• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أدب الإمام الكاظم(عليه السلام)

 

أدب الإمام الكاظم(عليه السلام)

 

 

أدب المعصومين(عليهم السلام)/ أدب الإمام الكاظم(عليه السلام)                     

 

 

 

 

 

 

 

أدب الامام الكاظم (عليه السلام)

 

من الواضح أنّ إمامة الكاظم (عليه السلام) تبدأ من عام 148 ـ 183 هـ ، و هي فترة طويلة الأمد دون أدنى شك ، إلاّ أنّ الملاحظ أنّ الإمام (عليه السلام) قد تحرّك فكرياً في ظل ظروف اجتماعيّة خاصة ، أبرزها سيطرة سلاطين بني العباس على الحكم و تشبّثهم به بعد تسلّمهم لذلك خلال عقدين أو أكثر من الزمن ممّا يستتبع أن تتضخّم وسائل إرهابهم ـ في غمرة الاستقرار السياسي المؤقّت ـ حيال الأئمة الشرعيين . . . لذلك تعرّض الإمام (عليه السلام) للسجن في البصرة و بغداد ـ بعد أن استدعي من المدينة ـ و قطع شطراً كبيراً من عمره الكريم في السجن الانفرادي ، حتّى استشهد من خلال عمليّة دسّ السمّ في طعامه . . . و المهم هو أنّ طبيعة هذا المناخ الّذي كان يحياه ، تقلّل ـ دون أدنى شك ـ من إمكانات التحرّك الفكري ، . . . لكن بالرغم من ذلك نجد أنّ النصوص المأثورة عنه (عليه السلام)تحتلّ مساحة كبيرة من المبادئ الّتي رسمها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) سواء أكان ذلك في صعيد الفقه أو العقائد أو الأخلاق أو مختلف القضايا الفكريّة و الاجتماعيّة الّتي طرحها (عليه السلام) ، من خلال التوصيات ، أو كان ذلك من خلال اللقاءات المختلفة الّتي أُتيح له أن يتوفّر عليها ، حيث أنّ الرشيد مثلا أو سواه من سلاطين الدنيا يفيدون منه (عليه السلام) في مسائل متنوعة ، مثلما كان رؤساء المذاهب مثل ابن حنبل و سواه يفيدون منه أيضاً على نحو ما لحظناه لدى المعصومين (عليهم السلام) جميعاً . . .

و المهم هو : أن نعرض لنماذج من النتاج الّذي صدر عنه (عليه السلام) ، و نبدأ ذلك بالحديث عن :

فنّ الكلمة أو التوصية

تأخذ ( التوصية ) ـ كما لحظنا ـ أكثر من شكل أدبي ، حيث يمكن أن تشكّل ( حديثاً ) لا يتجاوز الفقرة أو الفقرتين ، و قد تشكل رسالة تُكتَب إلى أحد الأشخاص ، و قد تشكّل خطاباً يُوجّه إلى طرف . . . الخ .

و هناك نوع من ( التوصية ) المرتبطة بــ ( المقابلة ) أيضاً ، حيث يتّجه الإمام (عليه السلام)إلى أحد الأشخاص ، و يوجِّه إليه خطاباً أو كلمة على نحو ما لحظنا ذلك عند الإمام الصادق (عليه السلام) في كلمته الّتي وجّهها إلى ابن النعمان و سواه . . . و تتميّز مثل هذه الكلمة أو التوصية ، إمّا بوحدة الموضوع بحيث تصبّ في قضيّة خاصة ، أو بتنوّع الموضوعات ، إلاّ أنّ كلّ قسم منها يتميّز بوحدة موضوعاته الجزئيّة و تلتقي الموضوعات جميعاً بأجزائها عند مصبّ فكريّ متجانس . . .

و يعنينا من ذلك ، أن نقدّم نموذجاً من أدب الإمام الكاظم (عليه السلام) في ميدان الكلمة أو التوصية ، . . . متمثّلا في خطابه المعروف الّذي وجهه إلى هشام بن الحكم . . . و هذا الخطاب يخضع لوحدة الموضوع و هو ( التركيبة النفسيّة و العقليّة ) للإنسان ، أو سمات الشخصيّة الإسلاميّة . فمن الحقائق المعروفة في ميدان علم نفس الشخصيّة ، أنّ هناك تصنيفات متنوعة قد توفّر المعاصرون عليها بالنسبة لسمات الشخصيّة : عقلياً و نفسياً و اجتماعياً ، و هي بحوث لها أهميتها في ميدان السلوك البشري بعامة ، بيد أنّ الإمام الكاظم قدّم في هذه الكلمة أو الخطاب تصنيفاً ضخماً شاملا لكل سمات الشخصيّة : عبادياً ، عقلياً ، نفسياً ، اجتماعياً ، يُعدّ في مقدمة التصنيفات الإسلاميّة الّتي توفّر عليها المعصومون (عليهم السلام) ، . . . و أهميّة مثل هذا التصنيف تتمثّل في كونه لا يقتصر ـ كما هو شأن التصنيف الأرضي ـ على رسم السمات النفسيّة المرتبطة بالحياة الدنيا ، بل يتجاوز ذلك إلى رسم السمات الشاملة للشخصيّة ( و في مقدمتها : السمات العباديّة ) حيث لا يفصل الإسلام بين ما هو عبادي ( مثل : الإيمان ، الطاعة . . . الخ ) و بين ما هو نفسي ( مثل : الكآبة ، و ما يضادها ) أو ما هو عقلي ( مثل : الحفظ أو النسيان ) ، بل يجمعها في ( وحدة سلوكيّة ) كما سنرى . . . و المهم أنّ هذا التصنيف للسمات يظل إلى العلم أقرب منه إلى الفن ، إلاّ أنّ الإمام (عليه السلام) لم يعرض لهذا التصنيف إلاّ في سياق ( فنّي ) هو الكلمة أو التوصية الّتي تضمّنت أُسلوباً أدبياً مماثِلا لما لحظناه عند الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيته لابن النعمان ، حيث أخضع الإمام الكاظم (عليه السلام) هذه الكلمة إلى ( وحدة الموضوع ) من جانب ، ثمّ توشيحها بلغة الفنّ من جانب آخر . . .

و لنقرأ نموذجاً منها :

« يا هشام : إن كان يغنيك ما يكفيك ، فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، و إن كان لا يغنيك ما يكفيك ، فليس شي من الدنيا يغنيك . . .

يا هشام : لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها ، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم . . .

يا هشام : إنّ كلّ الناس يبصر النجوم و لكن لا يهتدي بها إلاّ من عرف مجاريها و منازلها ، و كذلك أنتم تدرسون الحكمة و لكن لا يهتدي بها منكم إلاّ مَن عمل بها . . .

يا هشام : إنّ المسيح قال للحواريين : « يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة و تذكرون شوكها و مؤونة مراقيها ، و تنسون طيب ثمرها . . . » .

يا هشام : إنّ مَثل الدنيا مَثل الحيّة : مسُّها لين و في جوفها السمّ القاتل . . .

يا هشام : مثل ماء البحر ، كلما شربَ منه العطشان ازداد عطشاً حتّى يقتله . . .

يا هشام : إنّ ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كلّه ، و إنّ ضوء الروح : العقل ، فإذا كان العبد عاقلا كان عالماً بربّه . . .إنّ الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع . . . ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه : شجّه ، و مَن خفض رأسه : استظلّ تحته و أكنه .

يا هشام : إيّاك و مخالطة الناس و الأنس بهم إلاّ أن تجد منهم عاقلا و مأموناً فأنس به و اهرب من سائرهم كهربك من السباع . . .

يا هشام : لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل . . .

يا هشام : إيّاك و الطمع . . . أمت الطمع من المخلوقين فإنّ الطمع مفتاح الذلّ . . . الخ »([1]) .

الملاحَظ في هذه التوصية احتشادها بعناصر الفنّ إيقاعياً و صورياً و لفظياً و بنائياً . . .

أمّا ( إيقاعياً ) فإنّ ( العبارة المقفاة ) و ( التوازن ) بين العبارات ، و ( التجانس ) بينها ، أمر يمكن ملاحظته بوضوح في كثير من العبارات المتقدمة .

و أمّا ( صورياً ) فإنّ النص يحتشد بعناصر ( التشبيه ) و ( الاستعارة ) و ( التمثيل ) و ( الرمز ) و ( الاستدلال ) و ( التضمين ) . . .

أنظر إلى ( التشبيهات ) التالية :

( أمت الطمع ) ( لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها ) ( استضاء الجسد كلّه ) ( الحكمة تعمر في قلب المتواضع ) . . .

و انظر إلى ( التمثيلات ) التالية :

( ضوء الروح : العقل ) ( الطمع : مفتاح الذلّ ) . . . الخ .

و انظر إلى ( الصور الاستدلاليّة ) الآتية :

( الزرع ينبت في السهل ) ( من شمخَ إلى السقف برأسه : شجّه ) . . . الخ .

و انظر أيضاً إلى ( الصور ) الّتي اقتبسها (عليه السلام) من نصوص أُخرى مثل قوله (عليه السلام) :

« يا هشام : إنّ لقمان قال لابنه : . . . يا بني : إنّ الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه . . . » .

و مثل قوله (عليه السلام) :

« يا هشام : تمثّلت الدنيا للمسيح في صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوّجت؟ فقالت : كثيراً ، قال : فكلّ طلقك؟ قالت : لا ، بل كلاّ قتلت . . . » .

إنّ أمثلة هذه ( الصور المقتبسة ) و ( الصور الإبداعيّة ) تظل سمة ملحوظة في هذا النص الّذي اقتطعنا جزءٌ منه للتدليل على فن الخطاب ، أو التوصية ، أو الكلمة المرتجلة .

و أهميّة هذه الصور تجيء من حيث كونها قد صيغت في سياق الحديث عن ( العقل ) و توظيفه ( عبادياً ) ، و حينئذ فإنّ فاعليّة الإدراك ، أو العقل من حيث شموله و عمقه و امتداداته الّتي يطالب النصّ بالتغلغل فيها و ارتياد آفاقه المختلفة ، تتطلب عنصراً صورياً يتناسب مع سعة و شمول و عمق و امتداد العقل ، فحينما يشبّه مثلا : متاع الحياة الدنيا بأنّه مثل ماء البحر و هو مالح ، إنّما يتغلغل إلى باطن الحقائق الّتي تتطلب جهداً عقلياً أو ذكاء يستطيع أن يمارس عمليات تجريد ، و اقتناص العلاقات بين الأشياء ، حتّى يدرك بأنّ الدنيا لا تحقق إشباعاً مهما كان حجم الحاجة الّتي يستهدف إشباعها ، . . . و لذلك تطلّب مثل هذا المفهوم ، تشبيهاً دقيقاً هو تشبيه الحاجات الدنيويّة بماء البحر المالح حيث يزداد الإنسان عطشاً كلما شرب منة ، بصفة أنّ الماء المالح يتسبب في توليد العطش بدلا من إطفاء العطش . . .

و هكذا سائر الصور الّتي تميّزت بكونها ( صوراً كليّة تتركب من صور جزئيّة ) و ليست صوراً جزئيّة ، لأنّ الصور الجزئيّة كالتشبيه المفرد الّذي يتألف من ظاهرتين ، لا تحقق الهدف الفكري إلاّ جزئياً ، بعكس الصور الكليّة كالنموذج المتقدم عن ( ماء البحر ) ، أو كالصورة الّتي تقول بأنّ الزرع ينبت في السهل ، و لا ينبت في الصفا ، و أنّ الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، و أنّ من يشمخ برأسه إلى السقف شجّه ، و أن من خفض رأسه استظلّ تحته . . . فهذه الصورة الكليّة المركبة من ( الزرع و علاقته بالسهل و الصفا ) و من شموخ الرأس و خفضه و علاقتهما بالاستظلال أو الجرح ، ثمّ علاقة أولئك جميعاً بالحكمة ، و بالتواضع . . . الخ ، تفسّر لنا المسوّغ الفنّي لصياغتها بهذا النحو من التركيب الصوري و من ثَم تفسّر لنا سبب اللجوء إلى العنصر ( الفنّي ) لتقديم هذه الحقائق المرتبطة بفاعليّة ( العقل ) . . . لذلك ما أن انتهى (عليه السلام) من تقرير هذه الحقائق ، حتّى اتّجه إلى التعبير العلمي الصرف في رسمه لسمات الشخصيّة الإسلاميّة ، حيث صنّفها إلى أكثر من سبعين سمة ، من نحو :

الإيمان                                                                                             و يقابله                                                                                                              الكفر

الرجاء                                                                                                                                                 و يقابله                                                                                                              القنوط

الحفظ                                                                                                                                                 و يقابله                                                                                                              النسيان

الفهم                                                                                                  و يقابله                                                                                                              الغباوة

الطاعة                                                                                             و يقابلها                                                                                                          المعصية

السهولة                                                                                    و يقابلها                                                                                                          الصعوبة  . . .الخ .

بيد أنّ الملاحظ أنّ الإمام (عليه السلام) قد صنّف هذه السمات وَفْق عنوان ( فنّي ) هو ( جنود العقل و الجهل ) ، أي جعل العقل ـ و هو ما يتضمن السمات الإيجابيّة أو الصحيّة ـ جنوداً ، و جعل الجهل ـ و هو ما يتضمن السمات السلبيّة أو الشاذة ـ جنوداً تقابلها . . . فالعنوان نفسه هو استعارة فنّيّة كما هو واضح ، كما أنّه (عليه السلام)أوضح ، بأنّ السمات الإيجابيّة تلتقي عند مصطلح هو ( الخير ) مقابل السمات السلبيّة الّتي اصطلح عليها بــ( الشرّ ) ، و أنّ الأول منهما أي الخير يُعدّ ( وزيراً للعقل ) و الآخر و هو الشر يُعدّ ( وزيراً للجهل ) . . . و هذا أيضاً تعبير ( استعاري ) كما هو واضح . . . و السرّ في صياغة مثل هذه العناوين العلميّة ( بلغة الفنّ ) ـ أي الاستعارة ـ تتمثّل في كون هذه ( السمات ) ذات علاقة بطبيعة فاعليّة ( العقل ) الّتي قلنا بأنّها تتطلب التغلغل إلى باطن الحقائق ، و هو أمر يستتبع صياغة صوريّة من تشبيه ، أو استعارة و نحوهما لتوضيح الحقائق المشار إليها . . . فبما أنّ ( العقل ) ـ و هو ممارسة السلوك الذكي الّذي يفضي إلى تحقيق توازن الإنسان و إشباع حاجاته المختلفة ـ يفتقر إلى مفردات عمليّة من السلوك ، حينئذ فإنّ استعارة ( الجنود ) تظل مناسبة لهذه المفردات ، لأنّ ( الجنود ) يستعان بهم لتحقيق النصر ، . . . و هكذا عندما يستعين الإنسان بجنود خيّرة ، حينئذ يحقق حاجاته بالنحو المطلوب . . . و العكس هو الصحيح أيضاً ، حيث إنّ استعانة الشخصيّة بجنود من ( الشرّ ) لابد أن تُفضي به إلى الهزيمة . . .

كذلك بالنسبة للاستعارة الأخرى و هى أنّ الخير وزير للعقل ، و الشر وزير للجهل ، بصفة أنّ مهمة ( الوزير ) هي تهيئة الإمكانات الّتي يتحرك ( الجنود ) من خلالها ، حيث إنّ ( الممارسة العقليّة ) تتوكّأ على ( فعل الخير ) ، و هذا ( الفعل ) بمثابة ( وزير ) يتولّى تحقيق و تطبيق و تجسيد ( أوامر العقل ) . . .

إذن : أمكننا ملاحظة السرّ الفنّي الكامن وراء صياغة هذه الحقائق العلميّة المتّصلة بسمات الشخصيّة الإسلاميّة ، وَفْق ( لغة الفنّ ) ، سواء أكان ذلك في صعيد التعريف بمجالات التحرّك العقلي عند الإنسان ـ كما لوحظ في القسم الأول من هذا النصّ الّذي خاطب هِشاماً ـ ، أو كان في صعيد التصنيف العلمي لسمات الشخصيّة ، بالنحو الّذي تقدّم الحديث عنه .

 

*     *     *

الحديث الفنّي

النموذج المتقدّم ، يجسّد كلمة أو خطاباً أو توصية توكّأت ـ كما لحظنا ـ على عناصر صوريّة و إيقاعيّة . . .

و إذا تابعنا سائر النماذج الّتي توفَّر الإمام الكاظم (عليه السلام) عليها ، لحظنا ( العنصر الفنّي ) المشار إليه يتخلل هذه النماذج ، و منها : الأحاديث الفنّيّة الّتي سبق أن كرّرنا بأنّ المعصومين (عليهم السلام) يتوفَّرون عليها أكثر من أي شكل تعبيري آخر ، و ذلك بسبب من قصرها من جانب ، و كونها خلاصة المبادئ الّتي يستهدفون توصيلها إلى الناس من جانب آخر . . .

و يمكننا ـ على سبيل المثال ـ ملاحظة الأحاديث الآتية :

« تعجُّب الجاهل من العاقل : أكثر من تعجُب العاقل من الجاهل »([2]) .

« فضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب »([3]) .

« المؤمن مثل كفّتي الميزان : كلّما زِيد في إيمانه زيد في بلائه »([4]) .

« إذا أراد اللّه بالذرة شرّاً : أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير »([5]) .

« زكاة الجسد : صيام النوافل »([6]) .

« تفقّهوا ، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة »([7]) .

« كفّارة عمل السلطان : الإحسان إلى الإخوان »([8]) .

هذه الأحاديث و سواها ، تتضمّن ـ كما هو واضح ـ عناصر إيقاعيّة و صوريّة متنوعة ، . . . إنّها جميعاً تعتمد ما هو مألوف في خبرات الناس فلا تضبُّب في الصور ، و لا التواء في الألفاظ ، و لا زخرف في العبارات ، بل يظل الوضوح و الأُلفة و العمق هو الطابع لها ، ففي تشبيه مثلا : فضل العالم العابد على من لم يكن فقيهاً ، بفضل الشمس على سائر الكواكب ، يظل متوكّئاً على ظاهرة واضحة الوضوح يخبُرها أقل الناس تجربة في الحياة ، فكل البشر يلاحظون تفوّق ضياء الشمس على الكواكب الصغيرة ، . . . و لذلك عندما يوضّح بأنّ فضل ( الفقيه العابد ) كالشمس ، بالنسبة لتفوّقه على العابد غير الفقيه : إنّما ينقل القارئ إلى تجربة واضحة في ذهنه كلّ الوضوح ، و لكنها عميقة كلّ العمق ، فالعابد غير المتفقّه يحمل فضلا دون أدنى شك لأنّه في ممارسة ( طاعة ) ، إلاّ أنّ حجم هذا الفضل يظل ( صغيراً ) محدوداً ، مثل ضوء الكواكب الصغيرة الّتي لا ترى عند سطوع الشمس عليها ، كذلك : فضل العابد الفقيه ، حيث إنّ عمله يتضخّم لدرجة يضيع من خلالها فضل العابد غير الفقيه بالقياس إلى العابد الفقيه ، . . . و حينئذ تكشف مثل هذه المقارنة الّتي تبدو بسيطة كلّ البساطة : عن مدى عمق الصورة و امتداداتها الّتي توضّح الفروق الدقيقة بين عابد فقيه و آخر غير فقيه ، بالنحو الّذي أوضحناه ، . . .

و هكذا سائر الصور من نحو ( المؤمن مثل كفّتي ميزان ) ، فهذه الظاهرة يخبُرها البشر جميعاً حتّى من لا يملك أدنى حظّ من المعرفة ، . . . و لكنها تتميز بعمق الصورة و بدلالاتها المكثّفة ، . . . فالشدائد الّتي يواجهها الإنسان من الصعب أن يتقبّلها ، نظراً لكون الإنسان ـ أساساً ـ يبحث عن تحقيق الراحة الشخصيّة ، . . . فإذا قورن بكفّة الميزان الّتي ترجح إحداها ، حينئذ فإنّ الشدائد ستخفّ و طأتها لدى الشخصيّة عندما يتحسّس بأن ثقل الربح يتحول إلى صالحه مثل كفّة الميزان الّتي تثقل لصالحه ، بحيث يطمئن إلى أنّه ( من خلال الشدائد ) سوف يربح تجارياً ( أي : يتحقّق إشباعه ) و هذا هو منتهى ما يطمح إليه الإنسان ، مادام ـ أساساً ـ يبحث عن تحقيق الراحة الشخصيّة كما قلنا . . .

إذن : تظلّ هذه الصياغات الصوريّة ـ على بساطتها ـ محتشدة بدلالات ضخمة ، تفصح عن حقيقة ـ طالما كرّرنا الحديث عنها ـ ألا و هي : إنّ المعصومين (عليهم السلام) ، لا يعنون بالفن إلاّ من حيث كونه ( وسيلة ) لهدف فكري ، بحيث إنّ السياقات هى الّتي تفرض ما إذا كان الأجدر أن يتم التعبير بلغة ( العلم ) أو التعبير بلغة ( الفنّ ) ، و إنّ التعبير الفنّي يظلّ بدوره خاضعاً لمتطلّبات السياق من حيث بساطة الصورة أو تكثيفها ، فيما لحظنا كيف أنّه (عليه السلام) في حديثه مع هشام قد اتّجه إلى عنصر ( الصورة المكثفة المتفرّعة ) بينا اتّجه في أحاديثه هنا إلى ( الصورة المفردة البسيطة ) ، و لكنّه (عليه السلام) في الحالتين يتّجه إلى توضيح أدقّ و أعمق و أشمل المفهومات الّتي يستهدف توصيلها إلى القارئ ، بالنحو الّذي لحظناه .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ تحف العقول: ص 414 ـ 425 .

[2] ـ نفس المصدر: ص 437 .

[3] ـ المجالس السنيّة: ج 2 ، ص 537 .

[4] ـ تحف العقول: ص 432 .

[5] ـ نفس المصدر: ص 426 .

[6] ـ نفس المصدر: ص 425 .

[7] ـ نفس المصدر: ص 434 .

[8] ـ المجالس السنيّة: ج2 ، ص 537 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page