• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثاني سورة البقرة آیات 170الی176


وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَ وَ لَوْ كانَ ءَابَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ(170)
اللغة
ألفينا أي صادفنا و وجدنا و الأب و الوالد واحد و الاهتداء الإصابة لطريق الحق بالعلم .

الإعراب
« أ و لو » هنا واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام و المراد به التوبيخ و التقريع و مثل هذه الواو أ ثم إذا ما وقع آمنتم به أ فلم يسيروا و إنما جعلت همزة الاستفهام للتوبيخ لأنه يقتضي ما الإقرار به فضيحة عليه كما يقتضي الاستفهام الإخبار بما يحتاج إليه و إنما دخلت الواو في مثل هذا الكلام لأنك إذا قلت اتبعه و لو ضرك فمعناه اتبعه على كل حال و ليس كذلك أتتبعه لو ضرك لأن هذا خاص و ذاك عام فدخلت الواو لهذا المعنى .

النزول
ابن عباس قال دعا النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) اليهود إلى الإسلام فقالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم منا فنزلت هذه الآية و في رواية الضحاك عنه أنها نزلت في كفار قريش .

المعنى
لما تقدم ذكر الكفار بين سبحانه حالهم في التقليد و ترك الإجابة إلى
مجمع البيان ج : 1 ص : 462
الإقرار بصدق النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فيما جاء به من الكتاب المجيد فقال « و إذا قيل لهم » اختلف في الضمير فقيل يعود إلى من من قوله « من يتخذ من دون الله أندادا » و هم مشركو العرب و قيل يعود إلى الناس من قوله « يا أيها الناس » فعدل عن المخاطبة إلى الغيبة كما قال « حتى إذا كنتم في الفلك و جرين بهم بريح طيبة » و قيل يعود إلى الكفار إذ قد جرى ذكرهم و يصلح أيضا أن يعود إليهم و إن لم يجر ذكرهم لأن الضمير يعود إلى المعلوم كما يعود إلى المذكور و القائل لهم هو النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المسلمون « اتبعوا ما أنزل الله » أي من القرآن و شرائع الإسلام و قيل في التحريم و التحليل « قالوا » أي الكفار « بل نتبع ما ألفينا » أي وجدنا « عليه آباءنا » من عبادة الأصنام إذا كان الخطاب للمشركين أو في التمسك باليهودية إذا كان الخطاب لليهود « أ و لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا » أي لا يعلمون شيئا من أمور الدين « و لا يهتدون » أي لا يصيبون طريق الحق و معناه لو ظهر لكم أنهم لا يعلمون شيئا مما لزمهم معرفته أ كنتم تتبعونهم أم كنتم تنصرفون عن اتباعهم فإذا صح أنه يجب الانصراف عن اتباعهم فقد تبين أن الواجب اتباع الدليل دون اتباع هؤلاء .
وَ مَثَلُ الَّذِينَ كفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بمَا لا يَسمَعُ إِلا دُعَاءً وَ نِدَاءً صمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ(171)
اللغة
المثل قول سائر يدل على أن سبيل الثاني سبيل الأول نعق الراعي بالغنم ينعق نعيقا إذا صاح بها زجرا قال الأخطل :
فانعق بضانك يا جرير فإنما
منتك نفسك في الخلاء ضلالا و نعق الغراب نعاقا و نعيقا إذا صوت من غير أن يمد عنقه و يحركها و نغق بالغين بمعناه فإذا مد عنقه و حركها ثم صاح قيل نعب و الناعقان كوكبان من كواكب الجوزاء و رجلها اليسرى و منكبها الأيمن و هو الذي يسمى الهنعة و هما أضوأ كواكب الجوزاء و الدعاء طلب الفعل من المدعو و نظيره الأمر و الفرق بينهما يظهر بالرتبة و النداء مصدر نادى مناداة و نداء و الدعاء و السؤال بمعناه و الندى له وجوه في المعنى يقال ندى الماء و ندى
مجمع البيان ج : 1 ص : 463
الخير و الشر و ندى الصوت و ندى الحضر فالندى هو البلل و ندى الخير هو المعروف يقال أندى فلان علينا ندى كثيرا و يده ندية بالمعروف و ندى الصوت بعد مذهبه و ندى الحضر صحة جريه و اشتق النداء من ندى الصوت ناداه أي دعاه بأرفع صوته .

المعنى
ثم ضرب الله مثلا للكفار في تركهم إجابة من يدعوهم إلى التوحيد و ركونهم إلى التقليد فقال « و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق » أي يصوت « بما لا يسمع » من البهائم « إلا دعاء و نداء » و اختلف في تقدير الكلام و تأويله على وجوه ( أولها ) أن المعنى مثل الذين كفروا في دعائك إياهم أي مثل الداعي لهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم و إنما تسمع الصوت فكما أن الأنعام لا يحصل لها من دعاء الراعي إلا السماع دون تفهم المعنى فكذلك الكفار لا يحصل لهم من دعائك إياهم إلى الإيمان إلا السماع دون تفهم المعنى لأنهم يعرضون عن قبول قولك و ينصرفون عن تأمله فيكونون بمنزلة من لم يعقله و لم يفهمه و هذا كما تقول العرب فلان يخافك كخوف الأسد و المعنى كخوفه من الأسد فأضاف الخوف إلى الأسد و هو في المعنى مضاف إلى الرجل قال الشاعر :
فلست مسلما ما دمت حيا
على زيد بتسليم الأمير أراد بتسليمي على الأمير و هذا معنى قول ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و هو اختيار الجبائي و الرماني و الطبري ( و ثانيها ) أن يكون المعنى مثل الذين كفروا و مثلنا أو مثل الذين كفروا و مثلك يا محمد كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء و نداء أي كمثل الأنعام المنعوق بها و الناعق الراعي الذي يكلمها و هي لا تعقل فحذف المثل الثاني اكتفاء بالأول و مثله قوله سبحانه « و جعل لكم سرابيل تقيكم الحر » و أراد الحر و البرد و قال أبو ذؤيب :
عصيت إليها القلب إني لأمرها
مطيع فما أدري أ رشد طلابها أراد أ رشد أم غي فاكتفى بذكر الرشد لوضوح الأمر و هو قول الأخفش و الزجاج و هذا لأن في الآية تشبيه شيئين بشيئين تشبيه الداعي إلى الإيمان بالراعي و تشبيه المدعوين من الكفار بالأنعام فحذف ما حذف للإيجاز و أبقي في الأول ذكر المدعو و في الثاني ذكر الداعي و فيما أبقي دليل على ما ألقى ( و ثالثها ) أن المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام كمثل الراعي في دعائه الأنعام بتعال و ما جرى مجراه من الكلام فكما أن من دعا
مجمع البيان ج : 1 ص : 464
البهائم يعد جاهلا فداعي الحجارة أشد جهلا منه لأن البهائم تسمع الدعاء و إن لم تفهم معناه و الأصنام لا يحصل لها السماع أيضا عن أبي القاسم البلخي و غيره ( و رابعها ) أن مثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام و هي لا تعقل و لا تفهم كمثل الذي ينعق دعاء و نداء بما لا يسمع صوته جملة و يكون المثل مصروفا إلى غير الغنم و ما أشبهها مما يسمع و إن لم يفهم و على هذا الوجه ينتصب دعاء و نداء بينعق و إلا ملغاة لتوكيد الكلام كما في قول الفرزدق :
هم القوم إلا حيث سلوا سيوفهم
و ضحوا بلحم من محل و محرم و المعنى هم القوم حيث سلوا سيوفهم ( و خامسها ) أن يكون المعنى و مثل الذين كفروا كمثل الغنم الذي لا يفهم دعاء الناعق فأضاف سبحانه المثل الثاني إلى الناعق و هو في المعنى مضاف إلى المنعوق به على مذهب العرب في القلب نحو قولهم طلعت الشعري و انتصب العود على الحرباء و المعنى انتصب الحرباء على العود و أنشد الفراء :
إن سراجا لكريم مفخره
تجلى به العين إذا ما تجمره أي تجلى بالعين و أنشد أيضا :
كانت فريضة ما تقول كما
كان الزنا فريضة الرجم و المعنى كما كان الرجم فريضة الزنا و أنشد :
و قد خفت حتى ما تزيد مخافتي
على وعل في ذي المطارة عاقل أي ما تزيد مخافة وعل على مخافتي و قال العباس بن مرداس :
فديت بنفسه نفسي و مالي
و ما آلوك إلا ما أطيق أراد بنفسي نفسه ثم وصفهم سبحانه بما يجري مجرى التهجين و التوبيخ فقال « صم بكم عمي » أي صم عن استماع الحجة بكم عن التكلم بها عمي عن الأبصار لها و هو قول ابن عباس و قتادة و السدي و قد مر بيانه في أول السورة أبسط من هذا « فهم لا يعقلون » أي هم بمنزلة من لا عقل له إذ لم ينتفعوا بعقولهم .

مجمع البيان ج : 1 ص : 465
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كلُوا مِن طيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَ اشكُرُوا للَّهِ إِن كنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(172)
اللغة
الشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم و يكون على وجهين ( أحدهما ) الاعتراف بالنعمة متى ذكرها المنعم عليه بالاعتقاد لها ( و الثاني ) الطاعة بحسب جلالة النعمة فالأول لازم في كل حال من أحوال الذكر و الثاني أنه يلزم في الحال التي يحتاج فيها إلى القيام بالحق و أما العبادة فهي ضرب من الشكر إلا أنها غاية فيه ليس وراءها شكر و يقترن به ضرب من الخضوع و لا يستحق العبادة غير الله سبحانه لأنها إنما تستحق بأصول النعم التي هي الحياة و القدرة و الشهوة و أنواع المنافع و بقدر من النفع لا يوازيه نعمة منعم فلذلك اختص الله سبحانه باستحقاقها .

الإعراب
« ما رزقناكم » موصول و صلة و العائد من الصلة إلى الموصول محذوف و تقديره ما رزقناكموه و جواب الشرط محذوف تقديره إن كنتم إياه تعبدون فكلوا من طيبات ما رزقناكم و اشكروا لله .

المعنى
ثم خاطب سبحانه المؤمنين و ذكر نعمه الظاهرة عليهم و إحسانه المبين إليهم فقال « يا أيها الذين آمنوا كلوا » ظاهره الأمر و المراد به الإباحة لأن تناول المشتهى لا يدخل في التعبد و قيل أنه أمر من وجهين .
( أحدهما ) بأكل الحلال ( و الآخر ) بالأكل وقت الحاجة دفعا للضرر عن النفس قال القاضي و هذا مما يعرض في بعض الأوقات و الآية غير مقصورة عليه فيحمل على الإباحة « من طيبات ما رزقناكم » أي مما تستلذونه و تستطيبونه من الرزق و فيه دلالة على النهي عن أكل الخبيث في قول البلخي و غيره كأنه قيل كلوا من الطيب غير الخبيث كما أنه لو قال كلوا من الحلال لكان ذلك دالا على حظر الحرام و هذا صحيح فيما له ضد قبيح مفهوم فأما غير ذلك فلا يدل على قبح ضده لأن قول القائل كل من مال زيد لا يدل على أنه أراد تحريم ما عداه لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصة و ما عداه موقوف على بيان آخر و ليس كذلك ما ضده قبيح لأنه قد يكون من البيان تقبيح ضده « و اشكروا لله » لما نبه سبحانه على إنعامه علينا بما جعله لنا من لذيذ الرزق أمرنا بالشكر لأن الإنعام يقتضي الشكر و قوله « إن كنتم إياه تعبدون » أي إن كنتم تعبدونه عن علم بكونه منعما عليكم و قيل إن كنتم مخلصين له في العبادة و ذكر الشرط هنا إنما هو على وجه المظاهرة في الحجاج و لما فيه من حسن البيان و تلخيص
مجمع البيان ج : 1 ص : 466
الكلام أن كانت العبادة لله سبحانه واجبة عليكم بأنه إلهكم فالشكر له واجب عليكم بأنه منعم محسن إليكم .
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللَّهِ فَمَنِ اضطرَّ غَيرَ بَاغ وَ لا عَاد فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(173)
القراءة
قرأ أبو جعفر الميتة مشددة كل القرآن و قرأ أهل الحجاز و الشام و الكسائي فمن اضطر غير باغ بضم النون و أبو جعفر منهم بكسر الطاء من اضطر و الباقون بكسر النون .

الحجة
الميتة أصلها المييتة فحذفت الياء الثانية استخفافا لثقل الياءين و الكسرة و الأجود في القراءة الميتة بالتخفيف و قوله فمن اضطر بالضم فهو للاتباع كما ضمت همزة الوصل في انصروا و أما الكسرة فعلى أصل الحركة لالتقاء الساكنين و أما قراءة أبي جعفر فمن اضطر فلأن الأصل اضطرر فسكنت الراء الأولى للإدغام و نقلت حركتها إلى الحرف الذي قبلها فصار اضطر و الأصل أن لا تنقل حركة الراء عند إسكانها لأن الطاء على حركتها الأصلية .

اللغة
الإهلال في الذبيحة رفع الصوت بالتسمية و كان المشركون يسمون الأوثان و المسلمون يسمون الله و انهلال المطر شدة انصبابه و الهلال غرة القمر لرفع الناس أصواتهم عند رؤيته بالتكبير و المحرم يهل بالإحرام و هو أن يرفع صوته بالتلبية و استهل الصبي إذا بكى وقت الولادة و الاضطرار كل فعل لا يمكن المفعول به الامتناع منه و ذلك كالجوع الذي يحدث للإنسان فلا يمكنه الامتناع منه و الفرق بين الاضطرار و الإلجاء أن الإلجاء قد تتوفر معه الدواعي إلى الفعل من جهة الضرر و النفع و ليس كذلك الاضطرار قال صاحب العين رجل لحم إذا كان أكولا للحم و بيت لحم يكثر فيه اللحم و ألحمت القوم إذا قتلتهم و صاروا لحما و الملحمة الحرب ذات القتل الشديد و استلحم الطريد إذا اتسع و اللحمة قرابة النسب و أصل الباب اللزوم و منه اللحم للزوم بعضه بعضا و أصل البغي الطلب من قولهم بغى الرجل حاجته يبغي بغاء قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 1 ص : 467

لا يمنعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم
إن الأشائم كالأيامن و الأيامن كالأشائم و البغاء طلب الزنا و العادي المعتدي : .

الإعراب
إنما تفيد إثبات الشيء الذي يذكر بعدها و نفي ما عداه كقول الشاعر :
و إنما عن أحسابهم أنا أو مثلي ) و إنما كانت لإثبات الشيء و نفي ما سواه من قبل أن إن كانت للتوكيد و انضاف إليها ما للتوكيد أيضا أكدت أن من جهة التحقيق للشيء و أكدت ما من جهة نفي ما عداه فإذا قلت إنما أنا بشر فكأنك قلت ما أنا إلا بشر و لو كانت ما بمعنى الذي لكتبت ما مفصولة و مثله قوله تعالى : « إنما الله إله واحد » أي لا إله إلا الله إلا إله واحد و مثله إنما أنت نذير أي لا نذير إلا أنت فإذا ثبت ذلك فلا يجوز في الميتة إلا النصب لأن ما كافة و لو كانت ما بمعنى الذي لجاز في الميتة الرفع و غير باغ منصوب على الحال و تقديره لا باغيا و لا عاديا و لا يجوز أن يقع إلا هاهنا في موضع غير لما قلناه أنه بمعنى النفي و لذلك عطف عليه بلا فأما إلا فمعناه في الأصل الاختصاص لبعض من كل و ليس هاهنا كل يصلح أن يخص منه .

المعنى
لما ذكر سبحانه إباحة الطيبات عقبه بتحريم المحرمات فقال « إنما حرم عليكم الميتة » و هو ما يموت من الحيوان « و الدم و لحم الخنزير » خص اللحم لأنه المعظم و المقصود و إلا فجملته محرمة « و ما أهل به لغير الله » قيل فيه قولان .
( أحدهما ) أنه ما ذكر غير اسم الله عليه عن الربيع و جماعة من المفسرين و الآخر أنه ما ذبح لغير الله عن مجاهد و قتادة و الأول أوجه « فمن اضطر » إلى أكل هذه الأشياء ضرورة مجاعة عن أكثر المفسرين و قيل ضرورة إكراه عن مجاهد و تقديره فمن خاف على النفس من الجوع و لا يجد مأكولا يسد به الرمق و قوله « غير باغ » قيل فيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) غير باغ اللذة « و لا عاد » سد الجوعة عن الحسن و قتادة و مجاهد ( و ثانيها ) غير باغ في الإفراط و لا عاد في التقصير عن الزجاج ( و ثالثها ) غير باغ على إمام المسلمين و لا عاد بالمعصية طريق المحقين و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله و عن مجاهد و سعيد بن جبير و اعترض علي بن عيسى على هذا القول بأن قال أن الله لم يبح لأحد قتل نفسه و التعرض للقتل قتل في حكم الدين و لأن الرخصة لأجل المجاعة لا لأجل سفر الطاعة و هذا فاسد لأن الباغي على الإمام معرض نفسه للقتل فلا يجوز لذلك استباحة ما حرم الله كما لا يجوز له أن يستبقي نفسه بقتل غيره من المسلمين و قوله أن الرخصة لأجل المجاعة
مجمع البيان ج : 1 ص : 468
غير مسلم على الإطلاق بل هو مخصوص بمن لم يعرض نفسه لها « فلا إثم عليه » أي لا حرج عليه و إنما ذكر هذا اللفظ ليبين أنه ليس بمباح في الأصل و إنما رفع الحرج لأجل الضرورة « إن الله غفور رحيم » و إنما ذكر المغفرة لأحد الأمرين أما ليبين أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يؤاخذ بما رخص فيه و أما لأنه وعد بالمغفرة عند الإنابة إلى طاعة الله مما كانوا عليه من تحريم ما لم يحرمه الله من السائبة و غيرها .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكتَبِ وَ يَشترُونَ بِهِ ثمَناً قَلِيلاً أُولَئك مَا يَأْكلُونَ فى بُطونِهِمْ إِلا النَّارَ وَ لا يُكلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَ لا يُزَكيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(174)
اللغة
البطن خلاف الظهر و البطن الغامض من الأرض و البطن من العرب دون القبيلة .

الأعراب
الذين مع صلته منصوب بأن و أولئك رفع بالابتداء و خبره « ما يأكلون في بطونهم إلا النار » و المبتدأ و خبره جملة في موضع الرفع بكونها خبر إن و النار نصب بيأكلون .

النزول
المعني في هذه الآية أهل الكتاب بإجماع المفسرين إلا أنها متوجهة على قول كثير منهم إلى جماعة قليلة من اليهود و هم علماؤهم ككعب بن الأشرف و حيي بن أخطب و كعب بن أسد و كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا و يرجون كون النبي منهم فلما بعث من غيرهم خافوا زوال مأكلتهم فغيروا صفته فأنزل الله هذه الآية .

المعنى
ثم عاد الكلام إلى ذكر اليهود الذين تقدم ذكرهم فقال تعالى : « إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب » أي صفة محمد و البشارة به عن ابن عباس و قتادة و السدي و قيل كتموا الأحكام عن الحسن و الكتاب على القول الأول هو التوراة و على الثاني يجوز أن يحمل على القرآن و على سائر الكتب « و يشترون به ثمنا قليلا » أي يستبدلون به عرضا قليلا و ليس المراد أنهم إذا اشتروا به ثمنا كثيرا كان جائزا بل الفائدة فيه أن كل ما يأخذونه في مقابلة ذلك من حطام الدنيا فهو قليل و للعرب في ذلك عادة معروفة و مذهب مشهور و مثله في القرآن كثير قال « و من يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به » و يقتلون النبيين بغير حق و فيه دلالة على أن من ادعى أن مع الله إلها آخر لا يقوم له على
مجمع البيان ج : 1 ص : 469
قوله برهان و إن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق و ذلك بأن وصف الشيء بما لا بد أن يكون عليه من الصفة و مثله في الشعر قول النابغة :
يحفه جانبا نيق و يتبعه
مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد أي ليس بها رمد فيكتحل له و قول الآخر :
لا يغمز الساق من أين و من وصب
و لا يعض على شرسوفه الصفر أي ليس بساقه أين و لا وصب فيغمزها من أجلهما و قول سويد بن أبي الكاهل :
من أناس ليس في أخلاقهم
عاجل الفحش و لا سوء الجزع و لم يرد أن في أخلاقهم فحشا آجلا أو جزعا غير سيء بل نفي الفحش و الجزع عن أخلاقهم و في أمثال هذا كثيرة « أولئك » يعني الذين كتموا ذلك و أخذوا الأجر على الكتمان « ما يأكلون في بطونهم إلا النار » و معناه أن أكلهم في الدنيا و إن كان طيبا في الحال فكأنهم لم يأكلوا إلا النار لأن ذلك يؤديهم إلى النار كقوله سبحانه في أكل مال اليتيم : « إنما يأكلون في بطونهم نارا » عن الحسن و الربيع و أكثر المفسرين و قيل إنهم يأكلون النار حقيقة في جهنم عقوبة لهم على كتمانهم فيصير ما أكلوا في بطونهم نارا يوم القيامة فسماه في الحال بما يصير إليه في المال و إنما ذكر البطون و إن كان الأكل لا يكون إلا في البطن لوجهين ( أحدهما ) أن العرب تقول جعت في غير بطني و شبعت في غير بطني إذا جاع من يجري جوعة مجرى جوعة و شبعه مجرى شبعه فذكر ذلك لإزالة اللبس ( و الآخر ) أنه لما استعمل المجاز بأن أجري على الرشوة اسم النار حقق بذكر البطن ليدل على أن النار تدخل أجوافهم « و لا يكلمهم الله يوم القيامة » فيه وجهان ( أحدهما ) أنه لا يكلمهم بما يحبون و في ذلك دليل على غضبه عليهم و إن كان يكلمهم بالسؤال بالتوبيخ و بما يغمهم كما قال « فلنسألن الذين أرسل إليهم » و قال اخسئوا فيها و لا تكلمون و هذا قول الحسن و الجبائي ( و الثاني ) أنه لا يكلمهم أصلا فتحمل آيات المسألة على أن الملائكة تسألهم عن الله و بأمره و يتأول قوله اخسئوا فيها على دلالة الحال و إنما يدل نفي الكلام على الغضب في الوجه الأول من حيث أن الكلام وضع في
مجمع البيان ج : 1 ص : 470
الأصل للفائدة فلما انتفى الفائدة على وجه الحرمان دل على الغضب فأما الكلام على وجه الغم و الإيلام فخارج عن ذلك « و لا يزكيهم » معناه لا يثني عليهم و لا يصفهم بأنهم أزكياء و من لا يثني الله عليه فهو معذب و قيل لا تقبل أعمالهم كما تقبل أعمال الأزكياء و قيل معناه لا يطهرهم من خبث أعمالهم بالمغفرة « و لهم عذاب أليم » أي موجع مؤلم .
أُولَئك الَّذِينَ اشترَوُا الضلَلَةَ بِالْهُدَى وَ الْعَذَاب بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصبرَهُمْ عَلى النَّارِ(175)
الإعراب
« ما أصبرهم » قيل إن ما للتعجب كالتي في قوله « قتل الإنسان ما أكفره » أي قد حل محل ما يتعجب منه و حكي عن بعض العرب أنه قال لخصمه ما أصبرك على عذاب الله و قيل أنه للاستفهام على معنى أي شيء أصبرهم يقال أصبرت السبع أو الرجل و نحوه إذا نصبته لما يكره قال الحطيئة :
قلت لها أصبرها دائبا
ويحك أمثال طريف قليل أي ألزمها و اضطرها .

المعنى
« أولئك » إشارة إلى من تقدم ذكرهم « الذين اشتروا الضلالة بالهدى » أي استبدلوا الكفر بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالإيمان به فصاروا بمنزلة من يشتري السلعة بالثمن و قيل المراد بالضلالة كتمان أمره مع علمهم به و بالهدى إظهاره و قيل المراد بالضلالة العذاب و بالهدى الثواب و طريق الجنة أي استبدلوا النار بالجنة و قوله « و العذاب بالمغفرة » قيل أنه تأكيد لما تقدم عن أبي مسلم و قيل أنهم كانوا اشتروا العذاب بالمغفرة لما عرفوا ما أعد الله لمن عصاه من العذاب و لمن أطاعه من الثواب ثم أقاموا على ما هم عليه من المعصية مصرين عن القاضي و هذا أولى لأنه إذا أمكن حمل الكلام على زيادة فائدة كان أولى فكان اشتراؤهم الضلالة يرجع إلى عدولهم عن طريق العلم إلى طريق الجهل و اشتراؤهم العذاب بالمغفرة يرجع إلى عدولهم عما يوجب الجنة إلى ما يوجب النار و قوله « فما أصبرهم على النار » فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه ما أجرأهم على النار ذهب إليه الحسن و قتادة و رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( و الثاني )
مجمع البيان ج : 1 ص : 471
ما أعملهم بأعمال أهل النار عن مجاهد و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( و الثالث ) ما أبقاهم على النار كما يقال ما أصبر فلانا على الحبس عن الزجاج ( و الرابع ) ما أدومهم على النار أي ما أدومهم على عمل أهل النار كما يقال ما أشبه سخاءك بحاتم عن الكسائي و قطرب و على هذه الوجوه فظاهر الكلام التعجب و التعجب لا يجوز على القديم سبحانه لأنه عالم بجميع الأشياء لا يخفى عليه شيء و التعجب إنما يكون مما لا يعرف سببه و إذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفار حلوا محل من يتعجب منه فهو تعجيب لنا منهم ( و الخامس ) ما روي عن ابن عباس أن المراد أي شيء أصبرهم على النار أي حبسهم عليها فتكون للاستفهام و يمكن حمل الوجوه الثلاثة المتقدمة على الاستفهام أيضا فيكون المعنى أي شيء أجرأهم على النار و أعملهم بأعمال أهل النار و أبقاهم على النار و قال الكسائي هو استفهام على وجه التعجب و قال المبرد هذا حسن لأنه كالتوبيخ لهم و التعجيب لنا كما يقال لمن وقع في ورطة ما اضطرك إلى هذا إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها و المراد به الإنكار و التقريع على اكتساب سبب الهلاك و تعجيب الغير منه و من قال معناه ما أجرأهم على النار فإنه عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضا لأن بالجرأة يصبر على الشدة .
ذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكتَب بِالْحَقِّ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فى الْكِتَبِ لَفِى شِقَاقِ بَعِيد(176)
اللغة
الاختلاف الذهاب على جهة التفرق في الجهات و أصله من اختلاف الطريق تقول اختلفنا الطريق فجاء هذا من هنا و جاء ذاك من هناك ثم استعمل في الاختلاف في المذاهب تشبيها بالاختلاف في الطريق من حيث أن كل واحد منهم على نقيض ما عليه الآخر من الاعتقاد و أما اختلاف الأجناس فهو ما لا يسد أحدهما مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته كالسواد و البياض و الشقاق و المشاقة انحياز كل واحد عن شق صاحبه للعداوة له و هو طلب كل واحد منهما ما يشق على الآخر لأجل العداوة .

الإعراب
قال الزجاج ذلك مرفوع بالابتداء و الخبر محذوف أي ذلك الأمر و يجوز أن يكون مرفوعا بخبر الابتداء أي الأمر ذلك و يحتمل أن يكون موضع ذلك نصبا على
مجمع البيان ج : 1 ص : 472
تقدير فعلنا ذلك لأن في الكلام ما يدل على فعلنا .

المعنى
« ذلك » إشارة إلى أحد ثلاثة أشياء ( أولها ) ذلك الحكم بالنار عن الحسن ( و ثانيها ) ذلك العذاب ( و ثالثها ) ذلك الضلال و في تقدير خبره ثلاثة وجوه ( أحدها ) ما ذكرناه من قول الزجاج ( و ثانيها ) إن تقديره ذلك الحكم الذي حكم فيهم أو حل بهم من العذاب أو ذلك الضلال معلوم بأن الله نزل الكتاب بالحق فحذف لدلالة ما تقدم من الكلام عليه ( و الثالث ) ذلك العذاب لهم « بأن الله نزل الكتاب بالحق » و يكون الباء مع ما بعده في موضع الخبر و من ذهب إلى أن المعنى ذلك الحكم بدلالة أن الله نزل الكتاب بالحق فالكلام على صورته و من ذهب إلى أن المعنى ذلك العذاب أو الضلال بأن الله نزل الكتاب بالحق ففي الكلام محذوف و تقديره فكفروا به و المراد بالكتاب هاهنا التوراة و قال الجبائي هو القرآن و غيره و قال بعضهم المراد بالأول التوراة و بالثاني القرآن « و إن الذين اختلفوا في الكتاب » قيل هم الكفار أجمع عند أكثر المفسرين اختلفوا في القرآن على أقوال فمنهم من قال هو كلام السحرة و منهم من قال كلام تعلمه و منهم من قال كلام تقوله و قيل هم أهل الكتاب من اليهود و النصارى عن السدي اختلفوا في التأويل و التنزيل من التوراة و الإنجيل لأنهم حرفوا الكتاب و كتموا صفة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و جحدت اليهود الإنجيل و القرآن و قوله « لفي شقاق بعيد » أي بعيد عن الألفة بالاجتماع على الصواب و قيل بعيد في الشقاق لشهادة كل واحد على صاحبه بالضلال و كلاهما عادل عن الحق و السداد و قيل في اختلاف شديد فيما يتصل بأحكام التوراة و الإنجيل .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page