• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مرحلة ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم

بعد انتشا العقائد الاشعري، التي عمت معظم البلدان الاسلامية حتى أصبحت المذهب الرسمي في الأصول لجمهور المسلمين، قل ذكر ابن حنبل وتحجم مذهبه العقائدي حتى ظهر ابن تيمية الذي ولد سنة 661هـ في بيت المشيخة الحنبلية وفي واحد من أم معاقل الحنابلة في مدينة حران، نشأ في هذه الاسرة وتتلمذ على يد والده الذي أفرد له كرسياً في دمشق بعد هجرته إليها، ودرس على آخرين علوم الحديث والرجال واللغة والتفسير والفقه والأصول، وبعد وفاة والده ترأس ابن تيمية حلقة التدريس، وكانت هذه فرصته ليعيد لعقائد الحنابلة أمجادها، فاستغل هذا المنبر في التكلم في صفات الله، ذاكراً براهين تناصر عقيدة القائلين بالتجسيم، ظهر هذا الامر واضحاً عندما جاب على أسئلة حماه عندما كتبوا أليه يسألونه عن آيات الصفات مثل قوله (الرحمن على العرش استوى) وقوله (ثم استوى إلى السماء) ومثل قوله (ص): (إن قلب ابن آدم بين اصبعين من اصابع الرحمن) فأجابهم برسالة طويلة، سميت بالعقيدة الحموية، كشف فيها عن اعتقاده بالتجسيم والتشبيه، من غير أن يفصح بذلك، تستراً بألفاظ وكلمات لو رفعت لظهر واقع الأمر، فأحدثت هذه الرسالة ضجة في أوساط العلماء، وأنكروا عليه ذلك، فاحتمى بأمير دمشق الذي انتصر له، وينقل ابن كثير في ذلك: (كان وقع في دمشق محنة للشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقام عليه جماعة من الفقهاء، وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي فلم يحضر، فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد سأله عنها أهل حماه المسماة بـ (الحموية)،    
فانتصر له الأمير سيف الدين جاعان، وأرسل يطلب الذين قاموا عليهن فاختفى كثير منه، وضرب جماعة ممن نادى على العقيدة فسكت الباقون)(1).
وهكذا سكت العلماء عن العقائد المنحرفة بقوة السلطان، فوجد ابن تيمية مجاله ليتحدث كيف يشاء، وقد نقل لنا شاهد عيان اعتقاد اين تيمية في الله، وهو ذلك الرحالة الشهير ابن بطوطة، فصادف أن حضر يوماً درس اين تيمية في المسجد الأموي، قال: وكنت إذ ذلك بدمشق فحضرت يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع، ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من المنبر.
فعارضه فقيه مالكي، يعرف بابن الزهراء وأنكر عليه ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عممته وظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه على دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة، فأمر بسجنه وعززه بعد ذلك(2).
وذكر هذه المقولة لابن تيمية ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة ج1 ص154 ويظهر لك جلياً من ذلك تعصبه الشديد للمثبتين للصفات حتى وصل به الحد أن يتشبه بالله سبحانه، وهذا هو الكفر والزندقة بعينه.
وقد تستر على هذه العقائد بقوله أنها عقائد السلف وما جرى عليه أمر المسلمين، فيفتري على السلف ويتستر بهم ليواري سوء عقيدته، مع العلم أن غطاء السلف قد حاول الحنابلة من قبل التلحف به، ولكن من غير جدوى لكثرة المذاهب العقائدية التي كانت قبل أحمد وبعده، وهذه الاختلافات تؤكد على عدم وحدة المسلمين على عقيدة واحدة، وكل من المذاهب يدعي وصلاً بليلى، وليلى لا تقر لهم بذلك.
ويكذب الشهرستاني ادعاء ابن تيمية لمذهب السلف كما ذكر في الملل والنحل: (ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف فقالوا: هذه الايات لا بد من إجرائها على ظاهرها، والقول بتفسيرها كما وردت من غير تعرض للتأويل ولا توقف في الظاهر ـ كما فعل ابن تيمية ـ فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف. ولقد كان التشبيه صرفاً خالصاً في اليهود لا في كلهم، بل لعلها القراء أو القرائين منهم، إذ وجدوا في التوراة ألفاظاً كثيرة تدل على ذلك)(3).
وقد خدع بن تيمية العامة بإطلاقاته الكثيرة مثل قوله: (أما الذي أقوله الآن وأكتبه، وإن كنت لم أكتبه فيما تقدم من أجوبتي، وإنما أقوله في كثير من المجالس: إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف في تأويله، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما رووه من الحديث، ووقفت على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد على ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئاً من آيات الصفات أو أحاديث الصفات يخلاف مقتضاها المفهوم المعروف)(4).
وبهذا الاطلاق يصدّق العوام مقالته، وبقليل من المراجعة في كتب التفاسير المأثورة يظهر لنا كذب ابن تيمية، إما في عدم مراجعته للتفاسير أو في الادعاء بعدم وجود تأويل في آيات الصفات من الصحابة، وأكتفي لك بالشواهد:
إذا راجعنا تفسير الطبري، والذي يصفه ابن تيمية بقوله: ليس فيه بدعة، ولا يروي عن متهمين(5).
وعندما نراجع فيه آية الكرسي التي اعتبرها ابن تيمية من أعظم آيات الصفات، كما في الفتاوي الكبيرة ج6 ص322.
يورد الطبري روايتين بالإسناد إلى ابن عباس، في تفسير قوله تعالى (وسع كرسيه السموات والارض).
قال: اختف أهل التأويل في معنى الكرسي، فقال بعضهم هو علم الله تعالى ذكره، وذكر من قال ذلك بإسناده عن أن ابن عباس قال: كرسيه علمه.
ورواية أخرى بإسناده عن ابن عباس أيضاً، قال: كرسيه علمه، ألا ترى في قوله (ولا يؤوده حفظهما)(6).
انظر وتعجب، في الكذب المحض، فهو يقول: (أن السلف لم يختلفوا في شيء من الصفات والطبري يقول: (اختلف أهل التأويل) ويطلق ابن تيمية قوله: (لم أجد إلى ساعتي هذه أحداً من الصحابة تأول شيئاً من آيات الصفات) رغم ادعائه أنه راجع مائة تفسير، والطبري يذكر روايتين عن ابن عباس.
وإليك الشاهد الثاني: من نفس تفسير الطبري، في تفسير قوله تعالى: (وهو العلي العظيم).
يقول الطبري: واختلف أهل البحث في معنى قوله (وهو العلي العظيم) فقال بعضهم (يعني بذلك وهوعلي عن النظير والأشباه، أنكروا أن يكون معنى ذلك هو العلي: المكان. وقالوا: غير جائز أن يخلو منه مكان ولا معنى لوصفه بعلو المكان لأن ذلك وصف بأنه في مكان دون مكان)(7).    
هذا هو قول السلف، ولكن ابن تيمية اختار لنفسه طريقا آخر، فلم يجد من يؤيده فنسبه إلى السلف، فنرى السلف لا يؤمنون بالمكان لله سبحانه، ونرى ابن تيمية يحشد مجموعة من الآيات والأحاديث ليثبت بها مكان الله سبحانه وتعلى في رسالته لأهل حماة، فيصل إلى قوله: (... إن الله سبحانه على العرش استوى، وأنه فوق السماء)(8) ويقصد بذلك المكان.
أما في تفسير ابن عطية الذي يعتبره ابن تيمية أرجح التفاسير فقد أورد ما أورده الطبري من روايات ابن عباس، ثم علق على بعض الروايات التي ذكرها الطبري وتمسك بها ابن تيمية بقوله: (هذه أقوال جهلة مجسمين وكان الواجب ألا تُحكى)(9).
وهذا شاهد أخير في تفسير قوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه) القصص/88.
وقوله: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) الرحمن/27. التي يثبت بها ابن تيمية الوجه على الحقيقة.
قال الطبري: واختلف في معنى قوله (ألا وجهه) فقال بعضهم معناه كل شيء هالك إلا هو.
وقال آخرون: معنى ذلك إلا ما اريد به وجهه، واستشهدوا بتأويلهم بقول الشاعر
أستغفر الله ذنباً لست محصيه    رب العباد إليه الوجه والعمل(10)
ولم يزد على ذلك شيئاً.
وقال البغوي: (إلا وجه) أي إلا هو، وقيل إلا ملكه.
قال ابو العالية: إلا ما أريد به وجهه(11) ولم يزد على ذلك.
وفي الدر المنثور عن ابن عباس قال: المعنى إلا ما يريد به وجهه.
وعن مجاهد: الا ما أريد به وجهه.
وعن سفيان: إلا ما اريد به وجهه من الأعمال الصالحة.
هذا قول السلف، ولم يزد فيهم واحد على ذلك، فمن أين بعد ذلك لابن تيمية، ن يقول: هذا قول السلف...!
فلا نقول له إلا قوله تعالى: (لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) آل عمران/61.
(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك ليعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة/ 159.
.. ولذلك لم يسكت العلماء المعاصرون على قوله، وأفتوا فيه ونفّروا الناس عنه، حتى سجن ومنع من الكتابة داخل السجن، ومات مسجوناً في دمشق لعقائده الفاسدة ولآرائه الشاذة، وقد رد عليها كثير من العلماء والحفاظ، وأرسل إليه الذهبي رسالة يعاتبه فيها على ما جاء به من معتقدات، وهي طويلة نكتفي منها ببعض الشواهد، وقد ذكرها العلامة الاميني بطولها في كتابه الغدير ج7 ص528.. نقلاً عن تكملة السيف الصقيل للكوثري ص190.
: (يا خيبة من اتبعك، فإنه معرض للزندقة والانحلال، ولا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطنياً شهوانياً، لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه، وفي الباطن عدولك بحاله وقلبه فهل معظم أتباعك إلا بعيد مربوط خفيف العقل.   
أو عامي كذاب بليد الذهن؟
أوغريب واجم قوي المكر؟
أو ناشف طالح عديم الفهم؟
فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل..).
وجاء في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ج1 ص141:
(فمن نا وهناك ردوا عليه، ما أبدعته يده الاثيمة من المخاريق التافهة والآراء المحدثة، الشاذة، عن الكتاب والسنة والاجماع والقياس، ونودي عليه بدمشق: من اعتقد عقيدة ابن تيمية، حل دمه وماله.
وقال فيه الحافظ عبد الكافي السبكي، وقد ألف في الرد على ابن تيمية كتاباً سماه شفاء الاسقام في زيارة خير الانام عليه الصلاة والسلام.
وقال في خطبة كتابه ـ الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية: (أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الاسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة، مظهراً أنه داع إلى الحق، هاد إلى الجنة، فخرج عن الإتباع إلى الابتداع، وشد عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة وإن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال، وقال لمحلول الحوادث بذات الله تعالى...)(12).
وعشرات العلماء الذين اعترضوا عليه، ولا يتسع المقام لتتبع كلماتهم وإيراد أقوالهم، ونكتفي في الختام بقول شهاب الدين ابن حجر الهيثمي، قال في ترجمة ابن تيمية: (إن تيمية عبد خذله الله، وأضلّه، وأعماه، واصمه، وأذله، لذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله، وكذبوا أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرحلة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة، وهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية، ولم يقصر اعتراضه على متأخري السلف الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما والحاصل أنه لا يقام لكلامه وزن بل يرمى في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع، ضال، مضل، غال، عامله الله بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله. آمين!.. إلى أن قال: إنه قائل بالجهة وله في إثباتها جزء، ويلزم أهل هذا المهب الجسمية والمحاذاة والاستقرار)(13).
.. نكتفي بهذا القدر عن ابن تيمية، وسوف نتناول بعض أفكاره بالتحليل العلمي والرد عليها عندما نتحدث عن الوهابية، لأنها هي الامتداد التاريخي لعقائد ابن تيمية، الذي هو بدوره امتداد لعقائد الحنابلة.
ولقد تفنّن الرجل في خلط الحق بالباطل، ولذلك ظن فيه بعض المسلمين الخير، فسمه ـ شيخ الإسلام ـ واشتهر أمره وانتشر، وإلا فالباطل المطلق لا أنصار له.
وقد قال أمير المؤمنين (ع) في ذلك: (إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب اله، ويتولى عليها رجال رجالاً على غير دين الله. فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، ولو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم منا الحسنى) نهج البلاغة خطبة 49.
____________
1- البداية والنهاية ج14 ص5ـ 4، أحداث سنة 698هـ.
2- رحلة ابن بطوطة ص95.
3- الملل والنحل ص84.
4- تفسير سورة النور، ابن تيمية ص178 ـ 179.
5- المقدمة في أصول التفسير ص51
6- تفسير الطبري ج3 ص7.
7- تفسير الطبري ج3 ص9.
8- العقيدة الحموية الكبرآ، مجموع الرسائل الكبرى لابن تيمية ص329 ـ 332.
9- فتح القدير للشوكاني.
10- تفسير الطبري ج2 ص82.
11- تفسير البغوي.
12- الملل والنحل ج4 ص42 للشهرستاني.
13- المصدر السابق ص48.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page