فقال الحاضرون : هذا دليل ما بعده دليل ، وأحسّ الوهابيّ بالهزيمة فاستطرد يقول : ذاك صحيح عندما كان حيّاً ، ولكن الرّجال مات منذ أربعة عشر قرناً .
قلت مستغرباً : كيف تقول عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجّال مات ؟! رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّ وليس بميّت .
فضحك من قولي مستهزءاً قائلا : القرآن قال له : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}(1) .
قلت : والقرآن نفسه يقول : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(2) وقال : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}(3) .
قال : هذه الآيات تتكلّم عن الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله ، ولا علاقة لها بمحمّد .
قلت : سبحان الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، أأنت تنزل بمرتبة النبي محمّد حبيب الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى درجة هي أقل من رتبة الشهيد ، وكأنّك تريد أن تقول بأن أحمد بن حنبل مات شهيداً ، فهو حيّ عند ربّه يرزق ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ميّتٌ كسائر الأموات ؟!
قال : هذا ما يقوله القرآن الكريم .
قلت : الحمد لله أن كشف لنا عن هويّتكم ، وعرّفنا على حقيقتكم بألسنتكم ، وقد حاولتم جهودكم طمس آثار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصل الأمر بكم أن حاولتم إعفاء قبره ، كما أعفيتم البيت الذي ولد فيه .
وهنا تدخَّل صاحب البيت ليقول لي : لا نخرج عن دائرة القرآن والسنّة وهذا ما اتفقنا عليه .
اعتذرت وقلت : المهمّ أنّ صاحبنا اعترف بالوسيلة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ونفاها بعد وفاته .
فقال الحاضرون جميعاً : وهو كذلك ، وسألوه من جديد : أنت وافقت بأنّ الوساطة كانت جائزة في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
أجاب : كانت جائزة في حياته وهي غير جائزة الآن بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقلت : الحمد لله ، لأول مرّة تعترف الوهابيّة بالوسيلة وهذا فتح كبير .
واسمحوا لي بأن أضيف أنّ الوسيلة جائزة حتى بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال الوهّابي : والله لا يجوز ، ذلك من الشرك .
فقلت : مهلا ، ولا تتسرّع وتقسم فتندم على ذلك .
قال : هات الدليل من القرآن .
قلت : أنت تطلب المستحيل لأنّ نزول الوحي انقطع بوفاة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا بد من الإستدلال من كتب الحديث .
فقال : نحن لا نقبل الحديث إلاّ إذا كان صحيحاً ، أمّا ما يقوله الشيعة فلا نعتبره شيئاً .
_______
1- سورة الزمر ، الآية : 30 .
2- سورة آل عمران ، الآية : 169 .
3- سورة البقرة ، الآية : 154 .
اعتراف السلفي بالتوسل في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
- الزيارات: 1124