• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل العاشر :ولادة المذاهب المنحرفة من أفكار توسيع الشفاعة

الفصل العاشر
ولادة المذاهب المنحرفة من أفكار توسيع الشفاعة


عمل اليهود على إسقاط المحرمات من الأديان
كان اليهود أسبق الأمم إلى تحريف قانون العقوبة الإلهي ، فقد أسقطوا المحرمات عن أنفسهم تجاه الأمم الأخرى ، وخففوا قانون العقوبة الإلهي وشوشوه بالنسبة إلى الجرائم الأخرى التي يرتكبونها !
ومن الطبيعي أن يسرى ذلك إلى عقيدتهم بالله تعالى ، فصوروه بأنه قاس عصبيُّ المزاج ، ولذا فإن عقوباته شديدة وغير منطقية ! وذلك واضح لمن قرأ صفحات قليلة من توراتهم .
وقد أخذ المسيحيون هذه الثقافة من اليهود ، وما زالوا.. وقد سمعت أن من المسائل الفكرية المطروحة أخيراً عند الكتاب الغربيين ، خاصةً في فرنسا ، موضوع: هل يجب أن يكون في الدين الإلهي محرمات ، أم لا. .
ذلك أن اليهود والكتاب المتأثرين بهم يريدون من الكنيسة المسيحية أن تقدم ديناً بلا محرمات ، وتفتي بأن المهم هو الإيمان الذي هو أمرٌ في القلب ، مهما كان عمل الناس!
وهذا بالضبط هو مذهب المرجئة الذي زرعه اليهود في عقائد المسلمين ، عن طريق بعض الصحابة !
أما زارعوه الجدد فليسوا كعب الأحبار ولا وهب بن منبه ، بل هم ذراري النصارى واليهود الصرحاء! والمزروع فيهم ليسوا صحابة ، بل هم ذراري المسلمين المتغربين!

إخبار النبي(ص) بظهور المرجئة والقدرية وتحذيره منهم
روت مصادر السنة والشيعة تنبؤ النبي(ص)بظهور المرجئة والقدرية في أمته وتحذيره من خطرهم ، وأنهم لا تنالهم شفاعته ، لأنهم يحرفون الإسلام ويشوشون أمر الأمة من بعده.
فقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد:7/207:
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): صنفان من أمتي لا يردا عليَّ الحوض ولا يدخلان الجنة ، القدرية والمرجئة. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة. انتهى. وروى الترمذي شبيهاً به في:3/308
ورواه في كنز العمال:1/119 عن حلية الأولياء لأبي نعيم عن أنس ، وعن مسند الطيالسي ، عن واثلة عن جابر. وروى نحوه في:1/362 عن السلفي في انتخاب حديث القراء عن علي. ورواه ابن حبان في كتاب المجروحين:2/112 عن عكرمة .

وفي مجمع الزوائد:7/203:
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى عليه وسلم: ما بعث الله نبياً قط إلا وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته. ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً. رواه الطبراني وفيه بقية بن الوليد وهو لين ويزيد بن حصين لم أعرفه. انتهى. ورواه ابن حبان عن أبي هريرة في كتاب المجروحين:1/362 وفيه (أمته من بعده..سبعين نبياً أنا آخرهم)
وفي كتاب الخصال للصدوق/72:
أخبرني الخليل بن أحمد قال: أخبرنا ابن منيع قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا علي بن ثابت عن إسماعيل بن أبي إسحاق ، عن ابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله(ص): صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية. انتهى.
ورواه في ثواب الأعمال/212.وقال في صحيفة الرضا/278: وبإسناده قال قال رسول الله 9: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية. رواه في ثواب الأعمال: 252 ح3 بالإسناد رقم 10 عنه البحار: 5-118 ح 52. ورواه الشيخ حسن بن سليمان في المختصر: 135 بالاسناد رقم 57 والكراجكي في كنزه: 51 بالإسناد رقم 14 عنه البحار: 5-7 ح 8. ورواه الصدوق في الخصال: 1-72 ح 110 بإسناده عن ابن عمر عن النبي 9 عنه البحار: 5-7 ح 7 .

وفي دعائم الإسلام:2/511:
وعنه(ص)أنه قال: لا تجوز شهادة أهل الاهواء على المؤمنين، قال أبو جعفر (ع) : لا تجوز شهادة حروري ، ولا قدري ومرجئ ، ولا أموي ، ولاناصب، ولا فاسق ، يعني من باين بذلك وظهرت عداوته ونصبه ، فأما من كتم ذلك وأسره فظهر منه الخير وكان عدلاً في مذهبه ، جازت شهادته وعلى هذا العمل .

تعريف المرجئة ومذهبهم
قال النووي في شرح مسلم:1 جزء 1/218:
قال القاضي عياض: اختلف الناس فيمن عصى الله من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية ، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها ، وقالت المعتزلة: يخلد في النار ، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن .

شرح المواقف:4 جزء 8/312:
في أن الله تعالى يعفو عن الكبائر. الإجماع منعقد على أنه تعالى عفوٌّ ، وأن عفوه ليس في حق الكافر بل في حق المؤمنين ، فقالت المعتزلة: هو عفوٌّ عن الصغائر قبل التوبة ، وعن الكبائر بعدها. وقالت المرجئة: عفو عن الصغائر والكبائر مطلقاً !!

تفسير الرازي:16 جزء 31/203:
قوله تعالى ( لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى ) إن المرجئة يتمسكون بهذه الآية في أنه لا وعيد إلا على الكفار ! قال القاضي: ولا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها ، ويدل على ذلك ثلاثة أوجه: أحدها أنه يقتضي أن لا يدخل النار إلا الأشقى الذي كذب وتولى . . . وثانيهما أن هذا إغراء بالمعاصي . . . وثالثهما . . . معلوم من حال الفاسق أنه ليس بأتقى . . . الخ .

وقال في هامش بحار الأنوار:8/364:
الوعيدية: فرقة من الخوارج يكفِّرون أصحاب الكبائر ، والكبيرة عندهم كفرٌ يخرج به عن الملة ، ويقابلهم المرجئة وهم يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وليس العمل على مذهبهم ، وإن كان من الإيمان. فعليه معنى الارجاء تأخير العمل عن النية والعقد .

وروى في الكافي:1/403:
محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن الحكم بن مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: إذهب بنا إلى جعفر بن محمد ، قال فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابته ، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله(ص)في مسجد الخيف ، قال: دعني حتى أذهب في حاجتى فإني قد ركبت فإذا جئت حدثتك ، فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله(ص)لما حدثتني ، قال: فنزل فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتى أثبته ، فدعا به ثم قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. خطبة رسول الله(ص)في مسجد الخيف: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ، وبلغها من لم تبلغه .
يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصيحة لأئمة المسليمن ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطةٌ من ورائهم ، المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم .
فكتبه سفيان ثم عرضه عليه ، وركب أبو عبد الله(ع) . وجئت أنا وسفيان ، فلما كنا في بعض الطريق قال لي: كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث ، قلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً !
فقال: وأي شئ ذلك ؟
فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ، قد عرفناه ، والنصيحة لأئمة المسلمين ، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم ؟ وكل من لاتجوز الصلاة خلفهم؟! وقوله: واللزوم لجماعتهم، فأي الجماعة؟ مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل؟! أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس ؟! أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب ويشهد عليه بالكفر ؟! أو جهمي يقول إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شئ غيرها ؟!
قال: ويحك وأي شئ يقولون ؟!
فقلت يقولون: إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي وجب علينا نصيحته ، ولزوم جماعتهم: أهل بيته. قال: فأخذ الكتاب فخرَّقه ، ثم قال. لا تخبر بها أحداً .
المرجئة ولدوا من عهد الخليفة عمر
رأينا كيف وسعت دولة الخلافة القرشية شفاعة النبي(ص)حتى شملت كل من يشهد بالتوحيد فقط ولو لم يشهد بالنبوة . .
ثم وسعتها إلى جميع الخلق ، كما تقدم من رواياتهم وكلام ابن تيمية .
ثم استغنت عن شفاعة الأنبياء جميعاً ، وأوجبت الجنة بأعمال وكلمات بسيطة .
ثم استغنت عن كل ذلك ، وقالت بفناء النار ونقل أهلها إلى الجنة !!
ولعل الخليفة عمر وكعب الأحبار رائدي هذه الافكار ومن تابعهم عليها لم يلتفتوا إلى خطورتها الزائدة ، وأنها تمثل مشروعاً خطيراً لإسقاط كل المحرمات وتعويم الإيمان ، في أمة نهضت بالإسلام والإيمان وأخذت تفتح بلاد الإمبراطورية الفارسية والرومانية ، بلداً بعد آخر . . وهي بأمسِّ الحاجة إلى حفظ شخصية جنودها وجديتهم ، وعدم التساهل في مفاهيم إيمانهم .
على أي حال فالذي وقع في حياة الأمة ، أن هذه الأفكار بمساعدة فكرة الجبر وأن الله تعالى قد فرغ من الأمر وكتب كل شئ وانتهى الأمر ولا بداء . . سرعان ما أثمرت مذهبين عقائديين مواليين للسلطة هما: المرجئة والقدرية ، وقد تبنتهما السلطة وأيدت علماءهما وهيأت لهم الظروف لنشر أفكارهم في الأمة .
ويتلخص مذهب المرجئة بمقولتهم المشهورة (الإيمان لا تضر معه معصية) فالإيمان عندهم مجرد القول بالشهادتين ، وبذلك يضمن الإنسان دخول الجنة مهما كان عمله !!
ويتلخص مذهب القدرية أو الجبرية: بأن مسؤولية الإنسان عن أعماله وجرائمه محدودة أو منتفية ، لأن الخير والشر من الله تعالى ، وكل شئ مكتوب ومقدر منه تعالى !!
ومن الواضح أن هذين المذهبين هما نفس الأفكار والأحاديث التي رأيناها في توسيع الشفاعة وتوسيع دخول الجنة ، لكن بصيغة ( ممذهبة ) .
كما أن أحدهما مكمل للآخر في تخفيف مسؤولية الإنسان ، لأن جوهرهما واحد وهو ( تعويم ) قانون العقوبة الإلهي ، بل تطمين الناس بأنه قد تم شطبه !!
وقد مر معنا في بحث توسيعات الشفاعة ما رواه السيوطي في الدر المنثور:2/116 عن البيهقي ، وادعاؤهم أن النبي(ص)قال لعمر: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ، ولكن تسأل عن الفطرة ! وهذا نفس ما يقوله المرجئة !
وفي سنن الترمذي:3/87:
أن النبي(ص)سمع ذات يوم رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر ، فقال: على الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، قال: خرجت من النار ! انتهى. ونحوه في صحيح مسلم ج2/4 ومسند أحمد:3/241 وكنز العمال:8/366
بل وجدنا نفس تعبير ( الإيمان لا تضر معه خطيئة ) في عدة روايات في مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص:2/170 قال: قال رسول الله (ص): من لقي الله لا يشرك به شيئاً لم تضره معه خطيئة ! انتهى .
وقال عنه في مجمع الزوائد:1/19: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ماخلا التابعي فإنه لم يسم ، ورواه الطبراني فجعله من رواية مسروق عن عبد الله بن عمرو. وقال في كنز العمال:1/81 إنه صحح ! انتهى .
ومصدر ابن عمرو إما أن يكون الخليفة عمر ، وإما أن يكون أخذه من أحاديث (العِدْلَيْن) أي الكيسين الكبيرين اللذين أخذهما بعد معركة اليرموك من الشام من رايات اليهود وكتبهم، وكان يحدث المسلمين منهما!

أول من تصدى لمذهب المرجئة علي (ع)
روى الصدوق في علل الشرائع:2/602:
حدثنا الحسين بن أحمد(رض)عن أبيه عن محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو عبد الله الرازي ، عن علي بن سليمان بن راشد ، بإسناده رفعه إلى أمير المؤمنين(ع) قال: يحشر المرجئة عمياناً ، إمامهم أعمى ، فيقول بعض من يراهم من غير أمتنا: ماتكون أمة محمد إلا عمياناً ! فأقول لهم: ليسوا من أمة محمد ، لانهم بدَّلوا فبدل ما بهم ، وغيَّروا فغير ما بهم .
وروى في الخصال/611:
حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله(ع) قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه ( (عليهم السلام))أن أمير المؤمنين (ع)  علم أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه .
قال(ع) : إن الحجامة تصحح البدن وتشد العقل ، والطيب في الشارب من أخلاق النبي(ص)وكرامة الكاتبين، والسواك من مرضات الله عز وجل وسنة النبي(ص)ومطيبة للفم ، والدهن يلين البشرة ويزيد في الدماغ ويسهل مجاري الماء ويذهب بالقشف ويسفر اللون ، وغسل الرأس يذهب بالدرن وينفي القذاء، والمضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والانف ، والسعوط مصحة للرأس وتنقية للبدن وسائر أوجاع الرأس ، والنورة نشرة وطهور للجسد ، واستجادة الحذاء وقاية للبدن وعون على الطهور والصلاة . وتقليم الاظفار يمنع الداء الأعظم . . . الخ .
وهو حديث طويل فيه تعليمات هامة دينية ودنيوية ، وقد جاء فيه عن المرجئة: علموا صبيانكم ما ينفعهم الله به ، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها... انتهى .
وقال في هامشه: قال العلامة المجلسي(رض): إعلم أن أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والإعتبار على طريقة القدماء ، وإن لم يكن صحيحاً بزعم المتأخرين ،
واعتمد عليه الكليني(رض)وذكر أكثر أجزائه متفرقة في أبواب الكافي ، وكذا غيره من أكابر المحدثين .
أقول: عدم صحة السند عند المتأخرين لمقام القاسم بن يحيى ، والظاهر أن أصل الرواية في كتابه ، قال الشيخ في الفهرست: القاسم بن يحيى الراشدي له كتاب فيه آداب أمير المؤمنين(ع) ، والراشدي نسبة إلى جده الحسن بن راشد البغدادي مولى المنصور الدوانيقي الذي كان وزيراً للمهدي وموسى وهارون الرشيد. قال ابن الغضائري: ضعيف. وقال البهبهاني في التعليقة: لا وثوق بتضعيف ابن الغضائري إياه ، ورواية الاجلة سيما مثل أحمد بن محمد بن عيسى عنه تشير إلى الاعتماد عليه ، بل الوثاقة وكثرة رواياته والافتاء بمضمونها يؤيده. ويؤيد فساد كلام ابن الغضائري في المقام ، عدم تضعيف شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال إياه ، وعدم طعن من أحد ممن ذكره في ترجمته وترجمة جده وغيرها ، والعلامة(رض) تبع ابن الغضائري بناء على جواز عثوره على مالم يعثروا عليه ، وفيه ما فيه. انتهى. ورواه ابن شعبة الحراني مرسلاً في تحف العقول/104
هذا وقد صرح القاضي النعماني المغربي المتوفى سنة 363 بأن اسم المرجئة أول ما أطلق على المتخلفين عن بيعة علي(ع) ونصرته على الفئة الباغية ، وهو يدل على أن بعض الصحابة تمسكوا بفكرة كعب وعمر التي تكتفي لدخول الجنة بالتوحيد بدون عمل ، فيكون مذهب المرجئة قد تمت ولادته بعد وفاة عمر بقليل وفي حياة كعب الأحبار !
قال القاضي النعماني في شرح الأخبار:2/82:
فأما المتخلفون عن الجهاد مع علي صلوات الله عليه ، وقتال من نكث بيعته ومن حاربه وناصبه ، فإنه تخلف عنه في ذلك من المعروفين من الصحابة: سعد بن أبي وقاص وكان أحد الستة الذين سماهم عمر للشورى ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، ومحمد بن سلمة ، واقتدى بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه ، ولم يشهدوا شيئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم اقتدوا، وذهب إلى ذلك من رأيهم جماعة من الناس وصوبوهم فيه وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه ، فقالوا في الفريقين في علي(ع) ومن قاتل معه وفي الذين حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفريقين: إنهم يخافون عليهم العذاب ويرجون لهم الخلاص والثواب ، ولم يقطعوا عليهم بغير ذلك وتخلفوا عنهم. والإرجاء في اللغة التأخير فسموا مرجئة لتأخيرهم القول فيهم ، وتأخرهم عنهم ولم يقطعوا عليهم بثواب ولا عقاب، لأنهم زعموا أنهم كلهم موحدون ولا عذاب عندهم على من قال: لا إله إلا الله ، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فكان هذا أصل الإرجاء ثم تفرق أهله فرقاً إلى اليوم يزيدون على ذلك من القول وينقصون. انتهى .
وقال في شرح الأخبار:1/365:
ثم هذه الفرق التي ذكرناها تتشعب ويحدث في أهلها الإختلاف إلى اليوم وأصلها ست فرق: شيعة وعامة وخوارج ومعتزلة ومرجئة وحشوية .
فالشيعة: هم شيعة علي صلوات الله عليه القائلون بإمامته ، وهم أقدم الفرق وأصلها الذي تفرعت عنه ، ورسول الله صلوات الله عليه وآله سماها بهذا الاسم. وقال: شيعة عليٍّ هم الفائزون. وقال لعلي(ع) : أنت وشيعتك . . في آثار كثيرة رويت عنه. وسنذكر في هذا الكتاب ما يجري ذكره إن شاء الله تعالى. وغير ذلك من الفرق محدثةٌ أحدثت بعد النبي صلوات الله عليه وآله. انتهى .
ويدل النصان التاليان على وجود المرجئة على شكل مذهب متكامل في عصر الإمام الباقر(ع) المتوفى سنة 94 هجرية ، أي في الجيل الأول من التابعين بعد الصحابة مباشرة .
قال الصدوق في ثواب الأعمال/213:
وحدثني محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثني محمد بن جعفر قال: حدثني أحمد بن محمد العاصمي قال: حدثني علي بن عاصم الهمداني ، عن محمد بن عبد الرحمن المحرري ، عن يحيى بن سالم ، عن محمد بن سلمة ، عن أبي جعفر (ع)  قال: ما الليل بالليل ولا النهار بالنهار أشبه من المرجئة باليهود ، ولا من القدرية بالنصرانية .

وفي علل الشرائع:2/528:
وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد، عن ابن عيسى، عن عثمان بن سعيد قال: حدثنا عبدالكريم الهمداني، عن أبي ثمامة قال: دخلت علي أبي جعفر(ع)  وقلت له: جعلت فداك إني رجل أريد أن ألازم مكة وعليَّ دينٌ للمرجئة فما تقول ؟ قال: قال إرجع ( وأد ) دينك وانظر أن تلقى الله تعالى وليس عليك دين ، فإن المؤمن لا يخون. انتهى .
أما في عصر الإمام الصادق(ع) وما بعده فقد كان للمرجئة وجودٌ واسع وصولةٌ ، وانتشر مذهبهم حتى شمل أكثر الرواة وعلماء الدولة..كما اتسع تصدي أهل البيت ( (عليهم السلام)) لأفكارهم ، ففي دعائم الإسلام للقاضي النعمان: 1/3 قال: روينا عن جعفر بن محمد أنه قال: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وهذا الذي لا يصح غيره، لا كما زعمت المرجئة أن الإيمان قولٌ بلا عمل ، ولا كالذي قالت الجماعة من العامة إن الإيمان قولٌ وعملٌ فقط ، وكيف يكون ما قالت المرجئة إنه قول بلا عمل وهم والأمة مجمعون على أن من ترك العمل بفريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها على عباده منكراً لها أنه كافر حلال الدم ما كان مصراً على ذلك ، وإن أقر بالله ووحده وصدق رسوله بلسانه ، إلا أنه يقول هذه الفريضة ليست مما جاء به ، وقد قال الله عز وجل: وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخرة هُمْ كَافِرُونَ ، فأخرجهم من الإيمان بمنعهم الزكاة ، وبذلك استحل القوم أجمعون بعد رسول الله(ص)دماء بني حنيفة وسبي ذراريهم ، وسموهم أهل الردة إذ منعوهم الزكاة. انتهى .
قال الكليني في الكافي:2/40:
محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن الأشعث بن محمد ، عن محمد بن حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: وسأله رجل عن قول المرجئة في الكفر والإيمان ، وقال إنهم يحتجون علينا ويقولون كما أن الكافر عندنا هو الكافر عند الله ، فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنه عند الله مؤمن ! فقال: سبحان الله وكيف يستوي هذان ؟! والكفر إقرارٌ من العبد ، فلا يكلف بعد إقراره ببينة ، والإيمان دعوى لا يجوز إلا ببينة ، وبينته عمله ونيته ، فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن. والكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل ، والأحكام تجري على القول والعمل، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عند الله كافر ، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله .

وقال في الايضاح/44:
ومنهم المرجئة الذين يروي عنهم أعلامهم مثل إبراهيم النخعي وإبراهيم بن يزيد التيمي ، ومن دونهما مثل سفيان الثوري وابن المبارك ووكيع وهشام وعلي بن عاصم ، عن رجالهم أن النبي(ص)قال: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: القدرية والمرجئة. فقيل له: ما المرجئة قالوا: الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل. وأصل ما هم عليه أنهم يدينون بأن أحدهم لو ذبح أباه وأمه وابنه وبنته وأخاه وأخته وأحرقهم بالنار أو زنى أو سرق أو قتل النفس التي حرم الله أو أحرق المصاحف أو هدم الكعبة أو نبش القبور أو أتى أي كبيرة نهى الله عنها . . أن ذلك لا يفسد عليه إيمانه ولا يخرجه منه ، وأنه إذا أقر بلسانه بالشهادتين أنه مستكمل الإيمان إيمانه كإيمان جبرئيل وميكائيل صلى الله عليهما ، فعل ما فعل وارتكب ما ارتكب ما نهى الله عنه !
ويحتجون بأن النبي(ص)قال: أمرنا أن نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. وهذا قبل أن يفرض سائر الفرائض وهو منسوخ. وقد روى محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن المغيرة بن سعيد ، عن أبيه ، عن مقسم ، عن سعيد بن جبير قال: المرجئة يهود هذه الأمة. وقد نسخ احتجاجهم قول النبي(ص) حين قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان.

كان المرجئة خداماً لبني أمية ومبررين لجرائمهم
الكافي:2/409:
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن مروك بن عبيد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله(ع) قال: لعن الله القدرية ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة ، لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين !
قال: إن هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون ! فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة ، إن الله حكى عن قوم في كتابه: لن نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين . . قال كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا. انتهى .
ومعنى كلام الإمام الصادق(ع) : أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسين (ع) مؤمنون من أهل الجنة ولا يعاقبون على جريمتهم ! وبذلك صار المرجئة شركاءلبني أمية في الجريمة ، لأن من رضي بعمل قوم فقد شركهم فيه !
ويدل النص التالي على أن المرجئة كانوا يجادلون المعارضين لبني أمية ليأخذوا عليهم مستمسكاً للخليفة لكي يضطهدهم !
ـ وقال الكليني في الكافي:8/270:
عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت مولى لابي عبد الله(ع) فملت إليه لأسأله عن أبي عبدالله ، فإذا أنا بأبي عبد الله ساجداً فانتظرته طويلاً فطال سجوده عليَّ ، فقمت وصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد ، فسألت مولاه متى سجد ؟ فقال: قبل أن تأتينا ، فلما سمع كلامي رفع رأسه ثم قال: أبا محمد أدن مني فدنوت منه فسلمت عليه ، فسمع صوتاً خلفه فقال: ما هذه الاصوات المرتفعة ؟ فقلت: هؤلاء قوم من المرجئة والقدرية والمعتزلة ، فقال: إن القوم يريدوني فقم بنا ، فقمت معه فلما أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم: كفوا أنفسكم عني ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان ، فإني لست بمفت لكم ، ثم أخذ بيدي وتركهم ومضى ، فلما خرج من المسجد قال لي يا أبا محمد والله لو أن إبليس سجد لله عز ذكره بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله عز ذكره ما لم يسجد لادم ، كما أمره الله عز وجل أن يسجد له .
وكذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد نبيها(ص)وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم(ص)لهم فلن يقبل الله تبارك وتعالى لهم عملاً ، ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله عز وجل من حيث أمرهم، ويتولوا الإمام الذي أمروا بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله عز وجل ورسوله لهم .
يا أبا محمد إن الله افترض على أمة محمد(ص)خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا، فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة ، ولم يرخص لاحد من المسلمين في ترك ولايتنا ، لا والله مافيها رخصة .

تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء
للمرجئة في المذاهب الأربعة وفي الصحاح الستة مكانةٌ محترمةٌ حتى أن بعض أئمة المذاهب أنفسهم اتهموا بأنهم مرجئة..قال في هامش كتاب المجروحين: 3/63: هناك تعليقات كثيرة على المخطوطة هاجمت ابن حبان لتحامله على أبي حنيفة ، ومما هوجم من أجله والد أبي حنيفه بأنه كان خبازاً واعتبر المعلق ذلك غيبة تخرج عن حد الرأي في المحدث .
ونشير هنا إلى أن جد أبي حنيفة كان أحد أمراء بلاد الافغان ( مرزبان ) واختلفت أقوال حفيده في مسألة أسر جده ثم عتقه ، قال أحدهما: والله ما وقع لنا رقٌّ قط .
يراجع الإمام الاعظم: اتهام أبي حنيفة بالإرجاء وأنه داعية إلى البدع ، غير مقبول من ابن حبان ومن شاركه هذا القول على إطلاقه ، ونلخص القول في ذلك بما جاء في كتاب اللكنوي ( الرفع والتكميل 154 ):
جملة التفرقة بين اعتقاد أهل السنة وبين اعتقاد المرجئة: أن المرجئة يكتفون في الإيمان بمعرفة الله ونحوه ويجعلون ما سوى الإيمان من الطاعات وما سوى الكفر من المعاصي غير مضرة ولا نافعة ويتشبثون بظاهر حديث: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة .
وأهل السنة يقولون: لا تكفي في الإيمان المعرفة ، بل لا بد من التصديق الإختياري مع الإقرار اللساني ، وأن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان توصل صاحبها إلى دار الخسران .
والذي يجب علمه على العالم المشتغل بكتب التواريخ وأسماء الرجال أن (يعرف أن ) الإرجاء يطلق على قسمين: أحدهما الارجاء الذي هو ضلال. وثانيهما الإرجاء الذي ليس بضلال ، ولا يكون صاحبه عن أهل السنة والجماعة خارجاً .
ولهذا ذكروا أن المرجئة فرقتان: مرجئة الضلالة ، ومرجئة أهل السنة. وأبو حنيفة وتلامذته وشيوخه وغيره من الرواة الإثبات إنما عدوا من مرجئة أهل السنة لا من مرجئة الضلالة .
ثم يقول أيضاً في ختام مناقشته لهذا الموضوع 161: وخلاصة المرام في هذا المقام أن الإرجاء: قد يطلق على أهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة الزاعمين بالخلود الناري لصاحب الكبيرة ، وقد يطلق على الأئمة القائلين بأن الأعمال ليست بداخلة في الإيمان وبعدم الزيادة فيه والنقصان ـ وهو مذهب أبي حنيفه وأتباعه ـ من جانب المحدثين القائلين بالزيادة والنقصان وبدخول الأعمال في الإيمان . وهذا النزاع وإن كان لفظياً كما حققه المحققون من الأولين والآخرين لكنه لما طال وآل الأمر إلى بسط كلام الفريقين من المتقدمين والمتأخرين، أدى ذلك إلى أن أطلقوا الإرجاء على مخالفيهم وشنعوا بذلك عليهم ، وهو ليس بطعن في الحقيقه ، على ما لا يخفى على مهرة الشريعة .
أقول: إذا عرفت هذا علمت أن قول ابن حبان في إطلاقه الإرجاء على أبي حنيفة وأصحابه فيه اتهام غير محدد وتعمية تضلل الباحث ، وهو يقصد إلى ذلك قصداً ما كان يجدر به أن يقع في مثل ذلك. انتهى .
ولا كلام لنا في دفاعهم عن نسب أبي حنيفة وحسبه ، فقد كان على أتباعه أن يجعلوه من ملوك الأفاغنة وأبناء المرازبة أو الأكاسرة ، حتى يواجهوا به مذهب أهل بيت النبي(ص)ونسبهم الشامخ من عَلْيَا قريش وذروة بني هاشم. .
ولكنا نسأل: من أين جاؤوا بهذا التقسيم للمرجئة إلى مرجئة من أهل السنة ومرجئة ضلالة ، وحكموا بأن أبا حنيفة من النوع الجيد لا الردئ .. ! فما هو الفرق العلمي والعقائدي بين هذين النوعين حتىنقبل الجيد ونترك الردئ؟!
وهل يكفي التخلص اللفظي من مذهب المرجئة بمثل قول اللكنوي المتقدم بأن مذهب أهل السنة (أن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان توصل صاحبها إلى دار الخسران) مع أن الأحاديث التي تشبث بها المرجئة على حد تعبيره ثابتة وصحيحة عندهم 

تورُّط أصحاب الصحاح الستة في الارجاء
أما إذا نظرت إلى الصحاح فيأخذك العجب عندما تجد نسبةً كبيرةً من رواتها المحترمين مرجئة !! وهو موضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة ولا يتسع المجال لأكثر من إشارة إلى بعضهم :
فمنهم: الفأفاء، وهو رأس في المرجئة متعصب لبني أمية مبغض لعلي (ع)  بل مبغض للنبي(ص) ! وكان يقرأ لخلفاء بني أمية القصائد في هجاء النبي ! وقد قتله العباسيون في ثورتهم .. ومع ذلك فهو معتمدٌ عند ابن المديني شيخ البخاري ويقول عنه قتل مظلوماً ، ومعتمدٌ عند البخاري فقد روى عنه في الأدب المفرد وكذلك عند مسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبي داود! قال في تهذيب التهذيب:3/83: خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو سلمة ، ويقال أبو المقسم المعروف بالفأفاء الكوفي ، أصله حجازي ، روى عن عبدالله البهي وعيسى وموسى ابني طلحة بن عبيد الله ، وسعيد بن المسيب وأبي بردة بن أبي موسى والشعبي وغيرهم. وعنه أولاده عكرمة ومحمد وعبد الرحمن، والسفيانان ، وشعبة، ومسعر ، وزائدة، وزكرياء بن أبي زائدة وابنه يحيى بن زكرياء، وحماد بن زيد، وغيرهم.. وحدث عنه عمرو بن دينار ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهما أكبر منه .
قال البخاري عن ابن المديني له نحو عشرة أحاديث .
وقال أحمد وابن معين وابن المديني ثقة ، وكذا قال ابن عمار ويعقوب بن شيبة والنسائي .
وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه .
وقال ابن عدي: هو في عداد من يجمع حديثه ، ولا أرى بروايته بأساً .
وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال ابن سعد: هرب من الكوفة إلى واسط لما ظهرت دعوة بني العباس ، فقتل مع ابن هبيرة .
وقال محمد بن حميد عن جرير: كان الفأفأ رأساً في المرجئة ، وكان يبغض علياً .
وقال يعقوب بن شيبة: يقال إن بعض الخلفاء قطع لسانه ثم قتله ، ذكره علي بنالمديني يوماً فقال: قتل مظلوماً .
وقال أبو داود عن الحسن بن علي الخلال: سمعت يزيد بن هارون يقول دخلت المسودة واسط سنة 132 فنادى مناديهم بواسط: الناس آمنون إلا ثلاثة: العوام بن حوشب ، وعمر بن ذر ، وخالد بن سلمة المخزومي. فأما خالد فقتل ، وأما العوام فهرب وكان يحرض على قتالهم ، وكان عمر بن ذر يقص بهم ويحرض على قتالهم عندنا بواسط. له عند مسلم حديث واحد .
قلت: وقع في صحيح البخاري ضمناً حيث قال في الحيض وقالت عائشة كان رسول الله(ص)يذكر الله على كل أحيانه ، فإن مسلماً أخرجه من طريق خالد بن سلمة .
هذا وذكر ابن المديني في العلل الكبرى أن الفأفاء لم يسمع من عبد الله بن عمر ، وذكر ابن عائشة: أنه كان ينشد بني مروان الأشعار التي هجي بها المصطفى (ص)!!. انتهى .
ومنهم: الحماني ، الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة . . قال في تهذيب التهذيب:6/109: عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني أبو يحيى الكوفي ولقبه بشمين . أصله خوارزمي . روى عن يزيد بن أبي بردة ، والأعمش ، والسفيانين ، وأبي حنيفة وجماعة . وعنه أبو بكر ومحمد بن خلف الحدادي ، والحسن بن علي الخلال ، وأحمد بن عمر الوكيعي ، وأبو كريب ، وموسى بن عبد الرحمن المسروقي ، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة ، وسفيان بن وكيع ، والحسين بن يزيد الكوفي ، ومحمد بن عبد بن ثعلبة، ويحيى بن موسى خت، وعمرو بن علي الفلاس ، وأبو سعيد الأشج ، والحسن بن علي بن عفان العامري ، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة .
وقال أبو داود: كان داعية في الإرجاء !!
وقال النسائي: ليس بقوي ، وقال في موضع آخر: ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عدي: هو وابنه ممن يكتب حديثه. قال هارون الحمال مات سنة اثنتين ومائتين. قلت: وفيها أرخه ابن قانع وزاد في جمادى الأولى وهو ثقة .
وقال ابن سعد وأحمد: كان ضعيفاً. وقال العجلي: كوفي ضعيف الحديث مرجئ. وقال البرقي: قال ابن معين: كان ثقة ، ولكنه ضعيف العقل !.انتهى .
ومنهم: شعيب بن اسحاق مولى بني أمية الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . . قال في تهذيب التهذيب:4/304: شعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد الدمشقي الأموي ، مولى رملة بنت عثمان ، أصله من البصرة. روى عن أبيه وأبي حنيفة وتمذهب له ، وابن جريج والأوزاعي ، وسعيد بن أبي عروبة ، وعبيد الله بن عمرو ، وهشام بن عروة ، والثوري وغيرهم. وعنه ابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعيب ، وداود بن رشيد ، والحكم بن موسى ، وأبو النضر الفراديسي ، وعمرو بن عون ، وإبراهيم بن موسى الرازي ، وإسحاق بن راهويه ، وسويد بن سعيد ، وأبو كريب محمد بن العلاء ، وهشام بن عمار ، وغيرهم.
وحدث عنه الليث بن سعد ، وهو في عداد شيوخه .
قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حديثه وأوثقه.
وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ ، سمعت أحمد يقول: سمع من سعيد بن أبيعروبة بآخر رمق .
وقال هشام بن عمار عن شعيب: سمعت من سعيد سنة 144
وقال ابن معين ودحيم والنسائي: ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يقربه ويدنيه .
قال دحيم: ولد سنة 18 ومات سنة 189 وكذا أرخه ابن مصفى وزاد في رجبوفيها أرخه غير واحد . ووقع في الكمال سنة 98 وهو وهم .
قلت: وفي سنة 89 أرخه ابن حبان في الثقات ، ونقل أبو الوليد الباجي عن أبي حاتم قال: شعيب ابن اسحاق ثقة مأمون. انتهى .
ومنهم: الغنوي الذي روى عنه مسلم والأربعة..قال في تهذيب التهذيب: 1/411: بشير بن المهاجر الغنوي الكوفي ، رأى أنس بن مالك ، وروى عن عبد الله بن بريدة والحسن البصري وعكرمة وغيرهم. وعنه ابن المبارك ، ووكيع ، وابن نمير ، والثوري ، وجعفر بن عون ، وأبو نعيم ، وخلاد بن يحيى ، وغيرهم... وقال العجلي: كوفي ثقة ، وقال العقيلي: مرجئ متهم متكلم فيه. وقال الساجي: منكر الحديث عنده. انتهى .
وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض على أصحاب الصحاح فقال في الإيضاح /502: ومن جهة أخرى تروون عن المرجئة ويروون عنكم وتروون عن القدرية ويروون عنكم وتروون عن الجهمية ويروون عنكم فتقبلون منهم بعض أقاويلهم وتردون عليهم بعضها ، فلا الحق أنتم منه على ثقة ، ولا الباطل أنتم منه على يقين وأنتم عند أنفسكم أهل السنة والجماعة . . .

حب المستشرقين للمرجئة وحزنهم عليهم
قال الدكتور حسن إبراهيم في كتابه تاريخ الإسلام:1/416 عن المرجئة:
وهي طائفة المرجئة التي ظهرت في دمشق حاضرة الأمويين بتأثير بعض العوامل المسيحية خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري .
وقد سميت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخير ، لأنهم يرجئون الحكم على العصاة من المسلمين إلى يوم البعث. كما يتحرجون عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها... .
وهؤلاء هم في الحقيقة كتلة المسلمين التي رضيت حكم بني أمية ، مخالفين في ذلك الشيعة والخوراج. ومع هذا فإنهم يتفقون في العقيدة إلى حد ما مع طائفة المحافظين وهي أهل السنة ، وإن كانوا ـ كما يرى فون كريمر ـ قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنيين باعتقادهم ( أنه لا يخلد مسلم مؤمن في النار ) وعلى العموم فهم يضعون العقيدة فوق العمل .
وكانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموي ومن يلوذ به ، بحيث لا يستطيع أحد من الشيعيين أو الخوارج أن يعيش بينهم ، في الوقت الذي تمكن فيه المسيحيون وغيرهم من المسلمين أن ينالوا الحظوة لديهم ، أو يشغلوا المناصب العالية !. انتهى .
ويمكنك ملاحظة التناقض بين ما ذكره الدكتور والمستشرقون عن تقوى المرجئة وتحرجهم عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها وحكمهم عليه بأنه من أهل الجنة بحكم عقيدتهم ، وبين تقواهم في أنهم كانوا يتعايشون مع الحكام الأمويين والنصارى واليهود ولا يتعايشون مع من خالفهم من المسلمين .
ولعل السبب في ذلك أن الحكام الأمويون أساتذتهم في عملية إسقاط المحرمات، بينما اليهود والنصارى أساتذتهم في نظرية إسقاط المحرمات !!
ثم قال الدكتور حسن إبراهيم:
وبزوال الدولة الأموية أفل نجم طائفة المرجئة ولم تصبح بعد حزباً مستقلاً ، ومع ذلك فقد ظهر من بينهم أبو حنيفة صاحب المذهب المشهور. انتهى .
ولكن حكمه بزوال المرجئة مع أسيادهم الأمويين غير دقيق ، لانهم سقطوا سياسياً لا ثقافياً ، فقد بقيت أفكارهم ورواياتهم وعقائدهم في مصادر المسلمين..ويكفي دليلاً على ذلك اتهام أبي حنيفة وغيره بأنهم منهم..فإن خط المرجئة عاد إلى النفوذ والحكم بقرار من الدولة العباسية لكي تواجه به أهل البيت ( (عليهم السلام))
غاية الأمر أن اسمهم صار الأشعرية والحنابلة وأهل الحديث وأهل السنة ، فإن أكثرية هؤلاء من المرجئة !
ويكفي دليلاً على ذلك أن كبار علمائهم لا يستطيعون التفريق بين رأيهم في الشفاعة وبين رأي المرجئة ، وأن إطاعتهم للعباسيين كإطاعة المرجئة للأمويين !
بل يمكن القول إنه بعد زوال العباسيين وكثير من الفرق لم ينته المرجئة ، لأن أساس مذهبهم ومنبع أفكارهم الأحاديث التي دخلت الصحاح كما رأيت ، ومن أراد أن يأخذ بها ويلتزم بلوازمها فلا بد له أن يكون مرجئاً ويقول بسقوط المحرمات عملياً ، ويكتفي بالشهادتين كما مر في توسيع الشفاعة !!
وأخيراً فقد نقل الدكتور المذكور تأسف المستشرق فون كريمر على ضياع تاريخ المرجئة بعد زوالهم قال في:1/418:
ويقول فون كريمر: ومما يؤسف له كثيراً أنه ليس لدينا غير القيل من الأخبار الصحيحة عن هذه الطائفة ، فقد استمروا طوال ذلك العصر وذاقوا حلوه ومره ، وقد ضاعت جميع المصادر التاريخية العربية عن الأمويين ، حتى أن أقدم المصادر التاريخية التي وصلت إلينا إنما ترجع إلى عهد العباسيين ، ومن ثَمَّ كان لزوماً علينا أن نستقي معلوماتنا عن المرجئة من تلك الشذرات المبعثرة في مؤلفات كتاب العرب في ذلك العصر الثاني. انتهى .
وهو تأسف ظاهره علمي وواقعه البكاء على المرجئة لما اشتهر عنهم وعن الأمويين من تفضيلهم التعايش مع المسيحيين واليهود على التعايش مع من خالفهم من المسلمين..وهو تأسف يجعلنا نلمس صدق قول الإمام محمد الباقر(ع) عن المرجئة بأنهم أشبه باليهود من الليل بالليل ، وذلك لجرأتهم على إسقاط قانون العقوبة الالهي ، وقولهم إن المسلم مهما ارتكب من جرائم فلن تمسه النار حتى أياماً معدودة ، فليس غريباً أن يحبهم ويتأسف عليهم المستشرقون من اليهود والنصارى !

المرجئة والجبرية شقيقان لاب وأم
مع أن مذهب المرجئة مذهبٌ في الثواب والعقاب ولا علاقة له بالقضاء والقدر والجبر والتفويض..ومع أن النسبة بين المرجئة وبين القدرية والمفوضة عمومٌ من وجه ، لأن المرجئ في الأعمال قد يكون مفوضاً أو قدرياً ، كما أن القدري والمفوض قد يكون مرجئاً أو غير مرجئ. .
ولكن ذلك كله في مقام الإثبات والنظرية ، أما في مقام الثبوت والتطبيق فالأعم الأغلب في المرجئة أنهم قدرية جبرية ، والسبب في ذلك أن الأحاديث التي استندوا إليها في القول بالإرجاء أو ( تشبثوا ) بها على حد تعبير اللكنوي رافقتها أحاديث الجبر التي تنسب أفعال الإنسان إلى الله تعالى وتحمله مسؤوليتها ، لكي ترفعها عن الإنسان ، كما رأيت في أحاديث توسيع الشفاعة وفناء النار !
وبما أن مسائل القضاء والقدر متعددة ، لذا نكتفي هنا بإعطاء تصور كلي عنها ليتضح ارتباطها بموضوع الشفاعة والإرجاء فنقول:
ورد تعريف القدر الإلهي في نص بديع عن الإمام الرضا(ع) بأنه ( الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ) كما سيأتي. وقد وقع الخلاف بين المسلمين في مسائله العديدة ، وتكونت على أساس آرائهم مذاهبهم العقائدية .

قال السيد الطباطبائي في هامش الكافي:1/157:
واعلم أن البحث عن القضاء والقدر كان في أول الأمر مسألة واحدة ثم تحول ثلاث مسائل أصلية الأولى: مسألة القضاء وهو تعلق الإرادة الإلهية الحتمية بكل شئ والأخبار تقضي فيها بالإثبات ...
الثانية: مسألة القدر وهو ثبوت تأثير ماله تعالى في الأفعال والأخبار تدل فيها أيضاً على الإثبات .
الثالثة: مسألة الجبر والتفويض والأخبار تشير فيها إلى نفي كلا القولين وتثبت قولاً ثالثاً وهو الأمر بين الأمرين لا ملكاً لله فقط من غير ملك للإنسان ولا بالعكس بل ملكاً في طول ملك وسلطنة في ظرف سلطنة .
واعلم أيضاً أن تسمية هؤلاء بالقدرية مأخوذة مما صح عن النبي(ص)( إن القدرية مجوس هذه الأمة الحديث ) فأخذت المجبرة تسمي المفوضة بالقدرية لأنهم ينكرون القدر ويتكلمون عليه والمفوضة تسمي المجبرة بالقدرية لأنهم يثبتون القدر. والذي يتحصل من أخبار أئمة أهل البيت ( (عليهم السلام)) أنهم يسمون كلتا الفرقتين بالقدرية ويطلقون الحديث النبوي عليهما .
أما المجبرة فلانهم ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية جميعاً إلى غير الإنسان كما أن المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشر جميعاً غير الإنسان وقوله(ع) في هذا الخبر مبني على هذا النظر .
وأما المفوضة فلانهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلى أفعاله والله سبحانه بالنسبة إلى غيرها كما أن المجوس قائلون بإله الخير وإله الشر وقوله(ع) في الروايات التالية ( لا جبر ولا قدر ) ناظر إلى هذا الإعتبار. انتهى .
ونضيف إلى ما ذكره السيد الطباطبائي(رض): مسألة البداء ، وهي هل أن تقدير الله تعالى في كل الأمور حتمي عليه ، فلا يمكنه تغيير شئ منه ، لأنه فرغ من الأمر على حد تعبير بعض المسلمين ، أو لأن يده مغلولة على حد تعبير اليهود..أم أن القدر مفتوح له تعالى ، وله الحق والقدرة على البداء والتغيير كما يشاء ، لأنه فرغ من الأمر ولم يفرغ منه على حد تعبير أهل البيت ( (عليهم السلام)) .

القدرية المفوضة ( الذين ينفون القدر )
محور الخلاف في مسألة القدر هو: سلطة الله تعالى على أفعال الإنسان وحركة الطبيعة والكون ، وفعله فيها .
فالذين ينفون هذه السلطة يسمون ( المفوضة ) لانهم يزعمون أن الإنسان مفوضٌ في أعماله ، ولا دخل لله تعالى ولا لسلطته فيها .
وقد يكون المفوضة مؤمنين بوجود الله تعالى ، ولكنهم يقولون إنه فوض ذلك إلى الإنسان وقوانين الطبيعة. .
وقد يكونون ملحدين دهريين أو مشككين ، ويعبر عنهم بالمفوضة أيضاً ، لانهم ينفون سلطة الله تعالى وفاعليته في أفعال الإنسان وحركة الطبيعة .
وهم في عصرنا فئات الماديين من الملحدين والطبيعيين وأكثر العلمانيين ، وبعض المتأثرين بالثقافة الغربية من المسلمين .
والتفويض في القدر مرفوض كلياً عند أهل البيت (عليهم السلام) ومنه التفويض الذي يذهب إليه أكثر المعتزلة أيضاً. قال في شرح المواقف: 8/146: وقالت المعتزلة أي أكثرهم: هي ( الأفعال الإختيارية ) واقعة بقدرة العبد وحدها على سبيل الإستقلال بلا إيجاب بل باختيار .
وقال الكليني في الكافي:1/157:
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرحمن قال: قال لي أبو الحسن الرضا(ع) :
يا يونس ، لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ، ولا بقول أهل النار ، ولا بقول إبليس !
فإن أهل الجنة قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
وقال أهل النار: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين .
وقال إبليس: رب بما أغويتني .
فقلت: والله ما أقول بقولهم ولكني أقول: لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدروقضى .
فقال: يا يونس ليس هكذا ، لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى .
يايونس تعلم ما المشيئة ؟
قلت: لا .
قال: هي الذكر الأول .
فتعلم ما الإرادة ؟
قلت: لا .
قال: هي العزيمة على ما يشاء .
فتعلم ما القدر ؟
قلت: لا .
قال: هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء .
قال ثم قال: والقضاء هو الإبرام وإقامة العين .
قال: فاستأذنته أن أقبل رأسه وقلت: فتحت لي شيئاً كنت عنه في غفلة. انتهى .

وفي مجمع الزوائد:7/205:
عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): القدرية مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. رواه الطبراني في الأوسط وفيه زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغيره وضعفه جماعة. انتهى. ورواه البيهقي في سننه:10/202 وقال: أخرجه أبو داود في كتاب السنن هكذا. انتهى .
فهذان النصان يردَّان على القدرية المفوضة .
وينبغي الالتفات إلى أن اسم المرجئة لا يستعمل في الأحاديث في ضد معناه ، بينما يستعمل اسم القدرية للمؤمن بالقدر ولمنكر القدر.. ويعرف ذلك من سياق الكلام .
القدرية الجبرية ( الذين يثبتون القدر )
أما الذين يثبتون فعل الله تعالى في حركة الكون وأفعال الإنسان فيسمون (القدرية ) لانهم يؤمنون بوجود سلطة لله تعالى على أفعال الإنسان وحركة الطبيعة بشكل من الإشكال ، وهؤلاء منهم من يفرط في إثبات الفعل الإلهي في أفعال الإنسان فينسبون أفعال الإنسان إلى الله تعالى نسبةً كاملة فيسمون ( الجبرية ) وهم أكثر المرجئة ، ولعلهم أكثر إخواننا السنة ، وإن لم يصرحوا بذلك . . والسبب في ذلك وجود أحاديث ثبتت عندهم عن الخليفة عمر ومن تبعه من الصحابة توجب القول بذلك ، وهي نقطة التقاء شديدة بينهم وبين المرجئة وقد أشرنا إلى أن السبب في جبرية المرجئة أن أحاديث الارجاء التي صحت عندهم رافقتها أحاديث الجبر مرافقة الأخت لأختها ، بل كانت نفسها في بعض الأحيان..ومن هنا قلنا إن الارجاء والجبر أخوان شقيقان لأب وأم .
قال في شرح المواقف:8/146:
المقصد الأول في أن أفعال العباد الإختيارية واقعة بقدرة الله سبحانه وتعالى وحدها ، وليس لقدرتهم تأثير فيها بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرةً واختياراً ، فإذا لم يكن هناك مانعٌ أوجد فيه فعله المقدور مقارناً لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقاً لله إبداعاً وإحداثاً ، ومكسوباً للعبد ، والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاً له ! وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري .انتهى .
وأقدم الأحاديث في الجبر مروية عن الخليفة عمر وكعب الأحبار ، وقد تقدم عدد منها في توسيع الشفاعة وفناء النار ، ونذكر فيما يلي بعضها:
روى أحمد في مسنده:1/29:
عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال للنبي (ص): أرأيت ما نعمل فيه أقد فرغ منه أو في شئ مبتدأ أو أمر مبتدع ؟ قال: فيما قد فرغ منه. فقال عمر ألا نتكل ؟ فقال: إعمل يا ابن الخطاب فكل ميسر ، أما من كان من أهل السعادة فيعمل للسعادة ، وأما أهل الشقاء فيعمل للشقاء !
ورواه في:2/77 ، ونحوه في الترمذي:4/352 ونحوه الحاكم:2/462 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه في مجمع الزوائد:7/194 عن أبي بكر وعن عمر وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. ورواه في كنز العمال بعدة روايات في:1/128 وص 339
ورواه البخاري بصيغة أخرى تذكر أن الله تعالى يتحمل مسؤولية خطيئة آدم(ع) ، عيناً كما في التوراة !..قال في صحيحه:4/131
عن أبي هريرة: قال قال رسول الله (ص): احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق ؟ فقال رسول الله (ص): فحج آدم موسى مرتين ! انتهى .
ورواه بصيغة أخرى أيضاً فيها تعنيفٌ لادم قال في:7/214 فيها (فقال له موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة ) ، وروى نحوه أيضاً في:8/203
فهذه النصوص الصحيحة عندهم تقول بالجبر في أفعال الإنسان ، وفي تكوين الكون معاً .

القدر عند أهل البيت ( (عليهم السلام)) : لا جبر ولا تفويض
أما مذهب أهل البيت ( (عليهم السلام)) فهو يثبت القدر ويؤمن بسلطة الله تعالى على أفعال الإنسان وفعله فيها ، ولكنه يقول لا تصح نسبة المعصية إليه تعالى وإن كان الأقدار عليها منه تعالى ، أما نسبتها التي تستلزم تحمل مسؤوليتها فهي لفاعلها الذي هو الإنسان. .
فالإنسان في هذا المذهب ليس مجبوراً في أفعاله الاختيارية ولا مفوضاً إليه ، ولا مجرد مجرى لأفعاله كمجرى النهار ، بل حاله من نوع آخر يوجد فيه القدر الالهي بشكل كامل لصغير الأمور وكبيرها ويوجد فيه حرية الإنسان ومسؤوليته . وهذا معنى ( لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ) .
وقد أكد أهل البيت ( (عليهم السلام)) على هذا النوع من القدر ، وقاوموا المفوضة لإنكارهم سلطان الله تعالى على صغير الأمور وكبيرها. كما قاوموا القائلين بالجبر في أفعال الإنسان لانهم ينسبون المعاصي إلى الله تعالى ، وينسبون إليه الظلم بمجازاة الإنسان عليها ! وكذلك القائلين بالجبر في الخلق والتكوين والتخطيط ، لأنهم يريدون تصوير الكون بأنه آلة وضع الله مخططها وأطلقها ولا يمكنه البداء والتغيير والتبديل فيها وهم اليهود الذين قالوا ( يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) والمسلمون الذين قلدوهم فقالوا ( فرغ من الأمر ) .

روى الصدوق في معاني الأخبار/18:
عن أبي عبد الله(ع) أنه قال في قول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ، لم يعنوا أنه هكذا ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جل جلاله تكذيباً لقولهم: غُلَّتْ أيديهم ولُعِنُوا بما قالو بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. ألم تسمع الله عز وجل يقول: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ .

وقال الحويزي في تفسير نور الثقلين:2/514:
في عيون الأخبار في باب مجلس الرضا(ع) مع سليمان المروزي قال الرضا (ع) بعد كلام طويل لسليمان: ومن أين قلت ذلك وما الدليل على أن إرادته علمه ؟ وقد يعلم ما لا يريده أبداً وذلك قوله تعالى: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فهو يعلم كيف يذهب به ولا يذهب به أبداً ؟
قال سليمان: لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئاً .
قال الرضا(ع) : هذا قول اليهود ، فكيف قال: أدعوني أستجب لكم ؟
قال سليمان: إنما عنى بذلك أنه قادر عليه !
قال: أفيعد بما لا يفي به ؟! فكيف قال: يزيد في الخلق ما يشاء ؟ وقال عز وجل: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، وقد فرغ من الأمر ؟!
فلم يَحِرْ جواباً .
وفي هذا المجلس أيضاً قال الرضا(ع) :
يا سليمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله تعالى ، يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء .
يا سليمان إن علياً(ع) كان يقول: العلم علمان ، فعلم علمه الله ملائكته ورسلهفإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ورسله .
وعلم عنده مخزونٌ لم يطلع عليه أحداً من خلقه ، يقدم منه ما يشاء ويؤخر مايشاء ، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء. انتهى .
وبذلك يتضح أن البداء الذي يؤكد أهل بيت النبي(ص)على أنه جزءٌ من الإسلام ، وأنه ما عبد الله بشئ كما عبد به ، إنما هو نفي الجبرية على الله تعالى ، ونفي زعم اليهود أن يده مغلولة بحجة أنه فرغ من الأمر !
ويتضح منه أن الذين يشنعون على الشيعة بعقيدة البداء..لم يفهموها !
ردة فعل الخوارج على توسيع الدولة للشفاعة
من الواضح للباحث أن بذور تفكير الخوارج ولدت في عهد الخليفة عمر ، وكانت تأخذ شكل اعتراضات على عدم تطبيق الخليفة للقرآن ، كما نلاحظ في أسئلة الوفد المصري ( الدر المنثور:2/145 )
ثم نمت في عهد الخليفة عثمان. .
ثم أخذت شكل اتجاه فكري في فهم الدين ، وشكل حزب سياسي معارض في عهد الإمام علي(ع) ثم استمرت مذهباً وحزباً مسلحاً في معارضة الأمويين والعباسيين وتكفيرهم وقتالهم. .
ومن أبرز صفات الخوارج الفكرية: جمودهم في فهم الدين ، وميلهم إلى إصدار الأحكام الكلية بدون شروط ولا تفاصيل ولا استثناءات ، وتكفيرهم من خالفهم من فرق المسلمين ، وفتواهم بهدر دمائهم ووجوب جهادهم .
وهذا المنحى الذهني يقع في الجهة المضادة لمذهب المرجئة الذي تتبناه السلطة ، المنحى المتساهل في أداء الواجبات وترك المحرمات ، المفرط في تأميل الناس بالشفاعة والجنة مهما عصوا.. ماعدا المعارضين للدولة طبعاً .
لقد ساعد مذهب الإرجاء الدولة وأتباعها في تخفيف المسؤولية المشددة في القرآن و السنة على الحكام ، ولكنه سبب ردات فعل في الأمة فظهرت فئات تنكر أصل الشفاعة التي تتذرع بها الدولة ، وتكذب كل أحاديثها وتؤول كل آياتها..ولم يكن ذلك منحصراً بالخوارج ، وإن اشتهروا به .
بل تدل روايات السنيين على أن ردود الفعل على توسيع الشفاعة بدأت من زمن الخليفة عمر ، ولكنه لم يستطع أن يؤدب أصحابها بالسوط ، إما لأنه لم يعرفهم بالضبط ، أو لسبب آخر ، فخطب محذراً منهم بشدة !

قال في مجمع الزوائد:7/207:
عن ابن عباس قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه فقال: ألا إنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة !
وروى نحوه في مسند أحمد:1/23 وفي الدر المنثور:3/60: عن سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس وفي كنز العمال:1/387 وج 5/429 وص 431 وفيه ( قال أمر عمر بن الخطاب منادياً فنادى أن الصلاة جامعة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال... ) .
ويظهر من النص التالي أن بني أمية أفرطوا في التأكيد على الشفاعة أيضاً ، ففي فردوس الأخبار للديلمي:1/116 ح 254: عن معاوية: إشفعوا إلى تؤجروا ، فإن الرجل ليسألني الحاجة فأرده كي تشفعوا له فتؤجروا ! انتهى .
أما الخوارج فقد ثبت أنهم كانوا يقولون: إن مرتكب المعصية الكبيرة أو الصغيرة كافر ، وإذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار ، وأنه لا شفاعة لاحد أبداً ولا خروج من النار !
وأول من تصدى لرد مقولتهم الأئمة من أهل البيت ( (عليهم السلام)) ثم تبعهم غيرهم .
قال البرقي في المحاسن:1/184:
عن علي بن أبي حمزة قال: قال رجل لابي عبد الله(ع) : إن لنا جاراً من الخوارج يقول: إن محمداً(ص)يوم القيامة همه نفسه فكيف يشفع ؟! فقال أبو عبد الله(ع) : ما أحدٌ من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد(ص) يوم القيامة .
وقال العياشي في تفسيره:2/314:
عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله(ع) عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال: نعم ، فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد يومئذ ؟ قال: نعم إن للمؤمنين خطاياً وذنوباً ، وما من أحد إلا ويحتاج إلى شفاعة محمد(ص)يومئذ .
قال: وسأله رجل عن قول رسول الله(ص): أنا سيد ولد آدم ولا فخر ؟ قال: نعم ، يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع أطلب تعط ، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم يرفع رأسه فيشفع فيشفع ، ويطلب فيعطى .

وفي تفسير القمي:2/201:
قال: حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولى لامرأة علي بن الحسين(ع) على أبي جعفر(ع) يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد ؟!
فغضب أبو جعفر(ع) حتى تربَّدَ وجهه ، ثم قال: ويحك يا أبا أيمن ! أغرَّك أن عفَّ بطنك وفرجك ؟! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد(ص)! ويلك ! فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار ؟!
ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد(ص)يوم القيامة.
ثم قال أبو جعفر(ع) : إن لرسول الله(ص)الشفاعة في أمته ، ولنا الشفاعة في شيعتنا ، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم.
ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، فإن المؤمن ليشفع حتى لخادمه ويقول: يارب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد. ورواه في بحار الأنوار:8/38 وفي تفسير نور الثقلين:4/102 و334
وفي الأدب المفرد للبخاري/224:
عن طلق بن حبيب قال: كنت أشد الناس تكذيباً بالشفاعة فسألت جابراً فقال: يا طلق سمعت النبي يقول: يخرجون من النار بعد الدخول .
وقال السيوطي في الدر المنثور:6/286:
وأخرج ابن مردويه عن صهيب الفقير قال: كنا بمكة ومعي طلق بن حبيب ، وكنا نرى رأي الخوارج ، فبلغنا أن جابر بن عبد الله يقول في الشفاعة فأتيناه فقلنا له: بلغنا عنك في الشفاعة قول الله مخالف لك فيها في كتابه ! فنظر في وجوهنا فقال: من أهل العراق أنتم ؟! قلنا نعم ، فتبسم وقال: وأين تجدون في كتاب الله ؟ قلت: حيث يقول: ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ، ويريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ، وأشباه هذا من القرآن .
فقال: أنتم أعلم بكتاب الله أم أنا ؟ قلنا بل أنت أعلم به منا. قال: فوالله لقد شهدت تنزيل هذا على عهد رسول الله(ص)وشفاعة الشافعين، ولقد سمعت تأويله من رسول الله(ص)وإن الشفاعة لنبيه في كتاب الله ، قال في السورة التي تذكر فيها المدثر: مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الآية. ألا ترون أنها حلت لمن مات لم يشرك بالله شيئاً ؟!

وفي تفسير الطبري:4/141:
عن الأشعث الحملي قال قلت للحسن: يا أبا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفاعه حق هو ؟ قال: نعم حق .
وفي فتح القدير للشوكاني:5/567:
وأخرج بن المنذر عن طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحقٌّ هي ؟ قال: إي والله .
وفي دلائل النبوة للبيهقي:1/25:
عن شبيب بن أبي فضالة المالكي: لما بنى مسجد الجامع ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل من القوم: إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في كتاب الله ، وعمران يقول أنتم أخذتم هذا الشأن منا ، وأخذنا نحن عن نبي الله .
وفي الجواهر الحسان للثعالبي:1/356:
قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ . . . قالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد ، وقالت الخوارج إذا كان صاحب كبيره أو صغيره فهو في النار مخلد .
وفي تطهير الجنان لإبن حجر/38:
إن قلت: في هذا الحديث ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا رجل يموت كافراً أو يقتل مؤمناً متعمداً ) دليل للمعتزلة والخوارج قبحهم الله تعالى على أن الكبيرة لا تغفر ؟
قلت: لا دليل لهم فيها أبداً ، لقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ، لوجوب حملها على المستحل . . . بدليل قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ، وهو مخصص أيضاً بقوله تعالى: إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا . . . قد ضل . . . فرقٌ من فرق الضلالة القائلون بأن مرتكب الكبيرة إذا مات بلا توبة يخلد ، وهؤلاء المعتزلة والخوارج ، والفرق بينهما إنما هو من حديث إن الميت فاسقاً هل هو كافر أو لا مؤمن ولا كافر ؟ فالخوارج على الأول والمعتزلة على الثاني .
وفي مقالات الإسلاميين للأشعري:1/124:
وأما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قولٌ واحد ، لأنهم يقولون أن أهل الكبائر الذين يموتون على كبائرهم في النار خالدون .
وفي مقالات الإسلاميين: 1/86 ـ 87 :
وأجمعوا ( الخوارج ) على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات ، فإنها لاتقول ذلك. وأجمعوا أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات .
والأزارقة ( من الخوارج ) تقول إن كل كبيرة كفر، وإن الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم، وإن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً، ويكفرون علياً (رض)في التحكيم .

وقال في شرح المواقف:4 جزء 8/334:
إن مرتكب الكبيره من أهل الصلاة . . . مؤمن . . . ذهب الخوارج إلى أنه كافر ، والحسن البصري إلى أنه منافق ، والمعتزلة إلى أنه مؤمن ولا كافر .

وقال الرازي في تفسيره:1 جزء 3/238:
إن المعصية عند المعتزلة وعندنا لا توجب الكفر ، أما عندنا فلان صاحب الكبيرة مؤمن ، وأما عند المعتزلة فلانه وإن خرج عن الإيمان فلم يدخل في الكفر ، وأما عند الخوارج فكل معصية كفر .

وقال الرازي في تفسيره:6 جزء 12/5:
قالت الخوارج: كل من عصى الله فهو كافر... احتجوا بهذه الآية (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ... ) وقالوا إنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر ، وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله ، فوجب أن يكون كافراً .

وقال الرازي في:15 جزء 30/239:
إن الخوارج احتجوا بهذه الآية ( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) على أنه لا واسطة بين المطيع والكافر قالوا: لأن الشاكر هو المطيع والكفور هو الكافر ، والله تعالى نفى الواسطة وذلك يقتضي أن يكون كل ذنب كفراً .
وقال النووي في شرح مسلم:1 جزء 1/218:
قال القاضي عياض: اختلف الناس فيمن عصى الله من أهل الشهادتين ، فقالت المرجئة: لا تضره المعصية ، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها ، وقالت المعتزلة: يخلد في النار ، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن. .

وقال المجلسي في بحار الأنوار:8/62:
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ، ووجوبها سمعاً بصريح الآيات وبخبر الصادق ، وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها. ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار ، واحتجوا بقوله تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وأمثاله وهي في الكفار .
وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل ، وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار .
( راجع شرح مسلم للنووي:2 جزء 3/35 )

وفي شرح مسلم للنووي:2 جزء 3/50:
رأي الخوارج . . أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار .

وفي إرشاد الساري للقسطلاني:1/115:
لا ينسب إلى الكفر باكتساب المعاصي والإتيان بها إلا بالشرك أي بارتكابه، خلافاً للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة ، والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر .
وفي فتاوي ابن باز:2/27:
وذهب الخوارج إلى أن صاحب المعصية مخلد في النار وهو بالمعاصي كافر أيضاً ووافقهم المعتزلة بتخليده في النار .
وفي فتاوي ابن باز:3/367:
قول أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة . . . المعاصي التي دون الشرك لا تحبط الأعمال الصالحة ولا تبطل ثوابها . .
وفي بحار الأنوار:8/364:
قال العلامة(رض)في شرحه على التجريد: أجمع المسلمون كافة على أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع ، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين ، فالوعيدية على أنه كذلك ، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه منقطع. والحق أن عقابهم منقطع لوجهين:
الأول ، أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ .
والإيمان أعظم أفعال الخير فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب على العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم على ما تقدم ، أو بالعكس وهو المراد ، والجمع محال .
الثاني ، يلزم أن يكون من عبد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه مخلداً في النار كمن أشرك بالله مدة عمره ، وذلك محال لقبحه عند العقلاء. انتهى .

وفي بحار الأنوار:8/370:
وقال شارح المقاصد: اختلف أهل الإسلام فيمن ارتكب الكبيرة من المؤمنين ومات قبل التوبة ، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو ولا بالعقاب بل كلاهما في مشيئة الله تعالى، لكن على تقدير التعذيب نقطع بأنه لا يخلد في النار بل يخرج البتة ، لا بطريق الوجوب على الله تعالى ، بل مقتضى ما سبق من الوعد وثبت بالدليل كتخليد أهل الجنة .
وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم ، من غير عفو ولا إخراج من النار ، وما وقع في كلام البعض من أن صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنة ولا في النار فغلطٌ نشأ من قولهم: إن له المنزلة بين المنزلتين ، أي حالة غير الإيمان والكفر.
وأما ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلاً وإنما النار للكفار تمسكاً بالآيات الدالة على اختصاص العذاب بالكفار مثل: قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ، إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين .
فجوابه: تخصيص ذلك العذاب بما يكون على سبيل الخلود .
وأما تمسكهم بمثل قوله(ع) : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق ، فضعيف ، لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول .
لنا وجوه: الأول ، وهو العمدة: الآيات والأحاديث الدالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة البتة ، وليس ذلك قبل دخول النار وفاقاً ، فتعين أن يكون بعده وهو مسألة انقطاع العذاب ، أو بدونه وهو مسألة العفو التام ، قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .

تبادل المواقع بين الخوارج والمرجئة !
يحسن هنا أن نسجل أمراً طريفاً نلاحظه في عصرنا ، وهو تبادل المواقع بين ورثة الخوارج ، وورثة الخلافة الأمويين والمرجئة !
فورثة الخوارج ( الأباضيون ) تنازلوا عن العنف الفكري وسجلوا ليونتهم العقائدية والفقهية تجاه فرق المسلمين..بينما ورثة الخلافة الأموية ( التكفير والهجرة والوهابيون ) تخلوا عن أفكار الليونة والتسامح ، وتبنوا مذهب العنف والشدة ، وأفتوا بكفر كل فرق المسلمين ، ماعدا فرقتهم ! ولعلهم يتخلون أيضاً عن شمول الشفاعة لكل المسلمين ويحصرونها بفرقتهم..كما يشم ذلك من فكرهم !
وهكذا تتغير المواقع الفكرية والسياسية مع العصور من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار . . وسبحان من لا يتغير .

المعتزلة مثقفون متوسطون بين الدولة والخوارج
قال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه:8/204:
ولد واصل سنة ثمانين بالمدينة وكان يجلس إلى الحسن البصري ، فلما ظهر بين أهل السنة القول من الخوارج بتكفير أهل الكبائر ، ومن المرجئة بجعلهم إيمان أهل الكبائر كإيمان جبرئيل وميكائيل ، أبدع واصل ( بن عطاء مولى بني ضبة ) قوله في المنزلة بين المنزلتين . . . مات واصل سنة إحدى وثلاثين ومئة .

الصغائر تغفر والكبائر لا تغفر إلا بالتوبة
مقالات الإسلاميين للأشعري:1/270:
واختلفت المعتزلة . . في الصغائر والكبائر.. فقال قائلون منهم: كل ما أتى فيه الوعيد فهو كبير ، وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير.. وقال جعفر بن ميثر: كل عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمداً لها فهو مرتكب لكبيرة...
واختلفت المعتزلة في غفران الصغائر... فقال قائلون: إن الله سبحانه يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر تفضلاً.. وقال قائلون: لا يغفر الصغائر إلا بالتوبة .
وقال في شرح المواقف:8/303:
أوجب جميع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة ، ولم يجوزوا أن يعفو الله عنه ، لوجهين: الأول أنه تعالى أوعد بالعقاب على الكبائر وأخبر به أي بالعقاب عليها ، فلو لم يعاقب على الكبيرة وعفا لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره ، وإنه محال .
الجواب: غايته وقوع العقاب فأين وجوبه الذي كلامنا فيه ، إذ لا شبهة في أن عد الوجوب مع الوقوع لا يستلزم خلفاً ولا كذباً .
قالت المعتزلة والخوارج: صاحب الكبيرة إذا لم يتب عنها مخلد في النار ولا يخرج منها أبداً. وعمدتهم في إثبات ما ادعوه دليل عقلي هو أن الفاسق يستحق العقاب بفسقه ، واستحقاق العقاب بل العقاب مضرة خالصة لا يشوبها ما يخالفها دائمة لا تنقطع أبداً. واستحقاق الثواب بل الثواب منفعة خالصة عن الشوائب دائمة. والجمع بينهما أي بين استحقاقهما محال ، كما أن الجمع بينهما محال .

وقال في شرح المواقف:8/334:
مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة أي من أهل القبلة مؤمن ، وقد تقدم بيانه في مسألة حقيقة الإيمان وغرضنا هاهنا ذكر مذهب المخالفين والجواب عن شبهتهم: ذهب الخوارج إلى أنه كافر ، والحسن البصري إلى أنه منافق ، والمعتزلة إلى أنه لا مؤمن ولا كافر .
حجة الخوارج وجوه: الأول قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، فإن كلمة (من ) عامة في كل من لم يحكم بما أنزل ، فيدخل فيه الفاسق المصدق. وأيضاً فقد علل كفرهم بعدم الحكم ، فكل من لم يحكم بما أنزل الله كان كافراً ، والفاسق لم يحكم بما أنزل الله .
قلنا: الموصولات لم توضع للعموم ، بل هي للجنس تحتمل العموم والخصوص .

وفي ثمرات الأوراق بهامش المستطرف/13:
المعتزلة طائفة من المسلمين يرون أن أفعال الخير من الله وأفعال الشر من الإنسان وأن القرآن مخلوق محدث ليس بقديم وان الله تعالى غير مرئي يوم القيامة ، وأن المؤمن إذا ارتكب الذنب مثل الزنا وشرب الخمر كان في منزلة بين منزلتين .
تأويلات أهل السنة للحنفي:1/630:
وقوله تعالى: وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ، فيه دليل على أن من السيئات ما يكفرها الصدقة . . . وهو نقض على المعتزلة لأنهم لا يرون تكفير الكبائر بغير التوبة عنها ، ولا التعذيب على الصغائر. فأما إن كانت الآية في الكبائر فبطل قولهم ( لا يكفر بغير التوبة ) أو في الصغائر يبطل قولهم إنها مغفورة ، إذ وعدت بالصدقة لأنهم يخلدون صاحب الكبيره في النار ، والله تعالى أطمع له تكفير السيئات بالصدقة .

وصاحب الكبيرة في النار ولا تشمله الشفاعة
شرح المواقف:4 جزء 8/312:
أجمعت الأمة على ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له عليه الصلاة والسلام ، ولكن هي عندنا لأهل الكبائر من الأمة في إسقاط العقاب عنهم... وقالت المعتزلة: إنما هي لزيادة الثواب لا لدرأ العقاب ، لقوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ، وهو عام في شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام وغيره .
الجواب: أنه لا عموم له في الاعيان ، لأن الضمير لقوم معينين هم اليهود ، فلا يلزم أن لا تنفع الشفاعة غيرهم .
تأويلات أهل السنة:1/590:
قال المعتزلة: لا تكون الشفاعة إلا لأهل الخيرات خاصة ، الذين لا ذنب لهم أو كان لهم ذنب فتابوا عنه .
تفسير الرازي 11 جزء 22/160:
احتجت المعتزلة بقوله تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى ، على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر ، لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم .
تفسير الرازي 11 جزء 22/118:
المعتزلة قالوا: الفاسق غير مرضي عند الله تعالى، فوجب أن لا يشفع الرسول (ص) في حقه لأن هذه الآية ( يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ ) دلت على أن المشفوع له لابد وأن يكون مرضياً عند الله .
تفسير الرازي:12 جزء 23/66:
أما قوله (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) احتجت المعتزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة.
وقال في:14 جزء 27/33:
احتج الكعبي بهذه الآية على أن تأثير الشفاعة في حصول زيادة الثواب للمؤمنين ، لا في إسقاط العقاب عن المذنيين .

وقال في:4 جزء 7/10:
قال القفال: إنه لا يأذن في الشفاعة لغير المطيعين . . . وأقول إن هذا القفال عظيم الرغبة في الإعتزال . . . ومع ذلك فقد كان قليل الاحاطة بأصولهم. وذلك لأن من مذهب البصريين أن العفو عن صاحب الكبيرة حسن في العقول . . إلا أن السمع دل . . . لا يقع ، وإذا كان كذلك كان الإستدلال العقلي على المنع من الشفاعة في حق العصاة خطأ على قولهم .

وفي إرشاد الساري للقسطلاني:8/340:
قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ ، استدل بهذه الآية المعتزلة على أنه تعالى لا يعفو عن شئ من السيئات .

وفي إرشاد الساري:9/447:
المعصية لا تخرج المسلم عن الإيمان ، خلافاً للمعتزلة المكفرين بالذنب ، القائلين بتخليد العاصي بالنار .
وفي معجم الادباء للحموي:9 جزء 17/81:
قال عبدالعزيز بن محمد الطبري: كان أبو جعفر ( الطبري ) يذهب في جل مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف . . . وكان يذهب إلى مخالفة أهل الاعتزال في جميع ماخالفوا فيه الجماعة ، من القول بالقدر وخلق القرآن وإبطال رؤية الله في القيامة ، وفي قولهم بتخليد أهل الكبائر في النار ، وإبطال شفاعة رسول الله(ص)، وفي قولهم إن استطاعة الإنسان قبل فعله .

وفي طبقات الشافعية للسبكي:3/347:
يصف تحول الأشعري من الاعتزال إلى خط الدولة (أهل السنة والجماعة) قام علي بن اسماعيل بن أبي بشر على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماماً . . . وهو الذي قال: تكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شئ على شئ فاستهديت الله فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده . . ودفع الكتب التي ألفها على مذاهب أهل السنة للناس . . وأخذ في نصرة الأحاديث في الرؤية والشفاعة. انتهى .
هذا وقد تقدمت نصوص عن رأي المعتزلة في آراء المرجئة والخوارج في هذا الفصل وفي تعريف الشفاعة في الفصل الأول .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page