• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثالث سورة آل عمران آیات 16 الی 22


الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ قِنَا عَذَاب النَّارِ(16) الصبرِينَ وَ الصدِقِينَ وَ الْقَنِتِينَ وَ الْمُنفِقِينَ وَ الْمُستَغْفِرِينَ بِالأَسحَارِ(17)
اللغة
المغفرة هي الستر للذنب برفع التبعة و الذنب و الجرم بمعنى واحد و الفرق بينهما أن أصل الذنب الاتباع فهو مما يتبع عليه العبد من قبيح عمله كالتبعة و الجرم أصله القطع فهو القبيح الذي ينقطع به عن الواجب و الفرق بين القول و الكلام أن القول فيه معنى الحكاية و ليس كذلك الكلام و الصابر الحابس نفسه عن جميع معاصي الله و المقيم على ما أوجب عليه من العبادات و الصادق المخبر بالشيء على ما هو به و القانت المطيع
مجمع البيان ج : 2 ص : 714
و الأسحار جمع سحر و هو الوقت الذي قبل طلوع الفجر أصله الخفاء لخفاء الشخص في ذلك الوقت و السحر منه أيضا لخفاء سببه و السحر الرئة لخفاء موضعها .

الإعراب
يجوز في موضع الذين الرفع و النصب و الجر للإتباع للذين اتقوا و الرفع و النصب على المدح و كذلك باقي الصفات و يجوز أن يكون جرا على الصفة للذين اتقوا .

المعنى
ثم وصف المتقين الذين سبق ذكرهم في قوله للذين اتقوا فقال « الذين يقولون » أي المتقين القائلين « ربنا إننا آمنا » أي صدقنا الله و رسوله « فاغفر لنا ذنوبنا » أي استرها علينا و تجاوزها عنا « و قنا » أي و ادفع عنا « عذاب النار » ثم وصفهم بصفات أخر و مدحهم و أثنى عليهم فقال « الصابرين » أي على فعل ما أمرهم الله به و ترك ما نهاهم عنه و إن شئت قلت الصابرين على الطاعة و عن المعصية « و الصادقين » في إيمانهم و أقوالهم « و القانتين » قيل المطيعين عن قتادة و قيل الدائمين على الطاعة و العبادة عن الزجاج و قيل القائمين بالواجبات عن القاضي « و المنفقين » أموالهم في سبيل الخير و يدخل فيه الزكاة المفروضة و التطوع بالإنفاق « و المستغفرين بالأسحار » المصلين وقت السحر عن قتادة و رواه الرضا عن أبيه (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل السائلين المغفرة في وقت السحر عن أنس و قيل المصلين صلاة الصبح في جماعة عن زيد بن أسلم و قيل الذين ينتهي صلاتهم إلى وقت السحر ثم يستغفرونه و يدعون عن الحسن و روي عن أبي عبد الله أن من استغفر الله سبعين مرة في وقت السحر فهو من أهل هذه الآية و روى أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال إن الله عز و جل يقول إني لأهم بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى عمار بيوتي و إلى المتهجدين و إلى المتحابين في و إلى المستغفرين بالأسحار صرفته عنهم .
شهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَ الْمَلَئكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قَائمَا بِالْقِسطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ(18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاسلَمُ وَ مَا اخْتَلَف الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ وَ مَن يَكْفُرْ بِئَايَتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الحِْسابِ(19)

مجمع البيان ج : 2 ص : 715
القراءة
قرأ الكسائي أن الدين بفتح الألف و الباقون بالكسر قال الزجاج و روي عن ابن عباس قال إنه لا إله إلا هو بكسر الألف و القراءة « أنه » بالفتح .

الحجة
قال أبو علي الوجه الكسر في إن لأن الكلام الذي قبله قد تم و من فتح أن جعله بدلا و البدل و إن كان في تقدير جملتين فإن العامل لما لم يظهر أشبه الصفة فإذا جعلته بدلا جاز أن تبدله من شيئين ( أحدهما ) من قوله « أنه لا إله إلا هو » فكان التقدير شهد الله أن الدين عند الله الإسلام فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو و إن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد و العدل و إن شئت جعلته من القسط لأن الدين الذي هو الإسلام قسط و عدل فيكون من البدل الذي الشيء فيه هو هو و قال غيره إن الأولى و الثانية يجوز في العربية فتحهما جميعا و كسرهما جميعا و فتح الأولى و كسر الثانية و كسر الأولى و فتح الثانية فمن فتحهما أوقع الشهادة على أن الثانية و حذف الإضافة من الأولى و تقديره شهد الله أنه لا إله إلا هو أن الدين عند الله الإسلام و من كسرهما اعترض بالأولى على التعظيم لله تعالى به كما قيل لبيك إن الحمد و النعمة لك و كسر الثانية على الحكاية لأن معنى شهد معنى قال قال المؤرج شهد بمعنى قال في لغة قيس عيلان و من فتح الأولى و كسر الثانية و هو الأجود و عليه أكثر القراء أوقع الشهادة على الأولى و استأنف الثانية و من كسر الأولى أو فتح الثانية اعترض بالأولى و أوقع الشهادة على الثانية .

اللغة
حقيقة الشهادة الإخبار بالشيء عن مشاهدة أو ما يقوم مقام المشاهدة و معنى الدين هاهنا الطاعة و أصله الجزاء و سميت الطاعة دينا لأنها للجزاء و منه الدين لأنه كالجزاء في وجوب القضاء و الإسلام أصله السلم معناه دخل في السلم و أصل السلم السلامة لأنها انقياد على السلامة و يصلح أن يكون أصله التسليم لأنه تسليم لأمر الله و التسليم من السلامة لأنه تأدية الشيء على السلامة من الفساد فالإسلام هو تأدية الطاعات على السلامة من الإدغال و الإسلام و الإيمان بمعنى واحد عندنا و عند المعتزلة غير أن عندهم الواجبات من أفعال الجوارح من الإيمان و عندنا الإيمان من أفعال القلوب الواجبة و ليس من أفعال الجوارح و قد شرحناه في أول البقرة و الإسلام يفيد الانقياد لكل ما جاء به النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من العبادات الشرعية و الاستسلام به و ترك النكير عليه فإذا قلنا دين المؤمن هو الإيمان و هو الإسلام فالإسلام هو الإيمان و نظير ذلك قولنا الإنسان بشر و الإنسان حيوان على الصورة الإنسانية فالحيوان على الصورة الإنسانية بشر و الاختلاف ذهاب أحد النفسين إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر فهذا الاختلاف في الأديان فأما الاختلاف في الأجناس فهو امتناع
مجمع البيان ج : 2 ص : 716
أحد الشيئين أن يسد مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته و البغي طلب الاستعلاء بالظلم و أصله من بغيت الحاجة إذا طلبتها .

الإعراب
قيل في نصب قائما قولان ( أحدهما ) أنه حال من اسم الله تعالى مؤكدة لأن الحال المؤكدة يقع مع الأسماء في غير الإشارة تقول أنه زيد معروفا و هو الحق مصدقا و شهد الله قائما بالقسط أي قائما بالعدل ( و الثاني ) أنه حال من هو من قوله « لا إله إلا هو » و بغيا نصب على وجهين ( أحدهما ) على أنه مفعول له و المعنى « و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب » للبغي بينهم مثل حذر الشر و نحو ذلك و قيل أنه منصوب بما دل عليه و ما اختلف كأنه لما قيل « و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب » دل على ( و ما بغى الذين أوتوا الكتاب ) فحمل بغيا عليه .

المعنى
لما قدم تعالى ذكر أرباب الدين أتبعه بذكر أوصاف الدين فقال « شهد الله أنه لا إله إلا هو » أي أخبر الله بما يقوم مقام الشهادة على وحدانيته من عجيب صنعته و بديع حكمته و قيل معنى شهد الله قضى الله عن أبي عبيدة قال الزجاج و حقيقته علم الله و بين ذلك فإن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه و منه شهد فلان عند القاضي أي بين ما علمه فالله تعالى قد دل على توحيده بجميع ما خلق و بين أنه لا يقدر أحد أن ينشىء شيئا واحدا مما أنشأه « و الملائكة » أي و شهدت الملائكة بما عاينت من عظيم قدرته « و أولوا العلم » أي و شهد أولوا العلم بما ثبت عندهم و تبين من صنعه الذي لا يقدر عليه غيره و روي عن الحسن أن في الآية تقديما و تأخيرا و التقدير شهد الله أنه لا إله إلا هو « قائما بالقسط » و شهدت الملائكة أنه لا إله إلا هو قائما بالقسط و شهد أولوا العلم أنه « لا إله إلا هو » قائما بالقسط و القسط العدل الذي قامت به السماوات و الأرض و رواه أصحابنا أيضا في التفسير و أولوا العلم هم علماء المؤمنين عن السدي و الكلبي و قيل معنى قوله « قائما بالقسط » أنه يقوم بإجراء الأمور و تدابير الخلق و جزاء الأعمال بالعدل كما يقال فلان قائم بالتدبير أي يجري أفعاله على الاستقامة و إنما كرر قوله « لا إله إلا هو » لأنه بين بالأول أنه المستحق للتوحيد لا يستحقه سواه و بالثاني أنه القائم برزق الخلق و تدبيرهم بالعدل لا ظلم في فعله « العزيز الحكيم » من تفسيره و تضمنت الآية الإبانة عن فضل العلم و العلماء لأنه تعالى قرن العلماء بالملائكة و شهادتهم بشهادة الملائكة و خصهم بالذكر كأنه لم يعتد بغيرهم و المراد بهذا العلم التوحيد و ما يتعلق به من علوم الدين لأن الشهادة وقعت عليه
مجمع البيان ج : 2 ص : 717
و مما جاء في فضل العلم و العلماء من الحديث ما رواه جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال ساعة من عالم يتكىء على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما .
و روى أنس بن مالك عنه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال تعلموا العلم فإن تعلمه لله حسنة و مدارسته تسبيح و البحث عنه جهاد و تعليمه من لا يعلمه صدقة و تذكرة لأهله لأنه معالم الحلال و الحرام و منار سبيل الجنة و النار و الأنيس في الوحشة و الصاحب في الغربة و المحدث في الخلوة و الدليل على السراء و الضراء و السلاح على الأعداء و القرب عند الغرباء يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة يقتدى بهم و يقتفي آثارهم و ينتهي إلى رأيهم و ترغب الملائكة في خلتهم و بأجنحتها تمسحهم و في صلاتهم تستغفر لهم و كل رطب و يابس يستغفر لهم حتى حيتان البحار و هوامها و سباع الأرض و أنعامها و السماء و نجومها ألا و إن العلم حياة القلوب و نور الأبصار و قوة الأبدان يبلغ بالعبد منازل الأحرار و مجلس الملوك و الفكر فيه يعدل بالصيام و مدارسته بالقيام و به يعرف الحلال و الحرام و به توصل الأرحام و العلم إمام العمل و العمل تابعه يلهم السعداء و يحرم الأشقياء و مما جاء في فضل هذه الآية ما رواه أنس عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال من قرأ « شهد الله » الآية عند منامه خلق الله منها سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة ، الزبير بن العوام قال قلت لأدنون هذه العشية من رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هي عشية عرفة حتى أسمع ما يقوله فحبست ناقتي بين ناقة رسول الله و ناقة رجل كان إلى جنبه فسمعته يقول « شهد الله أنه لا إله إلا هو » الآية فما زال يرددها حتى رفع .
غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فكنت أختلف إليه فلما كنت ذات ليلة أردت أن انحدر إلى البصرة قام من الليل يتهجد فمر بهذه الآية « شهد الله أنه لا إله إلا هو » الآية ثم قال الأعمش و أنا أشهد بما شهد الله به و استودع الله هذه الشهادة و هي لي عند الله وديعة « إن الدين عند الله الإسلام » قالها مرارا قلت لقد سمع فيها شيئا فصليت معه و ودعته ثم قلت آية سمعتك ترددها فما بلغك فيها ؟ قال لا أحدثك بها إلى سنة فكتبت على بابه ذلك اليوم أقمت سنة فلما مضت السنة قلت يا أبا محمد قد مضت السنة فقال حدثني أبو وائل عن عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يجاء بصاحبها يوم القيامة فتقول الله إن لعبدي هذا عهدا عندي و أنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي هذا الجنة و قال سعيد بن جبير كان حول الكعبة ثلاثمائة و ستون صنما فلما نزلت « شهد الله أنه لا إله إلا هو » الآية خررن سجدا و قوله « إن الدين » أي الطاعة « عند الله » هو « الإسلام » و قيل المراد بالإسلام التسليم لله و لأوليائه و هو التصديق و روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له أنه قال لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي الإسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين
مجمع البيان ج : 2 ص : 718
و اليقين هو التصديق و التصديق هو الإقرار و الإقرار هو الأداء و الأداء هو العمل رواه علي بن إبراهيم في تفسيره قال ثم قال إن المؤمن أخذ دينه عن ربه و لم يأخذه عن رأيه إن المؤمن يعرف إيمانه في عمله و إن الكافر يعرف كفرانه بإنكاره أيها الناس دينكم دينكم فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره إن السيئة فيه تغفر و إن الحسنة في غيره لا تقبل « و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب » معناه و ما اختلف اليهود و النصارى في صدق نبوة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لما كانوا يجدونه في كتبهم بنعته و صفته و وقت خروجه « إلا من بعد ما جاءهم العلم » بعد ما جاءهم للعلم ثم أخبر عن علة اختلافهم فقال « بغيا بينهم » أي حسدا و تقديره و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم و العلم المذكور يجوز أن يراد به البينات التي هي طرق العلم فيدخل فيه المبطلون من أهل الكتاب علموا أو لم يعلموا و يحتمل أن يراد به نفس العلم فلا يدخل فيه إلا من علم بصفة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و كتمه عنادا و قيل المراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود و الكتاب التوراة لما عهد موسى (عليه السلام) إليهم و أقام فيهم يوشع بن نون و مضى ثلاثة قرون و اختلفوا عن الربيع و قيل المراد ب « الذين أوتوا الكتاب » النصارى و الكتاب الإنجيل و اختلفوا في أمر عيسى (عليه السلام) عن محمد بن جعفر بن الزبير و قيل خرج مخرج الجنس و معناه كتب الله المتقدمة و اختلفوا بعدها في الدين عن الجبائي « و من يكفر ب آيات الله » أي بحججه و قيل بالتوراة و الإنجيل و ما فيهما من صفة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قيل بالقرآن و ما دل عليه « فإن الله سريع الحساب » أي لا يفوته شيء من أعمالهم و قيل معناه سريع الجزاء و حقيقة الحساب أن تأخذ ما لك و تعطي ما عليك .
فَإِنْ حَاجُّوك فَقُلْ أَسلَمْت وَجْهِىَ للَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ وَ قُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب وَ الأُمِّيِّينَ ءَ أَسلَمْتُمْ فَإِنْ أَسلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّ إِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَغُ وَ اللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ(20)
القراءة
حذف عاصم و حمزة و الكسائي الياء من اتبعني اجتزاء بالكسرة و اتباعا للمصحف و أثبتها الباقون على الأصل .

الحجة
حذف الياء في أواخر الآي أحسن لأنها تشبه القوافي و يجوز في وسط الآي أيضا و أحسنها ما كان قبلها نون مثل قوله « و من اتبعن » فإن لم يكن نون جاز أيضا نحو
مجمع البيان ج : 2 ص : 719
قولك هذا غلام و ما أشبه ذلك و الأجود إثبات الياء و إن شئت أسكنت الياء و إن شئت فتحتها .

الإعراب
« و من اتبعن » في محل الرفع عطفا على التاء في قوله « أسلمت » و لم يؤكد الضمير فلم يقل أسلمت أنا و من اتبعن و لو قلت أسلمت و زيد لم يحسن إلا أن تقول أسلمت أنا و زيد و إنما جاز هنا لطول الكلام فصار طوله عوضا من تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل .

المعنى
لما قدم الله سبحانه ذكر الإيمان و الإسلام خاطب نبيه فقال « فإن حاجوك » المعنى فإن حاجك و خاصك النصارى و هم وفد نجران « فقل » يا محمد « أسلمت وجهي لله » و فيه وجهان ( أحدهما ) أن معناه انقدت لأمر الله في إخلاص التوحيد له و الحجة فيه أنه ألزمهم على ما أقروا من أن الله خالقهم اتباع أمره في أن لا يعبدوا إلا إياه ( و الثاني ) أن معناه أعرضت عن كل معبود دون الله و أخلصت قصدي بالعبادة إليه و ذكر الأصل الذي يلزم جميع المكلفين الإقرار به لأنه لا يتبعض فيما يحتاج إلى العمل عليه في الدين الذي هو طريق النجاة من العذاب إلى النعيم و معنى وجهي هنا نفسي و أضاف الإسلام إلى الوجه لأن وجه الشيء أشرف ما فيه لأنه يجمع الحواس و عليه يظهر آية الحزن و السرور فمن أسلم وجهه فقد أسلم كله و منه قوله كل شيء هالك إلا وجهه « و من اتبعني » أي و من اهتدى بي في الدين من المسلمين فقد أسلموا أيضا كما أسلمت « و قل » يا محمد « للذين أوتوا الكتاب » يعني اليهود و النصارى « و الأميين » أي الذين لا كتاب لهم عن ابن عباس و غيره و هم مشركو العرب و قد مر تفسير الأمي و اشتقاقه عند قوله و منهم أميون « أ أسلمتم » أي أخلصتم كما أخلصت لفظه لفظ الاستفهام و هو بمعنى التوقيف و التهديد فيكون متضمنا للأمر فيكون معناه أسلموا فإن الله تعالى أزاح العلل و أوضح السبل و نظيره فهل أنتم منتهون أي انتهوا و هذا كما يقول الإنسان لغيره و قد وعظه بمواعظ أقبلت وعظي يدعوه إلى قبول الوعظ « فإن أسلموا فقد اهتدوا » إلى طريق الحق « و إن تولوا » أي كفروا و لم يقبلوا و أعرضوا عنه « فإنما عليك البلاغ » معناه فإنما عليك أن تبلغ و تقيم الحجة و ليس عليك أن لا يتولوا « و الله بصير بالعباد » معناه هاهنا أنه لا يفوته شيء من أعمالهم التي يجازيهم بها لأنه بصير بهم أي عالم بهم و بسرائرهم لا يخفى عليه خافية و قيل معناه عالم بما يكون منك في التبليغ و منهم في الإيمان و الكفر .

مجمع البيان ج : 2 ص : 720
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيرِ حَقّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشرْهُم بِعَذَاب أَلِيم(21) أُولَئك الَّذِينَ حَبِطت أَعْمَلُهُمْ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ مَا لَهُم مِّن نَّصِرِينَ(22)
القراءة
قرأ حمزة يقاتلون بالألف و قيل إنما قرأها اتباعا لمصحف عبد الله بن مسعود لأن فيه و قاتلوا الذين يأمرون و الباقون « يقتلون » و هي القراءة الظاهرة .

الإعراب
إنما دخلت الفاء في قوله « فبشرهم » لشبه الجزاء و إنما لم يجز ليت الذي يقوم فيكرمك و جاز أن الذي يقوم فيكرمك لأن الذي إنما دخلت الفاء في خبرها لما في الكلام من معنى الجزاء و ليت تبطل معنى الجزاء و ليس كذلك أن لأنها بمنزلة الابتداء .

المعنى
لما قدم سبحانه ذكر الاحتجاج على أهل الكتاب و حسن الوعد لهم أن أسلموا و شدة الوعيد إن أبوا فصل في هذه الآية كفرهم فقال « إن الذين يكفرون » أي يجحدون حجج الله تعالى و بيناته « و يقتلون النبيين » قيل هم اليهود فقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة فقال رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر ثم قرأ « و يقتلون النبيين بغير حق و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس » ثم قال (عليه السلام) يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة و أربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل و اثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف و نهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم و هو الذي ذكره الله تعالى « فبشرهم بعذاب أليم » أي أخبرهم بأن لهم العذاب الأليم و إنما قال « بشرهم » على طريق الاتباع و الاستعارة و البشارة تكون في الخير دون الشر لأن ذلك لهم مكان البشارة للمؤمنين و لأنها مأخوذة من البشرة و بشرة الوجه تتغير بالسرور في الخير و بالغم في الشر و يقال كيف قال « فبشرهم » و إنما قتل الأنبياء أسلافهم بالجواب لأنهم رضوا بأفعالهم و اقتدوا بهم فأجملوا معهم و قيل معناه بشر هؤلاء بالعذاب الأليم لأسلافهم و قوله
مجمع البيان ج : 2 ص : 721
« بغير حق » لا يدل على أن في قتل النبيين ما هو حق بل المراد بذلك أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق كقوله و من يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به و المراد بذلك تأكيد النفي و المبالغة فيه كما يقال فلان لا يرجى خيره و الغرض في ذلك أنه لا خير عنده على وجه من الوجوه و كما قال أبو ذؤيب :
متفلق أنساؤها عن قانىء
كالقرط صاو غبره لا يرضع أي ليس له بقية لبن فيرضع و على هذا فقد وصف القتل بما لا بد أن يكون عليه من الصفة و هو وقوعه على خلاف الحق و كذلك الدعاء في قوله تعالى « و من يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به » وصفه بأنه لا يكون إلا من غير برهان و قد استدل علي بن عيسى بهذه الآية على جواز إنكار المنكر مع خوف القتل و بالخبر الذي رواه الحسن عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر يقتل عليه و هذا فيه نظر لأن من شرط حسن إنكار المنكر أن لا يكون فيه مفسدة و متى أدى إلى القتل فقد انتفى عنه هذا الشرط فيكون قبيحا و الوجه في الآية و الأخبار التي جاءت في معناها أن يغلب على الظن أن إنكار المنكر لا يؤدي إلى مفسدة فيحسن ذلك بل يجب و إن تعقبه القتل لأنه ليس من شرطه أن يعلم ذلك بل يكفي فيه غلبة الظن « أولئك الذين » كفروا ب آيات الله و قتلوا الأنبياء و الأمرين بالمعروف « حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة » يريد بأعمالهم ما هم عليه من ادعائهم التمسك بالتوراة و إقامة شريعة موسى (عليه السلام) و أراد ببطلانها في الدنيا أنها لم تحقن دماءهم و أموالهم و لم ينالوا بها الثناء و المدح و في الآخرة أنهم لم يستحقوا بها مثوبة فصارت كأنها لم تكن لأن حبوط العمل عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب و الأجر و المدح و حسن الذكر و إنما تحبط الطاعة حتى تصير كأنها لم تفعل إذا وقعت على خلاف الوجه المأمور به « و ما لهم من ناصرين » يدفعون عنهم العذاب .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page