• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أولاده (إِسماعيل)

إِسماعيل

كان إِسماعيل اكبر أولاد الصادق عليه السلام، وكان شديد المحبّة له والبرّ به والاشفاق عليه(1).
حتّى أنه عليه السلام قال للمفضّل بن عمر وهو من وكلائه وخواصّ أصحابه الثقات وأبو الحسن موسى عليه السلام غلام : هذا المولود - يعني موسى الكاظم - الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه، ثمّ قال : لا تجفُ إِسماعيل(2).
إِن هذا الكلام يدلّ على صرف الإمامة عن إِسماعيل الى موسى، ولكن لمّا خشي أن يكون ذلك أيضاً صارفاً عن اكرامه قال : لا تجفُ إِسماعيل.
وقال عليه السلام : كان القتل قد كتب على إِسماعيل مرّتين فسألت اللّه تعالى في رفعه عنه فرفعه(3)، وأقواله وأعماله التي كانت تنبئ عن ذلك الحبّ والعطف كثيرة، وحتّى ظنّ قوم من الشيعة أنه القائم بعد أبيه بالإمامة لذلك البرّ وتلك الرعاية ولأنه اكبر اخوته سنّاً، واكبر الاخوة سنّاً أحد علائم الإمامة، ولكن موته أيام أبيه أزال ذلك الظن.
وأظهر الصادق عليه السلام بموت إِسماعيل عجباً، فإنه بعد أن مات وغطّي أمر بأن يكشف عن وجهه وهو مسجّى، ثمّ قبَّل جبهته وذقنه ونحره، ثمّ أمر به فكشف وفعل به مثل الأوّل، ولمّا غُسّل واُدرج في اكفانه أمر به فكشف عن وجهه ثمّ قبّله في تلك المواضع ثالثاً، ثمّ عوَّذه بالقرآن، ثمّ أمر بإدراجه.
وفي رواية اُخرى أنه اُمر المفضّل بن عمر فجمع له جماعة من أصحابه حتّى صاروا ثلاثين، وفيهم أبو بصير وحمران بن أعين وداود الرقي، فقال لداود : اكشف عن وجهه، فكشف داود عن وجه إِسماعيل، فقال : تأمّله يا داود فانظره أحيّ هو أم ميّت ؟ فقال : بل هو ميّت، فجعل يعرض على رجل رجل حتّى أتى على آخرهم، فقال : اللّهمّ اشهد، ثمّ أمر بغسله وتجهيزه، ثمّ قال : يا مفضّل احسر عن وجهه، فحسر عن وجهه، فقال : حيّ هو أم ميّت ؟ انظروه جميعكم، فقالوا : بل هو يا سيّدنا ميّت، فقال : شهدتم بذلك وتحققتموه ؟ قالوا : نعم، وقد تعجّبوا من فعله، فقال : اللّهمّ اشهد عليهم، ثمّ حُمل الى قبره فلمّا وُضع في لحده قال : يا مفضّل اكشف عن وجهه، فكشف فقال للجماعة : انظروا أحيّ هو أم ميّت ؟ فقالوا : بل ميّت يا وليّ اللّه، فقال : اللّهمّ اشهد، ثمّ أعاد عليهم القول في ذلك بعد دفنه، فقال لهم : الميّت المكفّن المحنّط المدفون في هذا اللحد من هو ؟ فقالوا : إِسماعيل ولدك، فقال اللّهمّ اشهد(4).
قد يعجب المرء من إِصرار الإمام على أن يعرف الناس موت إِسماعيل حتّى لا تبقى شبهة ولا ريب بموته، ولكن لا عجب من أمر الإمام العالم بما سيحدث في هذا الشأن، إِنه يعلم أن قوماً سيقولون بإمامته لأنه الأكبر زعماً منهم أنه لم يمت، فما فعل ذلك إِلا ليقيم الحجّة عليهم، وقد كشف بنفسه عليه السلام عن هذا السّر، فإنه قال بعد أن وُضع إِسماعيل في لحده وأشهد القوم على موته : فإنه سيرتاب المبطلون، يريدون إِطفاء نور اللّه، ثمّ أومى الى موسى عليه السلام، ولمّا أن دُفن إِسماعيل وأشهدهم أخذ بيد موسى فقال : هو حقّ والحقّ معه الى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها(5).
وظهر على الصادق الحُزن الشديد حين حضر إِسماعيل الموت وسجد سجدة طويلة، ثمّ رفع رأسه فنظر الى إِسماعيل قليلاً ونظر الى وجهه، ثمّ سجد اُخرى أطول من الاُولى، ثمّ رفع رأسه فغمضه وربط لحييه وغطّى عليه ملحفته، ثمّ قام ووجهه قد دخله شيء عظيم حتّى أحسّ ذلك منه من رآه، وعلى أثر ذلك دخل المنزل فمكث ساعة، ثمّ خرج على القوم مدهناً مكتحلاً وعليه ثياب غير التي كانت عليه، ووجهه قد تسرّى عنه ذلك الأثر من الحزن فأمر ونهى، حتّى اذا فرغ من غسله دعا بكفنه فكتب في حاشيته : إِسماعيل يشهد أن لا إِله إِلا اللّه(6).
فتعجّب الناس من انقلاب حاله وذهاب ذلك الحُزن الشديد فبدر اليه بعض أصحابه قائلاً : جعلت فداك لقد ظننا أننا لا ننتفع بك زماناً لما رأيناه من جزعك، فقال عليه السلام : إِنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فاذا نزلت صبرنا.
وقدّم لأصحابه المائدة وعليها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ودعاهم الى الأكل وحثّهم عليه، ولا يرون للحزن أثراً على وجهه، فقيل له في ذلك، فقال : وما لي لا اكون كما ترون وقد جاء في خبر أصدق الصادقين : إِنّي ميّتٌ وإِيّاكم.
ولكنه لمّا حُمل ليدفن تقدم سريره بغير حذاء ولا رداء، وهذا أعظم شعار للحزن، وكان يأمر بوضع السرير على الأرض يكشف عن وجهه يريد بذلك تحقيق موته لدى الناس، فعل ذلك مراراً الى أن انتهوا به الى قبره(7).
ولمّا فرغ من دفنه جلس والناس حوله وهو مُطرق، ثمّ رفع رأسه فقال : أيها الناس إِن هذه الدنيا دار فراق، ودار التواء، لا دار استواء على أن لفراق المألوف حرقة لا تُدفع، ولوعة لا تُرد، وإِنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحّة الفكرة، فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه، ومن لم يقدم ولداً كان هو المقدم دون الولد، ثمّ تمَثل بقول أبي خراش الهذلي :
ولا تحسبن أني تناسيت عهده***ولكن صبري يا اميم جميل(8)
ولمّا مات إِسماعيل استدعى الصادق عليه السلام بعض شيعته وأعطاه دراهم وأمره أن يحجّ بها عن ابنه إِسماعيل، وقال له : إِنك اذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب ولإسماعيل سهم واحد(9).
ومات إِسماعيل بالعريض(10) وحُمِل على الرقاب الى المدينة(11) وقبره فيها معروف، وهدمه ابن السعود كما هدم قبور آبائه الأئمة في البقيع والى اليوم لم يسمح بإعادة البناء عليها.
فتلك الأعمال من الصادق عليه السلام مع ابنه إِسماعيل تدلّنا على كبير ما يحمل له من الحبّ والبرّ والعطف، وعلى ما كان عليه إِسماعيل من التقوى والفضل، ولكن هناك أحاديث قدحت في مقامه ووصمت قدسيّ ذاته، وإِني لا أراها تعادل تلك الأحاديث السالفة، بل إِن بعض الأخبار كشفت لنا النقاب عن كذب هذه الأخبار القادحة، أو انها صدرت لغايات مجهولة لنا، فمن تلك الأحاديث الكاشفة، ما رواه في الخرائج والجرائح عن الوليد بن صبيح(12) قال : جاءني رجل فقال لي : تعال حتّى اُريك ابن إِلهك(13) فذهبت معه فجاء بي الى قوم يشربون، فيهم إِسماعيل بن جعفر، فخرجت مغموماً فجئت الى الحجر فاذا إِسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بَلَّ أستار الكعبة
بدموعه، فرجعت أشتد فاذا إِسماعيل جالس مع القوم، فرجعت فاذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بَلَّها بدموعه، قال : فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال : لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثّل على صورته.
فهل يا ترى زكاة لإسماعيل أفضل من هذا الحديث، فلا بدّ إِذن من طرح الأحاديث القادحة أو حملها على غايات غير ما دلّت عليه بظاهرها، ولو كان إِسماعيل كما قدحت فيه تلك الأحاديث لما لازمه الصادق عليه السلام في الحضر والسفر، ولنحّاه كما نحّى ابنه عبد اللّه.
ولمّا مات إِسماعيل انصرف عن القول بإمامته من كان يظنّ أن الإمامة فيه بعد أبيه وحدث القول بإمامته بعد أبيه الصادق، والقائلون بإمامته يسمّون بالاسماعيليّة، وقد أشرنا الى هذه الفرقة في 1 : 52.
وذكر هنا الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد أن الذين أقاموا على حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه ولا من الرواة عنه وكانوا من الأباعد والأطراف، ولمّا مات الصادق عليه السلام انتقل فريق منهم الى القول بإمامة موسى عليه السلام بعد أبيه، وافترق الباقون فريقين، ففريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل، وقالوا بإمامة ابنه محمّد بن إِسماعيل، لظنّهم أن الامامة كانت في أبيه، وأن الإبن أحقّ بمقام الأب من الأخ، وفريق ثبتوا على حياة إِسماعيل، وهم اليوم شذّاذ لا يعرف منهم أحد يومى اليه، وهذان الفريقان يسمّيان بالاسماعيليّة، والمعروف منهم الآن من يزعم أن الامامة بعد إِسماعيل في ولده وولد ولده الى آخر الزمان.

______________________________
(1) إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : 284.
(2) الكافي، كتاب الحجّة، باب النصّ على الكاظم عليه السلام : 1/309/8.
(3) رجال الشيخ أبي علي.
(4) بحار الأنوار : 47/254.
(5) بحار الأنوار : 1/188.
(6) وما زال الناس يكتبون الشهادة على اكفان الموتى من ذلك اليوم، اقتداءً بعمل الإمام، وقد بلغني عن بعض أهل الجمود أنهم يكتبون لكل ميّت منهم : إِسماعيل يشهد...
(7) ارشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : 285.
(8) اكمال الدين : 1/163، والأمالي للشيخ الصدوق : 237.
(9) بحار الأنوار : 47/255.
(10) بضمّ أوله وفتح ثانيه، من أعمال المدينة.
(11) إرشاد الشيخ المفيد : 285.
(12) أبي العباس الكوفي، كان من رواة الصادق عليه السلام وثقاتهم وله كتاب رواه الحسن بن محبوب عن ابنه العباس عنه.
(13) يعني بالاله الصادق عليه السلام زعماً من هؤلاء أن الشيعة ترى الوهيّة الأئمة، ما اكبرها فريّة عليهم، وقد سبق منا «1/54» ما كتبناه عن معتقد الاماميّة في الامام، وهذا سوى رسالتنا «الشيعة والامامة» نعم توجد بعض الفِرق الغالية ولكن الاماميّة بل والفِرق الاُخرى الشيعية تبرأ منهم.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page