بن عبد العزير أنه إذا ما استمر حظر رواية أحاديث الرسول وكتابتها فإن سنة الرسول ستندرس لا محالة، لذلك أمر واليه على المدينة بأن يباشر على الفور بجمع ما تبقى من أحاديث رسول الله وكتابتها. واهتز مجتمع دولة الخلافة وهاجت الأمة وماجت وتساءلت: كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز على فعل ما يتعارض مع سنة أبي بكر وعمر؟ وتعاضد الملأ الرسمي وأجهضوا مشروع الخليفة، وظلت سنة أبي بكر وعمر سارية بفرض استمرار الحظر على رواية أحاديث الرسول وكتابتها قرابة 95 عاماً. وعندما بدأت حركة العلوم في العهد العباسي بالاتساع لم تجد دولة الخلافة ما يسوغ استمرار الحظر على رواية أحاديث الرسول وكتابتها، ولكنها لم تأمر ولم تنه. وهكذا بدأ الاهتمام بكتابة أحاديث الرسول (2).
* * *





____________
(1) وقد ثبتنا ذلك ووثقنا في كتابنا (المواجهة) ويمكن الرجوع إليه للوقوف على التفصيل والمراجع.
(2) راجع كتابينا الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية، والمواجهة مع رسول الله وآله (القصة الكاملة) تجد التفصيل والمراجع.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page