• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حديث الأهليلجة

حديث الأهليلجة[1]

إن هذا الحديث الجليل والكتاب الشريف الذي كتبه الامام الصادق «ع» إلى تلميذه المفضل بن عمر الجعفي في إثبات التوحيد ، لحديث طويل لا يسعه هذا المختصر ، ولكنا قد إقتطفنا منه جزءاً يسيراً مما هو محل شاهدنا للاستدلال على كامل معرفته «ع» بالعقاقير ومنافعها وأضرارها وأنواعها ومنابتها وطرق إستعمالها بما لم يعرفها أطباء عصره ولم يدركها ذوو الفن من المشتغلين بها على أنه عليه السلام كان قد ذكرها طي كلامه عن التوحيد ولم يقصد بيانها مفصلاً وهذا مما يوضح لكل منصف عارف مالدى الإمام من العلم الكامل بهذا الفن علماً أخذه عن أجداده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوراثة لا عن تعليم معلم أو تدريس أستاذ وإليك ما إقتطفناه منه .
كتب المفضل بن عمر الجعفي إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق «ع» يعلمه أن أقواماً ظهروا من أهل هذه الملة يجحدون بالربوبية ويجادلون على ذلك ويسأله أن يرد على قولهم ليحتج عليهم بما إدعوا به .
فكتب أبوعبدالله «ع» إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد وفقنا الله وإياك لطاعته وأوجب لنا بذلك رضوانه ورحمته . وصل كتابك تذكر فيه ما ظهر في ملتنا وذلك من قوم أهل الالحاد بالربوبية قد كثرت عدتهم واشتدت خصومتهم ، وتسأل أن أصنع الرد عليهم والنقض لما في أيديهم كتاباً على نحو ما رددت على غيرهم من أهل البدع والاختلاف ونحن نحمد الله على النعم السابغة والحجج البالغة والبلاء المحمود عند الخاصة والعامة ( إلى أن يقول عليه السلام ) ولعمري ما أتى الجهال من قبل ربهم وأنهم ليرون الدلالات الواضحات والعلامات البينات في خلقهم وما يعاينون في ملكوت السماوات والأرض والصنع العجيب المتقن الدال على الصانع ، ولكنهم قوم فتحوا على أنفسهم أبواب المعاصي وسهلوا لها سبيل الشهوات ، فغلبت الأهواء على قلوبهم واستحوذ الشيطان بظلمهم عليهم ، وكذلك يطبع الله على قلوب المفسدين .
وقد وافاني كتابك ورسمت لك كتاباً كنت نازعت فيه بعض أهل الأديان من أهل الأنكار وذلك أنه :
كان يحضرني طبيب من بلاد الهند وكان لا يزال ينازعني في رأيه ويجادلني عن ضلالته فبينما هو يوماً يدق اهليلجه ليخلطها بدواء إحتاج إليه من أدويته إذ عرض له شيء من كلامه الذي لم يزل ينازعني فيه من إدعائه أن الدنيا لم تزل ولاتزال شجرة تنبت وأخرى تسقط ونفس تولد وأخرى تتلف ، وزعم أن إنتحال المعرفة لله تعالى دعوى لا بينة لي عليها ولا حجة لي فيها ، وأن ذلك أمر أخذه الآخر عن الأول والأصغر عن الأكبر ، وأن الأشياء المختلفة والمؤتلفة والظاهرة والباطنة إنما تعرف بالحواس الخمس . فاخبرني بم تحتج في معرفة ربك الذي تصف قدرته وربوبيته وإنما يعرف القلب الأشياء كلها بالآلات الخمس
إلى آخر ما يسوقه من إعتراض الطبيب وجواب الإمام «ع» من البراهين العقلية والدلائل الحسية التي أفحمته حتى جعلته يقر بالربوبية والوحدانية لله تعالى و قد أعرضنا عنها كلها عدا ما هو الشاهد لنا على إثبات ما للامام «ع» من معرفة خواص الأدوية ومنافع العقاقير ومضارها في عصر لم يدركها فيه غيره حتى الاخصائيين منهم بمعرفتها . وإليك محل الشاهد من الحديث :

قال الامام الصادق «ع» لذلك الطبيب :
فاعطني موثقاً إذا أنا أعطيتك من قبل هذه الاهليلجة التي بيدك وما تدعى من الطب الذي هو صناعتك وصناعة آبائك وأجدادك وما يشابهها من الأدوية لتذعنن للحق ولتنصفن من نفسك . قال : ذلك لك ، قلت : هل كان الناس على حال وهم لا يعرفون الطب ومنافعه من هذه الاهليلجة وأشباهها . قال : نعم ، قلت : فمن أين اهتدوا ؟ قال بالتجربة والمقايسة ، قلت : فكيف خطر على أوهامهم حتى هموا بتجربته ، وكيف ظنوا أنه مصلحة للاجسام وهم لايرون فيه إلا المضرة ، وكيف عرفوا فعزموا على طلب مايعرفون مما لاتدلهم عليه الحواس ؟ قال : بالتجربة ، قلت : إخبرني عن واضع هذا الطب وواصف هذه العقاقير المتفرقة بين المشرق والمغرب هل كان بدمن أن يكون الذي وضع ذلك ودل على هذه العقاقير رجل حكيم من أهل هذه البلدان ؟ قال لابد أن يكون كذلك وأن يكون رجلاً حكيماً وضع ذلك وجمع عليه الحكماء فنظروا في ذلك وفكروا فيه بعقولهم . قلت : كأنك تريد الانصاف من نفسك والوفاء بما أعطيت من ميثاقك فاعلمني كيف عرف الحكيم ذلك ؟ وهبه عرف ما في بلاده من الدواء كالزعفران الذي بأرض فارس مثلاً . أتراه إتبع جميع نبات الأرض فذاقه شجرة شجرة حتى ظهر على جميع ذلك ، وهل يدلك عقلك على ان رجالا حكماء قدروا على ان يتبعوا جميع بلاد فارس ونباتها شجرة شجرة حتى عرفوا ذلك بحواسهم وظهروا على تلك الشجرة التي يكون فيها خلط بعض هذه الأدوية التي لم تدرك حواسهم شيئاً منها ، وهبه أصاب تلك الشجرة بعد بحثه عنها وتتبعه جميع بلاد فارس ونباتها فكيف عرف أنه لا يكون دواء حتى يضم إليه الاهليلج من الهند والمصطكي من الروم والمسك من تبت والدارصين من الصين وخصى بيد ستر من التراك والافيون من مصر والصبر من اليمن والبورق من أرمينية وغير ذلك من أخلاط الأدوية وهي عقاقير مختلفة تكون المنفعة باجتماعها ولا تكون منفعتها في الحالات بغير إجتماع . أم كيف اهتدى لمنابت هذه الادوية وهي ألوان مختلفة وعقاقير متباينة في بلدان متفرقة ، فمنها عروق ومنها لحاء ومنها ورق ومنها ثمر ومنها عصير ومنها مايع ومنها صمغ ومنها دهن ومنها ما يعصر ويطبخ ومنها ما يعصر ولا يطبخ مما سمى بلغات شتى لا يصلح بعضها إلا ببعض ، ولا يصير دواء إلا باجتماعها ومنها مرائر السباع والدواب البرية والبحرية ، وأهل هذه البلدان مع ذلك متعادون مختلفون متفرقون باللغات متغالبون بالمناصبة ومتحاربون بالقتل والسبي أفترى من ذلك الحكيم نتبع هذه البلدان حتى عرف كل لغة وطاف كل وجه وتتبع هذه العقاقير مشرقاً ومغرباً آمناً صحيحاً لايخاف ولا يمرض سليماً لا يعطب حياً لا يموت هاديا لا يضل قاصداً لا يجور حافظا لا ينسى نشيطا لا يمل حتى عرف وقت أزمنتها ومواضع منابتها مع اختلاطها واختلاف صفاتها وتباين ألوانها وتفرق أسمائها ثم وضع مثالها على شبهها وصفتها ، ثم وصف كل شجرة بنباتها وورقها وثمرها وريحها وطعمها أم هل كان لهذا الحكيم بد من أن يتتبع جميع أشجار الدنيا وبقولها وعروقها شجرة شجرة وورقة ورقة شيئاً فشيئا ؟ وهبه وقع على الشجرة التي أراد ، فكيف دلته حواسه على أنها تصلح للدواء والشجر مختلف فمنه الحلو والحامض والمر والمالح فان قلت يستوصف في هذه البلدان ويعمل بالسؤال ، وأنى له أن يسأل عما لم يعاين ولم يدركه بحواسه أم كيف يهتدي إلى من يسأله عن تلك الشجرة وهو يكلمه بغير لسانه وبغير لغته والأشياء كثيرة .
وهبه فعل ، فكيف عرف منافعها ومضارها وتسكينها وتهييجها وباردها وحارها ومرارتها وحراقتها ولينها وشديدها . فلئن قلت بالظن فان ذلك لا يدرك ولا يعرف بالطبايع والحواس ، وإن قلت بالتجربة والشرب فلقد كان ينبغي له أن يموت في أول ما شرب وجرب تلك الأدوية بجهالته بها وقلة معرفته بمنافعها ومضارها وأكثرها السم القاتل . وان قلت بل طاف في كل بلد وأقام في كل أمة يتعلم لغاتهم ويجرب أدويتهم بقتل الأول فالاول منهم ما كان ليبلغ معرفته الدواء الواحد إلا بعد قتل قوم كثير ، فما كان أهل تلك البلدان الذين قتل منهم ماقتل بتجربته بالذين يتفادون اليه بالقتل ولايدعونه يجاورهم . وهبه تتبع هذا كله وأكثره سم قاتل أن زيد على قدره قتل وان نقص عن قدرة بطل ، وهبه تتبع هذا كله وطاف مشارق الارض ومغاربها وطال عمره فيها بتتبعه شجرة شجرة وبقعة بقعة كيف كان له تتبع مالم يدخل في ذلك من مرارة الطير والسباع ودواب البحر هل كان بد حيث زعمت أن ذلك الحكيم تتبع عقاقير الدنيا شجرة شجرة حتى جمعها كلها فمنها مالا يصلح ولا يكون دواء إلا بالمرار هل كان بد من أن يتتبع جميع طير الدنيا وسباعها ودوابها دابة دابة وطائراً طائراً يقتلها ويجرب مرارها كما بحث في تلك العقاقير على مازعمت بالتجارب ، ولو كان ذلك فكيف بقيت الدواب وتناسلت وليست بمنزلة الشجرة إذا قطعت شجرة نبتت أخرى وهبه أتى على طير الدنيا كيف يصنع بما في البحر من الدواب التي كان ينبغي أن يتتبعها بحراً بحراً ودابة دابة حتى أحاط به كما أحاط بجميع عقاقير الدنيا التي بحث عنها حتى عرفها ، فانك مهما جهلت شيئاً من هذا لاتجهل أن دواب البحر كلها تحت الماء فهل يدلك العقل والحواس على أن هذا يدرك بالبحث والتجارب قال : لقد ضيعت عليّ المذاهب فما أدري بماذا أجيبك .
فقلت سأبرهن لك بغير هذا مما هو أوضح وأبين مما اقتصصت عليك ألست تعلم أن هذه العقاقير التي منها الأدوية والمرار من الطير والسباع لا يكون دواء إلا بعد الاجتماع ؟ قال هو كذلك . قلت : فاخبرني كيف أدركت حواس هذا الحكيم الذي وضع هذه الأدوية مثاقيلها وقراريطها فانك أعلم الناس بذلك لأن صناعتك الطب ، وأنت قد تدخل في الدواء الواحد من اللون الواحد وزن أربعمائة مثقال ومن الآخر ثلاثة أو أربعة مثاقيل وقراريط فما فوق ذلك أو دونه حتى يجيء بقدر واحد معلوم إذا سقيت منه صاحب البطنة بمقدار عقد بطنه ، وإن سقيت صاحب القولنج أكثر من ذلك استطلق بطنه ، والآن فكيف أدركت حواسه على هذا ، أم كيف عرف بحواسه ان الذي يسقى لوجع الرأس لا ينحدر إلى الرجلين والانحدار أهون عليه من الصعود والذي يسقى لوجع القدمين لا يصعد إلى الرأس وهو أقرب منه ، وكذلك كل دواء يسقى صاحبه لكل عضو لا يأخذ إلا طريقه في العروق التي تسمى له وكل ذلك يصير الى المعدة ومنها يتفرق ، أم كيف لايسفل منه ما صعد ولا يصعد منه ما انحدر؟ أم كيف عرفت الحواس هذا حتى علم أن الذي ينبغي للاذن لا ينفع العين وما تنفع به العين لا يغني من وجع الاذن وكذلك جميع الأعظاء يصير كل دواء منها إلى ذلك العضو الذي ينبغي له بعينه ، فكيف أدركت العقول والحواس هذا ، وهو غائب في الجوف والعروق واللحم وفوق الجلد لايدرك بسمع ولا ببصر ولا بشم ولابلمس ولا بذوق ؟ قال : لقد جئت بما أعرف إلا أننا نقول ان الحكيم الذي وضع هذه الأدوية وأخلاطها كان إذا سقى أحداً شيئاً من هذه الأدوية فمات شق بطنه وتتبع عروقه ونظر مجاري تلك الادوية وأتى المواضع التي تلك الأدوية فيها . قلت : فاخبرني ألست تعلم أن الدواء كله إذا وقع في العروق اختلط بالدم فصار شيئاً واحداً قال: بلى . قلت : أما تعلم أن الانسان إذا خرجت نفسه برد دمه وجمد ؟ قال بلى ، قلت: فكيف عرف ذلك الحكيم دواؤه الذي سقاه المريض بعد أن صار عبيطاً ليس بأمشاج يستدل عليه بلون فيه غير لون الدم ؟ قال : لقد حملتني على مطية صعبة ما حملت على مثلها قط ولقد جئت باشياء لا أقدر على ردها . إلى آخر الحديث الطويل .
فيمضي الإمام «ع» في إستدلاله على إثبات الوحدانية والربوبية من طرق أخرى مفصلة يستدرجها من حديث الاهليلجة التي هي بين يدي الطبيب الهندي ونحن لا حاجة لنا بها في موضوعنا هذا والحديث كله منتشر في كتب الأخبار .
ولقد ظهر لنا ولكل ذي إدراك وإنصاف غير مكابر مما تقدم بعض ما لدى الامام عليه السلام من الاطلاع الواسع والمعرفة الكاملة بخواص الادوية ومنافعها ومضارها بل وكل خاصة فيها مفردة ومركبة مع معرفة منابتها وطباعها دون أن يسند ذلك إلى معلم أو طبيب أخذه منهما بل لم يعرفه كل طبيب أو عقاري في عصره أوليس ذلك علماً إلهامياً أو وراثياً عن سلفه الطاهرين والذين خصهم الله تعالى به دون ساير الخلق وجعلهم معدنه ومنبعه لانهم هم الراسخون في العلم وهم حاملوا أعباء إرشاده وتعاليمه الحكيمة .

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] البحار ج 2 ص 75 ط طهران .

في رأي الصادق (عليه السلام) أن الإنسان يعمل على تقصير عمره

الشك واليقين عند الإمام الصادق (عليه السلام)

النية والعمل في رأي الإمام الصادق (عليه السلام)

الإنسان وخلقه في رأي الإمام الصادق (عليه السلام)

نقد التاريخ عند الإمام الصادق (عليه السلام)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page