• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في الموقف السياسِي قبل البيعة (3)

 في الموقف السياسِي قبل البيعة (3)

أقول هذا. ولا اريد ان أتتاسى - معه - العوامل الاخرى التي شاركت «الاتجاه» - الآنف الذكر - في تكوين هذه المعارضة بموقفيها - الايجابي المسلح والسلبي الخاذل - تجاه العترة النبوية في العهد الهاشمي الكريم.
ولا أشك بان العدل الصارم، والمساواة الدقيقة في التوزيع التي كانت طابع هذا العهد، بل هي - دون ريب - طابع العهود الهاشمية مع القرن الاول، في نبوتها وفي خلافتها. - هي الاخرى التي تحسس منها الناس أو قسم من الناس، بشيء من الضيق لا يتسع للطاعة المطلقة ولا للاخلاص الحر اللذين لن ينتفع بغيرهما في ميدان سلم أو ميدان حرب.
والظروف الطارئة بمقتضياتها الزمنية التي طلعت بها على الناس خزائن الممالك المهزومة في الفتوح، والطعوم الجديدة من الحياة التي لا عهد لهؤلاء الناس بمثلها من قبل - كل ذلك، كان له أثره في خلق الحس المظلم الذي من شأنه ان يظل دائماً في الجهة المعاكسة للنور.
وفي بحران هذا «الاتجاه الخاص» الذي تعاون على تكوينه ربع قرن من السنين، يتمثل عهد علي عليه السلام في خلافته قبل بيعة الحسن في الكوفة.
والحسن من علي (عليهما السلام) كبير ولده، وولي عهده، وشريك سرائه وضرائه، يحس بحسّه ويألم بألمه. وهو - اذ ذاك - على صلة وثيقة بالدنيا التي أحاطت بابيه من قومه ومن رعيّته ومن أعدائه، فهو لا يجهلها ولا يغفل عنها، وكان ينطوي ممّا يدور حوله على شجى مكتوم، يشاركه فيه أخوه كما يشاركه في اخوّته. وكان هذا الشجى المكتوم، هو الشيء الظاهر مما خلف به هؤلاء المسلمون - يومئذ - نبيَّهم في عترته، جواباً على قوله (ص) لهم: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما !!».

* * *

وكان الحسن عليه السلام، اذ ينطوي على هذا الشجى، لا يلبث ان يستروح الامل - أحياناً - بما يجده في صحابة أبيه البهاليل من النجدة والحيوية والمفاداة وشمائل الاخلاص الذي لا تشوبه شائبة طمع في دنيا، ولا شائبة هوى في سياسة.
ومن هؤلاء، القواد العسكريون، والخطباء المفوّهون. والفقهاء والقراء والصفوة الباقية من بناة الاسلام. كانوا - بجدارة - العدة التي يستند عليها امير المؤمنين، في حربه وسلمه. وكانوا - بحق - دعامة العهد الهاشمي فيما تعرض له هذا العهد، من زلازل وزعازع واخطار.
وكانوا المسلمين الذين وفوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، فيما واثقوه عليه في ذريته، بأن يمنعوهم بما يمنعون به انفسهم وذراريهم. فلم لا يستروح الحسن بهم روائح الامل لقضية ابيه، بل لقضية نفسه.
وكانوا المؤمنين الذين آمنوا بكلمات اللّه في اهل بيت نبيهم وذوي قرباه وآمنوا بوصيّنبيهم، وبمراتبه التي رتبها اللّه له أو رتّبه لها. وفهموا علياً كما يجب أن يفهم. وعليٌّ هو ذلك البطل الذي لم يحلم المسلمون بعد رسول اللّه (ص) بمثله، اخلاصاً في الحق، وتفادياً في الاسلام، ونصحاً للمسلمين، واستقامة على العدل، واتساعاً في العلم. ولن ينقص علياً في كبرياء معانيه، جحود الآخرين فضائله ومميزاته، ولهؤلاء الآخرين من مطامعهم واهوائهم شغل شاغل يملأ فراغ نفوسهم. وما في ملاكات علي عليه السلام متسع للاهواء والمطامع. فليكن هؤلاء - دائماً - في الملاكات البعيدة عن علي، وليكونوا في المعسكر الذي يقوم على المساومة بالمال والولايات..
وليكن مع علي زمرته المنخولة تلك، المسلمة اسلامها الصحيح امثال عمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وحذيفة بن اليمان، وعبد اللّه وعبد الرحمن ابني بديل، ومالك بن الحارث الاشتر، وخباب بن الارت، ومحمد بن ابي بكر، وابي الهيثم بن التيهان، وهاشم بن عتبة ابن ابي وقاص (المرقال)، وسهل بن حنيف، وثابت بن قيس الانصاري، وعقبة بن عمرو، وسعد بن الحارث بن الصمة، وابي فضالة الانصاري، وكعب بن عمرو الانصاري، وقرضة بن كعب الانصاري، وعوف بن الحارث بن عوف، وكلاب بن الاسكر الكناني، وابي ليلى بن بليل.... واضراب هؤلاء من قادة الحروب وأحلاس المحاريب، الذين انكروا الظلم، واستعظموا البدع، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتسابقوا الى الموت في سبيل اللّه، استباق غيرهم الى المطامع في سبيل الدنيا.
ومن الخير، أن ننبّه هنا، الى ان جميع هذه الصفوة المختارة كانت قد استشهدت في ميادين علي عليه السلام، وان ثلاثاً وستين بدرياً استشهد معهم في صفين(1) وحدها، وان أضعاف هذه الاعداد كانت خسائر الحروب المتعاقبة مدى ثلاث سنوات.
فما ظنك الآن، بذلك الامل الذي كان يداعب الحسن عليه السلام بوجود الانصار، وهل بقي للحسن - بعد هذا - الا الشجى المكتوم، مضاعفاً على تضاعيف الايام.
اما معسكر علي عليه السلام، فقد نكب نكبته الكبرى، حين أصحر من خيرة رجالاته، ومراكز الثقل فيه.
واما دنيا علي عليه السلام، فقد عادت لسقيا الغصص وشرب الرنق - على حد تعبيره هو فيما ندب به أصحابه عند مصارعهم -.
وتلفّت عليّ الى آفاقه المترامية التي تخضع لامره، فلم يجد بين جماهيرها المتدافعة، من ينبض بروح اولئك الشهداء، أو يتحلى بمثل مزاياهم، اللهم الا النفر الاقل الذي لا يناط به أمل حرب ولا أمل سلم.
ولولا قوة تأثيره في خطبه، وعظيم مكانته في سامعيه، لما تألف له - بعد هؤلاء - جيش، ولا قامت له بعدهم قائمة.
وهكذا أسلمته ظروفه لان يكون هدف المقاطعة من بعض، وهدف العداء المسلح من آخرين، وهدف الخذلان الممقوت من الاتباع (فلا اخوان عند النجاء، ولا أحرار عند النداء).
وأيّ حياة هذه التي لا تحفل بأمل، ولا ترجى لنجاح عمل. وقد أزمع فيها الترحال عباد اللّه الاخيار، الذين باعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى، بكثير من الآخرة لا يفنى.
فسُمِعَ وهو يقول (اللهم عجل للمراديّ شقاءه) وسُمِعَ وهو يقول (فما يحبس أشقاها ان يخضبها بدم أعلاها)، وسُمِعَ وهو يقول (أما واللّه لوددت ان اللّه أخرجني من بين أظهركم وقبضني الى رحمته من بينكم).
وسلام عليه يوم وُلِد. ويوم سبق الناس الى الاسلام. ويوم صنع الاسلام بسيفه. ويوم امتحن. ويوم مات. ويوم يبعث حياً.

* * *

وترك من بعده لولي عهده، ظرفه الزمنّي النابي، القائم على اثافيّه الثلاث - فقر الأنصار. والعداء المسلَح. والمقاطعة الخاذلة.
______________________________
(1) اسم موضوع على شاطئ الفرات بين «عانة» و«دير الشعار». كان ميدان الحروب الطاحنة بين الكوفة والشام.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page