• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سيرة الحسين (عليه السلام) قبل كربلاء(موقف من عُمر)

سيرة الحسين (عليه السلام) قبل كربلاء
17-موقف من عُمر

ومن تلك الفلتات ، حديث تضمّن موقفاً للحسين من عمر : لمّا جَلَسَ على منبر الخلافة , والحسينُ دون العاشرة من عمره . وبفرض وجوده في بيت أبيه الإمام عليّ عليه السلام ، وقد امتلأ بكلّ ما يراهُ وليدُ البيت ، أو يسمعهُ, من حديث وأحداث ، مهما كان خفيّاً أو كانت صغيرة ، ولا يُفارق ذهنه ، بل قد يقرأ الصبي ممّا حوله أكثر ممّا يقرأه الكبير من الكلمات المرتسمة على الوجوه ، ويسمعُ من النبرات أوضح المداليل التي لا تعبّر عنها أفصح الكلمات .
كيف ، والحسينُ هو الذي أهّله جدّهُ الرسول صلّى الله عليه واَله وسلّم لقبول البيعة منه ، وأهّلته أُمّه الزهراء للشهادة على أنّ فدكاً نحلتها من أبيها وهو في السابعة، عندما طلب أبو بكر منها الشهود ‍
ويكفي الحسينَ أنْ يعرفَ من خُطبة أُمّه الزهراء في مسجد رسول الله ، ومن انزواء أبيه في البيت ، طيلة أيّام الزهراء ، أنّ حقّاً عظيماً قد غُصب منهم .
مضافاً إلى أنّه يجدُ بيتهم الملتصقَ ببيت الرسول ، ولا يفصله عنه سوى الحائط ، أمّا بابُه فقد فتحهُ الله على المسجد ذاته ، لمّا أحلّ لأهله من المسجد ما لم يحلّ لأحد غيرهم ، بعد أن كان بيت فاطمة في جوف المسجد [158] [182].
إنّ الحسينَ يجد هذا البيتَ العظيم : كئيباً ، مهجوراً ، خِلْواً من الزحام ، ومن بعض الاحترام الذي كان يَفيض به ، أيام جدّه الرسول قطب رحى الإسلام ، وأبوه عليّ يدور في فلكه .
ويجدُ الحسينُ أنّ القومَ يأتمرونَ في مَراحٍ ناءٍ ، حيث الوجوه الجدُد ، قد احتلّوا كلّ شيءٍ : الأمر ، والنهي ، والمحراب ، والمنبر
وقد أبرزَ ما تكدّس على قلبه ، لمّا حضر يوماً إلى المسجد ، ورأى عمر على منبر الإسلام ، فلنسمع الموقف من حديثه: [178-180] قال عليه السلام : أتيتُ على عمر بن الخطّاب ، وهو على المنبر ، فصعدتُ إليه ، فقلتُ له : انزلْ عن منبر أبي ، واذهبْ إلى منبر أبيك
فقال عمر : لم يكنْ لأبي منبر , وأخذني ، وأجلسني معه ، فجعلتُ أُقلّبُ حصىً بيدي ، فلمّا نزل انطلق بي إلى منزله ، فقال لي : مَنْ علّمك ؟ قلتُ : ما علّمنيه أحدٌ
( قال : منبرُ أبيك والله ، منبرُ أبيك والله ، وهلْ أنبتَ على رؤوسنا الشعرَ إلاّ أنتم)(57) قال : يا بُنيَ ، لو جعلت تأتينا ، وتغشانا( 58) والحديث إلى هُنا فيه أكثر من مدلولٍ :
فصعودُ الحسين إلى عمر - وهو خليفة - على المنبر ، مُلْفتٌ للأنظار ، ومُذكرٌ بعهد الرسول صلّى الله عليه واَله وسلّم حين كان سبطاه الحسنان يتسلّقان هذه الأعواد ، ويزيدُ الرسولُ في رفعهما على عاتقه ، أو في حجره
أمّا بالنسبة إلى الخليفة فلعلّها المرّة الأُولى والأخيرة في ذلك التاريخ ، أنْ يصعد طفلٌ إليه ، فضلاً عن أن يقول له تلك المقالة ، إذ لم يسجّل التاريخ مثيلاً لكل ذلك .
وقوله لعمر : انزل عن منبر أبي , فليس النزول ، يعني - في المنظار السياسيّ - مدلوله اللغوي الظاهر ، وإنّما هو الانسحاب عن موقع الخلافة التي تَشَطّر هو وصاحبه ضرعيها ، في السقيفة ، فقدّمها إليه هناك ، حتّى يرخّصها له اليوم .
و ( منبر أبي ) فيها الدلالة الواضحة ، إذا أُريد بها الحقيقة الظاهرة ، فأبوه عليّ عليه السلام هو صاحب المنبر ، لاعتقاد الحسين بخلافة أبيه بلا ريب .
وإن أُريد بها الحقيقة الأُخرى - الماضية - فأبوه هو النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم ، فلماذا انتقل المنبرُ الذي أسّسهُ وبنى بُنيانَه ، إلى غير أهله ؟
وقوله : (اذهَبْ إلى منبر أبيك ) فيه الدلالة الفاضحة ، فالحسينُ وكلّ الحاضرين يعلمون أنّ الخطّاب أبا عمر ، لم يكن له منبرٌ ، بلْ ولا خَشَبة يصعدُ عليها أمّا عمر فقد أحْرجه الموقفُ واضطرّه - وهو على المنبر - أن يعترفَ : إنّه لم يكن للخطّاب منبر , والنتيجة المستلهَمة من هذا الاعتراف ، أنّ المنبر له أهلٌ يملكونهُ ، وأهلهُ أحقّ بالصعود عليه ، وتولّي أُموره ، فما الذي أدّى إلى تجاوزهم واستيلاء غيرهم عليه ، واستحواذه على اُموره دونهم ؟
ولكنّ عمر ، اصطحب الطفلَ ، ليجريَ معه عملية تحقيق , لسوء ظنّه ، بأنّ وراء الطفل مؤامرةً دَبَرتْ هذا الموقفَ ، واستغلّتْ طفولة الحسين ، فذهب به إلى منزله ، وقال له : مَنْ علَمك ؟ مع أنّ الحسين لا يحتاج إلى مَنْ يُعلّمه مثل تلك الحقيقة المكشوفة ، وهو يعيش في بيت يعرّفه كلّ الحقائق .
وإذا انطلت الأُمور على العامّة من الناس ، فهناكَ الكثير ممّن يأبى أنْ يتقنّع بقناع الجهل والعناد والعصبيّة المقيتة ، أو ينكر النهار المضيء
وبقيّة الحديث مثيرة أيضاً : فالحسين الذي صارحَ بالحقيقة ، وقام يؤدّي دوره في إعلانها للناس ، أخذ عمر يُطايبهُ ، فيدعوه إليه بقوله : يا بُني ، لو جعلت تأتينا فتغشانا , فيأتيه الحسينُ يوماً ، وقد خلا بمعاوية - أميره على الشام - في جلسة خاصّة ، ويُمنع الجميعُ من اقتحام الجلسة المغلقة ، حتّى ابن عمر .
فيأتي الحسينُ ، ويرجعُ ، فيطالبُه عمر ، وهُنا يعرّفه الحسينُ بأنّه أتاه فوجده خالياً بمعاوية .
لكنّ عمر يُطلق تصريحاً آخر ، صارفاً لأنظار العامة ، فيقول للحسين : أنت أحقّ بالإذن من ابن عمر , وإنّما أنبَتَ ما ترى في رؤوسنا الله ، ثمّ أنتم , ووضع يده على رأسه .
وهكذا ينتهي هذا الحديث الذي يدلّ على نباهة الحسين منذ الطفولة ، وأدائه دوره الهامّ بشجاعة هي من شأن أهل البيت ، وجرأة ورثها - في ما ورث - من جدّه الرسول صلّى الله عليه واَله وسلّم .
ولكنّ عمر ، كان احْذَقَ من أنْ تؤثّر فيه أمثال هذه المواقف ، فكان يُطوّقُ المواقف بالتصريحات ، والتصرّفات ، فبين الحين والاَخر يُطلق : لولا عليٌّ لهلك عمر.
ولمّا دوّن الديوان ، وفرض العطاء : [182] ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بَدْر لقرابتهما برسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ، ففرض لكلّ واحد منهما خمسة آلاف( 59).
وهل يبقى أثر لما يُنتقدُ به أحدٌ إذا كان في هذا المستوى من القول والعمل . لكنّ الذين اعتقدوا بخلافة عمر ، واستنّوا بسُنتّه ، وجعلوا منها تشريعاً في عرض الكتاب والسُنّة النبوية ، لم يُراعوا في الحسين حتى ما راعاه عمر

____________________________________________
(57) ما بين القوسين من مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور .
(58) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 / 127 ).
(59) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 /127).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page