• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثاني سورة البقرة آیات 187الی190


مجمع البيان ج : 2 ص : 502
أُحِلَّ لَكمْ لَيْلَةَ الصيَامِ الرَّفَث إِلى نِسائكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَ أَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكمْ كُنتُمْ تخْتَانُونَ أَنفُسكمْ فَتَاب عَلَيْكُمْ وَ عَفَا عَنكُمْ فَالْئَنَ بَشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا مَا كتَب اللَّهُ لَكُمْ وَ كلُوا وَ اشرَبُوا حَتى يَتَبَينَ لَكُمُ الْخَيْط الأَبْيَض مِنَ الخَْيْطِ الأَسوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيَامَ إِلى الَّيْلِ وَ لا تُبَشِرُوهُنَّ وَ أَنتُمْ عَكِفُونَ فى الْمَسجِدِ تِلْك حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِك يُبَينُ اللَّهُ ءَايَتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)
اللغة
الرفث الجماع هاهنا بلا خلاف و قيل أن أصله القول الفاحش فكفي به عن الجماع قال العجاج :
عن اللغا و رفث التكلم قال الأخفش إنما عديت بالي في الآية لأنه بمعنى الإفضاء و اللباس الثياب التي من شأنها أن تستر الأبدان و يشبه به الأغشية فيقال لبس السيف بالحلية و العرب تسمي المرأة لباسا و إزارا قال الشاعر :
إذا ما الضجيع ثنى عطفه
تثنت فكانت عليه لباسا و قال :
أ لا أبلغ أبا حفص رسولا
فدى لك من أخي ثقة إزاري قال أهل اللغة معناه امرأتي و الاختيان الخيانة يقال خانه يخونه خونا و خيانة و اختانه اختيانا « و خائنة الأعين » مسارقة النظر إلى ما لا يحل و أصل الباب منع الحق ، و المباشرة إلصاق البشرة بالبشرة و هي ظاهر الجلد و الابتغاء طلب البغية « و الخيط الأبيض » بياض الفجر « و الخيط الأسود » سواد الليل فأول النهار طلوع الفجر الثاني لأنه أوسع ضياء قال أبو داود :
فلما أضاءت لنا غدوة
و لاح من الصبح خيط أنارا و الخيط في اللغة معروف يقال خاطه يخيطه خيطا و خياطة و الخيط القطيع من النعام و نعامة خيطاء قيل خيطها طول قصبها و عنقها و قيل اختلاط سوادها ببياضها و السواد و البياض لونان كل واحد منهما أصل بنفسه و بيضة الإسلام مجتمعة و ابتاضوهم أي استأصلوهم بمعنى اقتلعوا بيضتهم و السواد و المساودة المسارة لأن الخفاء فيه كخفاء الشخص في سواد الليل و سواد العراق سمي به لكثرة الماء و الشجر الذي تسود به الأرض و سواد كل شيء شخصه و سويداء القلب و سواده دمه الذي فيه و قيل حبة القلب و العكوف و الاعتكاف أصله اللزوم يقال عكفت بالمكان أي أقمت به ملازما له قال الطرماح :
مجمع البيان ج : 2 ص : 503

فبات بنات الليل في الليل عكفا
عكوف البواكي بينهن صريع و هو في الشرع عبارة عن اللبث في مكان مخصوص للعبادة و الحد على وجوه الحد المنع و حدود الله فرائضه قال الزجاج هي ما منع الله من مخالفتها و الحد جلد الزاني و غيره و الحد حد السيف و غيره و الحد حد الدار و الحد فرق بين الشيئين و الحد نهاية الشيء التي تمنع من أن يدخله ما ليس منه أو أن يخرج عنه ما هو منه و قال الخليل الحد الجامع المانع و الحداد البواب قال الأعشى :
فقمنا و لما يصح ديكنا
إلى جونة عند حدادها يعني صاحبها الذي يحفظها و يمنعها و كل من منع شيئا فهو حداد و من ذلك أحدت المرأة على زوجها معناه امتنعت من الزينة و الحديد إنما سمي حديدا لأنه يمتنع به من الأعداء فأصل الباب المنع .

النزول
روى علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله قال كان الأكل محرما في شهر رمضان بالليل بعد النوم و كان النكاح حراما بالليل و النهار في شهر رمضان و كان رجل من أصحاب رسول الله يقال له مطعم بن جبير أخو عبد الله بن جبير الذي كان رسول الله وكله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرماة و فارقه أصحابه و بقي في اثني عشر رجلا فقتل على باب الشعب و كان أخوه هذا مطعم بن جبير شيخا ضعيفا و كان صائما فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم علي الأكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله فرق له و كان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فأنزل الله هذه الآية فأحل النكاح بالليل في شهر رمضان و الأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر و اختلفت العامة في اسم هذا الرجل من الأنصار فقال بعضهم قيس بن صرمة و قيل أبو صرمة و قيل أبو قيس بن صرمة و قيل صرمة بن إياس و قالوا جاء إلى رسول الله فقال عملت في النخل نهاري أجمع حتى إذا أمسيت فأتيت أهلي لتطعمني فأبطأت فنمت فأيقظوني و قد حرم علي الأكل و قد أمسيت و قد جهدني الصوم فقال عمر يا رسول الله أعتذر إليك من مثله رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء فأتيت امرأتي و قام رجال و اعترفوا بمثل الذي سمعوا فنزلت الآية عن ابن عباس و السدي .

مجمع البيان ج : 2 ص : 504
المعنى
ثم بين سبحانه وقت الصيام و ما يتعلق به من الأحكام فقال « أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم » أي الجماع و قال ابن عباس أن الله سبحانه حيي يكني بما شاء أن الرفث و اللباس و المباشرة و الإفضاء هو الجماع و قال الزجاج الرفث هو كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة و هذا يقتضي تحريما متقدما أزيل عنهم و المراد بليلة الصيام الليلة التي يكون في غدها الصوم و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله كراهية الجماع في أول ليلة من كل شهر إلا أول ليلة من شهر رمضان فإنه يستحب ذلك لمكان الآية و الأشبه أن يكون المراد به ليالي الشهر كله و إنما وحده لأنه اسم جنس يدل على الكثرة « هن لباس لكم و أنتم لباس لهن » أي هن سكن لكم و أنتم سكن لهن كما قال « و جعلنا الليل لباسا » أي سكنا عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و المعنى تلابسونهن و تخالطونهن بالمساكنة أي قل ما يصبر أحد الزوجين عن الآخر و قيل إنما جعل كل واحد منهما لباسا للآخر لانضمام جسد كل واحد منهما إلى جسد صاحبه حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه فلما كانا يتلابسان عند الجماع سمي كل واحد منهما لباسا لصاحبه و قال الربيع هن فراش لكم و أنتم لحاف لهن « علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم » لما حرم عليهم الجماع و الأكل بعد النوم و خالفوا في ذلك ذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي نسخت تلك التحريمة فقال « علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم » بالمعصية أي لا تؤدون الأمانة بالامتناع عن المباشرة و قيل معنى تختانون تنقصون أنفسكم من شهواتها و تمنعونها من لذاتها باجتناب ما نهيتم عنه فخففه الله عنكم « فتاب عليكم » أي قبل توبتكم و قيل معناه فرخص لكم و أزال التشديد عنكم « و عفا عنكم » فيه وجهان ( أحدهما ) غفر ذنوبكم ( و الآخر ) أزال تحريم ذلك عنكم و ذلك عفو عن تحريمه عليهم « فالآن باشروهن » بالليل أي جامعوهن لفظه أمر و معناه الإباحة « و ابتغوا ما كتب الله لكم » فيه قولان ( أحدهما ) اطلبوا ما قضى الله لكم من الولد عن الحسن و أكثر المفسرين و هو أن يجامع الرجل أهله رجاء أن يرزقه الله ولدا يعبده و يسبح له ( و الآخر ) اطلبوا ما كتب الله لكم من الحلال الذي بينه في كتابه فإن الله يحب أن يؤخذ برخصة كما يحب أن يؤخذ بعزائمه و قوله « و كلوا و اشربوا » إباحة للأكل و الشرب « حتى يتبين لكم » أي ليظهر و يتميز لكم على التحقيق الخيط الأبيض من الخيط الأسود أي النهار من الليل فأول النهار طلوع الفجر الثاني و قيل بياض الفجر من سواد الليل و قيل بياض أول النهار من سواد آخر الليل و إنما شبه ذلك بالخيط لأن القدر الذي يحرم الإفطار من البياض يشبه الخيط فيزول به مثله من السواد و لا اعتبار بالانتشار « من الفجر » يحتمل - من - معنيين
مجمع البيان ج : 2 ص : 505
( أحدهما ) أن يكون بمعنى التبعيض لأن المعنى من بعض الفجر و ليس الفجر كله عن ابن دريد ( و الآخر ) أنه للتبيين لأنه بين الخيط الأبيض فكأنه قال الخيط الأبيض الذي هو الفجر و روي أن عدي بن حاتم قال للنبي إني وضعت خيطين من شعر أبيض و أسود فكنت أنظر فيهما فلا يتبين لي فضحك رسول الله حتى رؤيت نواجذه ثم قال يا ابن حاتم إنما ذلك بياض النهار و سواد الليل فابتداء الصوم من هذا الوقت ثم بين تعالى الانتهاء فقال « ثم أتموا الصيام إلى الليل » أي من وقت طلوع الفجر الثاني و هو المستطيل المعترض الذي يأخذ الأفق و هو الفجر الصادق الذي يجب عنده الصلاة إلى وقت دخول الليل و هو بعد غروب الشمس و علامة دخوله على الاستظهار سقوط الحمرة من جانب المشرق و إقبال السواد منه و إلا فإذا غابت الشمس مع ظهور الآفاق في الأرض المبسوطة و عدم الجبال و الروابي فقد دخل الليل و قوله « و لا تباشروهن » في معناه قولان هاهنا ( أحدهما ) أنه أراد به الجماع عن ابن عباس و الحسن و قتادة ( و الثاني ) أنه أراد الجماع و كل ما دونه من قبلة و غيرها من مالك و ابن زيد و هو مذهبنا و قوله « و أنتم عاكفون في المساجد » أي معتكفون أي لا تباشروهن في حال اعتكافكم في المساجد و الاعتكاف لا يصح عندنا إلا في أحد المساجد الأربعة المسجد الحرام و مسجد النبي و مسجد الكوفة و مسجد البصرة و عند سائر الفقهاء يجوز في سائر المساجد إلا أن مالكا قال أنه يختص بالجامع و لا يصح الاعتكاف عندنا إلا بصوم و به قال أبو حنيفة و مالك و عند الشافعي يصح بغير صوم و عندنا لا يكون إلا في ثلاثة أيام و عند أبي حنيفة يوم واحد و عند مالك عشرة أيام لا يجوز أقل منه و عند الشافعي ما شاء و لو ساعة واحدة و في الآية دلالة على تحريم المباشرة في الاعتكاف ليلا و نهارا لأنه علق المباشرة بحال الاعتكاف و قوله « تلك حدود الله » تلك إشارة إلى الأحكام المذكورة في الآية حدود الله حرمات الله عن الحسن و قيل معناه معاصي الله عن الضحاك و قيل ما منع الله منه عن الزجاج « فلا تقربوها » أي فلا تأتوها و قيل معناه تلك فرائض الله فلا تقربوها بالمخالفة « كذلك » أي مثل هذا البيان الذي ذكر « يبين الله آياته للناس » أي حججه و أدلته على ما أمرهم به و نهاهم عنه « لعلهم يتقون » أي لكي يتقوا معاصيه و تعدي حدوده فيما أمرهم به و نهاهم عنه و أباحهم إياها و في هذا دلالة على أن الله تعالى أراد التقوى من جميع الناس .

مجمع البيان ج : 2 ص : 506
وَ لا تَأْكلُوا أَمْوَلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَطِلِ وَ تُدْلُوا بِهَا إِلى الحُْكامِ لِتَأْكلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَلِ النَّاسِ بِالاثْمِ وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ(188)
اللغة
الباطل الذاهب الزائل يقال بطل إذا ذهب و قيل الباطل هو ما تعلق بالشيء على خلاف ما هو به خبرا كان أو اعتقادا أو ظنا أو تخيلا و الحكم هو الذي يفصل بين الخصمين يمنع كل واحد من منازعة الآخر و يقال أدلى فلان بحجته إذا أقامها و هو من قولهم أدليت الدلو في البئر إذا أرسلتها و دلوتها إذا أخرجتها فمعنى قولهم أدلى بحجته أرسلها و أتى بها على صحة و في تشبيه الخصومة بإرسال الدلو في البئر وجهان ( أحدهما ) أنه تعلق بسبب الحكم كتعلق الدلو بالسبب الذي هو الحبل ( الثاني ) أنه يمضي فيه من غير تثبيت كمضي الدلو في الإرسال من غير تثبيت و الفريق القطيعة المعزولة من الجملة سواء كان من الناس أو من غيرهم و الإثم الفعل الذي يستحق به الذم .

الإعراب
و تدلوا محله جزم على النهي عطفا على قوله « و لا تأكلوا » و يحتمل أن يكون نصبا على الظرف و يكون نصبه بإضمار أن يقول الشاعر :
لا تنه عن خلق و تأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم أي لا تجمع بينهما .

المعنى
ثم بين سبحانه شريعة من شرائع الإسلام نسقا على ما تقدم من بيان الحلال و الحرام فقال « و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل » أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالغصب و الظلم و الوجوه التي لا تحل كقوله « و لا تقتلوا أنفسكم » أي و لا يقتل بعضكم بعضا و قيل معناه لا تأكلوا أموالكم باللهو و اللعب مثل ما يؤخذ في القمار و الملاهي لأن كل ذلك من الباطل و روي عن أبي جعفر أنه يعني بالباطل اليمين الكاذبة يقتطع بها الأموال و روي عن أبي عبد الله قال كانت قريش يقامر الرجل في أهله و ماله فنهاهم الله و الأولى حمله على الجميع لأن الآية تحتمل الكل « و تدلوا بها إلى الحكام » و تلقوا بها إلى القضاة و قيل فيه أقوال ( أحدهما ) أنه الودائع و ما لا يقوم عليه بينة عن ابن عباس و الحسن و قتادة ( و ثانيها ) أنه مال اليتيم في يد الأوصياء لأنهم يدفعونه إلى الحكام إذا طولبوا به ليقطعوا بعضه و تقوم لهم في الظاهر حجة عن الجبائي ( و ثالثها ) أنه ما يؤخذ بشهادة الزور عن الكلبي و الأولى أن يحمل على الجميع « لتأكلوا فريقا من أموال الناس
مجمع البيان ج : 2 ص : 507
بالإثم » أي لتأكلوا طائفة من أموال الناس بالفعل الموجب للإثم بأن يحكم الحاكم بالظاهر و كان الأمر في الباطن بخلافه « و أنتم تعلمون » أن ذلك الفريق من المال ليس بحق لكم و أنتم مبطلون و هذا أشد في الزجر و قال أبو عبد الله (عليه السلام) علم الله أنه سيكون في هذه الأمة حكام يحكمون بخلاف الحق فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتحاكموا إليهم و هم يعلمون أنهم لا يحكمون بالحق و هذا يدل على أن الإقدام على المعصية مع العلم أو مع التمكن من العلم أعظم .
* يَسئَلُونَك عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَقِيت لِلنَّاسِ وَ الْحَجّ وَ لَيْس الْبرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوت مِن ظهُورِهَا وَ لَكِنَّ الْبرَّ مَنِ اتَّقَى وَ أْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَبِهَا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُونَ(189)
القراءة
قرأ ابن كثير و ابن ذكوان و الكسائي البيوت و الشيوخ و أخواتهما بكسر أوائلها إلا الغيوب و قرأ حمزة و حماد و يحيى عن عاصم كلها بالكسر إلا الجيوب و قالون يكسر منها البيوت فقط و الباقون بالضم .

الحجة
من كسر أوائل هذه الكلمات إنما فعل ذلك لأجل الياء أبدل من الضمة الكسرة لأن الكسرة أشد موافقة للياء من الضمة لها كما كسر الفاء من عيينة و نييب في تصغير عين و ناب و إن لم يكن في أبنية التصغير على هذا الوزن لتقريب الحركة مما بعدها .
و من ضمها فعلى الأصل لأنها فعول .

اللغة
الأهلة جمع هلال و اشتقاقه من قولهم استهل الصبي إذا بكى حين يولد أو صاح و قولهم أهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية و إنما قيل هلال لأنه حين يرى يهل الناس بذكره يقال أهل الهلال و استهل و لا يقال أهل و يقال أهللنا الهلال و أهللنا شهر كذا أي دخلنا فيه و قد اختلف في تسميته هلالا كم يسمى و متى يسمى قمرا فقال بعضهم يسمى هلالا ليلتين من الشهر ثم لا يسمى هلالا إلى أن يعود في الشهر الثاني و قال آخرون يسمى هلالا ثلاث ليال ثم يسمى قمرا و قال بعضهم يسمى هلالا حتى يحجر و تحجيره أن
مجمع البيان ج : 2 ص : 508
يستدير بخطة دقيقة و هذا قول الأصمعي و قال بعضهم يسمى هلالا حتى يبهر ضوءه سواد الليل ثم يقال قمر و هذا يكون في الليلة السابعة و اسم القمر عند العرب الزبرقان و اسم دارته الهالة و اسم ضوئه الفخت و الميقات مقدار من الزمان جعل علما لما يقدر من العمل و التوقيت تقدير الوقت و كلما قدرت غايته فهو موقت و الميقات منتهى الوقت و الآخرة ميقات الخلق و الإهلال ميقات الشهر و الحج ذكرنا معناه فيما مضى و البر النفع الحسن و الظهر الصفحة القابلة لصفحة الوجه و الباب المدخل يقول منه بوبه تبويبا إذا جعله أبوابا و البواب الحاجب لأنه يلزم الباب و البابة القطعة من الشيء كالباب من الجملة .

الإعراب
قوله « للناس » في موضع رفع صفة لمواقيت تقديره هي مواقيت كائنة للناس و الباء في قوله « بأن تأتوا » مزيدة لتأكيد النفي و أن تأتوا في موضع الجر بالباء و الجار و المجرور في موضع النصب بأنهما خبر ليس و قوله « و لكن البر من اتقى » قيل فيه وجهان ( أحدهما ) أن تقديره « و لكن البر من اتقى » كما قلناه في قوله « و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر » ( و الآخر ) إن تقديره و لكن البار من اتقى وضع المصدر موضع الصفة .

النزول
روي إن معاذ بن جبل قال يا رسول الله إن اليهود يكثرون مسألتنا عن الأهلة فأنزل الله هذه الآية و قال قتادة ذكر لنا أنهم سألوا رسول الله لم خلقت هذه الأهلة فأنزل الله هذه الآية .

المعنى
ثم بين شريعة أخرى فقال « يسألونك عن الأهلة » أي أحوال الأهلة في زيادتها و نقصانها و وجه الحكمة في ذلك « قل » يا محمد « هي مواقيت للناس و الحج » أي هي مواقيت يحتاج الناس إلى مقاديرها في صومهم و فطرهم و عدد نسائهم و محل ديونهم و حجهم فبين سبحانه أن وجه الحكمة في زيادة القمر و نقصانه ما تعلق بذلك من مصالح الدين و الدنيا لأن الهلال لو كان مدورا أبدا مثل الشمس لم يمكن التوقيت به و فيه أوضح دلالة على أن الصوم لا يثبت بالعدد و أنه يثبت بالهلال لأنه سبحانه نص على أن الأهلة هي المعتبرة في المواقيت و الدلالة على الشهور فلو كانت الشهور إنما تعرف بطريق العدد لخص التوقيت بالعدد دون رؤية الأهلة لأن عند أصحاب العدد لا عبرة برؤية الأهلة في معرفة المواقيت و قوله « و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها » فيه وجوه ( أحدها ) أنه كان المحرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها و لكنهم كانوا ينقبون في ظهر بيوتهم أي في مؤخرها نقبا يدخلون و يخرجون منه فنهوا عن التدين بذلك عن ابن عباس و قتادة و عطا
مجمع البيان ج : 2 ص : 509
و رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) و قيل إلا أن الحمس و هو قريش و كنانة و خزاعة و ثقيف و جشم و بنو عامر بن صعصعة كانوا لا يفعلون ذلك و إنما سموا حمسا لتشددهم في دينهم و الحماسة الشدة و قيل بل كانت الحمس تفعل ذلك و إنما فعلوا ذلك حتى لا يحول بينهم و بين السماء شيء ( و ثانيها ) إن معناه ليس البر أن تأتوا البيوت من غير جهاتها و ينبغي أن تأتوا الأمور من جهاتها أي الأمور كان و هو المروي عن جابر عن أبي جعفر ( و ثالثها ) إن معناه ليس البر طلب المعروف من غير أهله و إنما البر طلب المعروف من أهله « و لكن البر من اتقى » قد مر معناه « و أتوا البيوت من أبوابها » قد مضى معناه و قال أبو جعفر آل محمد أبواب الله و سبله و الدعاة إلى الجنة و القادة إليها و الأدلاء عليها إلى يوم القيامة و قال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنا مدينة العلم و علي بابها و لا تؤتى المدينة إلا من بابها و يروى أنا مدينة الحكمة « و اتقوا الله لعلكم تفلحون » معناه و اتقوا ما نهاكم الله عنه و زهدكم فيه لكي تفلحوا بالوصول إلى ثوابه الذي ضمنه للمتقين .

النظم
و وجه اتصال قوله « ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها » بقوله « يسألونك عن الأهلة » أنه لما بين أن الأهلة مواقيت للناس و الحج و كانوا إذا أحرموا يدخلون البيوت من ورائها عطف عليها قوله « و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها » و قيل أنه لما بين أن أمورنا مقدرة بأوقات قرن به قوله « و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها » أي فكما أن أموركم مقدرة بأوقات فلتكن أفعالكم جارية على الاستقامة باتباع ما أمر الله به و الانتهاء عما نهى عنه لأن اتباع ما أمر به خير من اتباع ما لم يأمر به .
وَ قَتِلُوا فى سبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِب الْمُعْتَدِينَ(190)
اللغة
القتال و المقاتلة محاولة الرجل قتل من يحاول قتله و التقاتل محاولة كل واحد من المتعاديين قتل الآخر و الاعتداء مجاوزة الحد يقال عدا طوره إذا جاوز حده .

النزول
عن ابن عباس نزلت هذه الآية في صلح الحديبية و ذلك أن رسول الله لما خرج هو و أصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة و كانوا ألفا و أربعمائة فصاروا حتى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي بالحديبية ثم صالحهم المشركون على أن يرجع من عامه و يعود العام القابل و يخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف
مجمع البيان ج : 2 ص : 510
بالبيت و يفعل ما يشاء فرجع إلى المدينة من فوره فلما كان العام المقبل تجهز النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أصحابه لعمرة القضاء و خافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك و أن يصدوهم عن البيت الحرام و يقاتلوهم و كره رسول الله قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله هذه الآية و عن الربيع بن أنس و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذه أول آية نزلت في القتال فلما نزلت كان رسول الله يقاتل من قاتله و يكف عمن كف عنه حتى نزلت « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » فنسخت هذه الآية .

المعنى
ثم بين سبحانه أمر الجهاد فقال مخاطبا للمؤمنين « و قاتلوا » أي مع الكفار « في سبيل الله » أي دين الله و هو الطريق الذي بينه للعباد ليسلكوه على أمرهم به و دعاهم إليه « الذين يقاتلونكم » قيل أمروا بقتال المقاتلين دون النساء و قيل أنهم أمروا بقتال أهل مكة و الأولى حمل الآية على العموم إلا من أخرجه الدليل « و لا تعتدوا » أي و لا تجاوزوا من قتال من هو من أهل القتال إلى قتال من لم تؤمروا بقتاله و قيل معناه لا تعتدوا بقتال من لم يبدأكم بقتال « إن الله لا يحب المعتدين » ظاهره يقتضي أن يسخط عليهم لأنه على جهة الذم لهم و قد ذكرنا معنى المحبة لهم فيما مضى و اختلف في الآية هل هي منسوخة أم لا فقال بعضهم منسوخة على ما ذكرناه و روي عن ابن عباس و مجاهد أنها غير منسوخة بل هي خاصة في النساء و الذراري و قيل أمر بقتال أهل مكة و روي عن أئمتنا (عليهم السلام) أن هذه الآية ناسخة لقوله « كفوا أيديكم و أقيموا الصلاة » و كذلك قوله « و اقتلوهم حيث ثقفتموهم » ناسخ لقوله « و لا تطع الكافرين و المنافقين و دع أذاهم » .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page