• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الوفاء بالشرُوط

 

الوفاء بالشرُوط

عرفنا - الى هنا - بواعث كل من الفريقين فيما تطلعا به الى الصلح. وعرفنا شروط كُلٍ فيما اعتبره ضماناً لبواعثه تلك.
وعرفنا - بعد ذلك - أنهما أرادا الجنوح الى التصالح عملياً، فاجتمعا في الكوفة، وكان من المنتظر لهذا الاجتماع التاريخي أن يبعث بينهما من التقارب ما لم تبعثه الصكوك التحريرية ولا المقاولات الرسمية، التي تبودلت بينهما في الصلح، لولا أن معاوية لم يشأ ان يلتزم في هذا الاجتماع جانب المجاملة، رغم أنه كان في ظرفه الخاص أحوج الرجلين الى هذا النمط من السلوك، وانه ليمر - اذ ذاك - بأدق امتحان في سياته العامة وفي شخصيته كملك يريد ان يحكم شعباً ما أحبه منذ أبغضه - على حد تعبير الاحنف بن قيس -، فاجتمع بالحسن ولكن كما يجتمع «ابن أبي سفيان» بابن فاتح مكة، لا كما يجتمع متناجزان القيا السلاح وتبادلا وثائق الصلح، وكان من هذا الخلق الثابت لمعاوية - رغم ما يتكلفه من الحلم الكثير أحياناً - ما هو أداة الحسن في حملته المنظمة التي جردها عليه في (ميدانه الثاني) - كما اشير اليه في آخر فصل مضى -.
واذ قد عرفنا ذلك كله من فصولنا القريبة السابقة، فلنعرف الآن موقف كلٍّ من شروطه وفاءً ونقضاً. وها نحن أولاء من هذه المرحلة بازاء النقطة الحساسة التي طال حسابها في التاريخ.
وكان بودنا لو طوينا كشحاً عن استنطاق هذا الموضوع، بما تثيره تفاصيله من ذكريات: بعضها ألم، وبعضها فضيحة سافرة، وقليل منها تاريخ تعافه الامجاد. ولكننا - وقد أخذنا على أنفسنا في هذا الكتاب مهمة البحث التحليلي المكشوف، عن قضية الحسن ومعاوية - لا نجد مجالاً للتغافل عن عناصر الموضوع التي كان لها أروع الاثر في النتائج التي توخاها الحسن بن علي من صلحه مع معاوية بن أبي سفيان. ولذلك، ولما لهذه التفاصيل الحساسة الثقيلة على النفس من الاهمية القصوى لموضوعنا العام، فلابد لنا من مسايرة هذا الموضوع في سائر خطواته، حتى ينتهى بنا أو ننتهي به الى النتائج الواضحة المملاة عن مقدماتها المسلمة، بما في هذه النتائج من مجد المظلوم (الغالب) وخزاية الظالم (المغلوب)، فنقول:
1- الوفاء بالشرط الاول
كان هذا الشرط هو الشرط الوحيد الذي لمعاوية على الحسن.
فكان هو الشرط الوحيد الذي حظي بالوفاء من شروط هذه المعاهدة اطلاقاً.
ثم لا يعهد من الحسن بعد توقيعه الصلح، أي محاولة لنقض شرطه هذا ولا التحدث بذلك، ولا الرضا بالحديث عنه.
وجاءه زعماء شيعته بعد أن أعلن معاوية التخلّف عن شروطه، فعرضوا عليه - وقد رجع الى المدينة - أنفسهم واتباعهم للجهاد بين يديه، ووعده الكوفيون منهم باخلاء الكوفة من عاملها الاموي، وضمنوا له الكراع والسلاح لاعادة الكرة على الشام، فلم تهزه العواصف ولا قلقلته حوافز الانصار المتوثبين.
فقال له سليمان بن صرد، وهو اذ ذاك سيد العراق ورئيسهم - على حد تعبير ابن قتيبة عنه -: «وزعم - يعني معاوية - على رؤوس الناس ما قد سمعت: اني كنت شرطت لقوم شروطاً ووعدتهم عدات ومنيتهم أمانيّ..
فان كل ما هنالك تحت قدميَّ هاتين، وواللّه ما عنى بذلك الا نقض ما بينك وبينه، فأعد الحرب خدعة وأْذَنْ لي أشخص الى الكوفة، فأخرج عاملها منها وأُظهر فيها خلعه، وانبذ اليه على سواء، ان اللّه لا يهدي كيد الخائنين.
«ثم سكت ابن صرد، فتكلم كل من حضر مجلسه بمثل مقالته، وكلهم يقول: ابعث سليمان بن صرد وابعثنا معه، ثم الحقنا، اذا علمت انا قد أشخصنا عامله، وأظهرنا خلعه(1)».
وجاءه - ايضاً - حجر بن عدي الكندي، ومركزه القويّ في العراق مركزه، كما ستعرف قريباً.
وجاءه المسيب بن نجية، فارس مضر الحمراء كلها، اذا عدّ من أشرافها عشرة كان هو أحدهم - على حد تعبير زفر بن الحارث الكلابي عنه -.
وجاءه آخرون من نظرائهم، وكلهم لم يحظ من الحسن الا بالرّد الجميل والاستمهال الى موت معاوية، لانه صاحب عهده فيما تعاهدا عليه، ولانه كان قد درس من أحوال الكوفة في تجربته الاولى، ما أغناه عن تجارب أخرى.
وكان آخر جوابه اليهم قوله: «ليكن كل رجل منكم حلساً من أحلاس(2) بيته ما دام معاوية حياً، فان يهلك معاوية، ونحن وانتم احياء، سألنا اللّه العزيمة على رشدنا، والمعونة على أمرنا، وأن لا يكلنا الى انفسنا، فان اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون(3)».
2- الوفاء بالشرط الثاني
أجمع المؤرخون - بما فيهم المتحزبون والمستقلون - على أن العهد لذي أعطاه معاوية للحسن في شروط الصلح، هو أن لا يعهد بالامر من بعده الى أحد، ومعنى ذلك رجوع الامر من بعده الى صاحبه الشرعي، أعني الحسن بن علي فان لم يكن فللحسين أخيه، تمشياً مع مفهوم الشرط القائل بتسليم الامر محدوداً بحياته، ومفهوم سلبه صلاحية العهد الى أحد من بعده.
وأجمع المؤرخون - بعد ذلك - على أن معاوية نقض هذا العهد علناً، وعهد من بعده الى ابنه يزيد (المعروف !!!).
ولسنا الآن بصدد مناقشة معاوية على نقضه العهد بعد ميثاقه، وهو - على كل حال - جماع غلطاته التي أركسه «الصلح» فيها من حيث يدري أو لا يدري، ولكنا وقد مررنا على موقف معاوية من عهوده مراتٍ ومرات، لا نريد ان نمر هنا على تعيينه يزيد ابنه لخلافة المسلمين دون أن نقول: انه ارتكب بهذا العمل الجريء أكبر اثم في دينه، وأفظع جريمة في الصالح العام. وقد كان من أبرز النتائج، لاعمال معاوية الارتجالية الجريئة هذه، ان تنحرف قيادة الاسلام عن منهجها القويم، وان تفقد الرعية قدوتها العملية، وان تسود الاثرة، ويضطرب حبل الثقة بين الافراد والجماعات، وأن ينعدم التجاوب والتفاعل الوجداني بين القادة والاتباع. فتتوزع الميول وتتباين المقاصد، ثم لا يزال الامر يأخذ بهم سفالاً، حتى يستعد الى الثورات الدامية والانتفاضات الداخلية التي كان لابد منها لتدارك الاخطاء والتنبه على الاخطار. دع عنك ما كان يقال عن يزيد هذا، وعن قابلياته الشخصية والخلقية التي عجت بها التواريخ، من يومه الى يومنا، والتي
كان من آثارها - في حكومته - ما كان (مما لا نريد التوسع في ذكره)، وانما جل ما نريد هو التنبيه على الغلطة الكبرى التي أتاها معاوية، فتقمص بها مسؤولية الحرمات الاسلامية التي انتهكها بهذه الغلطة غير متحرج ولا متأثم.
وكان من الاساليب العجيبة التي توفر على روايتها أصدقاء الرجل فضلاً عن أعدائه، فيما لجأ اليه يوم نصب ابنه ولياً لعهد المسلمين، ما يكفينا للتأكد من وزنه كمسلم فضلاً عن وزنه كخليفة !!.. وانها لصفحة من أنكد صفحات التاريخ، وأبعدها عن «الاسلام» روحاً ومعنى وأهدافاً، ولولا أنها - بنتائجها التي تنكشف عنها في معاوية وفي المجتمع الذي كان يدور في فلك معاوية - أحد شرايين بحثنا الواسع فيما يهدف اليه هذا البحث من بيان أسرار الحسن فيما أتاه من الصلح، لاعرضنا عن ذكرها، ولكُنّا أحرص على سترها، رغم افتضاحها المكشوف مدى ثلاثة عشر قرناً.
أما الآن فسنعرض خلاصة من نصوص المؤرخين، دون ان نتعمد الشرح والتعليق في الاثناء، لان هذه النصوص بذاتها غنية عن الشرح والتعليق.
______________________________
(1) ابن قتيبة (ج 1: ص 151).
(2) فلان حلس بيته يعني (ملازم بيته لا يبرحه).
(3) الامامة والسياسة (ج 1 ص 152).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page