• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الخامس سورة النساء آیات52 الی59


أُولَئك الَّذِينَ لَعَنهُمُ اللَّهُ وَ مَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تجِدَ لَهُ نَصِيراً(52)

مجمع البيان ج : 3 ص : 92
اللغة
الجبت لا تصريف له في اللغة العربية و روي عن سعيد بن جبير أنه قال هو السحر بلغة أهل الحبشة و هذا يحمل على موافقة اللغتين أو على أن العرب أدخلوها في لغتهم فصارت لغة لهم و اللعنة الإبعاد من رحمة الله عقابا على معصيته فلذلك لا يجوز لعن البهائم و لا من ليس بعاقل من المجانين و الأطفال لأنه سؤال العقوبة لمن يستحقها فمن لعن بهيمة أو حشرة أو نحو ذلك فقد أخطأ لأنه سأل الله تعالى ما لا يجوز في حكمته فإن قصد بذلك الإبعاد على وجه العقوبة جاز .

الإعراب
سبيلا منصوب على التمييز كما تقول هذا أحسن منك وجها أولئك لفظة جمع واحدة ذا في المعنى كما يقال نسوة في جمع امرأة و غلب على أولاء هاء للتنبيه و ليس ذلك في أولئك لأن في حرف الخطاب تنبيها للمخاطب و صار الكاف معاقبا للهاء التي للتنبيه في أكثر الاستعمال .

النزول
قيل كان أبو برزة كاهنا في الجاهلية فتنافس إليه ناس ممن أسلم فنزلت الآية عن عكرمة و قيل و هو قول أكثر المفسرين أن كعب بن الأشرف خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشا على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و ينقضوا العهد الذي كان بينهم و بين رسول الله فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه و نزلت اليهود في دور قريش فقال أهل مكة إنكم أهل كتاب و محمد صاحب كتاب فلا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين و آمن بهما ففعل فذلك قوله « يؤمنون بالجبت و الطاغوت » ثم قال كعب يا أهل مكة ليجىء منكم ثلاثون و منا ثلاثون فنلصق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد ففعلوا ذلك فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب أنك امرؤ تقرأ الكتاب و تعلم و نحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقا و أقرب إلى الحق نحن أم محمد قال كعب أعرضوا علي دينكم فقال أبو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء و نسقيهم الماء و نقري الضيف و نفك العاني و نصل الرحم و نعمر بيت ربنا و نطوف به و نحن أهل الحرم و محمد فارق دين آبائه و قطع الرحم و فارق الحرم و ديننا القديم و دين محمد الحديث فقال أنتم و الله أهدى سبيلا مما عليه محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأنزل الله « أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب » .

مجمع البيان ج : 3 ص : 93
المعنى
فالمعني بذلك كعب بن الأشرف و جماعة من اليهود الذين كانوا معه بين الله أفعالهم القبيحة و ضمها إلى ما عدده فيما تقدم فقال « يؤمنون بالجبت و الطاغوت » يعني بهما الصنمين اللذين كانا لقريش و سجد لهما كعب بن الأشرف « و يقولون للذين كفروا » أبي سفيان و أصحابه « هؤلاء أهدى من الذين آمنوا » محمد و أصحابه « سبيلا » أي دينا عن عكرمة و جماعة من المفسرين و قيل إن المعني بالآية حيي بن أخطب و كعب بن الأشرف و سلام بن أبي الحقيق و أبو رافع في جماعة من علماء اليهود و الجبت الأصنام و الطاغوت تراجمة الأصنام الذين كانوا يتكلمون بالتكليب عنها عن ابن عباس و قيل الجبت الساحر و الطاغوت الشيطان عن ابن زيد و قيل الجبت السحر عن مجاهد و الشعبي و قيل الجبت الساحر و الطاغوت الكاهن عن أبي العالية و سعيد بن جبير و قيل الجبت إبليس و الطاغوت أولياؤه و قيل هما كلما عبد من دون الله من حجر أو صورة أو شيطان عن أبي عبيدة و قيل الجبت هنا حيي بن أخطب و الطاغوت كعب بن الأشرف عن الضحاك و بعض الروايات عن ابن عباس و المراد بالسبيل في الآية الدين و إنما سمي سبيلا لأنه كالطريق في الاستمرار عليه ليؤدي إلى المقصود « أولئك » إشارة إلى الذين تقدم ذكرهم « الذين لعنهم الله » أي أبعدهم من رحمته و أخزاهم و خذلهم و أقصاهم « و من يلعن الله » أي و من يلعنه الله « فلن تجد له نصيرا » أي معينا يدفع عنه عقاب الله تعالى الذي أعده له و قيل فلن تجد له نصيرا في الدنيا و الآخرة لأنه لا يعتد بنصرة من ينصره مع خذلان الله إياه .
أَمْ لهَُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاس نَقِيراً(53) أَمْ يحْسدُونَ النَّاس عَلى مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَهِيمَ الْكِتَب وَ الحِْكْمَةَ وَ ءَاتَيْنَهُم مُّلْكاً عَظِيماً(54) فَمِنهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ وَ مِنهُم مَّن صدَّ عَنْهُ وَ كَفَى بجَهَنَّمَ سعِيراً(55)
اللغة
النقير من النقر و هو النكت و منه المنقار لأنه ينقر به و الناقور الصور لأنه ينقر فيه بالنفخ المصوت و النقير خشبة ينقر و ينبذ فيها و انتقر اختص كما تختص بالنقر واحدا واحدا قال طرفة :
مجمع البيان ج : 3 ص : 94

نحن في المشتاة ندعو الجفلى
لا ترى الأدب فيها ينتقر و الحسد تمني زوال النعمة عن صاحبها لما يلحق من المشقة في نيله لها و هو خلاف الغبطة لأن الغبطة تمني مثل تلك النعمة لأجل السرور بها لصاحبها و لهذا صار الحسد مذموما و الغبطة غير مذمومة و قيل إن الحسد من إفراط البخل لأن البخل منع النعمة لمشقة بذلها و الحسد تمني زوالها لمشقة نيل صاحبها فالعمل فيهما على المشقة بنيل النعمة و أصل السعير من السعر و هو إيقاد النار و استعرت النار أو الحرب أو الشر و سعرتها أو أسعرتها و السعر سعر المتاع و سعره تسعيرا و ذلك لاستعار السوق بحماها في البيع و الساعور كالتنور .

الإعراب
أم هذه هي المنقطعة و ليست المعادلة لهمزة الاستفهام التي تسمى المتصلة و تقديره بل أ لهم نصيب من الملك و قال بعضهم إن همزة الاستفهام محذوفة من الكلام لأن أم لا تجيء مبتدأة بها و تقديره أ هم أولى بالنبوة أم لهم نصيب من الملك فيلزم الناس طاعتهم و هذا ضعيف لأن حذف الهمزة إنما يجوز في ضرورة الشعر و لا ضرورة في القرآن و إذن لم يعمل في يؤتون لأنها إذا وقعت بين الفاء و الفعل أو بين الواو و الفعل جاز أن تقدر متوسطة فتلغى كما يلغى ظننت و أخواتها إذا توسطت أو تأخرت لأن النية به التأخير فالتقدير فلا يؤتون الناس نقيرا إذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا إذن ، و يجوز أن تقدر مستأنفة فتعمل مع حرف العطف و لو قرأ « فإذا لا يؤتون الناس » لجاز لكن القراءة سنة متبعة و إذا لا تعمل في الفعل النصب إلا بشروط أربعة أن تكون جوابا لكلام و أن تكون مبتدأة في اللفظ و أن لا يكون ما بعدها متعلقا بما قبلها و يكون الفعل بعدها مستقبلا .

المعنى
لما بين حكم اليهود بأن المشركين أهدى من النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أصحابه بين الله سبحانه إن الحكم ليس إليهم إذ الملك ليس لهم فقال « أم لهم نصيب من الملك » و هذا استفهام معناه الإنكار أي ليس لهم ذلك و قيل المراد بالملك هاهنا النبوة عن الجبائي أي أ لهم نصيب من النبوة فيلزم الناس اتباعهم و طاعتهم و قيل المراد بالملك ما كانت اليهود تدعيه من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان و أنه يخرج منهم من يجدد ملتهم و يدعو إلى
مجمع البيان ج : 3 ص : 95
دينهم فكذبهم الله تعالى « فإذا لا يؤتون الناس نقيرا » أي لو أعطوا الدنيا و ملكها لما أعطوا الناس من الحقوق قليلا و لا كثيرا و في تفسير ابن عباس لو كان لهم نصيب من الملك لما أعطوا محمدا و أصحابه شيئا و قيل أنهم كانوا أصحاب بساتين و أموال و كانوا لا يعطون الفقراء شيئا « أم يحسدون الناس » معناه بل يحسدون الناس و اختلف في معنى الناس هنا على أقوال فقيل أراد به النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حسدوه « على ما آتاهم الله من فضله » من النبوة و إباحة تسع نسوة و ميله إليهن و قالوا لو كان نبيا لشغلته النبوة عن ذلك فبين الله سبحانه إن النبوة ليست ببدع في آل إبراهيم ( ع ) « فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة » يعني النبوة و قد آتينا داود و سليمان المملكة و كان لداود تسع و تسعون امرأة و لسليمان مائة امرأة و قال بعضهم كان لسليمان ألف امرأة سبعمائة سرية و ثلاثمائة امرأة و كان لداود مائة امرأة فلا معنى لحسدهم محمدا على هذا و هو من أولاد إبراهيم (عليه السلام) و هم أكثر تزويجا و أوسع مملكة منه عن ابن عباس و الضحاك و السدي و قيل لما كان قوام الدين به صار حسدهم له كحسدهم لجميع الناس ( و ثانيها ) إن المراد بالناس النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و آله عن أبي جعفر (عليه السلام) و المراد بالفضل فيه النبوة و في آله الإمامة و في تفسير العياشي بإسناده عن أبي الصباح الكناني قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا الصباح نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال و لنا صفو المال و نحن الراسخون في العلم و نحن المحسودون الذين قال الله في كتابه « أم يحسدون الناس » الآية قال و المراد بالكتاب النبوة و بالحكمة الفهم و القضاء و بالملك العظيم افتراض الطاعة ( و ثالثها ) إن المراد بالناس محمد و أصحابه لأنه قد جرى ذكرهم في قوله « هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا » و من فضله من نعمته عن أبي علي الجبائي ( و رابعها ) إن المراد بالناس العرب أي يحسدون العرب لما صارت النبوة فيهم عن الحسن و قتادة و ابن جريج و قيل المراد بالكتاب التوراة و الإنجيل و الزبور و بالحكمة ما أوتوا من العلم و قوله « و آتيناهم ملكا عظيما » المراد بالملك العظيم النبوة عن مجاهد و الحسن و قيل المراد بالملك العظيم ملك سليمان عن ابن عباس و قيل ما أحل لداود و سليمان من النساء عن السدي و قيل الجمع بين سياسة الدنيا و شرع الدين « فمنهم من آمن به » فيه قولان ( أحدهما ) إن المراد فمن أهل الكتاب من آمن بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « و منهم من صد عنه » أي أعرض عنه و لم يؤمن به عن مجاهد و الزجاج و الجبائي و وجه اتصال هذا المعنى بالآية أنهم مع هذا الحسد و غيره من أفعالهم القبيحة فقد آمن بعضهم به ( و الآخر ) إن المراد به فمن أمة إبراهيم من آمن بإبراهيم و منهم من أعرض عنه كما أنكم في أمر محمد كذلك و ليس ذلك بموهن أمره كما لم يكن
مجمع البيان ج : 3 ص : 96
إعراضهم عن إبراهيم موهنا أمر إبراهيم « و كفى بجهنم سعيرا » أي كفى هؤلاء المعرضين عنه في العذاب النازل بهم عذاب جهنم نارا موقدة إيقادا شديدا يريد بذلك أنه إن صرف عنهم بعض العذاب في الدنيا فقد أعد لهم عذاب جهنم في العقبي .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِئَايَتِنَا سوْف نُصلِيهِمْ نَاراً كلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلْنَهُمْ جُلُوداً غَيرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَاب إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً(56) وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ سنُدْخِلُهُمْ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً لهَُّمْ فِيهَا أَزْوَجٌ مُّطهَّرَةٌ وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظلِيلاً(57)
اللغة
يقال أصليته النار إذا ألقيته فيها و صليته صليا إذا شويته و شاة مصلية مشوية و الصلاء الشواء و صلي فلان بشر فلان و التبديل التغيير يقال أبدلت الشيء بالشيء إذا أزلت عينا بعين كما قال الشاعر :
عزل الأمير بالأمير المبدل و بدلت بالتشديد إذا غيرت هيئته و العين واحدة يقولون بدلت جبتي قميصا أي جعلتها قميصا ذكره المغربي و قد يكون التبديل بأن يوضع غيره موضعه قال الله يوم تبدل الأرض غير الأرض و الظل أصله الستر لأنه يستر من الشمس قال رؤبة كل موضع تكون فيه الشمس و تزول عنه فهو ظل و فيء و ما سوى ذلك فظل و لا يقال فيه فيء و الظل الليل كأنه كالستر من الشمس و الظلة السترة و الظليل الكنين .

المعنى
لما تقدم ذكر المؤمن و الكافر عقبه بذكر الوعد و الوعيد على الإيمان و الكفر فقال « إن الذين كفروا ب آياتنا » أي جحدوا حججنا و كذبوا أنبياءنا و دفعوا الآيات الدالة على توحدنا و صدق نبينا « سوف نصليهم نارا » أي نلزمهم نارا نحرقهم فيها و نعذبهم بها و دخلت سوف لتدل على أنه يفعل ذلك بهم في المستقبل « كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن الله تعالى يجدد لهم جلودا غير الجلود التي احترقت على ظاهر القرآن في أنها غيرها عن قتادة و جماعة من أهل التفسير و اختاره علي بن
مجمع البيان ج : 3 ص : 97
عيسى و من قال على هذا أن هذا الجلد المجدد لم يذنب فكيف يعذب من لا يستحق العذاب فجوابه أن المعذب الحي و لا اعتبار بالأطراف و الجلود و قال علي بن عيسى إن ما يزاد لا يؤلم و لا هو بعض لما يؤلم و إنما هو شيء يصل به الألم إلى المستحق له ( و ثانيها ) إن الله يجددها بأن يردها إلى الحالة التي كانت عليها غير محترقة كما يقال جئتني بغير ذلك الوجه إذا كان قد تغير وجهه من الحالة الأولى كما إذا انكسر خاتم فاتخذ منه خاتما آخر يقال هذا غير الخاتم الأول و إن كان أصلهما واحدا فعلى هذا يكون الجلد واحدا و إنما تتغير الأحوال عليه و هو اختيار الزجاج و البلخي و أبي علي الجبائي ( و ثالثها ) إن التبديل إنما هو للسرابيل التي ذكرها الله تعالى سرابيلهم من قطران و سميت السرابيل الجلود على سبيل المجاورة للزومها الجلود و هذا ترك للظاهر بغير دليل و على القولين الأخيرين لا يلزم سؤال التعذيب لغير العاصي فأما من قال إن الإنسان غير هذه الجملة المشاهدة و أنه المعذب في الحقيقة فقد تخلص من هذا السؤال و قوله « ليذوقوا العذاب » معناه ليجدوا ألم العذاب و إنما قال ذلك ليبين أنهم كالمبتدأ عليهم العذاب في كل حالة فيحسون في كل حالة ألما لكن لا كمن يستمر به الشيء فإنه يصير أخف عليه « إن الله كان عزيزا » أي لم يزل منيعا لا يدافع و لا يمانع و قيل معناه أنه قادر لا يمتنع عليه إنجاز ما توعد به أو وعده « حكيما » في تدبيره و تقديره و في تعذيب من يعذبه و روى الكلبي عن الحسن قال بلغنا أن جلودهم تنضج كل يوم سبعين ألف مرة « و الذين آمنوا » بكل ما يجب الإيمان به « و عملوا الصالحات » أي الطاعات الصالحة الخالصة « سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار » أي من تحت أشجارها و قصورها الأنهار أي ماء الأنهار « خالدين فيها » أي دائمين فيها « أبدا لهم فيها أزواج مطهرة » طهرن من الحيض و النفاس و من جميع المعائب و الأدناس و الأخلاق الدنية و الطبائع الردية لا يفعلن ما يوحش أزواجهن و لا يوجد فيهن ما ينفر عنهن « و ندخلهم » في ذلك « ظلا ظليلا » أي كنينا ليس فيه حر و لا برد بخلاف ظل الدنيا و قيل ظلا دائما لا تنسخه الشمس كما في الدنيا و قيل ظلا متمكنا قويا كما يقال يوم أيوم و ليل أليل و داهية دهياء يصفون الشيء بمثل لفظه إذا أرادوا المبالغة .

مجمع البيان ج : 3 ص : 98
* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَنَتِ إِلى أَهْلِهَا وَ إِذَا حَكَمْتُم بَينَ النَّاسِ أَن تحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظكم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سمِيعَا بَصِيراً(58)
القراءة
قد ذكرنا الاختلاف بين القراء في نعما و وجوه قراءتهم و حججها في سورة البقرة .

اللغة
يقال أديت الشيء تأدية و قد يوضع الأداء موضع التأدية فيقام الاسم مقام المصدر و السميع هو من كان على صفة يجب لأجلها أن يسمع المسموعات إذا وجدت و البصير من كان على صفة يجب لأجلها أن يبصر المبصرات إذا وجدت و السامع هو المدرك للمسموعات و المبصر هو المدرك للمبصرات و لهذا يوصف القديم فيما لم يزل بأنه سميع بصير و لا يوصف في القدم بأنه سامع مبصر .

الإعراب
قوله « نعما يعظكم به » تقديره نعم شيئا شيء يعظكم به فيكون شيئا تبيينا لاسم الجنس المضمر الذي هو فاعل نعم و المخصوص بالمدح قد حذف و أقيمت صفته مقامه و قوله « نعما يعظكم به » جملة في موضع رفع بأنه خبر أن .

المعنى
ثم أمر سبحانه بأداء الأمانة فقال « إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها » قيل في المعنى بهذه الآية أقوال ( أحدها ) أنها في كل من اوتمن أمانة من الأمانات و أمانات الله أوامره و نواهيه و أمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من المال و غيره عن ابن عباس و أبي بن كعب و ابن مسعود و الحسن و قتادة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) ( و ثانيها ) إن المراد به ولاة الأمر أمرهم الله أن يقوموا برعاية الرعية و حملهم على موجب الدين و الشريعة عن زيد بن أسلم و مكحول و شهر بن حوشب و هو اختيار الجبائي و رواه أصحابنا عن أبي جعفر الباقر و أبي عبد الله الصادق قالا أمر الله تعالى كل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده ، و يعضده أنه سبحانه أمر الرعية بعد هذا بطاعة ولاة الأمر و روي عنهم أنهم قالوا آيتان إحداهما لنا و الأخرى لكم قال الله « إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها » الآية ثم قال « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم » الآية و هذا القول داخل في القول الأول لأنه من جملة ما ائتمن الله عليه الأئمة الصادقين و لذلك قال أبو جعفر (عليه السلام) إن أداء الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج من الأمانة و يكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسم الصدقات و الغنائم و غير ذلك مما يتعلق به حق الرعية و قد عظم الله سبحانه أمر الأمانة بقوله « يعلم خائنة الأعين » و قوله « لا تخونوا الله
مجمع البيان ج : 3 ص : 99
و الرسول » و قوله « و من أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك » الآية ( و ثالثها ) إنه خطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) برد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة حين قبض منه المفتاح يوم فتح مكة و أراد أن يدفعه إلى العباس لتكون له الحجابة و السقاية عن ابن جريج و المعول على ما تقدم و إن صح القول الأخير و الرواية فيه فقد دل الدليل على أن الأمر إذا ورد على سبب لا يجب قصره عليه بل يكون على عمومه « و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل » أمر الله الولاة و الحكام أن يحكموا بالعدل و النصفة و نظيره قوله « يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق » و روي أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال لعلي سو بين الخصمين في لحظك و لفظك و ورد في الآثار أن الصبيين ارتفعا إلى الحسن بن علي في خط كتباه و حكماه في ذلك ليحكم أي الخطين أجود فبصر به علي فقال يا بني أنظر كيف تحكم فإن هذا حكم و الله سائلك عنه يوم القيامة « إن الله نعما يعظكم به » أي نعم الشيء ما يعظكم به من الأمر برد الأمانة و النهي عن الخيانة و الحكم بالعدل و معنى الوعظ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قيل هو الأمر بالخير و النهي عن الشر « إن الله كان سميعا » بجميع المسموعات و « بصيرا » بجميع المبصرات و قيل معناه عالم بأقوالكم و أفعالكم و أدخل كان تنبيها على أن هذه الصفة واجبة له فيما لم يزل .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسولَ وَ أُولى الأَمْرِ مِنكمْ فَإِن تَنَزَعْتُمْ فى شىْء فَرُدُّوهُ إِلى اللَّهِ وَ الرَّسولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِك خَيرٌ وَ أَحْسنُ تَأْوِيلاً(59)
المعنى
لما بدأ في الآية المتقدمة بحث الولاة على تأدية حقوق الرعية و النصفة و التسوية بين البرية ثناه في هذه الآية بحث الرعية على طاعتهم و الاقتداء بهم و الرد إليهم فقال « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله » أي ألزموا طاعة الله سبحانه فيما أمركم به و نهاكم عنه « و أطيعوا الرسول » أي و الزموا طاعة رسوله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أيضا و إنما أفرد الأمر بطاعة الرسول و إن كانت طاعته مقترنة بطاعة الله مبالغة في البيان و قطعا لتوهم من توهم أنه لا يجب لزوم ما ليس في القرآن من الأوامر و نظيره قوله « من يطع الرسول فقد أطاع الله و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و ما ينطق عن الهوى » و قيل معناه أطيعوا الله في الفرائض
مجمع البيان ج : 3 ص : 100
و أطيعوا الرسول في السنن عن الكلبي و الأول أصح لأن طاعة الرسول هي طاعة الله و امتثال أوامره امتثال أوامر الله و أما المعرفة بأنه رسول الله فهي معرفة برسالته و لا يتم ذلك إلا بعد معرفة الله و ليست إحداهما هي الأخرى و طاعة الرسول واجبة في حياته و بعد وفاته لأن اتباع شريعته لازم بعد وفاته لجميع المكلفين و معلوم ضرورة أنه دعا إليها جميع العالمين إلى يوم القيامة كما علم أنه رسول الله إليهم أجمعين و قوله « و أولي الأمر منكم » للمفسرين فيه قولان ( أحدهما ) أنهم الأمراء عن أبي هريرة و ابن عباس في إحدى الروايتين و ميمون بن مهران و السدي و اختاره الجبائي و البلخي و الطبري ( و الآخر ) أنهم العلماء عن جابر بن عبد الله و ابن عباس في الرواية الأخرى و مجاهد و الحسن و عطا و جماعة و قال بعضهم لأنهم الذين يرجع إليهم في الأحكام و يجب الرجوع إليهم عند التنازع دون الولاة و أما أصحابنا فإنهم رووا عن الباقر و الصادق (عليهماالسلام) أن أولي الأمر هم الأئمة من آل محمد أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما أوجب طاعته و طاعة رسوله و لا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلا من ثبتت عصمته و علم أن باطنه كظاهره و أمن منه الغلط و الأمر بالقبيح و ليس ذلك بحاصل في الأمراء و لا العلماء سواهم جل الله عن أن يأمر بطاعة من يعصيه أو بالانقياد للمختلفين في القول و الفعل لأنه محال أن يطاع المختلفون كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه و مما يدل على ذلك أيضا أن الله تعالى لم يقرن طاعة أولي الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسول بطاعته إلا و أولوا الأمر فوق الخلق جميعا كما أن الرسول فوق أولي الأمر و فوق سائر الخلق و هذه صفة أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الذين ثبتت إمامتهم و عصمتهم و اتفقت الأمة على علو رتبتهم و عدالتهم « فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول » معناه فإن اختلفتم في شيء من أمور دينكم فردوا التنازع فيه إلى كتاب الله و سنة الرسول و هذا قول مجاهد و قتادة و السدي و نحن نقول الرد إلى الأئمة القائمين مقام الرسول بعد وفاته هو مثل الرد إلى الرسول في حياته لأنهم الحافظون لشريعته و خلفاؤه في أمته فجروا مجراه فيه ثم أكد سبحانه ذلك و عظمه بقوله « إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر » فما أبين هذا و أوضحه « ذلك » إشارة إلى طاعة الله و طاعة رسوله و أولي الأمر و الرد إلى الله و الرسول « خير و أحسن تأويلا » أي أحمد عاقبة عن قتادة و السدي و ابن زيد قالوا لأن التأويل من آل يؤول إذا رجع و المال المرجع و العاقبة سمي تأويلا لأنه م آل الأمر و قيل معناه أحسن جزاء عن مجاهد و قيل خير لكم في الدنيا و أحسن عاقبة في الآخرة و قيل معناه أحسن من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله و سنة نبيه عن الزجاج و هو الأقوى لأن الرد إلى الله
مجمع البيان ج : 3 ص : 101
و رسوله و من يقوم مقامه من المعصومين أحسن لا محالة من تأويل بغير حجة و استدل بعضهم بقوله « فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول » على إن إجماع الأمة حجة بأن قالوا إنما أوجب الله الرد إلى الكتاب و السنة بشرط وجود التنازع فدل على أنه إذا لم يوجد التنازع لا يجب الرد و لا يكون كذلك إلا و الإجماع حجة و هذا الاستدلال إنما يصح لو فرض إن في الأمة معصوما حافظا للشرع فأما إذا لم يفرض ذلك فلا يصح لأن تعليق الحكم بشرط أو صفة لا يدل على إن ما عداه بخلافه عند أكثر العلماء فكيف اعتمدوا عليه هاهنا على أن الأمة لا تجمع على شيء إلا عن كتاب أو سنة و كيف يقال إنها إذا اجتمعت على شيء لا يجب عليها الرد إلى الكتاب و السنة و قد ردت إليهما .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page