• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثاني سورة البقرة آیات 164الی169


إِنَّ فى خَلْقِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلَفِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ الْفُلْكِ الَّتى تجْرِى فى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاس وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْض بَعْدَ مَوْتهَا وَ بَث فِيهَا مِن كلِّ دَابَّة وَ تَصرِيفِ الرِّيَح وَ السحَابِ الْمُسخَّرِ بَيْنَ السمَاءِ وَ الأَرْضِ لاَيَت لِّقَوْم يَعْقِلُونَ(164)

مجمع البيان ج : 1 ص : 447
القراءة
قرأ حمزة و الكسائي الريح على التوحيد و الباقون على الجمع و لم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف و لام و قرأ أبو جعفر « الرياح » على الجمع كل القرآن إلا في الذاريات و قرأ أبو عمرو و يعقوب و ابن عامر و عاصم « الرياح » في عشرة مواضع في البقرة و الأعراف و الحجر و الكهف و الفرقان و النمل و الروم في موضعين و فاطر و الجاثية و قرأ نافع اثني عشر موضعا هذه العشرة و في إبراهيم و عسق و قرأ ابن كثير في خمسة مواضع البقرة و الحجر و الكهف و أول الروم و الجاثية و قرأ الكسائي الرياح في ثلاثة مواضع في الحجر و الفرقان و أول الروم و وافقه حمزة إلا في الحجر .

الحجة
قال ابن عباس « الرياح » للرحمة و الريح للعذاب و روي أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كان إذا هبت ريح قال اللهم اجعلها رياحا و لا تجعلها ريحا و يقوي هذا الخبر قوله سبحانه و من آياته أن يرسل الرياح مبشرات و يشبه أن يكون النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إنما قصد بقوله هذا الموضع و بقوله و لا تجعلها ريحا قوله سبحانه و في عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم و قد تختص اللفظة في التنزيل بشيء فيكون أمارة له فمن ذلك أن عامة ما جاء في القرآن من قوله ما يدريك مبهم غير مبين و ما كان من لفظ ما أدريك مفسر كقوله و ما أدريك ما الحاقة و ما القارعة و ما يدريك لعل الساعة قريب قال أبو علي « و تصريف الرياح » على الجمع أولى لأن كل واحدة من الرياح مثل الأخرى في دلالتها على التوحيد و من وحد فإنه أراد الجنس كما قالوا أهلك الناس الدينار و الدرهم فأما قوله و لسليمان الريح عاصفة و إن كانت الرياح كلها سخرت له فالمراد بها الجنس و الكثرة و إن كانت قد سخرت له ريح بعينها كان كقولك الرجل و أنت تريد به العهد و أما قوله و في عاد إذ أرسلنا عليهم الريح فهي واحدة يدلك عليه قوله فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا و في الحديث نصرت بالصبا و أهلكت عاد بالدبور فهذا يدل على أنها واحدة .

اللغة
الخلق هو الإحداث للشيء على تقدير من غير احتذاء على مثال و لذلك لا يجوز إطلاقه إلا في صفات الله سبحانه لأنه لا أحد سوى الله يكون جميع أفعاله على ترتيب من غير احتذاء على مثال و قد استعمل الخلق بمعنى المخلوق كما استعمل الرضا
مجمع البيان ج : 1 ص : 448
بمعنى المرضي و هو بمنزلة المصدر و ليس معنى الصدر بمعنى المخلوق و اختلف أهل العلم فيه إذا كان بمعنى المصدر فقال قوم هو الإرادة له و قال آخرون إنما هو على معنى مقدر كقولك وجود و عدم و حدوث و قدم و هذه الأسماء تدل على مسمى مقدر للبيان عن المعاني المختلفة و إلا فالمعني بها هذا الموصوف في الحقيقة و السماوات جمع السماء و كل سقف سماء غير أنه إذا أطلق لم يفهم منه غير السماوات السبع و إنما جمعت السماوات و وحدت الأرض لأنه لما ذكر السماء بأنها سبع في قوله فسواهن سبع سموات و قوله خلق سبع سموات جمع لئلا يوهم التوحيد معنى الواحدة من هذه السبع و قوله و من الأرض مثلهن و إن دل على معنى السبع فإنه لم يجر على جهة الإفصاع بالتفصيل في اللفظ و أيضا فإن الأرض لتشاكلها تشبه الجنس الواحد الذي لا يجوز جمعه إلا أن يراد الاختلاف و ليس تجري السماوات مجرى الجنس المتفق لأنه دبر في كل سماء أمرها التدبير الذي هو حقها و الاختلاف نقيض الاتفاق و « اختلاف الليل و النهار » أخذ من الخلف لأن كل واحد منهما يخلف صاحبه على وجه المعاقبة و قيل هو من اختلاف الجنس كاختلاف السواد و البياض لأن أحدهما لا يسد مسد الآخر في الإدراك و المختلفان ما لا يسد أحدهما مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته و الليل هو الظلام المعاقب للنهار واحدته ليلة فهو مثل تمر و تمرة و النهار هو الضياء المتسع و أصله الاتساع و منه قول الشاعر :
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها
يرى قائم من دونها ما وراءها أي أوسعت و إنما جمعت الليلة و لم يجمع النهار لأن النهار بمنزلة المصدر كقولك الضياء يقع على الكثير و القليل على أنه قد جاء جمع النهار نهر على وجه الشذوذ و قال الشاعر :
لو لا الثريدان هلكنا بالضمر
ثريد ليل و ثريد بالنهر و الفلك السفن تقع على الواحد و الجمع و الفلك فلك السماء و كل مستدير فلك فإن صاحب العين قيل هو اسم للدوران خاصة و قيل بل اسم لإطباق سبعة فيها النجوم و فلكت الجارية إذا استدار ثديها و أصل الباب الدور و ما أنزل الله من السماء و قال قوم السماء يقع على السحاب لأن كل شيء علا شيئا فهو سماء له و قال علي بن عيسى قيل إن السحاب بخارات تصعد من الأرض و ذلك جائز لا يقطع به و لا مانع من صحته من دليل عقل و لا سمع و السماء السقف قال سبحانه و جعلنا السماء سقفا محفوظا فالسماء المعروفة سقف
مجمع البيان ج : 1 ص : 449
الأرض و أصله من السمو و هو العلو فالسماء الطبقة العالية على الطبقة السافلة و الأرض الطبقة السافلة و يقال أرض البيت و أرض الغرفة فهو سماء لما تحته من الطبقة السافلة و أرض لما فوقه إلا أنه صار ذلك الاسم بمنزلة الصفة الغالبة على السماء المعروفة و هذا الاسم كالعلم على الأرض المعروفة و البحر هو الخرق الواسع للماء الذي يزيد على سعة النهر و المنفعة هي اللذة و السرور أو ما أدى إليهما أو إلى واحد منهما و النفع و الخير و الحظ نظائر و قد تكون المنفعة بالآلام إذا أدت إلى لذات و الإحياء فعل الحياة و حياة الأرض عمارتها بالنبات و موتها خرابها بالجفاف الذي يمتنع معه النبات و البث التفريق و لك شيء بثثته فقد فرقته و سمي الغم بثا لتقسم القلب به و الدابة من الدبيب و كل شيء خلقه الله مما يدب فهو دابة و صار بالعرف اسما لما يركب و التصريف التقليب و صرف الدهر تقلبه و جمعه صروف و السحاب مشتق من السحب و هو جرك الشيء على وجه الأرض كما تسحب المرأة ذيلها و كل منجر منسحب و سمي سحابا لانجراره في السماء و التسخير و التذليل و التمهيد نظائر يقال سخر الله لفلان كذا إذا سهله له و سخرت الرجل إذا كلفته عملا بلا أجرة و هي السخرة و سخر منه إذا استهزأ به و الرياح أربع الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور فالشمال عن يمين القبلة و الجنوب عن يسارها و الصبا و الدبور متقابلان فالصبا من قبل المشرق و الدبور من قبل المغرب و أنشد أبو زيد :
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني
نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر فإذا جاءت الريح بين الصبا و الشمال فهي النكباء و التي بين الجنوب و الصبا الجربياء و الصبا هي القبول و الجنوب يسمى الأزيب و يسمى النعامي و الشمال يسمى محوة لا تنصرف و يسمى مسعا و نسعا و يسمى الجنوب لاقحا و الشمال حائلا قال أبو داود يصف سحابا :
لقحن ضحيا للقح الجنوب
فأصبحن ينتجن ماء الحيا قوله للقح الجنوب أي لإلقاح الجنوب و قال زهير :
جرت سنحا فقلت لها مروعا
نوى مشمولة فمتى اللقاء مشمولة أي مكروهة لأنهم يكرهون الشمال لبردها و ذهابها بالغيم فصار كل مكروه


مجمع البيان ج : 1 ص : 450
عندهم مشمولا .

المعنى
لما أخبر الله سبحانه الكفار بأن إلههم إله واحد لا ثاني له قالوا ما الدلالة على ذلك فقال الله سبحانه « إن في خلق السموات و الأرض » أي في إنشائهما مقدرين على سبيل الاختراع « و اختلاف الليل و النهار » كل واحد منهما يخلف صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر على وجه المعاقبة أو اختلافهما في الجنس و اللون و الطول و القصر « و الفلك التي تجري في البحر » أي السفن التي تحمل الأحمال « بما ينفع الناس » خص النفع بالذكر و إن كان فيه نفع و ضر لأن المراد هنا عد النعم و لأن الضار غيره إنما يقصد منفعة نفسه و النفع بها يكون بركوبها و الحمل عليها في التجارات و المكاسب « و ما أنزل الله من السماء » أي من نحو السماء عند جميع المفسرين و قيل يريد به السحاب « من ماء » يعني المطر « فأحيا به الأرض بعد موتها » أي فعمر به الأرض بعد خرابها لأن الأرض إذا وقع عليها المطر أنبتت و إذا لم يصبها مطر لم تنبت و لم يتم نباتها فكانت من هذا الوجه كالميت و قيل أراد به إحياء أهل الأرض بإحياء الأقوات و غيرها مما تحيى به نفوسهم « و بث فيها من كل دابة » أي فرق في الأرض من كل حيوان يدب و أراد بذلك خلقها في مواضع متفرقة « و تصريف الرياح » أي تقليبها بأن جعل بعضها صباء و بعضها دبورا و بعضها شمالا و بعضها جنوبا و قيل تصريفها بأن جعل بعضها يأتي بالرحمة و بعضها يأتي بالعذاب عن قتادة و روي أن الريح هاجت على عهد ابن عباس فجعل بعضهم يسب الريح فقال لا تسبوا الريح و لكن قولوا اللهم اجعلها رحمة و لا تجعلها عذابا « و السحاب المسخر » أي المذلل « بين السماء و الأرض » يصرفها كما يشاء من بلد إلى بلد و من موضع إلى موضع « لآيات » أي حججا و دلالات « لقوم يعقلون » قيل أنه عام في العقلاء من استدل منهم و من لم يستدل و قيل أنه خاص بمن استدل به لأن من لم ينتفع بتلك الدلالات و لم يستدل بها صار كأنه لا عقل له فيكون مثل قوله إنما أنت منذر من يخشاها و قوله هدى للمتقين و ذكر سبحانه الآيات و الدلالات و لم يذكر على ما ذا تدل فحذف لدلالة الكلام عليه و قد بين العلماء تفصيل ما تدل عليه فقالوا أما السماوات و الأرض فيدل تغير أجزائهما و احتمالهما الزيادة و النقصان و إنهما من الحوادث لا ينفكان عن حدوثهما ثم إن حدوثهما و خلقهما يدل على أن لهما خالقا لا يشبههما و لا يشبهانه لأنه لا يقدر على خلق الأجسام إلا القديم القادر لنفسه الذي ليس بجسم و لا عرض إذ جميع ما هو بصفة
مجمع البيان ج : 1 ص : 451
الأجسام و الأعراض محدث و لا بد له من محدث ليس بمحدث لاستحالة التسلسل و يدل كونهما على وجه الإتقان و الإحكام و الاتساق و الانتظام على كون فاعلهما عالما حكيما و أما اختلاف الليل و النهار و جريهما على وتيرة واحدة و أخذ أحدهما من صاحبه الزيادة و النقصان و تعلق ذلك بمجاري الشمس و القمر فيدل على عالم مدبر يدبرهما على هذا الحد لا يسهو و لا يذهل من جهة أنها أفعال محكمة واقعة على نظام و ترتيب لا يدخلها تفاوت و لا اختلال و أما الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس فيدل حصول الماء على ما تراه من الرقة و اللطافة التي لولاها لما أمكن جري السفن عليه و تسخير الرياح لإجرائها في خلاف الوجه الذي يجري الماء إليه على منعم منهم دبر ذلك لمنافع خلقه ليس من جنس البشر و لا من قبيل الأجسام لأن الأجسام يتعذر عليها فعل ذلك و أما الماء الذي ينزل من السماء فيدل إنشاؤه و إنزاله قطرة قطرة لا تلتقي أجزاؤه و لا تتألف في الجو فينزل مثل السيل فيخرب البلاد و الديار ثم إمساكه في الهواء مع أن من طبع الماء الانحدار إلى وقت نزوله بقدر الحاجة و في أوقاتها على أن مدبره قادر على ما يشاء من الأمور عالم حكيم خبير و أما إحياء الأرض بعد موتها فيدل بظهور الثمار و أنواع النبات و ما يحصل به من أقوات الخلق و أرزاق الحيوانات و اختلاف طعومها و ألوانها و روائحها و اختلاف مضارها و منافعها في الأغذية و الأدوية على كمال قدرته و بدائع حكمته سبحانه من عليم حكيم ما أعظم شأنه و أما بث كل دابة فيها فيدل على أن لها صانعا مخالفا لها منعما بأنواع النعم خالقا للذوات المختلفة بالهيئات المختلفة في التراكيب المتنوعة من اللحم و العظم و الأعصاب و العروق و غير ذلك من الأعضاء و الأجزاء المتضمنة لبدائع الفطرة و غرائب الحكمة الدالة على عظيم قدرته و جسيم نعمته و أما الرياح فيدل تصريفها بتحريكها و تفريقها في الجهات مرة حارة و مرة باردة و تارة لينة و أخرى عاصفة و طورا عقيما و طورا لاقحة على أن مصرفها قادر على ما لا يقدر عليه سواه إذ لو أجمع الخلق كلهم على أن يجعلوا الصبا دبورا أو الشمال جنوبا لما أمكنهم ذلك و أما السحاب المسخر فيدل على أن ممسكه هو القدير الذي لا شبيه له و لا نظير لأنه لا يقدر على تسكين الأجسام بغير علاقة و لا دعامة إلا الله سبحانه و تعالى القادر لذاته الذي لا نهاية لمقدوراته فهذه هي الآيات الدالة على أن الله سبحانه صانع غير مصنوع قادر لا يعجزه شيء عالم لا يخفى عليه شيء حي لا تلحقه الآفات و لا تغيره الحادثات و لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء و هو السميع البصير استشهد بحدوث هذه الأشياء على قدمه و أزليته و بما وسمها به من العجز و التسخير على كمال قدرته و بما ضمنها من البدائع على عجائب خلقته و فيها أيضا أوضح
مجمع البيان ج : 1 ص : 452
دلالة على أنه سبحانه المنان على عباده بفوائد النعم المنعم عليهم بما لا يقدر غيره على الإنعام بمثله من جزيل القسم فيعلم بذلك أنه سبحانه الآلة الذي لا يستحق العبادة سواه و في هذه الآية أيضا دلالة على وجوب النظر و الاستدلال و أن ذلك هو الطريق إلى معرفته و فيها البيان لما يجب فيه النظر و إبطال التقليد .
وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يحِبُّونهُمْ كَحُب اللَّهِ وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَشدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شدِيدُ الْعَذَابِ(165)
القراءة
قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب و لو ترى الذين ظلموا بالتاء على الخطاب و قرأ الباقون بالياء و كلهم قرءوا « إذ يرون العذاب » بفتح الياء إلا ابن عامر فإنه قرأ إذ يرون بالضم و قرأ أبو جعفر و يعقوب أن القوة لله و إن الله بكسر الهمزة فيهما و الباقون بفتحها .

الحجة
قال أبو علي حجة من قرأ « و لو يرى الذين ظلموا » بالياء أن لفظ الغيبة أولى من لفظ الخطاب من حيث أنه يكون أشبه بما قبله من قوله « و من الناس من يتخذ من دون الله أندادا » و هو أيضا أشبه بما بعده من قوله كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات و حجة من قرأ و لو ترى فجعل الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لكثرة ما جاء في التنزيل من قوله و لو ترى و يكون الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد به الكافة و أما فتح أن القوة فيمن قرأ بالتاء فلا يخلو من أن يكون ترى من رؤية البصر أو المتعدية إلى مفعولين فإن جعلته من رؤية البصر لم يجز أن يتعدى إلى أن لأنها قد استوفت مفعولها الذي تقتضيه و هو الذين ظلموا و لا يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى و قوله « أن القوة لله » لا يكون « الذين ظلموا » فإذا يجب أن يكون منتصبا بفعل آخر غير ترى و ذلك الفعل هو الذي يقدر جوابا للو كأنه قال و لو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لرأوا أن القوة لله جميعا و المعنى أنهم شاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز و أن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم لذلك أو شكهم فيه و مذهب من قرأ بالياء أبين لأنهم ينصبون أن بالفعل الظاهر دون المضمر و الجواب في هذا النحو يجيء محذوفا فإذا أعمل الجواب في شيء صار بمنزلة الأشياء المذكورة في اللفظ فحمل المفعول عليه
مجمع البيان ج : 1 ص : 453
يخالف ما عليه سائر هذا النحو من الآي التي حذفت الأجوبة معها لتكون أبلغ في باب التوعيد هذا كلام أبي علي الفارسي و نحن نذكر ما قاله غيره في كسر إن القوة و فتحها في الإعراب و حجة من قرأ « إذ يرون العذاب » قوله و رأوا العذاب و قوله « و إذا رءا الذين ظلموا العذاب » و حجة ابن عامر قوله « كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات » لأنك إذا بنيت هذا الفعل للمفعول به قلت يرون أعمالهم حسرات .

اللغة
الأنداد و الأشباه و الأمثال نظائر واحدها ند و قيل هي الأضداد و أصل الند المثل المناوىء و الحب خلاف البغض و المحبة هي الإرادة إلا أن فيها حذفا لا يكون في الإرادة فإذا قلت أحب زيدا فالمعنى إني أريد منافعه أو مدحه و إذا قلت أحب الله زيدا فالمعنى أنه يريد ثوابه و تعظيمه و إذا قلت أحب الله فالمعنى أريد طاعته و اتباع أوامره و لا يقال أريد زيدا و لا أن الله يريد المؤمن و لا أني أريد الله فاعتيد الحذف في المحبة و لم يعتد في الإرادة و قيل إن المحبة ليست من جنس الإرادة بل هي من جنس ميل الطبع كما تقول أحب ولدي أي يميل طبعي إليه و هذا من المجاز بدلالة أنهم يقولون أحببت أن أفعل بمعنى أردت أن أ و يقال أحبه أحبابا و حبه حبا و محبة و أحب البعير أحبابا إذا برك فلا يثور و هو كالحران في الخيل قال أبو عبيدة و منه قوله أحببت حب الخير عن ذكر ربي أي لصقت بالأرض لحب الخيل حتى فاتتني الصلاة و يرى قال أبو علي الفارسي هو من رؤية العين يدل على ذلك تعديه إلى مفعول واحد تقديره و لو يرون أن القوة لله أي لو يرى الكفار ذلك و يدل عليه قوله « إذ يرون العذاب » و الشدة قوة العقد و هو ضد الرخاوة و القوة و القدرة واحدة .

الإعراب
يجوز فتح أن من ثلاثة أوجه و كسرها من ثلاثة أوجه مع القراءة بالياء فأما الفتح ( فالأول ) أن يفتح بإيقاع الفعل عليها بمعنى المصدر و تقديره و لو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب قوة الله و شدة عذابه ( و الثاني ) أن يفتح على حذف اللام كقولك لأن القوة لله ( و الثالث ) على تقدير لرأوا أن القوة لله و أن الله شديد العذاب على الاتصال بما حذف من الجواب و أما الوجه الأول في الكسر فعلى الاستئناف و الثاني على الحكاية مما حذف من الجواب كأنه قيل لقالوا إن القوة لله و الثالث على الاتصال بما حذف من الحال كأنه قيل يقولون إن القوة لله فأما مع القراءة بالتاء فيجوز أيضا كسر أن من ثلاثة أوجه و فتحها من
مجمع البيان ج : 1 ص : 454
ثلاثة أوجه فأما الفتح ( فأولها ) أن يكون على البدل كقولك و لو ترى الذين ظلموا إن القوة لله عليهم عن الفراء و قال أبو علي و هذا لا يجوز لأن قوله إن القوة ليس الذين ظلموا و لا بعضهم و لا مشتملا عليهم ( و الثاني ) أن يفتح على حذف اللام كقولك لأن القوة ( و الثالث ) لرأيت أن القوة لله و أما الكسر مع التاء فكالكسر مع الياء قال الفراء و الاختيار مع الياء الفتح و مع التاء الكسر لأن الرؤية قد وقعت على الذين و جواب لو محذوف كأنه قيل لرأوا مضرة اتخاذهم الأنداد و لرأوا أمرا عظيما لا يحصر بالأوهام و حذف الجواب يدل على المبالغة كقولك لو رأيت السياط تأخذ فلانا لأن المحذوف يحتمل كل أمر و من قرأ « و لو يرى » بالياء فالذين ظلموا في موضع رفع بأنهم الفاعلون و من قرأ بالتاء فالذين ظلموا في موضع نصب و قوله « جميعا » نصب على الحال كأنه قيل إن القوة ثابتة لله في حال اجتماعها و هو صفة مبالغة بمعنى إذا رأوا مقدورات الله فيما تقدم الوعيد به علموا أن الله سبحانه قادر لا يعجزه شيء و قوله « يحبونهم » في موضع نصب على الحال من الضمير في يتخذ و إن كان الضمير في يتخذ على التوحيد لأنه يعود إلى من و يجوز أن يعود إليه الضمير على اللفظ مرة و على المعنى أخرى و يجوز أن يكون يحبونهم صفة لقوله « أندادا » قال أبو علي لو قلت كيف جاء إذ في قوله « إذ يرون العذاب » و هذا أمر مستقبل فالقول أنه جاء على لفظ المضي لإرادة التقريب في ذلك كما جاء و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب و إن الساعة قريب و على هذا قوله و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و من هذا الضرب ما جاء في التنزيل من قوله و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت و لو ترى إذ وقفوا على النار و لو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم .

المعنى
« و من الناس » من للتبعيض هاهنا أي بعض الناس « من يتخذ من دون الله أندادا » يعني آلهتهم من الأوثان التي كانوا يعبدونها عن قتادة و مجاهد و أكثر المفسرين و قيل رؤساؤهم الذين يطيعونهم طاعة الأرباب من الرجال عن السدي و على هذا المعنى ما روى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال هم أئمة الظلمة و أشياعهم و قوله « يحبونهم كحب الله » على هذا القول الأخير أدل لأنه يبعد أن يحبوا الأوثان كحب الله مع علمهم بأنها لا تنفع و لا تضر و يدل أيضا عليه قوله إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و معنى يحبونهم يحبون عبادتهم أو التقرب إليهم أو الانقياد لهم أو جميع ذلك كحب الله فيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) كحبكم الله أي كحب المؤمنين الله عن ابن عباس و الحسن ( و الثاني ) كحبهم الله
مجمع البيان ج : 1 ص : 455
يعني الذين اتخذوا الأنداد فيكون المعني به من يعرف الله من المشركين و يعبد معه الأوثان و يسوي بينهما في المحبة عن أبي علي و أبي مسلم ( و الثالث ) « كحب الله » أي كالحب الواجب عليهم اللازم لهم لا الواقع « و الذين آمنوا أشد حبا لله » يعني حب المؤمنين فوق حب هؤلاء و حبهم أشد من وجوه ( أحدها ) إخلاصهم العبادة و التعظيم له و الثناء عليه من الإشراك ( و ثانيها ) أنهم يحبونه عن علم بأنه المنعم ابتداء و أنه يفعل بهم في جميع أحوالهم ما هو الأصلح لهم في التدبير و قد أنعم عليهم بالكثير فيعبدونه عبادة الشاكرين و يرجون رحمته على يقين فلا بد أن يكون حبهم له أشد ( و ثالثها ) أنهم يعلمون أن له الصفات العلى و الأسماء الحسنى و أنه الحكيم الخبير الذي لا مثل له و لا نظير يملك النفع و الضر و الثواب و العقاب و إليه المرجع و الم آب فهم أشد حبا لله بذلك ممن عبد الأوثان و اختلف في معنى قوله « أشد حبا » فقيل أثبت و أدوم لأن المشرك ينتقل من صنم إلى صنم عن ابن عباس و قيل لأن المؤمن يعبده بلا واسطة و المشرك يعبده بواسطة عن الحسن و قوله « و لو يرى الذين ظلموا » تقديره و لو يرى الظالمون أي يبصرون و قيل لو يعلم هؤلاء الظالمون « إذ يرون العذاب » و الصحيح الأول كما تقدم بيانه هذا على قراءة من قرأ بالياء و من قرأ بالتاء فمعناه و لو ترى يا محمد عن الحسن و الخطاب له و المراد غيره و قيل معناه لو ترى أيها السامع أو أيها الإنسان الظالمين إذ يرون العذاب و قوله « أن القوة لله » فيه حذف أي لرأيت أن القوة لله « جميعا » فعلى هذا يكون متصلا بجواب لو و من قرأ بالياء فمعناه و لو يرى الظالمون أن القوة لله جميعا لرأوا مضرة فعلهم و سوء عاقبتهم و معنى قوله « أن القوة لله جميعا » أن الله سبحانه قادر على أخذهم و عقوبتهم و في هذا وعيد و إشارة إلى أن هؤلاء الجبابرة مع تعززهم إذا حشروا ذلوا و تخاذلوا و قد بينا الوجوه في فتح أن و كسرها فالمعنى تابع لها و دائر عليها و جواب لو محذوف على جميع الوجوه « و أن الله شديد العذاب » وصف العذاب بالشدة توسعا و مبالغة في الوصف فإن الشدة من صفات الأجسام .

النظم
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن الله سبحانه أخبر أن مع وضوح هذه الآيات و الدلالات التي سبق ذكرها أقام قوم على الباطل و إنكار الحق فكأنه قال أ بعد هذا البيان و ظهور البرهان يتخذون من دون الله أندادا .

مجمع البيان ج : 1 ص : 456
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذَاب وَ تَقَطعَت بِهِمُ الأَسبَاب(166) وَ قَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِك يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَلَهُمْ حَسرَت عَلَيهِمْ وَ مَا هُم بِخَرِجِينَ مِنَ النَّارِ(167)
اللغة
التبرؤ في اللغة و التفصي و التنزيل نظائر و أصل التبرؤ التولي و التباعد للعداوة و إذا قيل تبرأ الله من المشركين فكأنه باعدهم من رحمته للعداوة التي استحقوها بالمعصية و أصله من الانفصال و منه برأ من مرضه و برىء يبرأ برءا و براء و بريء من الدين براءة و الاتباع طلب الاتفاق في مقال أو فعال أو مكان فإذا قيل اتبعه ليلحقه فالمراد ليتفق معه في المكان و التقطع التباعد بعد اتصال و السبب الوصلة إلى المتعذر بما يصلح من الطلب و الأسباب الوصلات واحدها سبب و منه يسمى الحبل سببا لأنك تتوصل به إلى ما انقطع عنك من ماء بئر أو غيره و مضت سبة من الدهر أي ملاوة و الكرة الرجعة قال الأخطل :
و لقد عطفن على فزارة عطفة
كر المنيح وجلن ثم مجالا و الكر نقيض الفر قال صاحب العين الكر الرجوع عن الشيء و الكر الحبل الغليظ و قيل الشديد الفتل و الحسرات جمع الحسرة و هي أشد الندامة و الفرق بينها و بين الإرادة أن الحسرة تتعلق بالماضي خاصة و الإرادة تتعلق بالمستقبل لأن الحسرة إنما هي على ما فأت بوقوعه أو ينقضي وقته و الحسرة و الندامة من النظائر يقال حسر يحسر حسرا و حسرة إذا كمد على الشيء الفائت و تلهف عليه و أصل الحسر الكشف تقول حسرت العمامة عن رأسي إذا كشفتها و حسر عن ذراعيه حسرا و الحاسر الذي لا درع عليه و لا مغفر .

الإعراب
العامل في إذ قوله شديد العذاب أي وقت التبرؤ و انتصب فمتبرأ على أنه جواب التمني بالفاء كأنه قال ليت لنا كرورا فبرأ ، و كلما عطف الفعل على ما تأويله
مجمع البيان ج : 1 ص : 457
تأويل المصدر نصب بإضمار أن و لا يجوز إظهارها فيما لم يفصح بلفظ المصدر فيه لأنه لما حمل الأول على التأويل حمل الثاني على التأويل أيضا و يجوز فيه الرفع على الاستئناف أي فنحن نتبرأ منهم على كل حال و أما قوله « لو أن لنا كرة » ففي موضع الرفع لفعل محذوف تقديره لو صح أن لنا كرة لأن لو في التمني و في غيره تطلب الفعل و إن شئت قلت تقديره لو ثبت أن لنا كرة و أقول إن جواب لو هنا أيضا في التقدير محذوف و لذلك أفاد لو في الكلام معنى التمني فيكون تقديره لو ثبت أن لنا كرة فنتبرأ منهم لتشفينا بذلك و جازيناهم صاعا بصاع و هذا شيء أخرجه لي الاعتبار و لم أره في الأصول و هو الصحيح الذي لا غبار عليه و بالله التوفيق و أما العامل في الكاف من كذلك فقوله « يريهم الله » أي يريهم الله أعمالهم حسرات كذلك أي مثل تبرؤ بعضهم من بعض و ذلك لانقطاع الرجاء من كل واحد منهما و قيل تقديره يريهم أعمالهم حسرات كما أراهم العذاب و ذلك لأنهم أيقنوا بالهلاك في كل واحد منهما .

المعنى
لما ذكر الذين اتخذوا الأنداد ذكر سوء حالهم في المعاد فقال سبحانه « إذ تبرأ الذين اتبعوا » و هم القادة و الرؤساء من مشركي الإنس عن قتادة و الربيع و عطاء و قيل هم الشياطين الذين اتبعوا بالوسوسة من الجن عن السدي و قيل هم شياطين الجن و الإنس و الأظهر هو الأول « من الذين اتبعوا » أي من اتباع السفل « و رأوا » أي رأى التابعون و المتبوعون « العذاب » أي عاينوه حين دخلوا النار « و تقطعت بهم الأسباب » فيه وجوه ( أحدها ) الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها عن مجاهد و قتادة و الربيع ( و الثاني ) الأرحام التي كانوا يتعاطفون بها عن ابن عباس ( و الثالث ) العهود التي كانت بينهم يتوادون عليها عن ابن عباس أيضا ( و الرابع ) تقطعت بهم أسباب أعمالهم التي كانوا يوصلونها عن ابن زيد و السدي ( و الخامس ) تقطعت بهم أسباب النجاة عن أبي علي و ظاهر الآية يحتمل الكل فينبغي أن يحمل على عمومه فكأنه قيل قد زال عنهم كل سبب يمكن أن يتعلق به فلا ينتفعون بالأسباب على اختلافها من منزلة أو قرابة أو مودة أو حلف أو عهد على ما كانوا ينتفعون بها في الدنيا و ذلك نهاية في الإياس « و قال الذين اتبعوا » يعني الأتباع « لو أن لنا كرة » أي عودة إلى دار الدنيا و حال التكليف « فنتبرأ منهم » أي من القادة في الدنيا « كما تبرأوا منا » في الآخرة « كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم » ( أحدها ) أن المراد المعاصي يتحسرون عليها لم عملوها عن الربيع و ابن زيد و هو اختيار الجبائي و البلخي ( و الثاني ) المراد الطاعات يتحسرون عليها لم لم يعملوها و ضيعوها عن السدي
مجمع البيان ج : 1 ص : 458
( و الثالث ) ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال هو الرجل يكتسب المال و لا يعمل فيه خيرا فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا فيرى الأول ما كسبه حسرة في ميزان غيره ( و الرابع ) أن الله سبحانه يريهم مقادير الثواب التي عرضهم لها لو فعلوا الطاعات فيتحسرون عليه لم فرطوا فيه و الآية محتملة لجميع هذه الوجوه فالأولى الحمل على العموم « و ما هم بخارجين من النار » أي يخلدون فيها بين سبحانه في الآية أنهم يتحسرون في وقت لا ينفعهم فيه الحسرة و ذلك ترغيب في التحسر في وقت تنفع فيه الحسرة و أكثر المفسرين على أن الآية واردة في الكفار كابن عباس و غيره و في هذه الآية دلالة على أنهم كانوا قادرين على الطاعة و المعصية لأن ليس في المعقول أن يتحسر الإنسان على ترك ما كان لا يمكنه الانفكاك عنه أو على فعل ما كان لا يمكنه الإتيان به أ لا ترى أنه لا يتحسر الإنسان على أنه لم يصعد السماء لما لم يكن قادرا على الصعود إلى السماء .
يَأَيُّهَا النَّاس كلُوا مِمَّا فى الأَرْضِ حَلَلاً طيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطوَتِ الشيْطنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوُّ مُّبِينٌ(168)
القراءة
قرأ نافع و أبو عمرو و حمزة و أبو بكر إلا البرجمي خطوات بسكون الطاء حيث وقع و الباقون بضمها و روي في الشواذ عن علي (عليه السلام) خطؤات بضمتين و همزة و عن أبي السماك خطوات بفتح الخاء و الطاء .

الحجة
ما كان على فعلة من الأسماء فالأصل في جمعه التثقيل نحو غرفة و غرفات و حجرة و حجرات لأن التحريك فاصل بين الاسم و الصفة و من أسكنه قال خطوات فإنه نوى الضمة و أسكن الكلمة عنها طلبا للخفة و من ضم الخاء و الطاء مع الهمزة فكأنه ذهب بها مذهب الخطيئة فجعل ذلك على مثال فعله من الخطإ هذا قول الأخفش و قال أبو حاتم أرادوا إشباع الفتحة في الواو فانقلبت همزة و من فتح الخاء و الطاء فهو جمع خطوة فيكون مثل تمرة و تمرات .

اللغة
الأكل هو البلع عن مضغ و بلع الذهب و اللؤلؤ و ما أشبهه ليس بأكل في الحقيقة و قد قيل النعام تأكل الجمر فأجروه مجرى أكل الطعام و الحلال هو الجائز من
مجمع البيان ج : 1 ص : 459
أفعال العباد و نظيره المباح و أصله الحل نقيض العقد و إنما سمي المباح حلالا لانحلال عقد الحظر عنه و لا يسمى كل حسن حلالا لأنه أفعاله تعالى حسنة و لا يقال إنها حلال إذ الحلال إطلاق في الفعل لمن يجوز عليه المنع يقال حل يحل حلالا و حل يحل حلولا و حل العقد يحله حلا و أحل من إحرامه و حل فهو محل و حلال و حلت عليه العقوبة وجبت و الطيب هو الخالص من شائب ينغص و هو على ثلاثة أقسام الطيب المستلذ و الطيب الجائز و الطيب الطاهر و الأصل هو المستلذ إلا أنه وصف به الطاهر و الجائز تشبيها إذ ما يزجر عنه العقل أو الشرع كالذي تكرهه النفس في الصرف عنه و ما تدعو إليه بخلاف ذلك و الطيب الحلال و الطيب النظيف و أصل الباب الطيب خلاف الخبيث و الخطوة بعد ما بين قدمي الماشي و الخطوة المرة من الخطو يقال خطوت خطوة واحدة و جمع الخطوة خطى و أصل الخطو نقل القدم و « خطوات الشيطان » آثاره و العدو المباعد عن الخير إلى الشر و الولي نقيضه .

الإعراب
حلالا صفة مصدر محذوف أي كلوا شيئا حلالا و من في قوله « مما في الأرض » يتعلق بكلوا أو بمحذوف يكون معه في محل النصب على الحال و العامل فيه كلوا و ذو الحال قوله « حلالا » و قوله « طيبا » صفة بعد صفة .

النزول
عن ابن عباس إنها نزلت في ثقيف و خزاعة و بني عامر بن صعصعة و بني مدلج لما حرموا على أنفسهم من الحرث و الأنعام و البحيرة و السائبة و الوصيلة فنهاهم الله عن ذلك .

المعنى
لما قدم سبحانه ذكر التوحيد و أهله و الشرك و أهله أتبع ذلك بذكر ما تتابع منه سبحانه على الفريقين من النعم و الإحسان ثم نهاهم عن اتباع الشيطان لما في ذلك من الجحود لنعمه و الكفران فقال « يا أيها الناس » و هذا الخطاب عام لجميع المكلفين من بني آدم « كلوا » لفظه لفظ الأمر و معناه الإباحة « مما في الأرض حلالا طيبا » لما أباح الأكل بين ما يجب أن يكون عليه من الصفة لأن في المأكول ما يحرم و فيه ما يحل فالحرام يعقب الهلكة و الحلال يقوي على العبادة و إنما يكون حلالا بأن لا يكون مما تناوله الحظر و لا يكون لغير الآكل فيه حق و هو يتناول جميع المحللات و أما الطيب فقيل هو الحلال أيضا فجمع بينهما لاختلاف اللفظين تأكيدا و قيل معناه ما يستطيبونه و يستلذونه في العاجل و الآجل « و لا تتبعوا خطوات الشيطان » اختلف في معناه فقيل أعماله عن ابن عباس و قيل خطاياه عن مجاهد و قتادة و قيل طاعتكم إياه عن السدي و قيل آثاره عن الخليل و روي عن
مجمع البيان ج : 1 ص : 460
أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أن من خطوات الشيطان الحلف بالطلاق و النذور في المعاصي و كل يمين بغير الله تعالى و قال القاضي يريد وساوس الشيطان و خواطره و قال الماوردي هو ما ينقلهم به من معصية إلى معصية حتى يستوعبوا جميع المعاصي مأخوذ من خطو القدم في نقلها من مكان إلى مكان حتى يبلغ مقصده « إنه لكم عدو مبين » أي مظهر للعداوة بما يدعوكم إليه من خلاف الطاعة لله تعالى و اختلف الناس في المأكل و المنافع التي لا ضرر على أحد فيها فمنهم من ذهب إلى أنها الحظر و منهم من ذهب إلى أنها على الإباحة و اختاره المرتضى قدس الله روحه و منهم من وقف بين الأمرين و جوز كل واحد منهما و هذه الآية دالة على إباحة المأكل إلا ما دل الدليل على حظره فجاءت مؤكدة لما في العقل .
إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسوءِ وَ الْفَحْشاءِ وَ أَن تَقُولُوا عَلى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(169)
اللغة
الأمر من الشيطان هو دعاؤه إلى الفعل فأما الأمر في اللغة فهو قول القائل لمن دونه افعل إذا كان الآمر مريدا للمأمور به و قيل هو الدعاء إلى الفعل بصيغة أفعل و السوء كل فعل قبيح يزجر عنه العقل أو الشرع و يسمى أيضا ما تنفر عنه النفس سوء تقول ساءني كذا يسوؤني سوءا و قيل إنما سمي القبيح سوءا لسوء عاقبته لأنه قد يلتذ به في العاجل و الفحشاء و الفاحشة و القبيحة و السيئة نظائر و هي مصدر نحو السراء و الضراء يقال فحش فحشا و فحشاء و كل من تجاوز قدره فهو فاحش و أفحش الرجل إذا أتى بالفحشاء و كل ما لا يوافق الحق فهو فاحشة و قوله « إلا أن يأتين بفاحشة مبينة » معناه خروجها من بيتها بغير إذن زوجها المطلق لها و القول كلام له عبارة تنبىء عن الحكاية و ذلك ككلام زيد يمكن أن يأتي عمرو بعبارة عنه ينبىء عن الحكاية له فيقول قال زيد كذا و كذا فيكون قوله قال زيد يؤذن بأنه يحكي بعده كلام و ليس كذلك إذا قال تكلم زيد لأنه لا يؤذن بالحكاية و العلم ما اقتضى سكون النفس و قيل هو تبين الشيء على ما هو به للمدرك له .

المعنى
لما قدم سبحانه ذكر الشيطان عقبة ببيان ما يدعو إليه من مخالفة الدين فقال « إنما يأمركم بالسوء » أي المعاصي عن السدي و قتادة و قيل بما يسوء فاعله أي يضره و هو في المعنى مثل الأول « و الفحشاء » قيل المراد به الزنا و قيل السوء ما لا حد فيه و الفحشاء ما فيه حد عن ابن عباس « و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون » قيل هو دعواهم له الأنداد و الأولاد و نسبتهم إليه الفواحش عن أبي مسلم و قيل أراد به جميع المذاهب
مجمع البيان ج : 1 ص : 461
الفاسدة و الاعتقادات الباطلة و مما يسأل على هذا أن يقال كيف يأمرنا الشيطان و نحن لا نشاهده و لا نسمع كلامه فالجواب أن معنى أمره هو دعاؤه إليه كما تقول نفسي تأمرني بكذا أي تدعوني إليه و قيل أنه يأمر بالمعاصي حقيقة و قد يعرف ذلك الإنسان من نفسه فيجد ثقل بعض الطاعات عليه و ميل نفسه إلى بعض المعاصي و الوسوسة هي الصوت الخفي و منه وسواس الحلي فيلقي إليه الشيطان أشياء بصوت خفي في أذنه و متى قيل كيف يميز الإنسان بين ما يلقي إليه الشيطان و ما تدعو إليه النفس فالقول أنه لا ضير عليه إذا لم يميز بينهما فإنه إذا ثبت عنده أن الشيطان قد يأمره بالمعاصي جوز في كل ما كان من هذا الجنس أن يكون من قبل الشيطان الذي ثبت له عداوته فيكون أرغب في فعل الطاعة مع ثقلها عليه و في ترك المعاصي مع ميل النفس إليها مخالفة للشيطان الذي هو عدوه


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page