• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مناقشة الدکتور أحمد أمين في تقوّلاته

وما كدتُ أركن إلى صدق ما نقله ذلك الشّاب حتى وقع في يدي ـ في تلك الآونة ـ كتاب الكاتب الشهير ( أحمد أمين ) الذي أسماه ( فجر الاسلام ) فسبرتُه حتى بلغتُ منه إلى ذكر ( الشيعة ) فوجدتُه يكتب عنهم كخابطِ عشواء(1) أو حاطب ليل ، ولو أنَّ رجلاً في أقاصي الصين كتب عنهم في هذا العصر تلك الكتَابة لم ينفسخ له العذر ، ولم ترتفع عنه اللائمة ، ولكن وقفتُ على قدم ثابتة من صحة ما كتبه ذلك الشّاب ، وقلتُ : إذا كان مثل هذا الرجل وهو يكتب كتاباً يريد نشره في الامَّة الواحدة التي جعلها الله إخواناً بنصِّ فرقانه المجيد ، واستطلاع أحوالهم ، والوقوف على حقيقة أمرهم على كثب منه أيسر شيء عليه ، ومع ذلك يسترسل ذلك الاسترسال ، ويتقوَل على تلك الطائفة تلك الاقاويل ، إذن فما حال السواد والرعاع من عامة المسلمين ! وقد عرف كلُّ ذي حسٍ مسيسَ الحاجة ، وقيام الضرورة الحافزة إلى شدَّ عقد الوحدة ، وإبرام امراسها ، وإحكام أساسها ، وإنَه لا حياة للمسلمين اليوم إلاّ بالتمسُّك بعروتها ، والمحافظة عليها ، وإلاّ فلا حياة عزيزة ، ولا ميتة شريفة .
ولو عرف المسلمون حقيقة مذهب الشِّيعة ، وأنصفوا أنفسهم وإخوانهم ، لأماتوا روح تلك النشرات الخبيثة التي تثير الحفيظة ، وتزرع الضغينة ، وتكون قرة عين وأكبر سلاح للمستعمرين ولملاحدة العصر ، الَّذين هم أعداء كلّ دين .
أفلا يثير الحفيظة ، ويؤجج نار الشَّحناء في صدور عامة الشِّيعة ما يقوله في ( فجر الاسلام ) صفحة 33 : « أنَّ التشيُّع كان مأوى يلجأ اليه كلُّ من أراد هدم الاسلام » إلى آخر ما قال . . يكتب هذا وهو يعلم أنَّ النقد من ورائه ، والتمحيص على أثره ، يجرح عاطفة أًمَّة تُعدًّ بالملايين ، وتتكوَّن منها الطائفة العظمى من المسلمين .
ومن غريب الاتفاق أنَّ ( أحمد أمين ) في العام الماضي ( 1349 هجري ) ـ بعد انتشار كتابه ، ووقوف عدّةٌ من علماء النجف عليه ـ زار ( مدينة العلم ) وحظي بالتشرُّف بأعتاب ( باب تلك المدينة ) في الوفد المصري المؤلَّف من زهاء ثلاثين بين مدرِّس وتلميذ ، وزارنا بجماعته ، ومكثوا هزيعاً(2) من ليلة من ليالي شهر رمضان في نادينا في محفل حاشد ، فعاتبناه على تلك الهفوات عتاباً خفيفاً ، وصفحنا عنه صفحاً جميلاً ، وأردنا أن نمرَّ عليه كراماً ونقول له سلاماً .
وكان أقصى ما عنده من الاعتذار « عدم الاطلاع وقلة المصادر » ؟! فقلنا : وهذا أيضاً غير سديد ، فإنَّ من يريد أنْ يكتب عن موضوع يلزم عليه أولاً أن يستحضر العدة الكافية ، ويستقصي الاستقصاء التام ، وإلاّ فلا يجوز له الخوض فيه والتعرّض له ، وكيف أصبحت مكتبات الشيعة ومنها مكتبتنا المشتملة على ما يناهز خمسة آلاف مجلد أكثرها من كتب علماء السنّة ، وهي في بلدة كالنجف فقيرة من كل شيء إلاّ من العلم والصلاح إنْ شاء الله ، ومكتبات القاهرة ـ ذات العظمة والشأن ـ خالية من كتب الشيعة إلاّ شيئاً لا يذكر.
نعم ، القوم لا علم لهم من الشيعة بشيء وهم يكتبون عنهم كلّ شيء ! ! ، وأشدّ من هذا غرابة وأبعد شذوذاً أنَ جماعة من أبناء السُنَة في العراق لا يعرفون من أحوال الشيعة شيئاً مع دنوِّ الدار وعصمة الجوار.
كتب إليّ قبل بضعة أشهر شاب مهذَّب عريق بالسيادة من شيعة بغداد : أنَه سافر إلى لواء الدليم ( وهو اللواء المتصل ببغداد )(3) وأكثر أهاليه من السُنَة ، فكان يحضر نواديهم فيروق لهم حديثه وأدبه ، ولمّا علموا أنَه من الشِّيعة صاروا يعجبون ويقولون : ما كنّا بحسب أنَّ في هذه الفرقة أدباً وتهذيباً فضلاً عن أن يكونوا ممَّن له علم أو دين ! ! وما كنّا نظنّهم إلاّ من وحوش القفر وشذاذ الفلوات ! !
وكان هذا الشاب يستثير حميتي بقوارص الملام ، ويحثّني بالطلب المتتابع على أنْ أكتب عن الشِّيعة رسالة موجزة تُنشر بين الامم الجاهلة ، وتعرِّفهم ـ ولو النزر اليسير ـ من أحوال هذه الطائفة ومعتقداتها ودياناتها .
ثم بعد برهة سافر هذا الشّاب إلى سوريا للاصطياف ، وعرج منها إلى مصر ، فكتب إليَّ : يا سيدي الحال عن الشِّيعة عند أهالي مصر هي الحال التي أنبأتُك عنها في لواء الدليم ، والصورة تلك الصورة . ثم يقول لي : أفما آن لك أنْ تفي بوعدك ، وتقوم بواجبك ؟ فإن الشِّيعة مصوَّرة عند القوم بأبشع صورة يتصوّرها انسان . . . إلى آخر ما كتب ، وحقاً ما كتب وإنْ طال وأطنب .
فمن هذا كلّه ، وأضعاف مثله ممّا نجده في الصحف المصرية والسّورية وغيرها ، وما تنشره مقالاتهم آونة بعد اُخرى من قذف تلك الطائفة بكلِّ عظيمة(4) ، ونبزهم بكلِّ عظيمة ، هم منها براء براءة يوسف الصدِّيق وأخيه من السَّرقة ، ولكن داء الجهل والعصبية هو الداء العياء الذي قد أعيى الأطباء.
نعم من كلِّ ذلك رأيتُ من الظلم الفاحش السّكوت والتغاضي عن هذه الكارثة ، لا أعني أنَّه من الظلم على الشِّيعة ، ولا أُريد أن أدفع الظلم عنهم ، والمفتريات عليهم ، كلا ، ولكن أعظم الغرض ، وأشرف الغاية ، رفع أغشية الجهل عن المسلمين من عامة فرق الاسلام ، كي يعتدل المصنف ، وتتم الحجة على المعاند ، وترتفع اللائمة ووصمة التقصير عن علماء هذه الطائفة .
وأعلى من ذلك رجاء حصول الوئام ، ورفع الشّحناء والخصام بين فرق الاسلام الذي قد عم كلّ ذي شعورـ ولا سيما في هذه العصور ـ انَه من ألزم الاُمور ، عسى أن لا يعود كاتب ( فجر الاسلام ) الذي تكاثفت عليه غواشي الظلم والظلام ، فيقول في تلك الصفحة التي أوعزنا إليها ما نصه : « والحقُّ أنَّ التشيّع ماوى يلجأ إليه كلُّ من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ، ومن يُريد إدخال تعاليم ابائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية ـ إلى قوله ـ فاليهودية ظهرت في التشيُّع بالقول بالرجعة ، وقالت الشِّيعة : إنَّ النّار محرَّمة على الشّيعي إلاّ قليلاً ، وقال اليهود : لن تمسّنا النّار إلاّ أياماً معدودة . والنصرانية ظهرت في التشيُّع في قول بعضهم : إنَّ نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح اليه ، وقالوا : إنَّ اللاهوت اتحد بالناسوت (5) في الامام ، وإنَّ النبوة والرسالة
لا تنقطع أبداً ، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي . وتحت التشيًّع ظهر القول بتناسخ الاَرواح ، وتجسيم الله ، والحلول ، ونحو ذلك من الاقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الاسلام .. . » إلى آخر ما قال.
ونحن لولا محافظتنا على مياه الصفاء أن لا تتعكَّر ، ونيران البغضاء أن لا تتسعَّر ، وأن تنطبق علينا حكمة القائل :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله (6). .
لعرَّفناه ، من الَّذي يُريد هدم قواعد الاسلام بمعاول الإلحاد والزندقة ، ومن الَّذي يسعى لتمزيق وحدة المسلمين بعوامل التقطيع والتفرقة .
ولكنّا نريد أنْ نسأل من ذلك الكاتب : أي طبقات الشِّيعة أراد هدم الاسلام ؟ الطبقة الاولى وهم أعيان صحابة النَّبي صلّى الله عليه وآله وأبرارهم : كسلمان المحمَّدي ـ أو الفارسي ـ وأبي ذر ، والمقداد ، وعمّار ، وخُزيمة ذي الشَّهادتين ، وأبي التيهان ، وحذيفة [ بن ] اليمان ، والزُّبير ، والفضل بن العبَّاس ، وأخيه الحبر عبدالله ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وأبي أيوب الانصاري ، وأبان ، وأخيه خالد ابني سعيد العاص الأمويين ، وأُبي بن كعب سيِّد ألقرّاء ، وأنس بن الحرث بن نبيه الَّذي سمع النَّبي صلّى الله عليه وآله يقول : « إنَّ ابني الحسين يُقتل في أرض يُقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره » فخرج أنس وقُتل مع الحسين عليه السَّلام.
راجع ( الإصابة ) و ( الاستيعاب )(7) وهما مِنْ أوثق ما ألَّف علماء السنَّة في تراجم الصحابة .

_____________________
(1) هي الناقة التي في بصرها ضعف ، حيث تخبط إذا مشت ولا تتوقى شيئاً . ومراده من قوله هذا رحمه الله : ان هذا الكاتب لم يكن يتلمَّس موضع خطاه ، فاخذ يتخبط في أقواله وآرائه دون بصيرة ودون هدى .
(2) هزيعاً من الليل : أي طائفة منه ، وهو نحو من ثلثه أو ربعه . الصحاح ـ هزع ـ 3 : 1306 .
(3) وهو الآن يدعى بـ : محافظة الأنبار.
(4) العَضَة والعِضَة والعضيهة : الكذب والبهتان . القاموس المحيط 4 : 288 .
(5) اللاهوت والناسوت : علم اللاهوت : علم يبحث عن العقائد. وفي الكليات : اللاهوت الخالق والناسوت المخلوق .
وربما يُطلق الأول على الروح ، والثاني على البدن . بل وربما يطلق الاوَّل أيضاً على العالَم العلوي ، والثاني على العالَم السفلي ، وعلى السبب والمسبب ، وعلى الجن والإنس.
وعلم اللاهوت يبحث في وجود الله تعالى وصفاته وعلائقه بالعالم والانسان . ويُراد منه علم التوحيد ، وعلم الكلام ، وعلم الربوبية. . . . .
انظر : المعجم الفلسفي 2 : 277 .
(6) بيت شعرٍ مشهور ، عجزه : عار عَلَيكَ إذا فَعلتَ عَظيمُ .
وهو ينسب تارة إلى المتوكل اللَّيثي ، واُخرى إلى أبي الأسود الدؤلي .
(7) الأصابة 1 : 68 ، الاستيعاب بهامش الإصابة 1 : 74 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page