• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في الموقف السياسِي قبل البيعة (2)

 في الموقف السياسِي قبل البيعة (2)

وجاءت الاحداث - بعد ذلك - فنبهت العقول الواعية الى اخطاء القوم وصواب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.
فكانت «عملية الفصل» هذه، هي مثار الخلافات التاريخية الحمر، بين عشاق الخلافة في مختلف الاجيال، ومبعث مآسٍ فظيعة في المسلمين، ومصدر انعكاسات مزرية في مثالية الاسلام، كان المسلمون في غنى عنها لو قدّر للخلافة - من يومها الاول - ان تأخذ طريقها اللاحب الذي لا يجوز فيه اجتهاد، ولا تمسه سياسة، ولا يتصرف فيه احد غير اللّه ورسوله.
«وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امراً ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا».
وهل كان التناحر والتطاحن المديد العمر المتوارث مع الاجيال فيما بين الاسر البارزة في المسلمين، الا نتيجة فسح المجال لهذا او ذاك في الطماح الى غزو المقام الرفيع.
وهل كانت المجازر الفظيعة التي جابهها المسلمون في الفترات المختلفة من تاريخ الاسلام: بين بني هاشم وبني امية: وبين بني الزبير وبني امية: وبين بني العباس وبني امية: وبين بني علي وبني العباس... الا النتيجة
المباشرة لفصم ذلك التقليد الديني الذي احتاط به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، ليكون حائلاً دون امثال هذه المآسي والاحداث المؤسفة في الاسلام.
وهل كانت «فجائع العترة» الفريدة من نوعها - بالقتل والصلب والسبي والتشريد - الا اثر الخطأة الاولى، التي خولفت بها سياسة النبي (ص) فيما اراده لامته ولعترته، وفيما حفظ به امته وعترته جميعاً، لو انهم اطاعوه فيما اراد.
ولكنهم جهلوا مغزى هذه السياسة البعيدة النظر، فكرهوا اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد، انصهاراً بسياسة اخرى.
وكانت هي المعذرة الظاهرة التي لم يجدوا غيرها معذرة يبوحون بها للناس. اما معذرتهم الباطنة، فلا يعلم بها الا العالم ببواطن الامور وهي على الاكثر لا تعدو الذكريات الدامية في حروب الدعوة الاسلامية، أو الحسد الذي «يأكل الدين كما تأكل النار الحطب» - كما في الحديث الشريف -.
وكان حب الرياسة وشهوة الحكم، شر أدواء الناس وبالاً على الناس، وأشدها استفحالاً في طباع الاقوياء من زعماء ومتزعمين.
وما النبوة ولا الامامة بما هما - منصب إلهي - من مجالات السياسة بمعناها المعروف، وكل سياسة في النبوة أو في شيء من ذيولها الادارية، فهو دين والى الدين. والمرجع الوحيد في كل ذلك، هو صاحب الدين نفسه، وكلمته هي الفصل في الموضوع.

* * *

ولكي تتفق معي على مسيس اتصال هذه المناسبة بموضوعنا اتصالاً وشيجاً، عليك ان تتطلع الى اللغة المتظلمة الناقمة التي ينكشف عنها الحسن بن علي عليهما السلام في هذا الشأن، بما كتبه الى معاوية، ابان البيعة له في الكوفة. قال:
«فلما توفي - يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم - تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته واسرته واولياؤه، ولا يحل لكم ان تنازعونا سلطان محمد وحقه. فرأت العرب ان القول ما قالت قريش وان الحجة في ذلك لهم على من نازعهم في امر محمد. فأنعمت لهم وسلمت اليهم، ثم حاججنا(1) نحن قريشاً بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش انصاف العرب لها. انهم أخذوا هذا الامر دون العرب بالانصاف والاحتجاج، فلما صرنا اهل بيت محمد واولياءه الى محاجتهم، وطلب النصف منهم، باعونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا. فالموعد اللّه وهو الولي النصير.
«ولقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا، وسلطان بيتنا. واذ كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الاسلام، أمسكنا عن منازعتهم، مخافة على الدين ان يجد المنافقون والاحزاب في ذلك مغمزاً يثلمون به، أو يكون لهم بذلك سبب الى ما أرادوا من افساده.
«فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الاسلام محمود، وانت ابن حزب من الاحزاب، وابن أعدى قريش لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، ولكتابه. والله حسيبك فسترد عليه وتعلم لمن عقبى الدار !!»(2).
وهكذا نجد الحسن عليه السلام، يعطف - بالفاء - عجبه من توثب معاوية على تعجبه لتوثب الاولين عليهم في حقهم وسلطان بيتهم. ومن هنا تنبثق مناسبة اتصال قضيته بقضايا الخلائف السابقين، وتنبثق معها مناسبات اخرى. بعضها للاخوين. وبعضها للابوين. وبعضها للحق العام.
وما نحن بالذاكرين شيئاً منها هنا، لانا لا نريد ان نتصل بهذه البحوث، في سطورنا هذه، الا بمقدار ما تتصل هي بالصميم من موضوعنا.

* * *

وعلمنا ان الرشاقة السياسية البارعة التي ربحت الموقف بعد وفاة رسول اللّه (ص) في لحظات، والتي سماها كبير من اقطابها «بالفلتة» وسماها معاوية «بالابتزاز للحق والمخالفة على الامر(3)»، كانت بنجاحها الخاطف دليلاً على سبق تصميم في الجماعات التي وليت الحل والعقد هناك. فكان من السهل ان نفهم من هذا التصميم «اتجاهاً خاصاً» نحو العترة من آل محمد (ص) له اثره في حينه، وله آثاره بعد ذلك.
فكانوا المغلوبين على امرهم، والمقصيين - عن عمد - في سائر التطورات البارزة التي شهدها التاريخ يومئذ(4).
فلا الذي عهد بالخلافة قدمهم. ولا الذي حصر الخليفة في الثلاثة من الستة انصفهم. ولولا رجوع الاختيار الى الشعب نفسه مباشرة، بعد حادثة الدار، لما كان للعترة نصيب من هذا الامر على مختلف الادوار.
ثم كان لهذا «الاتجاه الخاص» أثره في خلق معارضة قوية للعهدين اللذين رجعا بامرهما الى العترة من آل محمد صلى اللّه عليه وآله.
وفي حروب البصرة وصفين فمسكن شواهد كثيرة على ما نقول.
وفي موقف ابن عمر(5) وسعد بن ابي وقاص واسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وقدامة بن مظعون وعبد اللّه بن سلام وحسان بن ثابت وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت والنعمان بن بشير.. وهم «القعّاد» الذين آثروا الحياد، واستنكفوا من البيعة لعلي ولابنه الحسن عليهما السلام شواهد اخرى.
ولهذه المعارضة ميادينها المختلفة والوانها المتعددة. ومنها المواقف السلبية النابية التي جوبه بها زعماء العترة عليهم السلام، في المدينة اولاً، وفي الكوفة اخيراً.
والا فما الذي كان يحدو علياً عليه السلام، ليقول من على منبره في الكوفة:
«يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا أحلام الاطفال وعقول ربات الحجال، أما واللّه لوددت أن اللّه أخرجني من بين أظهركم، وقبضني الى رحمته من بينكم، ووددت أني لم أركم ولم أعرفكم، فقد والله ملأتم صدري غيظاً. وجرعتموني الامرين أنفاساً. وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان..»
الى كثير مما يشبه هذا القول، مما أثر عنه في خطبه وكلماته.
اليست هي المعارضة التي زرعت نوابتها الخبيثة في كل مكان من حواضر علي عليه السلام، فأخذت على الناس التقاعس عن نصرته بشتى المعاذير.
______________________________
(1) وكان من افظع النكايات بقضية اهل البيت عليهم السلام، ان تختفي كل هاتيك المحاججات في التاريخ. ثم لا نقف منها الا على النتف الشاردة التي اغفلتها الرقابة العدوة عن غير قصد.. وهنا الذكر قول الشاعر المجدد الحاج عبد الحسين الازري:
اقرأ بعـــصرك مـــا الاهواء تكتبه***ينبئك عما جرى في سالف الحقب
(2) ابن ابي الحديد (ج 4 ص 12).
(3) تجد ذلك صريحاً فيما كتبه معاوية لمحمد بن ابي بكر. قال: «كان ابوك وفاروقه اول من ابتزه - يعني علياً عليه السلام - حقه وخالفه على امره. على ذلك اتفقا واتسقا، ثم انهما دعواه الى بيعتهما فابطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم وارادوا به العظيم. ثم انه بايع لهما وسلم لهما. واقاما لا يشركانه في امرهما، ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضهما اللّه.. - ثم اردف قائلاً -: فان يك ما نحن فيه صواباً، فابوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل ابوك من قبل، ما خالفنا ابن أبي طالب ولسلمنا اليه، ولكنا رأينا اباك فعل ذلك به من قبلنا واخذنا بمثله».. اه المسعودي على هامش ابن الاثير (ج 6 ص 78 - 79).
(4) ونجد في كلمات امير المؤمنين (ع) شواهد كثيرة على ذلك. قال: «فواللّه ما زلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً علي منذ قبض اللّه نبيه حتى يوم الناس هذا». وقال: اللهم اني استعديك على قريش ومن اعانهم، فانهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي واجمعوا على منازعتي امراً هو لي..
(5) قال المسعودي (هامش ابن الاثير ج 5 ص 178 - 179): «ولكن عبد اللّه بن عمر بايع يزيد بعد ذلك وبايع الحجاج لعبد الملك بن مروان !.» ورأى المسعودي ان يسمى هؤلاء «القعاد» بالعثمانية. ورأى ابو الفدا (ج 1 ص 171) ان يسميهم «المعتزلة» لاعتزالهم بيعة علي (ع) - اقول: وما هم بالعثمانية ولا المعتزلة ولكنهم الذين ماتوا ولم يعرفوا امام زمانهم.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page