وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى
فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اشتُقّ إسمه العالي من إسم الله العلي ، وهو مظهر التعالي الإلهي ، والترفّع الربّاني ، كما تلاحظه في أحاديث ولادته (1) .
وكذلك سائر الأئمّة الطاهرين في أسمائهم المقدّسة وصفاتهم المحمودة ، وفي حلمهم وكرمهم وجودهم وسخائهم ورأفتهم وقدرتهم ، هم مظاهر الصفات الإلهية الجليلة .
وقد فسّر بهم قوله تعالى (2) : (وَللهِِ الاَْسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (3) .
فأهل البيت (عليهم السلام) هم المُثُل الربّانية العليا بجميع معنى الكلمة .
وقد يكون هذا الوصف ـ يعني المَثَليّة ـ جارياً في غيرهم كأنبياء الله الكرام عليهم سلام الملك العلاّم ، إلاّ أنّ أهل البيت هم الأعلى منهم ، والمفضّلون عليهم والمختارون فيهم فكانوا هم المثل الأعلى .
فكانوا كسيّدهم الرسول الأعظم فيما وصفه الله تعالى بقوله : (وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) (4) .
وجاء في زيارة خاتمهم الأكرم الإمام المهدي (عليه السلام) : « السلام عليك ياداعيّ الله » في زيارة آل يس المعروفة (5) .
وفي حديث البصائر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : « جعل الله الأئمّة الدعاة إلى التقوى » (6) .
فأهل البيت (عليهم السلام) هم الدعاة إلى الله تعالى بالدعوة الحسنى .
ويكفيك دليلا على حسن دعوتهم ، سيرتهم الحسنة ، وإحتجاجاتهم المستحسنة ، وقد شهد العدوّ بكمال حجّتهم وحسن دعوتهم ، كما تلاحظ ذلك في إعتراف ابن أبي العوجاء في أوّل حديث توحيد المفضّل (7) .
المعنى الثاني : أن تكون الدعوة بمعنى الدعاء وبالفارسية (نيايش) يقال : دعوتُ الله أدعوه دعاءً ودعوةً : أي إبتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير (8) .
فالمعنى أنّ في شأنهم كانت دعوة أبيهم نبي الله إبراهيم (عليه السلام) فكانوا هم المقصودون بالدعوة الحسنة من سيّدنا إبراهيم الخليل .
ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « وأنا دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام) » (9) .
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « فنحن والله دعوة إبراهيم (عليه السلام) » (10) .
فإنّ النبي إبراهيم (عليه السلام) دعا لهم في مواضع متعدّدة حكاها القرآن الكريم وهي :
(1) فيما حكاه الله تعالى بقوله : (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ... * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُوْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (11) (12) .
(2) فيما حكاه الله تعالى من دعائه بقوله : (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَاد غَيْرِ ذِي زَرْع عِندَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الَّثمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (13) (14) .
(3) فيما حكاه الله تعالى من دعائه أيضاً بقوله : (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْق فِي الاْخِرِينَ) (15) حيث استجاب الله دعاءه وأخبر عنه بقوله : (وَوَهَبْنَا لَهُم
_______________
(1) ـ الدعوة جاءت هنا بأحد معنيين أو كليهما وهما :
المعنى الأوّل : مصدر دعا يدعو دعوةً وبالفارسية (فراخواندن) بمعنى أنّهم (عليهم السلام) أهل الدعوة الحسنى ، بحذف المضاف .
فإنّهم أحسن الدعاة ، والداعون بأحسن وجه ، إلى الله تعالى وإلى الإسلام وإلى الإيمان والتقوى وطريق الجنّة الذي هو طريق النجاة والفوز بالسعادات .
دَعَوا إليها بأبلغ بيان وأطرف لسان ، وهَدَوا الناس بالحجج القاطعة والأدلّة المُقنعة . (1) بحار الأنوار : ج35 ص8 ح11 ، وص18 .
(2) سورة الأعراف : الآية 180 .
(3) كنز الدقائق : ج5 ص251 .
(4) سورة الأحزاب : الآية 46 .
(5) الإحتجاج : ج2 ص316 .
(6) مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار : ص101 .
(7) بحار الأنوار : ج3 ص58 .
(8) مجمع البحرين : مادّة دعا ص29 .
(9) تفسير القمّي : ج1 ص62 .
(10) تفسير الصافي : ج3 ص91 .
(11) سورة البقرة : الآية 128 ـ 129 .
(12) تفسير الصافي : ج1 ص190 .
(13) سورة إبراهيم : الآية 37 .
(14) تفسير الصافي : ج3 ص90 .
(15) سورة الشعراء : الآية 84 .
أهل البيت (عليهم السلام) أحسن الدعاة إلى الله تعالى
- الزيارات: 1588