سِماتُ الحُسين (عليه السلام)
6 - القوة الغيبية :
وُلِدَ الحسينُ ، ونَما وعاشَ طفولته في مهبط الملائكة ، حيث تترى صعوداً
ونزولاً على جدّه رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ترفده بالوحي ، وأنباء
السماء ، ومغيّبات الأرض .
وإذا حطّتْ طيور الوحي أو طارتْ ، فإنّ زَغَبَ أجنحتها لابُدّ أنْ يتناثر في أروقة هذا المكان ، وإنّ أهل البيت لابُدّ أنْ يحتفظوا بهذا الزغب ليجدّدوا به ذكريات الرسول والنبوّة .
والرسول نفسه قد خَصَ الحسن والحسين بتعويذين جمعَ فيهما من زغب جناح جبريل أمين الوحي ، يحملانه معهما ، ليكونا أظهر دليل على ارتباطهما بالسماء . [172] عن عبد الله بن عمر: كان علىالحسن والحسين
تعويذان فيهما من زغب جناح جبرئيل( 25 ) .
وإذا كان في التعويذ دعمٌ معنويّ ، فإنّ لجبريل موقفاً آخر مع الحسين خاصّة ، إذ كان يدعمُه مادّياً ويبثّ فيه القوّة والشجاعة ، ففي الحديث : [156] أنّ الحسنَ والحسينَ كانا يصطرعان فاطّلع عليّ على النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم وهو يقول : ويهاً الحسنَ . فقال عليّ : يا رسول الله ، على الحسين ؟
فقال : إنّ جبرئيل يقول : ويهاً الحسين( 26 ) .
إنّه من أجمل المناظر أن يلعب الصغار ببراءة الطفولة ، ولكن الأجمل من ذلك أن يكون بمشهد النبيّ الأعظم من جانب ، و جبرئيل مَلَك السماء من جانب آخر .
وإذا كان جبرئيل ينفثُ في الحسين روح القوّة والشدّة والتشجيع ، فإنّ ذلك بلا ريبٍ بأمر من السماء إذ أنّ الملائكة الكرام ( يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )[الآية 50 من سورة النحل 16 ] .
و لجبرئيل شأن آخر مع الحسين ، أعظم ، عندما كان المنبىء عن قتله وشهادته ، والمُراسِل الأوّل بأنباء السماء عن كربلاء ، بل أتى النبيَ من أرضها بتربة حمراء ، إلى آخر الحديث الذي سنذكره في الفقرة (28) .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يعرف ما تميّز به الحسين عليه السلام من
القوّة الغيبيّة التي نفثها فيه جبرئيل، فكان يشبّهه بنفسه في الشجاعة و الإقدام ويقول: [184] وأشبه أهلي بي : الحُسينُ(27).
وكان إذا تحدّث عن الحرب يقول : [185] وأمّا أنا وحُسين ، فنحن منكم وأنتم منّا( 28).
وهو البطل المقدام الذي لا تنكر ضرباته ، ولا تفلّ عزماته .
والإمام الحسنُ عليه السلام يُعلن عن شدّة الحسين وصلابته حين قال له : [187 ] أي أخ، والله، لوددتُ أنّ لي بعض شدّة قلبك(29)
____________________________________
(25 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 125).
(26 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (122/7) .
( 27) و ( 28 ) و ( 29 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 /-128).