قال ابن أبي الحديد في شرح النهج عند الهجوم على بيت الإمام عليٍّ (عليه السّلام) :
. . . واجتمع الناس ينظرون ، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ، ورأت فاطمة ما صنع عمر ، فصرخت وولولت ، واجتمع معها نساء كثير مِن الهاشميّات وغيرهنّ ، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت : (( يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ! والله ، لا اُكلِّم عمر حتّى ألقى الله ))(2) .
قال اليعقوبي : وبلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة مِن المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في منزل فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأتوا في جماعة حتّى هجموا (على) الدار ، وخرج عليٌّ (عليه السّلام) ومعه السّيف ، فلقيه عمر ، فصارعه عمر فصرعه(3) وكسر سيفه ، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة ، فقالت : (( والله ، لتخرجنَّ أو لأكشفنَّ شعري ، ولأعجنَّ إلى الله )) . فخرجوا وخرج مَنْ كان في الدار ، وأقام القوم أيّاماً ، ثمّ جعل الواحد بعد الواحد يبايع ، ولمْ يبايع علي (عليه السّلام) إلاّ بعد ستّة أشهر ، وقيل : أربعين يوماً(4) .
قال الطبري : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا جرير ، عن مُغيرة ، عن زياد بن كليب ، قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي (عليه السّلام) ، وفيه طلحة والزبير ورجال مِن المهاجرين ، فقال : والله ، لأحرقنَّ عليكم أو لتخرجنَّ إلى البيعة . فخرج عليه الزبير مصلتاً
[ سيفه ] ، فعثر فسقط السّيف مِن يده ، فوثبوا عليه فأخذوه(5) .
أقول : ورجاله ثقات(*) .
ــــــــــــــــ
(1) وقد اُلّفت كثيرٌ مِن الكتب في ما جرى على بيت فاطمة (عليها السّلام) ، ومن أفضلها كتاب الهجوم على بيت فاطمة (عليها السّلام) للعلاّمة عبد الزهراء مهدي ، وكتاب إحراق بيت فاطمة (عليها السّلام) للعلاّمة الشيخ حُسين غيب غلامي .
(2) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 6 / 48 .
(3) أقول : وهذا كما ترى ، إذ ما أقلّت الغبراء ولا أظلت الخضراء أشجع ولا أقوى مِن أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السّلام) إلاّ ابن عمِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد أبانت حروب النّبي (صلّى الله عليه وآله) وغزواته حقيقة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وحقيقة عمر بن الخطاب ، فلا شكَّ أنّ هذه الجملة لا موضع لها في المقام .
(4) تاريخ اليعقوبي 2 / 126 .
(5) تاريخ الطبري 2 / 433 .
(*) الأوّل : الطبري ، قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال 3 / 498 وفي ط 6 /90 : مُحمّد بن جرير بن يزيد الطبري ، الإمام [ الجليل المفسّر ] أبو جعفر ، صاحب التصانيف الباهرة ، مات سنة عشر وثلاثمئة . ثقة صادق فيه تشيّع [ يسير ] وموالاة لا تضر .
أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ ، فقال : كان يضع للروافض ، كذا قال السليماني ، وهذا رجم بالظن الكاذب ، بل ابن جرير مِن كبار أئمّة الإسلام المعتمدين ، وما ندّعي عصمته مِن الخطأ ، ولا يحلّ لنا أنْ نؤذيه بالباطل والهوى ؛ فإنّ كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أنْ يُتأنى فيه ، ولا سيما في مثل إمام كبير .
الثاني : وهو مِن شيوخ أحمد بن حنبل وابنه ، وقال فيه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 2 / 256 : أخبرني عبد الباقي بن عبد الكريم بن عمر المؤدّب ، قال : قرأنا على الحُسين بن هارون ، عن بن سعيد ، قال : سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي يقول : ابن حميد ثقة ، كتب عنه يحيى ، وروى عنه مَنْ يقول فيه هو أكبر منهم .
وقال أيضاً في تاريخ بغداد 2 / 257 : أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ ، قال : أنبأنا أبي قال : أنبأنا الحُسين بن صدقة ، قال : أنبأنا بن أبي خيثمة ، قال : سُئل يحيى بن معين عن مُحمّد بن حميد الرازي ، فقال : ليس به بأس ، رازيٌّ كيّس .
وقال في تاريخ بغداد 2 / 257 : أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال : قُرئ على مُحمّد بن عبد الله بن خميرويه ، وأنا أسمع ، أخبركم يحيى بن أحمد بن زياد ، قال : ذُكر مُحمّد بن حميد الرازي عند بن معين ، فقال : ليس به بأس .
وقال في تاريخ بغداد 2 / 262 : سألت أبا نعيم الحافظ عن مُحمّد بن حميد المخرمي ، فقال : ثقة . وذكر الخطيب البغدادي أيضا في تاريخ بغداد 2 / 256 ، بعد ما نقل بعض التوثيقات له ، قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت إبراهيم بن مالك القطان ، يقول : سمعت مُحمّد بن حميد يقول : دخلت بغداد فاستقبلني أحمد بن حنبل ويحيى ، فسألوني أحاديث يعقوب القمّي ، فوزّعوا الأوراق فيما بينهما وكتبوه وقرأته عليهما .
أقول : ونقل أغلب هذه التوثقيات ابن حجر في تهذيب التهذيب 9 / 112 ، قال :
الهجومُ على بيت الزهراء (عليها السّلام)(1)
- الزيارات: 1084