النجارون موجودون، والخشب موجود، والمسامير موجودة، فأي مهزلة هذه أن ينكر كلّ ذلك من يّدعي العلم مكابرةً، فهذه قضية من قضاء أمير المؤمنين(عليه السلام)، ينقلها الوسائل(1) والكافي(2) والتهذيب(3) والإستبصار(4)، لعلّ في هذا رجوع وصحوة، وما أظن عند هذا الرجل شيء من ذلك، وعلى كلّ حال فاقرأ معي هذه الرواية:
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه(عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) رفع إليه رجل استأجر رجلاً ليصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمّنه أمير المؤمنين(عليه السلام).
عسس عمر
قد عرف عن عمر عسسه ليلاً، وتسلقه جدران المسلمين، وإنّما اضطرّ إلى ذلك لأنّ هناك أبواب مغلقة، ولو لم يكن هناك أبواب لسهل عليه الدخول من خلال الستائر، دون أن يكلّف نفسه عناء التسلّق، وزيادة في الأمر وضوحاً تأمّل في تعبير الرواية الثانية الآتية (( فهمَّ بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت فتسوَّر على السَّطح )).
ويعدّ أنّه أوّل من أوجد العسس، وتطور إلى زماننا هذا إلى ما يسمّى بدوائر الأمن والمخابرات تارة، والمباحث تارة أخرى، وننقل من عسسه روايتين:
الرواية الأولى:
عن عمر بن الخطاب أنّه كان يعسُّ ليلة، فمرَّ بدار سمع فيها صوتاً، فارتاب وتسوَّر، فرأى رجلاً عند امرأة وزقَّ خمر، فقال: يا عدوَّ اللّه أظننت أنَّ اللّه يسترك وأنت على معصيته؟ فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنت أخطأت في واحدة، فقد أخطأت في ثلاث: قال اللّه تعالى: } ولا تجسَّسوا(5){ وقد تجسست، وقال:} وأتوا البيوت من أبوابها(6){ وقد تسوَّرت، وقال: } ...إذا دخلتم بيوتاً فسلّموا(7){ وما سلّمت.
فقال: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، واللّه لا أعود. فقال: إذهب فقد عفوت عنك(8).
الرواية الثانية:
خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة، فرأى في بعض البيوت ضوء سراج، وسمع حديثاً، فوقف على الباب يتجسَّس، فرأى عبداً أسود قدّامه إناءٌ فيه مزرٌ وهو يشرب، ومعه جماعةٌ فهمَّ بالدخول من الباب، فلم يقدر من تحصين البيت، فتسوَّر على السَّطح، ونزل إليهم من الدَّرجة ومعه الدرَّة، فلمّا رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا، فمسك الأسود، فقال له: يا أمير المؤمنين! قد أخطأت وإنّي تائبٌ فاقبل توبتي، فقال: أريد أن أضربك على خطيئتك، فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث: فإنَّ اللّه تعالى قال: } ولا تجسَّسوا(9){، وأنت تجسَّست وقال تعالى: } وأتوا البيوت من أبوابها(10){ وأنت أتيت من السَّطح. وقال تعالى: } لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها(11){ وأنت دخلت وما سلّمت. إلخ(12).
____________
1- الوسائل ج19 ص144 ح24326 ب29 .
2- الكافي ج5 ص243 ح9 ب29 .
3 التهذيب ج7 ص219 ح41 ب22 .
4- الإستبصار ج3 ص132 ح5 ب87 .
5- سورة الحجرات 49\12 .
6- سورة البقرة 2\189 .
7- سورة النور 24\61 .
8- الغدير ج6 ص121 ح1 ، نقلاً عن ألرِّياض النضرة ج2 ص46، شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص61، ج3 ص96، ألدرّ المنثور ج6 ص93، ألفتوحات الإسلاميَّة ج2 ص477.
9- سورة الحجرات 49\12 .
10- سورة البقرة 2\189 .
11- سورة النور 24\27 .
12- الغدير ج6 ص121 ح2 ، نقلاً عن ألمستطرف لشهاب الدين الأبشيهي ج2 ص115 في الباب الحادي والسّتين. يظهر من القرائن أنَّ هذه القضيَّة غير سابقتها والله أعلم