خطبة زهير بن لقين
وخرج إليهم زُهير بن القين على فرسٍ ذَنوبٍ، وهو شاكٍ في السلاح.
فقال: ياأهل الكوفة، نذارٍ لكم من عذاب الله، إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المُسلم، ونحنُ حتى الآن إخوةٌ، وعلى دينٍ واحدٍ، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهلٌ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنّا اُمّةً وأنتم اُمّة.
إنّ الله ابتلانا وإيّاكم بذريّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لينظرَ ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيدالله بن زياد، فإنّكم لاتدركون منهما إلا سوء عُمر سلطانهما، يسملان([1]) أعينكم، ويُطّعان أيديكم وأرجلكم، ويمثِّلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتِّلان أماثِلكم وقرّاءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه.
فسَبُّوه، وأثنوا على عبيدالله بن زياد، ودعوا له ، وقالوا: لانبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيدالله بن زياد سالماً.
فقال زهير: عباد الله، إنّ وِلد فاطمة عليها السلام أحقُّ بالودِّ والنصر من ابن سميّة، فإن لم تنصروهم فاُعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلُّوا بين هذا الرجل وبين يزيدٍ، فلعمري إنّه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام.
فرماه الشمر بسهم، وقال: اسكُت أسكت الله نأمَتَك([2])، أبرمتنا([3]) بكثرة كلامك.
فقال زهير: يابن البوّال على عقبيه، ما إيّاك اُخاطب، إنّما أنت بهيمةٌ، والله ما أظنُّك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
فقال الشمر: إنّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.
فقال زهير: أفبالموت تخوِّفني؟ فوالله للموتُ معه أحبُّ إليّ من الخُلدِ معكم.
ثمّ أقبل على القوم رافعاً صوته، وقال:
عباد الله، لايغرّنّكم عن دينكم هذا الجِلف([4]) الجافي وأشباهه، فوالله لاتَنالُ شفاعةُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوماً هرقوا دماء ذُرّيّته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذبَّ عن حريمهم.
فناداه رجلٌ من أصحابِه: إنّ أبا عبدالله يقول لك: أقبِلْ: فلعمري لئن كان مؤمن آل فِرعون نصحَ لقومِه وأبلغ في الدعاء، فلقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النُّصح والإبلاغ([5]).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - سَمَل يسمُل سَمْلاً عينه أي فقأها: المنجد .
[2] - النأمة: بمعنى النغمة والصوت، ويقال «اسكت الله نأمته» أي أماته. المنجد .
[3] - أبرمه: أي أملّه وأضجره. المنجد .
[4] - الجلف – بكسر الجيم – الغليظ والجافي أي الظالم . المنجد .
[5] - تاريخ الطبري: ج3، ص320 .