الهدف لا الصدفة
عندما يبحث العاشق في كل ما في الكون من أنظمة وكل ما فيه من كائنات حيّة وجمادات بعينٍ يقظة، يبصر أنّها كلّها مسخّرة للعبد، ويفهم أنّه ليس في الوجود شيء جاء بمجرد الصدفة، بل خلق الحق المتعال كل شيء بإتقان لخدمة العبد.
فعلى سبيل المثال: يتنفّس العبد كل الوقت دون بذل جهد، فالهواء الذي يستنشقه لا يحرق مجرى تنفسه ولا يصيبه الدوار ولا يسبب له أوجاعاً في الرأس، فتكوين الغازات في الهواء ملائمة لبدن العبد.
ومن يتأمّل في هذه الاُمور يتذكّر نقطة اُخرى مهمّة للغاية، وهي لو كان تركّز الاُوكسيجين في الهواء أكثر قليلاً أو أقل قليلاً عمّا هو عليه لاختفت الحياة في الحالتين، فيتذكّر عندها الأوقات العصيبة التي قضاها في الأمكنة الخالية من الهواء الطِلق. وحينما يتابع العاشق التأمّل في هذا الموضوع، فإنّه يشكر الحق المتعال باستمرار؛ لأنّه يدرك بأنّ الغلاف الجوي للأرض كان يمكن أن يتألّف ممّا تألّفت به الغلافات الجوية لباقي الكواكب، ولكن الفعل ليس كذلك فالغلاف الجوي للأرض مخلوق بتوازن كامل وبترتيب يسمح للبلايين من العباد التنفّس دون جهد.
ومن يتواصل في التأمّل في الكوكب الذي يعيش فيه، يفكّر كم أنّ الماء الذي خلقه الحق المتعال ضروري لحياة العبد، فيرد على ذهنه كون العباد بصورة عامّة يفهمون أهميّة الماء فقط عندما يحرمون منه لفترة طويلة، فالماء مادة نحتاجها في كل ثانية من وجودنا، فهناك كميّة معتبرة من خلايا بدننا ومن الدم الذي يصل إلى جميع أنحاء البدن مكونة من الماء، ولو لم تكن كذلك فإنّ سيلان الدم سيقل ويصبح جريانه في العروق صعباً للغاية، وسيلان الماء ضروري ليس لأجسامنا فقط ولكن للنباتات أيضاً، حيث أنّ الماء يصل إلى أبعد أطراف أوراق الأشجار عبر المرور بأوعيتها الشبيهة بالخيوط.
كما أنّ كميّة المياه الكبيرة في البحار هي التي تجعل أرضنا مأهولة، فلو أنّ نسبة البحار إلى اليابسة في الأرض كانت أصغر؛ لتحولت اليابسة الى صحاري ولاستحالت الحياة.
والعبد الحيّ الضمير الذي يتأمل في هذه الاُمور مقتنع كلّياً بأنّ إيجاد هذا التوازن الكامل على الأرض بالتأكيد ليس صدفة، وملاحظة كل هذا والتأمّل فيه يظهر أنّ الحق المتعال العظيم ومالك القدرة الأزلية خلق كل شيء لغاية.
بالإضافة إلى ذلك يتذكّر هذا العبد أنّ هذه الأمثلة التي يتأمل فيها هي غيض من فيض، ومن المحال إحصاء الأمثلة فيما يتعلّق بالتوازن الدقيق على الأرض، ومع ذلك فإنّ العبد الذي يتأمل يقدر ملاحظة النظام والكمال والتوازن المنتشرفي كل زاوية من زوايا الكون، وبالتالي يمكنه الوصول إلى خلاصة مفادها: أنّ الحق المتعال سخّر كل شيء للعبد، ويذكر الحق المتعال هذه المعارف في كتابه بقوله:[وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون]( [1]).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ سورة الجاثية: 13.