• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الكوفة ايّام البَيعة (2)

 

الكوفة ايّام البَيعة (2)

3 - الشكاكون:
ورأينا ذكر هؤلاء فيما عرضه المفيد (رحمه اللّه) من عناصر جيش الحسن عليه السلام. والذي يغلب على الظن، أن تسميتهم بالشكاكين ترجع الى تأثرهم بدعوة الخوارج من دون أن يكونوا منهم، فهم المذبذبون لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء.
ورأيت المرتضى في أماليه (ج 3 ص 93) يذكر «الشكاك» استطراداً ويلوّح بكفرهم، وكأنه فهم عنهم التشكيك بأصل الدين.
وكانوا طائفة من سكان الكوفة ومن رعاعها المهزومين، الذين لا نية لهم في خير ولا قدرة لهم على شر، ولكن وجودهم لنفسه كان شراً مستطيراً وعوناً على الفساد وآلة «مسخرة» في أيدي المفسدين.
4 - الحمراء:
وهم عشرون الفاً من مسلحة الكوفة (كما يحصيهم الطبري في تاريخه). كانوا عند تقسيم الكوفة في السبع الذي وضع فيه أحلافهم من بني عبد القيس، وليسوا منهم، بل ليسوا عرباً، وانما هم المهجّنون من موالٍ وعبيد، ولعل اكثرهم من أبناء السبايا الفارسيات اللائي اخذن في «عين التمر» و«جلولاء» من سنة 12 - 17 فهم حملة السلاح سنة 41 وسنة 61 في ازمات الحسن والحسين (عليهما السلام) في الكوفة (فتأمل).
والحمراء شرطة زياد الذين فعلوا الافاعيل بالشيعة سنة 51 وحواليها، وكانوا من اولئك الذين يحسنون الخدمة حين يغريهم السوم، فهم على الاكثر أجناد المتغلبين وسيوف الجبابرة المنتصرين.
وقويت شوكتهم بما استجابوا له من وقايع وفتن في مختلف الميادين التي مرّ عليها تاريخ الكوفة مع القرن الاول. وبلغ من استفحال امرهم في الكوفة أن نسبوها اليهم فقالوا «كوفة الحمراء».
وكان في البصرة مثل ما في الكوفة من هؤلاء المهجَّنين الحمر. وخشي زياد (وكان والي البصرة اذ ذاك) قوّتهم فحاول استئصالهم، ولكن الاحنف بن قيس منعه عما أراد.
ووهم بعض كتّاب العصر، اذ نسب هؤلاء الى التشيع، أبعد ما يكونون عنه آثاراً ونكالاً بالشيعيين وأئمتهم. ولا ننكر ان يكون فيهم أفراد رأوا التشيّع، ولكن القليل لا يقاس عليه.

* * *

وكان الى جنب هذه العناصر العدوّة في الكوفة «شيعة الحسن» وهم الاكثر عدداً في عاصمة علي عليه السلام، وفي هؤلاء جمهرة من بقايا المهاجرين والانصار، لحقوا علياً الى الكوفة، وكان لهم من صحبتهم الرسول صلى اللّه عليه وآله ما يفرض لهم المكانة الرفيعة في الناس.
وبرهن رجالات الشيعة في الكوفة على اخلاصهم لاهل البيت عليهم السلام، منذ نودي بالحسن للخلافة، ومنذ نادى - بعد خلافته - بالجهاد، وفي سائر ما استقبله من مراحل. ولو قدّر لهؤلاء الشيعة أن يكونوا - يومئذ - بمنجاة من دسائس المواطنين الآخرين، لكانوا العدّة الكافية لدرء الاخطار التي تعرّضت لها الكوفة من الشام، وكان في هذه المجموعة المباركة من الحيوية والقابلية ما لا يستطيع أحد نكرانه، ونعني بالحيوية القابليات التي تهضم المشاكل وتفهمها، وتعطيها الاهمية المطلوبة في حلولها.
وما ظنك بقيس بن سعد بن عبادة الانصاري وحُجر بن عديّ الكندي، وعمرو بن الحمِقِ الخزاعي، وسعيد بن قيس الهمداني، وحبيب بن مظاهر الاسدي، وعديّ بن حاتم الطائي، والمسيّب بن نجية، وزياد بن صعصعة، وآخرين من هذا الطراز.
اما الطوارئ المستعجلة المعاكسة، والاصابع المأجورة الهدامة، فقد كانت تعمل دائماً، لتغلب هذه القابليات، ولتغيرّ من هذا التقدير.

* * *

ولم يخف على الحسن عليه السلام ما كانت تتمخض عن لياليه الحبالى في الجوّ المسحور بشتى النزعات، والمتكهرب بشواجر الفتن والوان الدعاوات. وكان لا بدّ له - وهو في مطلع خلافته - أن يعالن الناس بخطته وأن يصارحهم عن موقفه، وأن يستملي خطته من صميم ظروفه وملابساتها في الداخل والخارج معاً.
وكان معاوية هو العدو «الخارج» الذي يشغل بال الكوفة يما يكيده لها من انواع الكيد، وبما يتمتع به من وسائل القوة والاستقرار في رقعته من بلاد الشام. وما كان معاوية بالعدو الرخيص الذي يجوز للحسن عليه السلام، أن يتغاضى عن أمره، ولا بالذي يأمن غوائله لو تغاضى عنه، وكان الحسن - في حقيقة الواقع - أحرص بشر على سحق معاوية والكيل له بما يستحق، لو أنه وجد الى ذلك سبيلاً من ظروفه.
واما في «الداخل» فقد كان أشد ما يسترعي اهتمام الامام عليه السلام موقف المعارضة المركزة، القريبة منه مكاناً، والبعيدة عنه روحاً ومعنى وأهدافاً.
ولقد عز عليه أن يكون بين ظهراني عاصمته، ناس من هؤلاء الناس، الذين استأسدت فيهم الغرائز، وأسرفت عليهم المطامع، وتفرقت بهم المذاهب، وأصبحوا لا يعرفون للوفاء معنى، ولا للدين ذمة، ولا للجوار حقاً. نشزوا بأخلاقهم، فاذا بهم آلة مسخرة للانتقاض والغدر والفساد، ينعقون مع كل ناعق ويهيمون في كل واد. ولا يكاد يلتئم معهم ميدان سياسة ولا ميدان حرب. وحسبك من هذا مثار قلق ومظنة شغب وباعث مخاوف مختلفات.
وهكذا كان للعراق - منذ القديم - قابلية غير عادية لهضم المبادئ المختلفة والانتفاضات الثورية العاتية باختلاف المناسبات.
وللحسن في موقفه الممتحن من هذه الظروف، عبقرياته التي كانت على الدوام بشائر ظفرٍ لامع، لولا ما فوجئ به من نكسات مروعات كانت تنزل على موقفه كما ينزل القضاء من السماء.
وتنبأ لكثير من الحوادث قبل وقوعها، وكان يمنعه الاحتياط للوضع، من الاصحار بنبوءته، فيلمح اليها الماحاً. وعلى هذا النسق جاءت كلمته اللبقة الغامضة، التي اقتبسها من الآي الكريم، والتي قصد لها الغموض عن ارادة وعمد، وهي قوله في خطبته الاولى - يوم البيعة -: «اني أرى ما لا ترون».
ترى، هل كان بين يديه يومئذ، الا المهرجانات النشيطة التي دلت قبل كل شيء، على عظيم اخلاص المجتمع لخليفته الجديد ؟ فما بال الخليفة الجديد لا يرى منهم الا دون ما يرون ؟.
انها النظرة البعيدة التي كانت من خصائص الحسن في سلمه وفي حربه وفي صلحه وفي سائر خطواته مع اعدائه ومع اصدقائه.

* * *

وعلى أن الموسوعات التاريخية لم تُعنَ بذكر الامثلة الكثيرة التي يصح اقتباسها كعرض تاريخيّ عن سياسة الحسن، ولا سيما في الدور الاول من عهده القصير، وهو الدور الذي سبق اعلانه الجهاد في الكوفة، فقد كان لنا من النتف الشوارد التي تسقّطناها من سيرته، ما زادنا وثوقاً ببراعته السياسية التي لا مجال للريب فيها. فقد اقتاد الوضع المترنح الذي صحب عهده من اوله الى آخره، قيادته الحكيمة التي لا يمكن أن تفضلها قيادة اخرى لمثل هذا الوضع.
وليكن من أمثلة سياسته في قيادة ظروفه قبل الحرب ما يلي:
1 - أنه وضع لبيعته صيغةً خاصة، وقبض يده عما أريد معها من قيود، وأرادها هو على السمع والطاعة والحرب لمن حارب والسلم لمن سالم. فكان عند ظن المعجبين ببلاغته الادارية، بما ذكر الحرب ولوح بالسلم فأرضى الفريقين من أحزاب الكوفة - دعاة الحرب، والمعارضين -. وكان لديه من الوضع العام (في كوفته) ما يكفيه نذيراً لاتخاذ مثل هذه الحيطة الحكيمة لوقتٍ ما.
2 - أنه زاد المقاتلة مائةً مائةً، وكان ذلك أول شيء أحدثه حين الاستخلاف، فتبعه الخلفاء من بعده عليه(12).
وللانعاش في ترفيع مخصصات الجيش سلطانه المحبَّب على النفوس، وله أثره في تأليف العدد الاكبر من الناس للخدمة في الجهاد.
وكانت ظاهرةً تحتمل الاستعداد للحرب، ولكنها - مع ذلك - غير صريحة بالتصميم عليه، ما دامت ظاهرة انعاش في عهدٍ جديد. وهي على هذا الاسلوب، من التصرفات التي تجمع الكلمة ولا تثير خلافاً، في حين أنها استعداد حكيم للمستقبل الذي قد يضطرّه الى حرب قريبة.
3 - أنه امر بقتل رجلين كانا يتجسّسان لعدوّه عليه. وهدّد بتنفيذ هذا الحكم روح الشغب التي كان يستجيب لها عناصر كثيرة في المِصرين (الكوفة والبصرة).
قال المفيد رحمه اللّه: «فلما بلغ معاوية وفاه أمير المؤمنين وبيعة الناس ابنه الحسن، دسّ رجلاً من حمير الى الكوفة، ورجلاً من بني القين الى البصرة، ليكتبا اليه بالاخبار، ويفسدا على الحسن الامور. فعرف بذلك الحسن، فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة، فأخرج، وأمر بضرب عنقه. وكتب الى البصرة باستخراج القيني من بني سليم، فأخرج وضربت عنقه(13)».
وروى أبو الفرج الاصفهاني نحواً مما ذكره المفيد، ثم قال: «وكتب الحسن الى معاوية: أما بعد فانت دسست اليَّ الرجال، كأنك تحب اللقاء، لا أشك في ذلك، فتوقعه ان شاء اللّه، وبلغني انك شمتَّ بما لم يشمت به ذوو الحجى (يشير الى ما تظاهر به معاوية من الفرح بوفاة أمير المؤمنين عليه السلام)، وانما مثَلك في ذلك كما قال الاول:

فانّا ومــــن قـــــــد مات منا لكالذي***يـــــروح ويمسي في المبيت ليغتدي
فقل للذي يبغي الخلاف الذي مضى***تجـــــهَّز لاخرى مثــــــــلها فكأن قَدِ

4 - تمهّله عن الحرب رغم الحاح الاكثرين ممن حوله على البدار اليها،
منذ تسنّمه الحكم في الكوفة.
وسنأتي في «الفصل 5» الذي ستقرؤه قريباً، على تحليل الموقف السياسي يوم ذاك، وسنرى هناك، أن هذا التمهّل المقصود كان هو التدبير الوحيد في ظرفه.
5 - استدراجه معاوية من طريق التبادل بالرسائل، الى نسيان موقفه المتأرجح الذي لم تقو على دعمه الدعاوى الفارغة الكثيرة، فاذا باضمامة من الغلطات هي أجوبة معاوية للحسن وهي التي كشفت للناس معاوية المجهول، ومهدت للحسن معذرته تجاه الرأي العام في حربه لمعاوية، واذا بمعاوية الفريق المغلوب في منطق العقلاء، وان يكن الغالب بعد ذلك في منطق القوة.
ومثلٌ واحدٌ من هذه التدابير اللبقة التي أملى فيها الحسن خطته السياسية في العهد القصير، بين وفاة أبيه عليه السلام وبين تصميمه على الحرب، كاف عن كثير.
______________________________
(12) شرح النهج لابن ابي الحديد (ج 4: ص 12).
(13) الارشاد (ص 168) والبحار وكشف الغمة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page