• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

هذا كتاب اللّه

نكث طلحة و الزّبير بيعة الإمام عليّ عليه السّلام، و تحالفا مع عائشة على حربه، و جمعوا عليه المجموع يوم الجمل، و نكّلوا بعامله ابن حنيف، و قتلوا كثيرا من الصّالحين الآمنين، و حين قابلوه وجها لوجه، و شرّعوا عليه السّيوف و الرّماح دعا أمير المؤمنين بمصحف، و قال: («من يأخذه و يدعوهم إلى ما فيه، فيحيون ما أحياه، و يميتون ما أمات» . فقام فتى، اسمه مسلم المجاشعي، و قال: يا أمير المؤمنين أنا آخذه و أدعوهم إلى ما فيه.
فقال له الإمام: إنّك إن فعلت ذلك لمقتول. فقال الفتى: و اللّه يا أمير المؤمنين ما من شيء أحبّ إليّ من الشّهادة بين يديك، فأخذ المصحف و توجّه إلى عسكرهم، فنظر إليه أمير المؤمنين، و قال: «إنّ الفتى ممّن حشا اللّه قلبه نورا و إيمانا، و هو مقتول، و قد اشفقت عليه من ذلك، و لن يفلح القوم بعد قتلهم إيّاه» ، فمضى الفتى بالمصحف حتّى وقف بأزاء عسكر عائشة، و كان له صوت، فنادى: «معشر النّاس، هذا كتاب و أنّ أمير المؤمنين عليّ بن طالب يدعوكم إلى الحكم بما أنزل اللّه فيه، فأنيبوا إلى طاعة اللّه، و العمل بكتابه، و كانت عائشة و طلحة و الزّبير يسمعون فأمسكوا عن الجواب، و بادر أصحاب الجمل إلى الفتى، و المصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى، فتناول المصحف بيده اليسرى، و ناداهم بأعلى صوته مثل ندائه الأوّل، فقطعوا يده اليسرى، فاحتضن المصحف، و دماؤه تجري عليه، و ناداهم إلى العمل به، فقتلوه، قطّعوه إربا إربا، فقال الإمام:
«و اللّه ما كنت في شك و لا لبس من ظلالة القوم و باطلهم، و لكن أحببت أن يتبيّن لكم ذلك»)  ١ .
أحبّ الإمام أن يبيّن للنّاس و للأجيال أنّه و من اتّبعه على حقّ و هداية، و أنّ من حاربه و عانده على باطل و ضلالة، أراد أن يقيم الدّليل المحسوس الملموس على أنّه إمام العدل و الرّحمة، و خصومه أئمّة الظّلم و الجور: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اَللّٰهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ  ٢ .
و هكذا فعل ولده الحسين يوم الطّفّ، فما أن كانت صبيحة اليوم العاشر من المحرّم حتّى لبس عمامة جدّه رسول اللّه و رداءه، و تقلّد سيف جدّه، و ركب ناقة أو فرسه المعروفة، و وضع المصحف أمامه، و اتّجه إلى الّذين تجمعوا على قتله، و شرّعوا السّيوف و الرّماح في وجهه، و رفع يديه إلى السّماء، و قال على مسمع من الجميع:
«أللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، و أنت رجائي في كلّ شدّة، و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، و تقل فيه الحيلة، و يخذل فيه الصّديق، و يشمت فيه العدوّ أنزلته بك، و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرجته عنّي و كشفته و كفيته؟ ! فأنت ولي كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة  و منتهى كل رغبة»  3 .
و بعد أن ناجى ربّه بهذه الدّموع الحزينة، و القلب النّقي التفت إلى جموع الضّلال، و قال:
«أيّها النّاس اسمعوا قولي، و لا تعجلوني حتّى أعظكم بما يجب لكم عليّ.
و حتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري، و صدّقتم قولي، و أنصفتموني، كنتم بذلك أسعد، و لم يكن لكم عليّ سبيل، و إن لم تقبلوا منّي العذر فاجمعوا أمركم و شركائكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليّ و لا تنظرون وليي اللّه الّذي نزّل الكتاب و هو يتولى الصّالحين» .
«أمّا بعد. فانسبوني، فانظروا من أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها، و انظروا: هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم صلّى اللّه عليه و اله، و ابن وصيّه و ابن عمّه، و أوّل المؤمنين باللّه، و المصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشّهداء عمّ أبي، أو ليس جعفر الشّهيد الطّيّار عمّي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لي و لأخي: «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة»  4 ؟ فإن صدّقتموني بما أقول-و هو الحقّ-و اللّه ما تعمدت كذبا مذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه أهله، و يضرّ به من اختلقه، و إن كذبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم: سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد السّاعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه  5  لي و لأخي، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟» .
فقال له شمر بن ذي الجوشن:
هو يعبد اللّه على حرف إن كان يدري ما تقول.
فقال له حبيب بن مظاهر:
و اللّه إنّي لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفا و أنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع اللّه على قلبك.
ثمّ قال لهم الحسين:
«فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكّون في أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري منكم و لا من غيركم، و أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة. أخبروني أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟» ؟  6 .
و لم يرد الحسين بهذه المظاهرة الّتي اهتزّت لها الأرض و السّماء، و أغضبت اللّه في عرشه، و أبكت محمّدا في قبره أن يستعطف و يسترحم، كلاّ، أنّه أجل و أعظم من أن يطلب العطف من اللّئام و الطّغام، هذا، إلى أنّه أعلم النّاس بما هم عليه من القساوة و الفظاظة؛ لقد أراد الحسين أن يثبت للعالم أن لا هدف لأعدائه و خصومه إلاّ التّشفي و الإنتقام من الإسلام و نبيّ الإسلام، أراد كما أراد أبوه من قبل أن يبيّن للأجيال أنّ الولاء لأهل البيت ولاء للّه و للرّسول، و أنّ حربهم حرب للّه و للرّسول.
و قد أدرك شيعة أهل البيت هذه الحقيقة، فاتّخذوها شعارا لهم و لعقيدتهم.
و أعلنوها في كلّ موطن و موقف تقربّا إلى اللّه و رسوله و عترته الأطهار.
_________________
 ١ ) انظر، الفتوح لابن أعثم: ١ / ۴۶۵ ، ابن حزم في الجمهرة: ١۶٢ ، الأغاني: ١٠ / ٢٠٣ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد: ٩ / ١١٢  تحقيق محمّد أبو الفضل، تأريخ الطّبري: ٣ / ۵١٧  و، ۵ / ٢٠۶  و  ٢١۶ ، و: ٣ / ۵٢٢ ، اسد الغابة: ٣ / ٣٠٨ ، نسب قريش: ١٩٣ ، مروج الذّهب: ٢ / ٩  و  ١٣ .
 ٢ ) الأنفال: ۴٢ .
3 ) انظر، تأريخ الطّبري: ٣ / ٣١٨ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر: ٣١٣ ، تأريخ دمشق:  ١۴ / ٢١٧ ، الكامل في التّأريخ: ٢ / ۵۶١ ، نظم درّر السّمطين: ٢١۶ ، البداية و النّهاية: ٨ / ١٨٣ .
4 ) انظر، كنز العمّال: ۶ / ٢٢٠  و  ٢٢١  و  ٢١٧ ، و: ٧ / ١٠٧  و  ١١١  و  ١٠٨ ، و: ١٢ / ٩۶  و:  ١٢ / ٣۴٢۴۶ ، و: ١٣ / ٣٧۶٨٢ ، صحيح التّرمذي: ٢ / ٣٠۶  و  ٣٠٧ ، مسند أحمد: ٣ / ٣  و  ۶٢  و  ٨٢ ، حلية الأولياء: ۵ / ٧١  و  ١٣٩ ، و: ۴ / ١٣٩  و  ١٩٠ ، مجمع الزّوائد: ٩ / ١٨٢ - ١٨۴  و  ١٨٧ ، تأريخ بغداد: ٩ / ٢٣١  و  ٢٣٢ ، و: ١٠ / ٩٠  و  ٢٣٠ ، و: ١ / ١۴٠ ، و: ٢ / ١٨۵ ، و: ١٢ / ۴ ، و: ۶ / ٣٧٢ ، الإصابة: ١ /ق  ١ / ٢۶۶ ، و: ۶ /ق  ۴ / ١٨۶ ، مناقب أمير المؤمنين محمّد بن سليمان الكوفي: ٣ /-
5 ) - ٢۵٩ ، الجامع الصّغير للسّيوطي: ١ / ١٩ . و انظر، ذخائر العقبى: ١٣۵  و  ١٣٠  و  ١٢٩ ، كنوز الحقائق: ١١٨  و  ٨١  و  ٣۶ ، خصائص النّسائي: ٣۴  و  ٣۶ ، سنن ابن ماجه: ١ / ۴۴ / ١١٨ ، باب فضائل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: و أورده الحاكم في المستدرك: ٣ / ١۶٧  و  ٣٨١ ، تأريخ دمشق: ٧ / ١٠٣ ، اسد الغابة: ۵ / ۵٧۴ ، ابن حبّان في صحيحه:  ٢١٨ ، تهذيب التّهذيب: ٣ /في ترجمة زياد بن جبير، سنن التّرمذي: ۵ / ٣٢١ / ٣٨۵۶  و:  ٣٢۶ / ٣٨٧٠ ، الفضائل لأحمد: ٢ / ٧٧٩ / ١٣٨۴ ، الصّواعق: ١٨٧  و  ١٩١  ب  ١١  فصل  ٢ ، الجامع الصّغير: ١ / ۵٨٩ / ٣٨٢٠  و  ٣٨٢١  و  ٣٨٢٢ ، منهاج السّنّة: ۴ / ٢٠٩ ، فرائد السّمطين: ٢ / ٣۵  و  ١۴٠  و  ١٣۴  و  ١۵٣  و  ٢۵٩ ، الخرائج و الجرائح: ٢٨٩ ، ينابيع المودّة: ٣۶٩  و  ٣٧٢ .
6 ) انظر، تأريخ الطّبري: ٣ / ٣١٩  و: ۴ / ٢٨٠ - ٢٨١ .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page