• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الرابع سورة آل عمران آیات 166 الی 173


وَ مَا أَصبَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَْمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ(166) وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَتِلُوا فى سبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَكُمْ هُمْ لِلْكفْرِ يَوْمَئذ أَقْرَب مِنهُمْ لِلايِمَنِ يَقُولُونَ بِأَفْوَهِهِم مَّا لَيْس فى قُلُوبهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بمَا يَكْتُمُونَ(167)
الإعراب
الفاء إنما دخلت في قوله « فبإذن الله » لأن خبر ما الذي بمعنى الذي يشبه جواب الجزاء لأنه معلق بالفعل في الصلة كتعليقه بالفعل في الشرط كقولك الذي قام فمن أجل أنه كريم أي لأجل قيامه صح أنه كريم و من أجل كرمه قام .

المعنى
« و ما أصابكم » أيها المؤمنون « يوم التقى الجمعان » جمع المسلمين و جمع المشركين يعني يوم أحد من النكبة بقتل من قتل منكم « فبإذن الله » أي بعلم الله و منه قوله و أذان من الله أي إعلام و قيل بتخلية الله بينكم و بينهم التي تقوم مقام الإطلاق في الفعل برفع الموانع و التمكين من الفعل الذي يصح معه التكليف و قيل بعقوبة الله فإن الله تعالى جعل لكل ذنب عقوبة و كان ذلك عقوبة لهم من الله على ترك أمر رسول الله و لا يجوز أن يكون المراد بالإذن هاهنا الإباحة و الإطلاق كما يقتضيه اللفظ لأن الله
مجمع البيان ج : 2 ص : 878
لا يبيح المعاصي و لا يطلقها و قتل الكافر المسلم من أعظم المعاصي فكيف يأذن فيه « و ليعلم » الله « المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا » معناه و ليميز المؤمنين من المنافقين لأن الله عالم بالأشياء قبل كونها فلا يجوز أن يعلم عند ذلك ما لم يكن عالما به إلا أن الله أجرى على المعلوم لفظ العلم مجازا أي ليظهر المعلوم من المؤمن و المنافق « قيل لهم » أي للمنافقين « تعالوا قاتلوا في سبيل الله » قالوا إن عبد الله بن أبي و المنافقين معه من أصحابه انخذلوا يوم أحد نحوا من ثلثمائة رجل و قالوا علام نقتل أنفسنا و قال لهم عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري « تعالوا قاتلوا في سبيل الله » و اتقوا الله و لا تخذلوا نبيكم « أو ادفعوا » عن حريمكم و أنفسكم إن لم تقاتلوا في سبيل الله و قيل معناه أقيموا معنا و كثروا سوادنا و هذا يدل على أن تكثير سواد المجاهدين معدود في الجهاد و بمنزلة القتال « قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم » يعني قال المنافقون لو علمنا قتالا لقاتلناهم قالوا ذلك إبلاء لعذرهم في ترك القتال و الرجوع إلى المدينة فقال لهم أبعدكم الله ، الله يغني عنكم و قيل إنما القائل لذلك رسول الله يدعوهم إلى القتال عن الأصم « هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان » يعني بإظهار هذا القول صاروا أقرب إلى الكفر إذ كانوا قبل ذلك في ظاهر أحوالهم أقرب إلى الإيمان حتى هتكوا الستر فعلم المؤمنون منهم ما لم يعلموه و اللام بمعنى إلى يعني هم إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان كقوله تعالى « الحمد لله الذي هدانا لهذا » أي إلى هذا « يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم » ذكر الأفواه تأكيدا لأن القول قد يضاف إليها و قيل إنما ذكر الأفواه فرقا بين قول اللسان و قول الكتاب و المراد به قولهم لو نعلم قتالا لاتبعناكم و إضمارهم أنه لو كان قتال لم يقاتلوا معهم و لم ينصروا النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قيل معناه يقولون بأفواههم من التقرب إلى الرسول و الإيمان ما ليس في قلوبهم فإن في قلوبهم الكفر « و الله أعلم بما يكتمون » أي بما يضمرونه من النفاق و الشرك .
الَّذِينَ قَالُوا لاخْوَنهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكمُ الْمَوْت إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(168)
اللغة
الدرء الدفع يقال درأ عنه أي دفع عنه قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 2 ص : 879

تقول إذا درأت لها وضيني
أ هذا دينه أبدا و ديني .

الإعراب
موضع الذين يحتمل أن يكون نصبا على البدل من الضمير في يكتمون و يحتمل أن يكون رفعا على خبر الابتداء على تقديرهم الذين قالوا .

المعنى
« الذين قالوا » يعني المنافقين « لإخوانهم » في النسب لا في الدين يعني عبد الله بن أبي و أصحابه قالوا في قتلي أحد « و قعدوا » هم يعني هؤلاء القائلون عن جابر و قتادة و السدي و الربيع « لو أطاعونا » في القعود في البيت و ترك الخروج إلى القتال « ما قتلوا قل » لهم يا محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « فادرءوا » أي فادفعوا « عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين » في هذه المقالة و لا يمكنهم دفع الموت لأنه يجوز أن يدخل عليهم العدو فيقتلهم في قعر بيوتهم و إنما ألزمهم الله دفع الموت عن أنفسهم بمقالتهم أنهم لو لم يخرجوا لم يقتلوا لأن من علم الغيب في السلامة من القتل يجب أن يمكنه أن يدفع عن نفسه الموت فينبغي أن يدفعه هذا القائل فإنه أجدى عليه و في هذا ترغيب في الجهاد و بيان أن كل أحد يموت بأجله .
فلا ينبغي أن يجعل ذلك عذرا في القعود عن الجهاد لأن المجاهد ربما يسلم و القاعد ربما يموت فيجب أن يكون على الله التكلان .
وَ لا تحْسبنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فى سبِيلِ اللَّهِ أَمْوَتَا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَ يَستَبْشرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ(170) *يَستَبْشرُونَ بِنِعْمَة مِّنَ اللَّهِ وَ فَضل وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ(171)
القراءة
قرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ الكسائي وحده إن الله
مجمع البيان ج : 2 ص : 880
لا يضيع بكسر الألف و الباقون بالفتح .

الحجة
من قرأ « قتلوا » بالتخفيف فالوجه فيه إن التخفيف يصلح للقليل و الكثير و وجه الفتح في أن أن المعنى و يستبشرون بأن الله لا يضيع أجرهم و يتوفر ذلك عليهم و يوصله إليهم من غير نقص و بخس و وجه الكسر على الاستئناف .

اللغة
أصل البشارة من البشرة لظهور السرور فيها و منه البشر لظهور بشرته و المستبشر من طلب السرور في البشارة فوجده و لحقت الشيء و ألحقته غيري و قيل لحقت و ألحقت لغتان بمعنى واحد و جاء في الدعاء أن عذابك بالكفار ملحق بكسر الحاء أي لاحق و النعمة هي المنفعة التي يستحق بها الشكر إذا كانت خالية من وجوه القبح لأن المنفعة على ضربين - ( أحدهما ) - منفعة اغترار و حيلة - ( و الآخر ) - منفعة خالصة من شائبة الإساءة و النعمة تعظم بفعل غير المنعم كنعمة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على من دعاه إلى الإسلام فاستجاب له لأن دعاءه أنفع من وجهين - ( أحدهما ) - حسن النية في دعائه إلى الحق ليستجيب له ( و الآخر ) بقصده الدعاء إلى حق يعلم أن يستجيب له المدعو و إنما يستدل بفعل غير المنعم على موضع النعمة في الجلالة و عظم المنزلة .

الإعراب
أحياء رفع بأنه خبر مبتدإ محذوف أي بل هم أحياء و لا يجوز النصب فيه بحال لأنه يصير التقدير فيه بل احسبهم أحياء و المراد بل أعلمهم أحياء و يرزقون في موضع رفع صفة لأحياء و فرحين نصب على الحال من يرزقون و هو أولى من رفعه عطفا على بل أحياء لأن النصب ينبىء عن اجتماع الرزق و الفرح في حال واحدة و لو رفع على الاستئناف لكان جائزا و قال الخليل موضع « ألا خوف عليهم » جر بالباء على تقدير بأن لا خوف عليهم و قال غيره موضعه نصب على أنه بدل من قوله « الذين لم يلحقوا » و هو بدل الاشتمال مثل قوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه .

النزول
قيل نزلت في شهداء بدر و كانوا أربعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار و ستة من المهاجرين و قيل نزلت في شهداء أحد و كانوا سبعين رجلا أربعة من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب و مصعب بن عمير و عثمان بن شماس و عبد الله بن جحش و سائرهم
مجمع البيان ج : 2 ص : 881
من الأنصار عن ابن مسعود و الربيع و قتادة و قال الباقر (عليه السلام) و كثير من المفسرين أنها تتناول قتلي بدر و أحد معا و قيل نزلت في شهداء بئر معونة و كان سبب ذلك ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار بإسناده عن أنس بن مالك و غيره قالوا قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة و كان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول الله المدينة و أهدى له هدية فأبى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يقبلها و قال يا أبا براء لا أقبل هدية مشرك فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك و قرأ عليه القرآن فلم يسلم و لم يعد و قال يا محمد إن أمرك هذا الذي تدعو إليه حسن جميل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك فبعث رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة و حرام بن ملحان و عروة بن أسماء بن صلت السلمي و نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و ذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد فساروا حتى نزلوا بئر معونة فلما نزلوا قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله أهل هذه الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بكتاب رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلى عامر بن الطفيل فلما أتاهم لم ينظر عامر في كتاب رسول الله فقال حرام يا أهل بئر معونة أني رسول رسول الله إليكم و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله ف آمنوا بالله تعالى و رسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال الله أكبر فزت و رب الكعبة ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه و قالوا لن نخفر أبا براء قد عقد لهم عقدا و جوارا فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية و رعلا و ذكوانا فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا السيوف فقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه و به رمق فارتث بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق و كان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري و رجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير يحوم حول العسكر فقالوا و الله إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا إليه فإذا القوم في دمائهم و إذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري
مجمع البيان ج : 2 ص : 882
لعمرو بن أمية ما ذا ترى قال أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر فقال الأنصاري لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل و أخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبرهم أنه من ضمر أطلقه عامر بن الطفيل و جز ناصيته و أعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أبيه فقدم عمرو بن أمية على رسول الله و أخبره الخبر فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) هذا عمل أبي براء و قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه و ما أصاب رسول الله بسببه فقال حسان بن ثابت يحرض أبا براء على عامر بن الطفيل :
بني أم البنين أ لم يرعكم
و أنتم من ذوائب أهل نجد
تهكم عامر بأبي براء
ليخفره و ما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي
فما أحدثت في الحدثان بعدي
أبوك أبو الحروب أبو براء
و خالك ماجد حكم بن سعد و قال كعب بن مالك :
لقد طارت شعاعا كل وجه
خفارة ما أجار أبو براء
بني أم البنين أ ما سمعتم
دعاء المستغيث مع النساء
و تنوية الصريخ بلى و لكن
عرفتم أنه صدق اللقاء فلما بلغ ربيعة بن أبي براء قول حسان و قول كعب حمل على عامر بن الطفيل و طعنه فخر عن فرسه فقال هذا عمل أبي براء إن مت فدمي لعمي و لا يتبعن سواي و إن عشت فسأرى فيه رأيي قال فأنزل الله في شهداء بئر معونة قرآنا بلغوا قومنا عنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا و رضينا عنه ثم نسخت و رفعت بعد ما قرأناها و أنزل الله تعالى « و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله » الآية .

المعنى
لما حكى الله سبحانه قول المنافقين في المقتولين الشهداء تثبيطا للمؤمنين عن جهاد الأعداء ذكر بعده ما أعد الله للشهداء من الكرامة و خصهم به من النعيم في دار المقامة فقال « و لا تحسبن » و الخطاب للنبي أو يكون على معنى لا تحسبن أيها السامع أو أيها الإنسان « الذين قتلوا في سبيل الله » أي في الجهاد و في نصرة دين الله
مجمع البيان ج : 2 ص : 883
« أمواتا » أي موتى كما مات من لم يقتل في سبيل الله في الجهاد « بل أحياء » أي بل هم أحياء و قد مر تفسيره في سورة البقرة عند قوله « و لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات » الآية و قوله « عند ربهم » فيه وجهان ( أحدهما ) أنهم بحيث لا يملك لهم أحد نفعا و لا ضرا إلا ربهم و ليس المراد بذلك قرب المسافة لأن ذلك من صفة الأجسام و ذلك مستحيل على الله تعالى ( و الآخر ) أنهم عند ربهم أحياء من حيث يعلمهم كذلك دون الناس عن أبي علي الجبائي و روي عن ابن عباس و ابن مسعود و جابر أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر ترد أنهار الجنة و تأكل من ثمارها و روي عنه أنه قال لجعفر بن أبي طالب و قد استشهد في غزاة موته رأيته و له جناحان يطير بهما مع الملائكة في الجنة و أنكر بعضهم حديث الأرواح و قال الروح عرض لا يجوز أن يتنعم و هذا لا يصح لأن الروح جسم رقيق هوائي مأخوذ من الريح و يدل على ذلك أنه يخرج من البدن و يرد إليه و هي الحساسة الفعالة دون البدن و ليست من الحياة في شيء لأن ضد الحياة الموت و ليس كذلك الروح و هذا قول علي بن عيسى « يرزقون » من نعيم الجنة غدوا و عشيا و قيل يرزقون النعيم في قبورهم « فرحين بما آتاهم الله من فضله » أي يسرون بما أعطاهم الله من ضروب نعمه في الجنة و قيل في قبورهم و قيل معناه فرحين بما نالوا من الشهادة و جزائها « و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم » أي يسرون بإخوانهم الذين فارقوهم و هم أحياء في الدنيا على مناهجهم من الإيمان و الجهاد لعلمهم بأنهم إن استشهدوا لحقوا بهم و صاروا من كرامة الله إلى مثل ما صاروا هم إليه يقولون إخواننا يقتلون كما قتلنا فيصيبون من النعيم مثل ما أصبنا عن ابن جريج و قتادة و قيل أنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من تقدم عليه من إخوانه فيسر بذلك و يستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا عن السدي و قيل معناه لم يلحقوا بهم في الفضل إلا أن لهم فضلا عظيما بتصديقهم و إيمانهم عن الزجاج « ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون » أي يستبشرون بأن لا خوف عليهم و ذلك لأنه بدل من قوله « الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم » لأن الذين يلحقون بهم مشتملون على عدم الحزن فالاستبشار هنا إنما يقع بعدم خوف هؤلاء اللاحقين و معناه لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم لأن الله تعالى يتولاهم و لا هم يحزنون على ما خلفوا من أموالهم لأن الله قد أجزل ما عوضهم و قيل معناه لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه لأن الله محص ذنوبهم بالشهادة و لا
مجمع البيان ج : 2 ص : 884
هم يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة « يستبشرون » يعني هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله الذين وصفهم الله بأنهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله « بنعمة من الله و فضل » الفضل و النعمة عبارتان يعبر بهما عن معنى واحد قيل في تكراره قولان ( أحدهما ) إن المراد أنها ليست نعمة على قدر الكفاية من غير مضاعفة السرور و اللذة فالنعمة ما استحقوه بطاعتهم و الفضل ما زادهم من المضاعفة في الأجر ( و الآخر ) إنه للتأكيد و تمكين المعنى في النفس و المبالغة « و أن الله لا يضيع أجر المؤمنين » أي يوفر جزاءهم و إنما ذكر ذلك و إن كان غيرهم يعلم ذلك لأنهم يعلمونه بعلم الموت ضرورة و إنما يعلمونه في دار التكليف استدلالا و ليس الاستدلال كالمشاهدة و لا الخبر كالمعاينة فإن مع الضرورة و العيان يتضاعف سرورهم و يشتد ارتباطهم و فيه دلالة على أن الثواب مستحق و إن الله لا يبطله البتة و إن الإثابة لا تكون إلا من قبله تعالى و لذلك أضاف نفي الإضاعة إلى نفسه و ما روي في الأخبار من ثواب الشهداء أكثر من أن يحصى أعلاها إسنادا ما رواه علي بن موسى الرضا (عليهماالسلام) عن الحسين بن علي (عليهماالسلام) قال بينما أمير المؤمنين يخطب و يحضهم على الجهاد إذ قام إليه شاب فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله فقال كنت رديف رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على ناقته العضباء و نحن منقلبون عن غزوة ذات السلاسل فسألته عما سألتني عنه فقال الغزاة إذا هموا بالغزو كتب الله لهم براءة من النار فإذا تجهزوا لغزوهم باهى الله بهم الملائكة فإذا ودعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان و البيوت و يخرجون من الذنوب كما تخرج الحية من سلخها و يوكل الله بكل رجل أربعين ملكا يحفظونه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و لا يعمل حسنة إلا ضعف له و يكتب له كل يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله ألف سنة كل سنة ثلاثمائة و ستون يوما اليوم مثل عمر الدنيا و إذا صاروا بحضرة عدوهم انقطع علم أهل الدنيا عن ثواب الله إياهم فإذا برزوا لعدوهم و أشرعت الأسنة و فوقت السهام و تقدم الرجل إلى الرجل حفتهم الملائكة بأجنحتها يدعون الله بالنصرة و التثبيت فينادي مناد الجنة تحت ظلال السيوف فتكون الطعنة و الضربة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف و إذا زال الشهيد من فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتى يبعث الله إليه زوجته من الحور العين فتبشره بما أعد الله له من الكرامة فإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض مرحبا بالروح الطيب الذي أخرج من البدن الطيب أبشر فإن لك ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و يقول الله عز و جل أنا خليفته في أهله من أرضاهم فقد أرضاني و من أسخطهم فقد أسخطني و يجعل الله روحه في حواصل طير
مجمع البيان ج : 2 ص : 885
خضر تسرح في الجنة حيث يشاء تأكل من ثمارها و تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش و يعطي الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس سلوك كل غرفة ما بين صنعاء و الشام يملأ نورها ما بين الخافقين في كل غرفة سبعون بابا على كل باب سبعون مصراعا من ذهب على كل باب سبعون غرفة مسبلة في كل غرفة سبعون خيمة في كل خيمة سبعون سريرا من ذهب قوائمها الدر و الزبرجد مرمولة بقضبان الزمرد على كل سرير أربعون فراشا غلظ كل فراش أربعون ذراعا على كل فراش زوجة من الحور العين عربا أترابا فقال أخبرني يا أمير المؤمنين عن العروبة فقال هي الغنجة الرضية الشهية لها سبعون ألف وصيف و سبعون ألف وصيفة صفر الحلي بيض الوجوه عليهن تيجان اللؤلؤ على رقابهم المناديل بأيديهم الأكوبة و الأباريق فإذا كان يوم القيامة فو الذي نفسي بيده لو كان الأنبياء على طريقهم لترجلوا لهم لما يرون من بهائهم حتى يأتوا إلى موائد من الجواهر فيقعدون عليها و يشفع الرجل منهم في سبعين ألفا من أهل بيته و جيرانه حتى أن الجارين يتخاصمان أيهما أقرب جوارا فيقعدون معي و مع إبراهيم على مائدة الخلد فينظرون إلى الله عز و جل في كل يوم بكرة و عشيا .
الَّذِينَ استَجَابُوا للَّهِ وَ الرَّسولِ مِن بَعْدِ مَا أَصابهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسنُوا مِنهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ(172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَناً وَ قَالُوا حَسبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكيلُ(173)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page