العلم من أفضل السجايا الإنسانية ، وأشرف الصفات البشرية ، به أكمل الله أنبياءه المرسلين ، ورفع درجات عباده المخلصين ، قال تعالى : * ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) * ، وقرن أهل العلم بنفسه وبملائكته في آية أخرى ، فقال جل شأنه : * ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ) * ، وقال تعالى : * ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) * .
أما زينب المتربية في مدينة العلم النبوي ، المعتكفة بعده ببابها العلوي ، المتغذية بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ، وقد طوت عمرا من الدهر مع الإمامين السبطين ، فهي من عباب علم آل محمد ( عليهم السلام )
تعب ، وفضائلهم التي اعترف بها عدوهم الألد يزيد
الطاغية بقوله في الإمام السجاد ( عليه السلام ) : إنه من أهل بيت زقوا العلم زقا .
وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين
( عليهما السلام ) : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ،
يريد : أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها
الرفيع أفيض عليها إلهاما .
ولا شك أن العقيلة زينب الطاهرة قد أخلصت لله كل
عمرها ، فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على
لسانها من ينابيع الحكمة .
وما أحلى كلمة قالها علي جلال في كتابه الحسين :
من كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) معلمه ، ومن كان أبوه علي بن
أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمه فاطمة الزهراء ، ناشئا في أصحاب
جده وأصدقاء أبيه سادات الأمة وقدوة الأئمة ، فلا شك
أنه كان يغر العلم غرا كما قال ابن عمر .
وقال أبو الفرج : زينب العقيلة هي التي روى
ابن عباس عنها كلام فاطمة صلى الله عليها في فدك ،
فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، وتفسير
العقيلة في النساء السيدة ، كعقال في الرجال يقال للسيد .
وروي مرسلا : أنها في طفولتها كانت جالسة في حجر
أبيها - وهو ( عليه السلام ) يلاطفها بالكلام - فقال لها : يا بني قولي :
واحد ، فقالت : واحد ، فقال لها : قولي اثنين ، فسكتت ،
فقال لها : تكلمي يا قرة عيني ، فقالت ( عليها السلام ) : يا أبتاه
ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد ، فضمها
صلوات الله عليه إلى صدره وقبلها بين عينيها ، انتهى .
وإن زينب ( عليها السلام ) قالت لأبيها : أتحبنا يا أبتاه ؟
فقال ( عليه السلام ) : وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي ،
فقالت ( عليها السلام ) : يا أبتاه إن الحب لله تعالى والشفقة لنا .
وهذا الكلام عنها ( عليها السلام ) روي متواترا ، وإذا تأمله
المتأمل رأى فيه علما جما ، فإذا عرف صدوره من طفلة
كزينب ( عليها السلام ) يوم ذاك بانت له منزلتها في العلم والمعرفة .
علمها ومعرفتها بالله تعالى :
- الزيارات: 478